كشفت صحيفة The New York Times الأمريكية الجمعة 11 فبراير/شباط 2022، تفاصيل تحديد موقع زعيم تنظيم داعش قبل تنفيذ عملية اغتياله مطلع شباط/فبراير، وقالت نقلا عن مسؤولين أمريكيين إنّ العملية انطلقت عبر مروحيات الهليكوبتر من قاعدة في شمال شرق سوريا تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
كانت واشنطن قد أعلنت الخميس 3 فبراير/شباط، مقتل أبو إبراهيم القرشي في عملية إنزال جوي استهدفت مبنى سكنياً في بلدة سورية على الحدود التركية، وأسفرت عن مقتل 13 آخرين بينهم أطفال ونساء.
وقد اختص اثنان من كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين مجموعةً صغيرة من المراسلين بمزيد من التفاصيل حول تخطيط الغارة وتنفيذها في مكالمة جماعية عبر الهاتف، بشرط عدم الكشف عن هويتيهما.
حيث قال المسؤولان: إنّ القوات الأمريكية نبَّهت إسرائيل وتركيا وروسيا للعملية قبل وقت قصير من انطلاقها كي لا يقع أي احتكاك عرضي.
بحسب الصحيفة، فقد كانت بداية الخيط عندما رصدت طائرة بدون طيار أمريكية في خريف 2021، رجلاً ملتحياً بساق واحدة يستحم على سطح منزله المكون من ثلاثة طوابق في شمال غرب سوريا، قبل أن تستمر المعلومات في التكشف بعد ذلك حتى تم التأكد من أنّه زعيم تنظيم الدولة الإسلامية الذي نجح في الهرب من مُطارديه كل مرة على مدى عامين.
في غضون أسابيع، قال المسؤولون الأمريكيون: إنّ ما بدأ خبراً غير مؤكد من مخبرين في الميدان أصبح معلومة أكيدة بأجهزة الاستشعار والمراقبة من السماء.
كان مسؤولون أمريكيون بارزون قد قالوا إنّ القرشي فقد ساقه في غارة جوية أمريكية بالقرب من الموصل بالعراق في عام 2015.
بحسب المعلومات الواردة، فإنّ القرشي كان يسكن الطابق الثالث من المبنى مع زوجته وطفليه، ولم يغادره إلا من حين لآخر للاستحمام على السطح، كما أنّه استعان بمقاتل من المقربين إليه يسكن في الطابق الثاني من المبنى، والذي تولى مع شبكة من السعاة إرسال أوامره لفروع التنظيم في العراق وسوريا وأماكن أخرى في العالم.
أما في الطابق الأول، فكانت تعيش عائلة سورية ليس لها علاقة بالتنظيم على ما يبدو.
وقال المسؤولان إنّ العملية التي تولى تنفيذها قوات “دلتا فورس” الخاصة الأمريكية كان العمل عليها قد انطلق في سبتمبر/أيلول 2021، بعد ورود معلومة بأنّ زعيم داعش مختبئ في الطابق العلوي لأحد المنازل في شمال غرب سوريا.
حيث تدربت القوات الخاصة على تنفيذ العملية عشرات المرات تحت إشراف القيادة المركزية للجيش، واطلع بايدن على ملخصٍ لمخطَّط العملية يتضمن نموذجاً لهيكل المبنى. كما تدربت القوات الخاصة على نموذج بالحجم الطبيعي للمبنى المخطَّط اقتحامه.
بحلول أواخر ديسمبر/كانون الأول 2021، كانت القوات الخاصة مستعدة، ووافق بايدن على المضي قدماً في تنفيذ المهمة. لكن سوء الأحوال الجوية في شمال غرب سوريا، ورغبة القوات في تنفيذ العملية في ليلة غير مقمرة دفع بتأجيلها إلى 2 فبراير/شباط.
جاء الهجوم بدعم من مروحيات الأباتشي وطائرات بدون طيار من طراز “إم كيو 9 ريبر”، حيث انطلقت مروحيات الهليكوبتر من قاعدة في شمال شرق سوريا تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، وتوقفت عدة مرات للتزود بالوقود على مدار رحلتها الليلية التي بلغت نحو 1288 كيلومتراً.
ما إن وصلت القوات الخاصة بعد انتصاف الليل بقليل حتى أطلقت التحذيرات باللغة العربية من مكبرات الصوت لتحثَّ نزلاء المبنى في الطابق الأول، وأي شخص آخر، على مغادرة المكان، وبالفعل فرَّ رجل وامرأة وأربعة أطفال من الطابق الأول.
في الوقت نفسه تقريباً، وقع في الطابق الثالث انفجار ضخم، ويقول المسؤولان الأمريكيان إنّ الانفجار أضخم بكثير من أن ينتج عن انفجار سترة ناسفة، مشيرين إلى أنّ الانفجار كان من القوة حتى إن جثث ساكني الطابق، ومنهم جثة القرشي، تطايرت من النافذة.
ولفت المسؤولان الأمريكيان إلى أنّه لا دليل على أن القرشي هو من فجر القنبلة، لكن القوات خلصت إلى ذلك بناء على موقع الانفجار، وأكَّدا أيضاً أنّ القوات الخاصة لم تهاجم الطابق الثالث ولم تفجِّره ولم تكن المسؤولة عن وقوع أي إصابات أو خسائر فيه.
بعد الانفجار، اقتحمت القوات الخاصة المبنى واشتبكت مع مُرافق القرشي وزوجته، اللذان تحصنا في الطابق الثاني مع أطفالهما. وقال مسؤولون أمريكيون: إنّ كليهما مات، وطفل واحد، وتمّ إجلاء أربعة أطفال من المكان بسلام.
تحدثت الصحيفة الأمريكية إلى أحد هؤلاء الذين تمّ إجلاؤهم من الطابق الأول، وهو صبي يبلغ من العمر 13 عاماً، وقد وصف الرعب الذي ألمَّ بعائلته عند نقلهم من منزلهم في منتصف الليل.
وقال الصبي، الذي لم يذكر سوى اسمه الأول (محمد) خوفاً من عواقب شهادته، إنّ القوات الخاصة الأمريكية ألقت والده أرضاً وركله الجنود بالأقدام قبل أن يحملوه ويفتشوه بحثاً عن أيّة أسلحة.
وقال الصبي: الذي تحدث إليه مراسل الصحيفة الأمريكية بعد يومين من الغارة: “قلت لنفسي إنّه قد حان أجلي ولا مفر. وغلب على ظني عندما رأيتهم يدفعون والدي إلى الأرض أنّهم سيطلقون النار عليه ويقتلونه”.
وأوضح الصبي أنّ جنود القوات الخاصة خلعوا عن والدته غطاء رأسها وجرّوها على الأرض سحباً من شعرها، قبل أن يسمحوا لنا بالهرب من المنزل فيما بعد.
وقال الصبي: إنّ الأطفال الأربعة الذين تمّ إجلاؤهم من المنزل بعد مقتل والديهم في تبادل إطلاق النار في الطابق الثاني كانوا ولدين (أحدهم رضيع وآخر في الثانية من عمره) وفتاتين، إحداهما تبلغ 3 أعوام والأخرى 12 عاماً.
وذكر إنّ القوات الخاصة تركت الأطفال مع أسرتهم، قبل أن يصطحبهم مقاتلون من هيئة تحرير الشام التي تسيطر على المنطقة، في اليوم التالي.
وصرَّح المسؤولان بإنّ الانفجار الذي أودى بحياة القرشي خلال المداهمة نجم في الغالب عن قنبلة كبيرة أعدَّها لتدمير الجزء الأكبر من محل إقامته في الطابق الثالث.
كان الانفجار شديد القوة حتى إنّ المسؤولين العسكريين الأمريكيين يشتبهون الآن في أنّ طفلاً عُثر عليه ميتاً في الطابق الثاني من المبنى قُتل بسبب قوة الارتجاج الناجمة عن الانفجار، وليس في تبادل لإطلاق النار بين والدي الطفل وقوات الكوماندوز التي هاجمت المكان.
وأقر البنتاغون بسقوط سبعة قتلى في الغارة التي رمت إلى القبض على القرشي أو قتله، وأنّ السبعة هم أربعة مدنيين وثلاثة من مقاتلي تنظيم الدولة. لكن مسؤولين عسكريين أمريكيين استدركوا ذلك لاحقاً وقالوا إنّ مزيداً من الجثث قد تكون انتُشلت من تحت الأنقاض بعد مغادرة القوات الخاصة مكان الحادث. أما عمال الإنقاذ، فقالوا إنّ الغارة قُتل فيها 13 شخصاً على الأقل، منهم نساء وأطفال.