يستذكر السوريون، ومنهم أصحاب معامل ضخمة في المدينة، السنوات الأولى للحرب، وما آلت إليه أمور مدينة الصناعة السورية الأولى ودرّتها، بعد تفكيك مصانعها مع معدات ووسائل النقل الثيقلة وكيف تم نقلها وتهريبها إلى تركيا، حيث بيعت بعدما اضطر اصحابها لمغادرة المدينة مع سيطرة المتمردين عليها وغالبهم كانوا من جماعات اسلامية متشددة
وكانت تتميّز منتجات المدينة الصناعية في حلب بالجودة العالية عالمياً، وأثبتت مكانتها بالتصدير إلى أسواق أوروبية وعربية.
ووصلت ذروة عدد المصانع المسروقة في العام 2013 إلى نحو ألف معمل، وفق اتحاد غرف الصناعة السورية. وأرسلت دمشق حينها رسالتين إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، واعتبرت تصرف تركيا من “أعمال القرصنة والجرائم العابرة للحدود” تستوجب رد فعل دولي، وطالبت بإلزامها إعادة المعامل إلى أصحابها ودفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم.
وقبلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ شكوى مقدمة ضد رئيس الحكومة التركية في 22 أبريل (نيسان) 2014، بتهمٍ، من بينها التورّط في تيسير سرقة معامل حلب والضلوع في تدمير البنية التحتية للاقتصاد السوري. وتفاءل صناعيو المدينة وتجارها بعد إدانة المحكمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (كان رئيساً للوزراء حينها)، وفق ما ذكره رجل الأعمال ليون زكي، رئيس مجلس الأعمال السوري – الأرمني.
المحكمة الأوروبية التي استقبلت الوثائق اللازمة من تسجيلات صوتية ومرئية ووثائق وأعطيت الرقم قبول 61869/13، تنسق مع منظمة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب، مقرها برشلونة. ووفق مذكرة وزارة الصناعة السورية، فإن عدد المنشآت المتضررة من حالات السرقة وصل إلى 720 وتقدّر قيمة إجمالي المبالغ المفقودة بـ 196 مليار ليرة سورية.
بلغت خسائر القطاع الصناعي حوالي 100 مليار دولار تكبدت الجزء الكبير منه الصناعة في حلب، وفق إحصاءات غرفة الصناعة.
ولم تنجُ المدينة الصناعية أيضاً مما يصفه أحد الصناعيين بـ “البلطجة التركية”. ويستند في وصفه هذا إلى واقعة شهدتها منطقة تسمى “الشيخ نجار”، أكبر تجمع للصناعات في الجزء الشمالي الشرقي من مدينة حلب، إذ تم تهريب معاملها إلى تركيا. وتبلغ مساحة المدينة الصناعية 4412 هكتاراً، في وقت تتفاءل إدارة المنطقة الصناعية بارتفاع الطاقة الإنتاجية من نسبة 25 في المئة إلى 75 في المئة في معظم المنشآت التي عادت إلى الإنتاج، إذ زادت الاستثمارات بقيمة 220 مليار ليرة سورية، أي نحو 416 مليون دولار، وفق بيانات المدينة الصناعية.
مدينة الشيخ نجار (المنطقة الصناعية) في حلب
تقع مدينة الشيخ نجار والمعروفة بالمنطقة الصناعية، في الجزء الشمالي الشرقي لحلب، وبسبب كثرة معامل الصناعة التقليدية إضافة إلى الصناعات الغذائية والأدوية وغيرها من الصناعات الأخرى، جعل من المنطقة أهم المدن في الشرق الأوسط، حيث كانت تضم أكثر من 1500 منشأة، قبل الأزمة السورية، وكانت توفر أكثر من 45 ألف فرصة عمل لأهالي مدينة حلب ومختلف المناطق السورية.
وتزيد مساحة المنطقة الصناعية عن 5 آلاف هكتار، وتضم كل البنية التحتية اللازمة للصناعة، بما فيها البنوك ومساكن الموظفين. وسيطرت المجموعات المرتزقة التابعة للاحتلال التركي، على المدينة عام 2012 بعد معارك طاحنة مع قوات الحكومة السورية، وبحسب الإحصائيات إن المجموعات المرتزقة دمرت 90 بالمئة من المصانع خلال سيطرتها عليها.
وتعرضت مدينة الشيخ نجار لدمار كبير وتحولت معظم أبنيتها ومصانعها إلى ركام، بالإضافة إلى تعرض منشآتها للسرقة والنهب من قبل الجماعات المسلحة التي سيطرة على المنطقة.
وتشير المصادر الاقتصادية، إلى أن آلاف المصانع في مدينة حلب، منها 1000 معمل في الشيخ نجار، تم تحويلها عبر السوق السوداء إلى تركيا وعدد كبير من هذه المصانع تم تفكيكها بشكل بدائي واعتباطي وبيعها في الأسواق التركية.
آلاف المعامل الكبيرة والمتوسطة نهبت وسرقت مخزوناتها من السلع المصنعة والمواد الأولية، فيما الآلات وجدت طريقها مفتوحاً إلى الأراضي التركية، والجزء الثاني تم قصها بالمناشر الفولاذية لتصبح خردة حديد للبيع ومن ثم صهرها في معامل الحديد التركية.
ودخلت هذه المصانع المسروقة عبر شركات تركية، تابعة لحكومة العدالة والتنمية إلى الأراضي التركية، وتم بيعها لتجار أتراك تحت إشراف الاستخبارات التركية (MIT) في مدينة غازي عنتاب التركية، المحاذية لمحافظة حلب، فيما خسرت الأخيرة بنيتها التحتية الصناعية بشكل شبه تام، وما تبقى من عمران ظاهر في المدينة معظمه سكني.
وفي تصريح لأحد رجال الأعمال في حلب، عبر صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، أكد بأن رجل أعمال تركي اتصل به وقال: “أتريد أن تشتري معملك في الشيخ نجار أو تشتريه في مدينة غازي عنتاب التركية، لديك 15 يوماً لتفكر لأن عملية تفكيك المعمل تستغرق 15 يوماً”.
صحفي تركي يكشف تورط مقربين من أردوغان في سرقة معامل حلب
تحدث الصحفي التركي سردار أكينان، في برنامج صباحي على شاشة قناة “KRT” المعارضة عن قيام شخصيات محسوبة مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بأعمال نهب وسرقة منظمة للنفط والمدن الصناعية والمنتجات الزراعية السورية ونقلها إلى تركيا.
وكشف كينان عن قيام زوج الصحفية التي تعمل في وسيلة الإعلام التركية، المقربة من سلطات الحكومة التركية، إضافة إلى احتكار شقيق وزير تركي عمليات سرقة الزيت وأشجار الزيتون من عفرين، ونقلها إلى الأراضي التركية.
وبينت أن سرقة مدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب والمعامل الأخرى والبنى التحتية في شمال سوريا، تمت بإشراف شركة “أوزفادار” التركية، والتي يملكها ويرأسها رجل الأعمال التركي المقرب من الرئيس التركي أردوغان، “مراد أوزفادار”.
وأكد أكينان قيام شركة مملوكة لشقيق أحد الوزراء الأتراك بسرقة زيت الزيتون من عفرين ومحيطها، ونقله إلى تركيا، إضافة إلى نقل أعداد كبيرة من أشجار الزيتون المعمرة.
أبرز المعامل المدمرة
يعتبر معمل آسيا لتصنيع الأدوية الطبية الواقع بكفر حمرة شمالي حلب من أبرز المعامل المدمرة في المدينة، كان يعمل ضمنها ما يقارب 800 شخص بين عامل وحارس، بُعيد سيطرة مرتزقة داعش عام 2013م على تلك المناطق، توقفت أقسام كبيرة منها عن العمل، نظراً لفقدان الأجهزة الكهربائية ونقص بالمواد الأولية.
ناهيك عن تدمير المصانع فإن الآلاف من المصانع الكبيرة والصغيرة سرقت مخزوناتها من السلع المصطنعة والمواد الأولية، فيما الآلات التي فتحت طريقها بكل حرية إلى الأراضي التركية، بعدما قامت تركيا بحملة تدمير ممنهجة للبنى التحتية للصناعة الحلبية.
منطقة معامل الشقيف كانت تضم 255 مصنعاً للمنتجات الصناعية والغذائية والكهربائية للقطاع الخاص، ومع استمرار الأزمة واندلاع معارك الكر والفر بين مرتزقة الائتلاف وقوات النظام حُولت العديد من المصانع إلى سجون لاعتقال المدنيين فيها وبعدها تحولت إلى أماكن للتعذيب.