مع تتالي سنوات الجفاف وشح الأمطار وارتفاع دراجات الحرارة وممارسات تركيا بحبس مياه نهر الفرات دخلت سوريا مرحلة خطيرة وخاصة المناطق الشمالية التي تعتمد بشكل رئيسي على مياه نهر الفرات في الري والزراعة ومياه الشرب. وتشكل التطورات الأخيرة والانخفاض الحاد في مستوى مياه سد تشرين، خطرا كبيرا، فبات الشح المائي يهدد السوريين حتى في مياه الشرب.
الإداري في غرفة عمليات سد الفرات عماد عبيد، أشار إنّ منسوب سد الفرات يشهد انخفاضاً كبيراً، ما يؤثر سلباً على عمله، وفي حال استمرت تركيا (دولة المنبع) بخفض منسوب مياه نهر الفرات “ستحدث كوارث”.
ويبلغ المخزون الإجمالي لسد الفرات نحو 14 مليار متر مكعب، ونتيجة خفض تركيا لمنسوب المياه المتدفقة للأراضي السورية، فقد 4 مليار متر مكعب من المخزون، وفق القائمين عليه.
العبيد أكد أنّ “هذا الانخفاض أثّر سلباً على عمل مضخات مياه الشرب، بالإضافة إلى قلة مياه الري للأراضي الزراعية في ريفي الرقة والطبقة”.
ووفق الإداري، فإن ساعات تشغيل الكهرباء11 ساعة، 4 ساعات صباحاً و7 ساعات مساءً، لكن في الوقت الحالي أصبحت 6 ساعات يومياً، وفي حال استمر انخفاض منسوب مياه البحيرة سيتم تقليل الساعات أكثر”.
وأكد العبيد “في حال انخفض منسوب البحيرة مترين سيخرج سد الفرات عن الخدمة بشكل كامل”.
ويبلغ منسوب التخزين الاسمي في البحيرة 304 أمتار عن سطح البحر، واليوم يبلغ المنسوب فيها 298 متراً، وهو ما يشكل معظم شكل وبنية البحيرة التخزينية.
وكشف المهندس ومدير سد روج آفا (تشرين) حمود الحمادين، أنهم خسروا 85 % من مخزون البحيرة الطبيعي، حيث إنّ المنسوب الطبيعي لسد تشرين هو 325.50 متراً عن سطح البحر، ووصل منسوب البحيرة إلى 320.98، أي المنسوب الميت والذي يعني إيقاف سد تشرين، الأمر الذي تم العام الماضي، وعبّر عن خشيته من تكرار الأمر.
وفي مدينة الطبقة في محافظة الرقة أعلنت الإدارة المدنية فيها، عن مبادرة إسعافية لتأمين مياه الشرب للإحياء والمناطق التي تعاني من انقطاع مياه الشرب، عبر صهاريج نقل المياه، بعد خروج محطاتها الخاصة بضخ مياه الشرب عن الخدمة.
جهود الإدارة جاءت بعد خروج 9 مضخات لمياه الشرب في مدينة الطبقة وريفها عن الخدمة، نظراً لاستمرار حبس تركيا مياه نهر الفرات.
وتستهدف الأحياء التي انقطعت عنها المياه، عبر 20 صهريج مخصص لنقل مياه الشرب، وهي كل من “حي عايد، المفرق، وشارع يوسف العظمة، وشارع الصناعة الشرقي، والزويقات، والشاليهات”، وتقدم المياه مجاناً.
كما تواصل تركيا قـطع المياه عن محافظة الحسكة من خلال توقيف محطة أبار علوك بريف رأس العين شمالي الحسكة عن العمل والتي تعتبر المصدر الوحيد لمياه الشرب لمليون مدني في مدينة الحسكة وضواحيها وبلدة تل تمر وقراها.
انقـطاع المياه يتزامن مع الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة وفي أسعار طرود المياه المعدنية (12000 ل.س للطرد الوحد) وخزانات المياه من قبل الصهاريج الخاصة (خزان 5 براميل بسعر 20 ألف ل.س) وانعدام التيار الكهربائي.
“نستجدي شربة ماء”، بهذه العبارة استنجدت النساء في الحسكة لإنهاء أزمة انقطاع المياه، اللواتي من أكثر الفئات المجتمعية تأثراً بانقطاعها.
وتتعالى أصوات النساء والرجال والأطفال في أحياء مدينة الحسكة في ساعات الصباح الأولى، أثناء قيامهم بنقل المياه من الخزانات الموجودة في الخارج إلى المنزل.
وباتت تركيا متحكمة في مياه محطة علوك منذ أن احتلت بلدة رأس العين في تشرين الأول 2018، وقامت بقطعها أكثر من 40 مرة، ليعيش أكثر من مليون ونصف المليون نسمة في مدينة الحسكة وقراها، دون مياه شرب.
تجلس المواطنة وضحة شهاب البالغة من العمر ستون عاماً، أمام خزان المياه الموجود بالقرب من منزلها بحي المشيرفة، وتقول: “نعاني من قلة المياه منذ عدة أعوام، لكن المشكلة تزداد أكثر في فصل الصيف، لاستخداماتها المتعددة في الغسل والتكييف”.
وبينت أنّ أعداد الصهاريج كبيرة، ولكنها غالية الثمن لذلك “لا نستطيع تعبئة المياه منها”، وتابعت على هذا النحو: “كما يتحجج أصحاب الصهاريج بأنّ حارتنا قديمة ويصعب الوصول إليها، وهذا ما يضطرنا لنقل المياه عبر جالونات (قارورات) كبيرة وثقيلة من الخزانات”.
وتقوم وضحة بنقل المياه أكثر من خمس مرات عبر جالونات، الأمر الذي يثقل كاهلها، مشيرة إلى أنّ المياه التي تنقلها إلى المنزل “لا تكفينا لقضاء الحاجات المنزلية الأساسية فيما يخص التنظيف والمأكل والمشرب”.
تنتقد وضحة المنظمات التي تدّعي الإنسانية والقوى الدولية، لعدم وضعها أي حد لانتهاكات دولة الاحتلال التركي بحق الأهالي والمنطقة.
وقالت بعجز: “جفت صنابير منازلنا من المياه، إلى متى سنبقى على هذا الحال؟”.
بينما، تقف المواطنة عمشة كريس البالغة من العمر (67 عاماً) والتي تعاني من مرض القلب والسكري والضغط، في طابور منذ ساعات الصباح الباكر أمام إحدى خزانات المياه، من أجل تعبئة قارورة مياه لإحضار وجبة الفطور لعائلتها.
ولسان حالها يقول: “نستجدي شربة ماء، إننا ننقل المياه بشكل يومي ولمرات متتالية لسد حاجيات عائلتي من المياه، عبر عربة مقنطرة صنعناها من حديد على أيدينا”.