مع تصاعد الأزمة السورية منذ عام 2011، لجأ ملايين السوريين إلى الدول المجاورة هرباً من الحرب والدمار وبحثا عن ملاذ آمن. تركيا، التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين السوريين، باتت وجهة رئيسية لهم خاصة وأنها كانت طرفا في هذه الحرب. ومع ذلك، تشير تقارير وشهادات إلى معاملة قاسية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل الجندرما التركية، تصل إلى مستوى جرائم حرب.
شهادات حية:
في حوار مع بعض اللاجئين الذين نجوا من محاولات عبور الحدود إلى تركيا، يتحدث “أحمد” (اسم مستعار) عن تجربته المؤلمة قائلاً: “كنا مجموعة من عشرة أشخاص نحاول العبور إلى تركيا. اعترضتنا الجندرما وبدأوا في ضربنا بقصد اقتل بأعقاب البنادق والهراوات. “جوان” أشار أنهم تعرضوا لإطلاق نار مباشر من القناصة الأتراك رغم توقفهم ورفعهم رايات بيضاء وأنهم يودون العودة لسوريا خاصة بعدما تم اصابة صديق له برصاصة في الظهر، افقدته القدرة على الحركة “حاليا يعيش على كرسي متحرك وهو عاجز عن الحركة” جوان لم يتردد في وصف الحالة “لقد كانوا يستهدفوننا بقصد القتل أو اصابتنا بالعجز “”الشلل””.
وتشير 6 مقابلات أخرى اجريناها مع مهاجرين حاولوا عبور الحدود التركية أن الجندرما التركية استخدمت القوة المفرطة وغير المبررة ضدهم “اللاجئين السوريين” .. “تعرضنا للضرب والتعذيب، وأُطلق النار على بعضنا، مما أدى إلى إصابات خطيرة ووفيات.”
إحصائيات وأرقام:
ارتفع عدد السوريين الذين قتلوا برصاص الجندرما التركية إلى 570 شخصاً حتى 28 من كانون الأول 2024، بينهم 107 أطفال دون سن 18 عاماً و69 امرأة. كما أصيب 3112 شخصاً بجروح، سواء من الذين حاولوا اجتياز الحدود أو من سكان القرى السورية الحدودية والمزارعين وأصحاب الأراضي المتاخمة للحدود، حيث يتعرض هؤلاء لإطلاق النار المباشر من قبل الجندرما التركية.
منذ بداية عام 2024، تم توثيق مقتل 17 مهاجراً على يد الجندرما التركية، بالإضافة إلى إصابة 185 آخرين. وفي عام 2023، قتلت الجندرما 41 شخصاً، فيما تجاوز عدد الجرحى 133 شخصاً، بينهم من تعرضوا لإصابات تسببت في إعاقات دائمة نتيجة التعرض للضرب الوحشي بالعصي والأسلحة، قبل أن يُلقوا خلف الساتر الحدودي وهم ينزفون.
القانون الدولي وجرائم الحرب:
تعتبر الانتهاكات الموثقة من قبل الجندرما التركية جرائم حرب وفقاً للقانون الدولي. يُعرِّف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جرائم الحرب بأنها “الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف”، والتي تشمل “القتل العمد، التعذيب، المعاملة اللا إنسانية.”
ردود الفعل الدولية:
تستغل تركيا صمت وهدوء المجتمع الدولي عن انتهاكاتها للمضي فيها أكثر، رغم أن تلك الاعتداءات أثارت ردود فعل حيث طالبت الأمم المتحدة بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة في هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها. في تصريح للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دعا المفوض السامي “فيليبو غراندي” إلى “ضرورة حماية اللاجئين وضمان عدم تعرضهم للعنف والانتهاكات.” لكن ذلك يظل دون المطلوب.
يبقى مصير اللاجئين والمهاجرين السوريين مأساوياً في ظل استمرار هذه الانتهاكات. وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل عاجل لضمان حماية حقوق هؤلاء اللاجئين وإنهاء معاناتهم. تحقيق العدالة لهم لا يعد مجرد واجب إنساني، بل هو ضرورة أخلاقية لضمان عدم تكرار هذه الجرائم.