تقترب الذكرى الخامسة لاحتلال الجيش التركي، بمساعدة المسلّحين السوريين الموالين له، لمنطقة عفرين في شمال غربي سوريا، حيث استمرت الحرب لمدة 58 يوماً وانتهت في 18 آذار/مارس 2018 بعد معارك عنيفة، وقصف جوي، ومدفعي، واستخدام الدبابات، وتسببت العملية العسكرية، التي أطلقت عليها أنقرة، اسم “غصن الزيتون”، في تهجير ثلثي سكان عفرين وفقاً للأمم المتحدة، بالإضافة إلى مئات القتلى والجرحى والمعتقلين والمفقودين.
منذ ذلك الوقت، استمرت الانتهاكات بحق السكان من قبل الفصائل العسكرية التي تدعمها تركيا، وتتضمن الانتهاكات الأكبر حجماً: الاعتقالات، والقتل تحت التعذيب، والخطف مقابل الفدية، والسطو على ممتلكات المدنيين مثل البيوت والسيارات وأشجار الزيتون.
تسببت الحرب التركية على عفرين في دمار هائل وكارثة إنسانية، وكانت المدينة، التي كان يقطنها نصف مليون من النازحين، معروفة بمستواها العالي من الاستقرار وقلة التوترات العرقية. لكن الاحتلال التركي أدى إلى زيادة التوترات العرقية في المنطقة، حيث تسبب النزوح القسري للسكان المحليين في التطرف الديني والعنصرية والتحريض ضد بعض الأعراق والأقليات الدينية. كما تم نقل عشرات الآلاف من الأشخاص من ريف دمشق ومناطق أخرى في سوريا إلى هذه المناطق وتوطينهم في منازل المدنيين المهجرين منها .
رغم مرور خمس سنوات هذه الأحداث لاتزال مستمرة حتى الآن، وتحتاج إلى جهود دولية جادة لإيجاد حل سلمي لهذه الأزمة وإنهاء الاحتلال والمعاناة التي يعاني منها سكان عفرين واعادتهم لمنازلهم. كما يجب محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم الحقيرة وتقديمهم للعدالة، وإعادة الاستقرار والأمان إلى هذه المنطقة الحساسة في شمال سوريا.
تفاصيل الهجوم:
في الساعة الـ 16.22 من يوم السبت المصادف لـ 20 كانون الثاني 2018، غزت الطائرات التركية سماء منطقة عفرين، وبدأت بقصف عنيف لعشرات المناطق، مستهدفة منطقة لا تتجاوز مساحتها 3850 كم2 يقطنها قرابة مليون مدني.
مجازر وجرائم حرب:
القصف الجوي ترافق مع توغل بري للجيش التركي، وعشرات الآلاف من مسلحي الميليشيات السورية الموالية لتركيا، في اليوم الأول ارتكبت عدة مجازر منها مجزرة في قرية جلبرة في ناحية شيراوا حيث راح ضحيتها 9 مدنيين وأصيب 12 آخرين. وفي 26 كانون الثاني ارتكبت مجزرة في مركز ناحية موباتا راح ضحيتها 7 مدنيين.
كما ارتكبت مجزرة بحق أهالي قرية كوبله في ناحية شيراوا استشهد على إثرها 18 مدنيّاً وجرح 7 آخرين 4 منهم من عائلة واحدة. كما ارتكبت مجزرة في قرية شكاتا في ناحية شيه استشهد على إثرها 5 مدنيين.
ولم تسلم قرية يلانقوز التابعة لناحية جندريسه من المجازر، إذ استشهد 5 مدنيين نتيجة غارات نفذتها الطائرات التركية في ساعات الفجر من يوم 26 شباط، تلتها مجزرة أخرى بحق 13 مدنيّاً في مركز ناحية جندريسه.
ومن المجازر أيضاً استشهاد 7 مدنيين بينهم 4 أطفال وجرح 17 آخرين في مركز مدينة عفرين، بالإضافة إلى استشهاد 20 مدنياً في حي محمودية في مدينة عفرين أثناء القصف عليها.
واستهدف طيران تركي مشفى آفرين بتاريخ 16 آذار ما أدى لاستشهاد أكثر من 16 مدنيّاً بينهم أطفال، كانوا يتلقون العلاج فيه.
ووثق استشهاد 257 مدنياً هم 45 طفلاً و36 امرأة و 176 رجلاً. إلى جانب إصابة 742 مدنياً منهم 113 طفلاً، 113 امرأة و 516 رجلاً.
واستهدف الجيش التركي كذلك مركزي الهلال الأحمر الكردي في مركز جندريسه وراجو ما أدى لخروجهما عن الخدمة.
كما استهدف جامع صلاح الدين الأيوبي في مركز ناحية جندريسه الذي بُني عام 1961م وهو أحد أقدم الجوامع في عفرين، واستهداف جامع بلدة جلمة التابعة لجندريسه والذي بُني عام 1958، إلى جانب قصف مزار الشهيد سيدو في بلدة كفر صفرة في جندريسه.
كما استهدف الجيش التركي مصادر المياه “سد ميدانكي الذي كان يزود أهالي عفرين بمياه الشرب، ومضخة المياه الصالحة للشرب في قرية متينا في ناحية شرا، وينبوع بلدة جلمة، ومضخة المياه في بلدة كفر صفرة في جندريسه”.
وخلال الهجمات، دمرت تركيا 68 مدرسة بشكل كامل من أصل 318 مدرسة في عفرين، كما استهدفت المواقع الأثرية، ودمرت موقع تل عين دارا الأثري بتاريخ 28 كانون الثاني. بالإضافة لتدمير مدرّج نبي هوري التاريخي بشكل كامل. وبلغ عدد المواقع الأثرية التي دمرتها تركيا 3 مواقع مدرجة على لائحة منظمة يونسكو إلى جانب مزارات للمجتمع الإيزيدي وآخر للطائفة العلوية بالإضافة إلى كنائس قديمة للمسيحيين ومزارات ومساجد قديمة للمسلمين في عفرين وريفها.
واصلت تركيا جرائمها بحق المواقع الأثرية بعد الاحتلال، وبحسب مديرية آثار عفرين فإنّه يوجد في منطقة عفرين حوالي 75 تلّ أثري، وخرب الاحتلال التركي والمسلحين السوريين الموالين لها غالبية هذه المواقع نتيجة تنقيبهم عن الآثار وتهريبها إلى تركيا.
وتم تخريب وتدمير أكثر من 28 موقع أثري ومستودع وأكثر من 15 مزار ديني لمختلف المذاهب والأديان بالإضافة إلى تجريف العديد من المقابر وتحويل إحداها إلى سوق للماشية.
سجل واسع في الانتهاكات المستمرة:
تواصل الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا تنفيذ المزيد من الاعتقالات وخطف المدنيين، حيث زادت معدلات العنف والجريمة والاعتقال والخطف والتفجيرات وحوادث الاغتيالات والجثث المجهولة الهوية في منطقة عفرين وعموم المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية في شمال سوريا.
القوات التركية والجماعات السورية المسلحة المدعومة منها تحت اسم الجيش الوطني السوري والأجهزة الأمنية المرتبطة بها تواصل ارتكاب المزيد من الانتهاكات، ولا يكترثون لدعوات وقف عمليات المداهمة اليومية، واعتقال المواطنين، وخطفهم بدافع الحصول على الفدية، ومنع ذويهم من معرفة مكان احتجازهم أو أسبابه، ورفض عرضهم على المحاكمة، ومنعهم من توكيل محامي.
ويؤكد فريق مركز التوثيق أنّه على تواصل مع عوائل ومقربين من المعتقلين وأنّ جميع الاعتقالات التي تنفذ في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام شمال غرب أو شرق سوريا لا تستند إلى مذكرات قضائية من المدعي العام، ومعظم عمليات الاعتقال تتم بطريقة غير قانونية، وبشكل تعسفي. وأنّ هذه الاعتقالات تحتوي على سلسلة من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، وغالب المعتقلين لا يمكن التواصل معهم بعد احتجازهم أو معرفة مصيرهم.
كما أنّ أغلب الاتهامات الموجهة للمعتقلين غير مستندة إلى أدلة، وهي كيدية.
وشهدت منطقة عفرين ومناطق أخرى منذ بداية العام الحالي 2023 أكثر من (44) حالة اعتقال، فيما تجاوز عدد المعتقلين خلال عام 2022 أكثر من (702) حالة اعتقال وهم من المعتقلين الذين تمكنا من توثيق أسمائهم، فيما العدد الفعلي أكثر من ذلك لا سيما أنّ هنالك أسماء تحفظت عائلاتهم على ذكرها، إضافة لحالات اعتقال لم نتمكن من الوصول إليها، كما وتم متابعة وتوثيق مقتل مدنيين تحت التعذيب، وحالات انتهاك متعددة.
وبات السائد في هذه المنطقة عمليات نهب منظّمة يومية، وعمليات الاستيلاء على منازل وممتلكات الناس ومواسم الزيتون، وقطع الأشجار وغيرها إضافة للاعتقالات التعسفية اليومية، وخطف الناس كرهائن مقابل فدية مالية، والتضييق على السكان.
إطلاق فوضى العسكر وعشرات المجموعات الإرهابية، هي سياسة تركية متعمّدة؛ لكنّها تتم بأيدي “الجماعات السورية المسلحة” تحت اسم “الجيش الوطني السوري” التابع للحكومة السورية المؤقتة / الائتلاف، فكل ذلك يجري تحت أعين القوات التركية ومشاركتها.
ومنذ التوغل التركي في سوريا، تم رصد مقتل وإصابة 10130 شخصاً / القتلى 2760 شخصاً / فيما وصل عدد المعتقلين إلى 8901 شخصاً منذ بداية التوغل التركي في شمال سوريا، أفرج عن قرابة 6400 منهم، فيما لايزال مصير البقية مجهولا. ووصل عدد الذين قتلوا تحت التعذيب في السجون إلى 188 شخصاً، كما ارتفع عدد اللاجئين السوريين الذين قتلوا برصاص الجنود الأتراك إلى 539 شخصاً، بينهم (103 طفلاً دون سن 18 عاماً، و67 امرأة).