قبل الخوض في مناقشة القانون وبيان مدى تعارضه مع العقد الاجتماعي وانتهاكه لأحد وأهم الحقوق الأساسية للإنسان المنصوص عليه في جميع الشرائع السماوية والوضعية ، ألا وهو حق الملكية ، لابد من التنويه بأنّ هذا القانون قد جاء معدوماً نظراً لصدورها عن المجلس العام للإدارة الذاتية وهي جهة تنفيذية لاتملك صلاحية إصدار القوانين والتشريعات وفقا للعقد الاجتماعي الذي حصر صلاحية سن وتشريع القوانين وفقا للمادة 55 بمجلس الشعوب في الاقليم.
أمّا فيما يخص بالأسباب الموجبة لصياغة هكذا قانون.
فالمشرع وحينما يشرع أي قانون لابد له بأن يوضح الأسباب الموجبة لذلك أي الضرورات التي تقتضي إصداره، وتلك الأسباب تعتبر جزء لايتجزأ من القانون نفسه، ويجب أن تكون متناغمة ومنسجمة مع مواده، إضافة أنّ كل القوانين في العالم تصاغ وتشرع من أجل تنظيم حياة المجتمع وحماية المصلحة العامة وصيانة وحماية حقوق الأفراد وبث الطمأنينة في نفوسهم، مستهدفة في ذلك أحداث نوع من التلاحم والتقارب بين المجتمع والسلطة الحاكمة وزيادة الثقة فيما بينهما، حتى يكون سهل التطبيق ويحظى بالاحترام، لا أن يكون سبباً في أحداث نوع من الشرخ وازدياد الهوة بينهم، وأن لايكون اعتباطياً وغير مسؤول.
– وبالعودة إلى الأسباب الموجبة لهذا القانون، وكما ورد في مقدمته والذي ينص (من اجل الحفاظ على أموال وأملاك الغائبين والمهاجرين من العبث والاستباحة ووضعها في خدمة تنمية المجتمع وسكان الإدارة الذاتية بعد استفحال ظاهرة الاستيلاء على أموال الغائبين والمهاجرين فقد تقرر سن هذا القانون).
- أولاً الأسباب الموجبة هذه تقلل من هيبة السلطة الحاكمة وتؤكد على عدم استطاعتها حماية أملاك وأموال الناس طالما هناك تفشي لظاهرة العبث والاستيلاء على أملاك الناس وتطعن في ادعائها بأنّها تبسط سلطة القانون على مناطق الإدارة الذاتية.
-
ثانياً حماية أموال وأملاك الناس لاتكون من خلال الاستيلاء عليها واغتصابها من قبل السلطة، وإنّما من خلال سن قوانين تكون رادعة لمن يعتدي على ملكية الناس وفرض هيبة الدولة وبسط سلطة القانون.
-
ثالثاً لايوجد في كل انظمة العالم قوانين تحت مسمى إدارة أموال وأملاك الغائبين، ولايوجد الحاجة لسن هكذا قوانين، لأنّه من غير المعقول وجود أموال وأملاك سائبة لامالك ولا وكيل لها لإدارة شؤونها، إلا في نظام البعث كان هناك قانون إدارة شؤون أملاك اليهود بعد اضطهادهم وتهجيرهم من سوريا (مع ملاحظة تم تجميد الاملاك وليس استثمارها ) وقانون مصادرة أملاك المنتمين للإخوان المسلمين بعد أحداث الثمانينات، ومن غير المعقول لسلطة تسمي نفسها بالإدارة الديمقراطية أن تقلّد نظاماً شمولياً ومستبداً وأن تسير على خطاه وأن تعمل على استنساخ قوانينه الجائرة.
-
القانون هو انتهاك لحق الملكية والذي هو حق مقدس وفقا لجميع القوانين والشرائع، بما في ذلك العقد الاجتماعي ولايجوز المساس به ويتناقض مع نص المادة /43 / من العقد الاجتماعي الذي يشرعن وجود الإدارة وينظم عملها والتي تنص(حق الملكية الخاصة مصانة بشكل لايتعارض مع المصلحة العامة وينظم بقانون))، وبالتالي يعتبر هذا القانون باطلاً لمخالفته الصريحة لنصوص ومواد العقد الاجتماعي والذي هو بمثابة الدستور.
مناقشة مواد القانون
*المادة الاولى(المهاجر والغائب هو كل شخص يحمل الجنسية السورية او مافي حكمها (مكتومو القيد او المجردون من الجنسية السورية باحصاء عام 1962 ) ويقيم اقامة دائمة خارج حدود سوريا ولايقيم احد اقاربه من الدرجة الاولى او الثانية في سوريا).
هذه المادة تؤكد أولاً تبعية الادارة الذاتية للجمهورية السورية وبالتالي يتوجب بان تكون قوانينها متوافقة مع القوانين والدستور السوري.
ثانياً: لم يوضح القانون المقصود بالقرابة هل هي قرابة مباشرة ام قرابة الحواشي ام قرابة المصاهرة لان درجة قرابة أقرباء الزوجة هي نفس درجة قرابة الزوجة بهم، أي أن والد الزوجة يعتبر قريب من الدرجة الاولى للزوج وكذلك أخ الزوجة يعتبر قريب من الدرجة الثانية للزوج وفقا لقرابة المصاهرة. ثالثاً: من هم الأقارب من الدرجة الاولى والثانية وفقا لقانون للقانون.
الأقارب من الدرجة الاولى هم (الأب والأم والأولاد)، والأقارب من الدرجة الثانية هم (الجد والجدة والاخوة والاخوات والأحفاد).
وبالنظر إلى قائمة الأقرباء تلك، نجد أنه نادرا ما تجد غائباً ليس له أحد من هؤلاء الأقرباء في سوريا، وبالتالي تنتفي الفائدة المرجوة من سن هكذا قانون.
اضافة انه لايتصف بالعدالة لكونه لايمنح اي عذر ومبرر مشروع للغائب الذي غادر وترك سوريا بسبب مخاطر محدقة كانت تهدد حياته او حياة افراد اسرته بسبب مواقفه السياسية المناهضة للنظام او للادارة الذاتية.
- المادة الثالثة ( يشمل هذا القانون كل من غادر الاراضي السورية مدة سنة او اكثر بقصد الاقامة الدائمة والمستمرة خارجها).
هذه المادة مبهمة ومطاطية وغير واضحة وقابلة للتأويل والتفسير لأكثر من معنى، الامر الذي يفقد قيمتها القانونية لكونها لم توضح المدة الزمنية المحددة بسنة من مغادرته هل هي تحسب بشكل مستمر ودون انقطاع اي لم يتخللها زيارات للمغادر إلى المقاطعة؟؟؟، أم أنها تحسب بشكل منقطع ؟؟؟، لأنه يحدث أن يغادر شخصا ما المقاطعة ويعود إليها مرة أخرى في زيارة قبل إكمال مدة السنة ثم يغادرها مرة اخرى.
*المادة الرابعة : أ- تعتبر كافة العقود المبرمة قبل صدور هذا القانون على املاك الغائب وكذلك التي ترتب حقوق للغير مؤقتة.
ب- يتوجب على اللجنة اعادة النظر فيها وتدقيقها وتسوية وضعها خلال ثلاثة اشهر من تاريخ صدور هذا القانون.
هذه المادة تسلب ارادة الانسان وحقه الطبيعي في التصرف باملاكه وابرام العقود بخصوص ذلك وتفويض وتوكيل من يشاء لينوب عنه في التصرف باملاكه
اضافة ان هذه تلغى كل الوكالات الصادرة من الغائبين والمهاجرين سواء كانت منظمة من الكاتب بالعدل او مندوبي الوكالات القضائية الذين يشملهم هذا القانون).
هذه المادة لايمكن وصفها الا بأنها اعتباطية وعبثية وينم عن جهل بالقانون لمن صاغها، لأن الوكالة هو تعبير قانوني عن ارادة الموكل ولايجوز لقانون ما مصادرة ارادة الافراد أو الحد من تصرفاتهم القانونية سيما اذا كانت موثقة لدى جهة رسمية معترف بها كالكاتب بالعدل ومندوبي الوكالات سواء لدى الادارة الذاتية او لدى الجهات الرسمية التي تتبع للدولة السورية التي تكون الادارة الذاتية جزء منها بموجب عقدها الاجتماعي وفقا للمادة الخامسة منه وكذلك وفق نص المادة الاولى من هذا القانون الذي بموجبه حدد جنسية الاشخاص الذين يسري عليهم هذا القانون (السورية) وهذه تعتبر مخالفة دستورية صريحة لأنه لايجوز للمقاطعة اصدار قوانين تكون متناقضة مع قوانين الدولة (المركز) هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية السياسية فإن وجود هكذا مادة يلغي أسباب الابقاء من قبل الادارة الذاتية على الدوائر الرسمية التي تتبع الدولة السورية والتي مازالت تقوم بعملها ومهامها مثل دائرة الكاتب بالعدل ودائرة الوكالات والمحاكم المدنية والشرعية والمكلفة بتثبيت التصرفات القانونية للمواطنين من توثيق وتثبيت لعقود البيع والشراء والرهن والوكالات وعقود الزواج وليس هناك من داع لوجود تلك الدوائر التي تعتبر من أركان و بقايا النظام السياسي السوري مع اصدار هكذا قانون من شانه إلغاء كافة النتائج والاثار القانونية المترتبة على القرارات الصادرة عن تلك الدوائر(القرارات القضائية بخصوص تثبيت البيع والشراء والرهن والاجار وتوثيق العقود وووووو الخ).
اضافة ان هذه المادة تنزع عن هذا القانون صفة القانون ذلك لان القانون لايمكن له بأن يطبق بأثر رجعي إلا في حالة اذا كان الأصلح لمن يشملهم وفي مصلحتهم، وليس مثل هذا القانون الذي لايمكن تسميته سوى بالرجعي والذي يعبر عن عقلية مشرعيه الجاهلة بالقانون والذين تشبه تصرفانهم بتصرف المالك بمزرعته الخاصة عبر محاولاته المستميتة بجني أكبر قدر ممكن من الايرادات والثمار، دون أن يكلف خاطره بصرف فلس واحد عليها وليس بعقلية رجال الدولة الذين يحاولون تشريع القوانين التي من شانها صيانة حرية وكرامة المواطنين وحماية ممتلكاتهم لبث الراحة والطمأنينة في نفوسهم لحثهم على المزيد من الجهد والعمل لخدمة وطنهم والتشبث بأرضهم وليس دفعهم إلى تركها من خلال إصدار قوانين قراقوشية تحد من حريتهم وتنتهك كرامتهم وتنزع ملكيتهم
- المادةالعاشرة : يحق للجنة تاجير واستثمار املاك الغائب ووضعها في خدمة تنمية المجتمع دون تغيير اوصافها.
يستشف من هذه المادة بان ريع وثمار املاك واموال الغائب لاتعاد اليه وانما يتم مصادرتها لصالح خزينة الادارة.
وطالما ان القانون قد منح اللجنة المكلفة بإدارة أموال الغائب صفة القيم اذاً فلايجوز قانونا للقيم بأن يستولي على ثمار ونتاج أموال وأملاك الغائب الذي لايستطيع إدارة أملاكه لوجود ظروف تمنعه من ذلك، لأنه يعتبر أمين على تلك الأموال، ويتوجب قانوناً إعادة الريع والثمار مع أصل المال والملك بعد حسم المصاريف والأجور، وإلا يعتبر أنه مسيء للأمانة ويدخل عمله في خانة السرقة المقوننة.
اضافة ان هذه المادة تتناقض مع مضمون المادة /12/ بخصوص كيفية التصرف بريع اموال الغائب.
- المادة الخامسة عشر ( لايعتد باي تصرف يصدر عن الغائب الذي عاد وتسلم املاكه من اللجنة خلال سنة من استلامه ولاينتج هذا التصرف اي آثار قانونية ولايرتب اي التزامات الا اذا حصل على اذن خطي من رئاسة اللجنة المعنية يتيح هذا التصرف قبل ابرام اي التزام).
هذه المادة تقييد وتسلب ارادة وحرية الانسان في التصرف باملاكه وتخضعه لاهواء وامزجة اعضاء اللجنة
- المادة السابعة عشر ( يعاقب بالحبس مدة لاتزيد عن سنة او بغرامة لاتقل عن خمسة ملايين ليرة سورية فقط لاغير او بكلا العقوبتين كل من تستر او تصرف او اجر املاك الغائب على خلاف هذا القانون .
وجود هكذا مادة في قوانين الادارة الذاتية لوحدها تنفي وتلغي مبررات سن وصياغة هذا القانون برمته لما يتضمنه من عقوبات رادعة من شأنه وضع حد للعابثين بأموال الغائبين ومنعهم من ذلك
- المادة التاسعة عشر( فيما يخص املاك السريان والاشوريين والارمن تقوم لجنة ممثلة عنهم بادارة الاملاك المذكورة).
هذه المادة تناقض مضمون المادة الاولى التي تنص بان اللجنة تتالف من 11 عضوا من كافة مكونات سوريا اضافة انها تمييز بين المواطنين على اساس العرق وهو مخالف للعقد الاجتماعي خاصةً انه قانون مدني وليس بقانون للاحوال الشخصية وفي هذا الصدد يقول “مونتيسيكيو ” بان القانون يجب ان يكون مثل الموت لايستثنى منه احد.
اضافة انه يضع اكثر من علامة استفهام حول طرق واساليب التصرف مع الغائبين من اصول عربية على غرار السريان والاشوريين.
المحامي حسين نعسو