كان لسنوات الحرب السابقة وعمليات التهجير القسرية أثاراً جديدة على الأهالي ألقت بظلالها على السكان قبل اندلاع الحرب الاهلية في سوريا. وتنتشر في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في مدن بشمال سوريا هذه الظاهرة في ظل قلة الخدمات والفوضة والفلتان الأمني، وانتشار المحسوبية والفساد. حيث تنتشر ظاهرة الأطفال المشردين الذين يقضون طوال أوقاتهم في الطرقات، ويقومون بتصرفات غير لائقة.
الدكتور “جلال المحمد” مرشد نفسي قال: إنّ “ظاهرة التشرد عند الأطفال تظهر في حال عدم وجود معيل للأسرة وتحديداً الأب الذي يتحمل مسؤولية الحفاظ على الأطفال لما له من سلطة أقوى من الأم، وخصوصاً في سن المراهقة الذي قد يتعرف الطفل فيها على أطفال ذو تربية منزلية ضحلة”.
وأضاف الدكتور: أنّ ” هذه الظاهرة لها أثر سلبي يعود على الأسرة والمجتمع ككل، لاسيما أنّ الطفل في هذا العمر قد يتعلم التدخين والإساءة للناس والسرقة وربما الكلام البذيء”، مشيراً إلى أنّه “لابد من حملات توعية للأهالي يتم خلالها تعليم الآباء والأمهات على كيفية التعامل مع أبنائهم وإرشادهم إلى الطريق الصحيح”.
وشدد على أنّه “يجب أن تكون هناك جهات معنية تهتم بأمور الأطفال وتعمل على مساعدتهم في هذا السن، من خلال إدخالهم المدراس أو الدعم المادي، بالإضافة لتأمين سكن خاص بهم”.
السيد “كامل لحام” صاحب محل تجاري في مدينة جرابلس يقول: إنّ “أعداد الأطفال المشردين ازداد بشكل ملحوظ بعد موجات التهجير الأخيرة إلى المنطقة، ومعظم الأطفال هم من فقدوا آبائهم خلال الحرب، حيث ينتشرون مساءً في شوارع المدنية ويقومون بتصرفات خطيرة أهمها ملاحقة السيارات والتعلق بها،بالإضافة للضرب على أبواب المحال التجارية”.
وأشار “لحام” إلى أنّ “الكثير منهم بدأ يتعاطى الدخان على الرغم من صغر عمرهم، حيث بات يشاهد أطفال بعمر الـ12 عاماً يضع في فمه السيجارة ويمشي في الطريق غير مكترث بأحد”، موكداً أنّ “أهالي الأطفال هم من يتحملون المسؤولية بالدرجة الأولى وخصوصاً السماح لهم بالخروج ليلاً من المنزل”.
بدورها، قالت “أم عبدالله” وهي أم لثلاثة أطفال ومهجرة من مدينة دير الزور: “أعمل خلال اليوم لأعيل بأطفالي بعد أن فقدت زوجي في قصف لقوات الأسد على مدينة دير الزور، وعند عودتي في المساء يخرج ولدي عبدالله رغماً عني ولا أستطيع أن أمنعه وخصوصاً أنّه لم يعد يسمع كلامي بعد موت أبيه”.
وأضافت “أم عبدالله”: “لقد تسبب لنا ولدي الذي يبلغ من العمر 13 عاماً بمتاعب كثيرة مع الجيران وفي الحيّ، على الرغم أنّه سابقاً لم يكن بهذه الأخلاق لكن هناك رفقاء سوء تعرف عليهم خلال خروجه من المنزل ليلاً وهم من يعلمونه هذه التصرفات التي تسببت لنا إحراجات كثيرة مع السكان”.
الجدير بالذكر هنا أنّ سنوات الحرب في سوريا أثرت على ملايين الأطفال نفسياً واجتماعياً وأخلاقياً، حيث قدرت منظمة “اليونيسيف”، أنّه مايزال أكثر من 1.7 مليون طفل خارج المدرسة في سوريا، و1.3 مليون طفل آخرين معرضون لخطر التسرب، بالإضافة لنقص في نظام الرعاية الصحية وسبل العيش، ومرافق الصرف الصحي المناسبة.