قرر الزوجان الأرمنيان ( خوشابا إبراهيم، أيلشوا شعبو) البقاء في منزله في قرية تل جمعة، بريف نتاحية تل تمر في محافظة الحسكة رغم القصف المتكرر الذي يستهدف القرية من قبل جماعات مسلحة مدعومة من تركيا ( الجيش الوطني السوري) وهما مصرّان على البقاء في المنزل رغم التحذيرات من أن حياتهما في خطر، لكنهما يقولان أن لا مكان يذهبون إليه، وأنهم شهدا خلال حياته ثلاثة مجازر؛ سيميل وداعش واليوم “تركيا”.
ومذبحة سميل (بالسريانية: ܣܘܪܝܝܐ پرمتا د سمّيلِ) هي مذبحة قامت بها الحكومة العراقية بحق أبناء الأقلية الآشورية في شمال العراق في عمليات تصفية منظمة بعهد فيصل الأول وحكومة رشيد عالي الكيلاني ازدادت حدتها بين 8-11 آب 1933. ويستخدم المصطلح (المذبحة) لوصف ما حدث من مجازر وإبادة عرقية في بلدة سميل بالإضافة إلى حوالي 63 قرية آشورية في لواء الموصل آنذاك (محافظتي دهوك ونينوى حاليا)، والتي أدت إلى موت حوالي 600 شخص بحسب مصادر بريطانية، وأكثر من 3,000 آشوري بحسب مصادر أخرى. كان الشعب الآشوري قد خرج لتوه من إحدى أسوأ مراحل تاريخه عندما أبيد أكثر من نصفه خلال المجازر التي اقترفت بحقهم من قبل الدولة العثمانية أبان الحرب العالمية الأولى.
يقول خوشابا إبراهيم المولود سنة 1934 بعد عام واحد من مذبحة سيميل قائلاً: “لم نشهد أيام مجزرة سيميل، لكننا فقدنا العديد من أقربائنا على إثرها. ارتُكبت هذه المجزرة بحق الشعب الأرمني عام 1933، أي قبل ولادتي بعام واحد. آنذاك كنا نعيش في العراق. وقد اعتادت كل أسرة على الحديث عن التواريخ المؤلمة في حياتها. وحقّاً هناك مأساة تاريخية أُلحقت بشعوبنا الأرمنية والسريانية والكلدانية. إذ أرادوا إبادة مجتمعنا واقتلاعه من جذره”.
ذكر إبراهيم أنهم هاجروا إلى سوريا برفقة الشعب الآشوري بعد مجزرة 1936، وأنه لم يبقَ من قراهم سوى ٣٣ قرية فيما قُتل جميع أقاربهم الباقون خلال المجزرة. وأنهم عاشوا داخل المخيمات، أثناء هجرتهم إلى سوريا، إذ لم يكن لديهم أي مكان أو منزل. وأوضح إبراهيم أنهم بدؤوا حياة جديدة مع أهالي المنطقة.
لم تتخلّص أسرة إبراهيم من المجازر. فقد واجهت مجزرة داعش عام 2015. ويقيّم إبراهيم مرحلة هجمات داعش قائلاً: “أعاد داعش المجزرة التي ارتكبت بحقنا في سيميل. وتم التعدّي على جميع قيمنا المقدّسة، إذ هدموا كنائسنا واختطفوا أقاربنا وقتلوهم”.
أضاف: “يريدون تهجيرنا مرة أخرى، لم يبقَ في القرية الآن سوى 10 أسر فقط، ونحن نتعرض لقصفِ تركي يومياً. لن نغادر قريتنا على الرغم من كل ذلك، وستكون نهاية حياتنا أيضاً هنا”.
كما ذكر إبراهيم أنّ حوالي ٥٠٠٠ دونم من أراضيه تقع تحت سيطرة المتطرفين المدعومين من تركيا. ولم يبقَ لهم سوى ١٥٠ دونماً قاموا بزراعته هذا العام. ولكنهم لم يستطيعوا سقايتها بسبب قلّة الأمطار وجفاف نهر الخابور”.
ذكرت الزوجة أيلشوا شعبو البالغة (٨٠ عاماً) من العمر، أنّهم يحتمون داخل الكنيسة أثناء القصف وقالت: “لا تمرّ حياتنا في القرية بشكلٍ طبيعي، فنحن نعيش في خوف من القصف. نحن نتوجّه الآن إلى كنائسنا فقط للاحتفال. إذ تتعرض جميع الأماكن لقصف تركي. صحيح أنّ هناك خطر يحدق بنا إلّا أننا نواصل حياتنا. لم يبقَ أحد في القرية، أبناؤنا أيضاً ليسوا هنا، لم يبقَ سوى عدد محدود من الأشخاص. ونحن نلجأ إلى الكنيسة للاحتماء داخلها أثناء القصف. أصبحت الحياة في قريتنا صعبة حقّاً، لكن لا سبيل أمامنا سوى الصمود”.
تبلغ من العمر 95 عاماً، والتي كبُرت مع آلام المجازر التي ارتكبها العثمانيون نزحت في الخامسة من عمرها من مدينة إيله (التركية) إلى مدينة القامشلي سنة 1923. واستقرت في قرية خوجا.
عائلة آلكو التي نجت من المجازر العثمانية، يعيشون في مدينة قامشلو ( الحسكة ) في حي البشيرية. العائلة حافظت على لغتها وثقافتها وديانتها.
خلال المجازر التي ارتكبها العثمانيون قتل العديد من أفراد عائلة آلكو. والد وشقيقات زوج سيران قتلوا خلال المجازر. تقول سيران “قتلوا العديد من أفراد عائلتنا. والدتي كانت دائماً تقصّ لي المجازر والأحداث التي مرت معها، لكي لا أنسى تاريخي، كانت أمي تقول لي بأن النساء الحوامل كن يُقتلن بالسكاكين، وإن الأتراك كانوا يختطفون شبان الأرمن ويغتصبون نساءهم”.
أضافت سيران “الدولة العثمانية كانت تعادي وجودنا وديننا، والآن الدولة التركية تفعل الشيء نفسه هي وريثتها، فهي تقدم على سياسات قذرة تهدف لإبادتنا. في مجزرة عام 1914 كانوا يجبرون الأشخاص الذين لم يستطيعوا الهرب، على أن يصبحوا مسلمين، كما كانوا يأخذون الصغار من عائلاتهم ويأخذونهم إلى الجوامع لكي يصبحوا مسلمين من الصغر، وبعدما أصبحوا مسلمين أطلقوا عليهم أسماء مثل علي، عبد الله، جميل، مجيد. عندما رأى زوجي أشقاءه، لم يستطع التعرف عليهم، لذلك فقد حياته قبل 20 عاماً بعدما تألم كثيراً”.
سيران وصفت الدولة العثمانية بالعنصرية وتابعت بهذا الصدد “الدولة التركية تنتهج نفس سياسة الدولة العثمانية، فهي عنصرية تجاه كافة الشعوب. داعش هي استمرار للدولة التركية والعثمانية، ليس هناك فرق بينهم، يجبرون الأشخاص على أن يصبحوا مسلمين. في شنكال خطفوا النساء وأجبروهن على أن يصبحوا مسلمات، والآن نرى في عفرين الشيء نفسه. هذا بعيد عن الإنسانية”.
آلماست هاكوك مانوك 60 عاماً (وهي أبنة سيران)، قالت “عندما كنت أعود من مدينة إيله إلى قامشلو اشتريت الطمبور(البزق) لزوجي. كان زوجي ينتظرني على البوابة الحدودية، أظهرت له الطمبور، لكن جنود الدولة التركية كانوا يراقبونني وأوقفوني، اتهموني بأنني أحمل رسالة للإرهابيين، لكن بعدها علموا بأنني أرمنية وقالوا “سنهشم عظامكم مرةً أخرى”، ما زلوا يريدون قتلنا، الذهنية العنصرية لا تزال تتغلغل فيهم، لم يشبعوا من قتلنا وتهجيرنا”.
عائلة آلكو حافظت على ثقافاتها. كافة أفراد العائلة تعلموا التحدث باللغة الكردية، وبصدد عيشهم في قامشلو قالت سيران ميلكون آلكو “جيراننا كلهم من العرب والكُرد. نحن تعلمنا اللغة الكردية. لم تنشب أي خلافات فيما بيننا حتى الآن، نحن نتبادل الثقافات. بعد ثورة روج آفا تم تأسيس كومينات خاصة بالسريان والأرمن، أولادي يلعبون دورهم ضمن الكومينات. هنا يعترفون بنا، لكن في تركيا لا يعترفون بنا ولا حتى بالمكونات الأخرى”.