اعتبرت عضو الزمالة البحثية في معهد هدسون ليلا جيلبرت في مقال لها نشرتها مجلة “نيوز ويك” في عددها الأخير، أنّ الأقليات المسيحية في تركيا تعاني من تزايد الاضطهاد مع تصاعد قمع الحكومة.
وقالت جيلبرت إنّ تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد لم يكن سوى المثال والرمز الأكثر وضوحًا لهذه البيئة الجديدة التي تستهدف فيها الحكومة الأقليات الدينية غير المسلمة بقوة.
وتلفت الانتباه على وجه التحديد إلى محنة اللاجئين المسيحيين الذين فرّوا من العراق وسوريا في السنوات الأخيرة، حيث يُعاني العديد من هؤلاء الوافدين الجدد للمجتمع التركي من صعوبة الحصول على عمل وتعلّم اللغة التركية، فضلا عن عدم تمكنهم من إيجاد مساحة لممارسة عقيدتهم.
وكتبت جيلبرت “لقد تمّ معاملة اللاجئون المسيحيون في تركيا بازدراء، وتمّ نقلهم إلى أماكن نائية، وبعيدة عن الكنائس القائمة أو أتباع الديانات الأخرى. ولم يتمكن الرجال المسيحيون من العثور على عمل بشكل قانوني، بينما تُهمّش اللغة والقضايا الدينية النساء والأطفال الذين يكافحون من أجل العمل أو الذهاب إلى المدرسة “.
وغالباً ما يتم التعامل مع المسيحيين في تركيا على أنّهم تهديد للأمن الداخلي، سواء كانوا أجانب أو من الذين عاشوا في البلاد لسنوات. وقد وجد العديد من المسيحيين الأجانب الذين عاشوا في تركيا لسنوات أنفسهم غير قادرين على العودة من الخارج بعد أن تمّ اكتشاف أنّ جوازات سفرهم تحمل ختم N82.
وهذه الطوابع أو الأختام مخصصة للأفراد الذين تعتبرهم السلطات التركية مخاطر أمنية على البلاد، ويقول ناشطون إنّ عملية إصدار تلك الأختام وتحديد لمن يجب أن توضع تفتقر إلى الشفافية. كما يشتكون من محدودية سبل الانتصاف القانونية المتاحة لهم لاستئناف هذه القرارات.
من جهته، أوضح الدكتور أيكان إردمير، كبير مديري برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) في واشنطن العاصمة، إنّ خطاب الرئيس رجب طيب أردوغان على وجه الخصوص كان له تأثير استقطابي على معاملة المسيحيين الأتراك.
وقال إردمير في تصريح لجيلبرت: “إنّ مثل هذه السياسة والخطاب المتعصبين سوف يؤديان إلى تفاقم الظروف غير المستقرة للمسيحيين. سيكونون تحت رحمة حكومة قمعية تتأرجح ذهاباً وإياباً بين اندلاع الاضطهاد ونظرات التسامح”.
كانت منظمة حقوق الإنسان المسيحية الدولية التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، قالت في تقرير لها يناير 2021، إنّ الأقلية المسيحية تختنق ببطء بسبب التمييز الذي يواجهه أفراد طائفتها.
وسبق أن كشفت منظمة التضامن المسيحي العالمي (CSW)، أنّ فصائل سورية مسلحة تتبع أنقرة، تقوم باعتقال أكراد سوريين مسيحيين.
وبينما كان المسيحيون يشكلون 20 بالمائة من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ نحو قرن، إلا أنّه ومنذ ذلك الحين، هبطت هذه النسبة إلى أقل من 4 بالمائة، أو حوالي 15 مليون شخص.
وقالت (CSW) إنّ الفصائل المسلحة في عفرين يسيرون على خطى تنظيم داعش، منوهة إلى أنّ العديد من أعضاء الفصائل كانوا عناصر سابقين لدى داعش وتنظيم القاعدة، وإنّها متخوفة على مصير رعاياها في مناطق سيطرتهم.
وقالت المنظمة: إنّ فصيل فيلق الشام، الذي يُعتبر من أقوى الفصائل السورية المسلحة التابعة لتركيا وأكثرها تشدداً، قد اعتقل مؤخراً مواطن كردي سوريا مسيحي.
وأوضحت، أنّ “رضوان محمد، وهو مدرس لغة إنجليزية ومدير مدرسة في قرية شمال غرب سوريا بالقرب من عفرين، دخل في صراع مع الفصيل المذكور مرتين، الأولى عندما لم يتم دفن زوجته الراحلة، والتي تحوّلت عن الإسلام وفقاً للتقاليد المسيحية المحلية، والمرة الثانية عندما طالب فيلق الشام بإخلاء مبنى مدرسته لاستخدامها لأغراض التدريب الإسلامي”.
وأشارت إلى، أنّ “رضوان قال للمتمردين: “سوف أسلمكم المبنى في حالة واحدة فقط: إذا نزل السيد المسيح إلى الأرض مرة أخرى”.
ونقلت منظمة التضامن المسيحي العالمي عن راعي كنيسة كردية في بيروت “نهاد حسن” قوله: إنّ رضوان محمد محتجز على الأرجح في مقر فيلق الشام في عفرين، ويواجه خطر الإعدام”.
وقال حسن: “نحن قلقون للغاية على حياة رضوان”، مؤكداً أنّ “هذه الجماعات الإسلامية واسيادها الأتراك يسيرون على خطى تنظيم الدولة الإسلامية، وفي الواقع العديد من مقاتليهم أعضاء سابقون في داعش والقاعدة”.
كما أعرب ميرفين توماس الرئيس التنفيذي لمنظمة التضامن المسيحي العالمي عن قلقه قائلاً: “نحن قلقون للغاية بشأن وضع السيد رضوان ونحث خاطفيه على إطلاق سراحه على الفور ودون شروط”، كما نحث السلطات التركية على التدخل “.
وشدد توماس، أنّه على تركيا كبح جماح الجماعات الإسلامية الخاضعة لسيطرتها، وإنهاء جميع أشكال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان على الفور في المناطق التي يسيطرون عليها.
ودعت منظمة التضامن المسيحي العالمي إلى وضع حدّ لاضطهاد غير المسلمين في المنطقة.
وسبق أن أعربت اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية (USCIRF) عن قلقها على سلامة رضوان أيضاً، ودعت إلى إطلاق سراحه.
وقالت مفوضة اللجنة نادين ماينزا في تغريدة على تويتر: “دليل إضافي على أنّ ظروف الحرية الدينية تغيرت بشكل جذري في المناطق التي احتلتها تركيا، مقارنة بما كانت عليه في ظل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.
وأضافت ماينزا، أنّ مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا متعدد الأعراق والأديان أنشأته أغلبية من السكان الأكراد والعرب في مناطق شمال سوريا، مع ضمان التمثيل العرقي للآخر.
وفي يوليو الماضي، ضمّ بابا الفاتيكان فرنسيس صوته لمنتقدي قرار تركيا تحويل كاتدرائية آيا صوفيا السابقة في إسطنبول إلى مسجد، معربا عن “حزنه الشديد” لذلك، فيما ارتفعت أصوات المسيحيين في تركيا وخارجها ضد القرار الذي رأوا عدم وجود أي مبررات له، باستثناء خطاب الكراهية الذي دأب الحزب الحاكم في تركيا على بثّه ضد مختلف الأقليات الدينية والعرقية.
وكان تقرير طلب إعداده جيريمي هنت وزير الخارجية البريطاني العام الماضي، قد حذّر من أنّ الاضطهاد الديني للمسيحيين اقترب من حدّ “الإبادة الجماعية” في بعض مناطق العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط بما في ذلك تركيا حيث يتصاعد خطاب الكراهية ضدّ الأقليات الدينية ليس في داخل البلاد وحسب، بل ويمتد التحريض الديني لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم إلى خارج حدود تركيا.
المصادر: 1 و 2
-------------------------------
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com
ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات