نبش قبور الإيزيديين… ميراث “داعش” في سنجار للميلشيات التركمانية برأس العين

يجلس الرجل الستيني إبراهيم حجي، وهو أحد المهجرين الإيزيدين من مدينة رأس العين السورية، تحت الدالية (شجرة العنب) في قرية طولكو الإيزيدية بريف الحسكة، مع مجموعة من أقرانه المهجرين الآخرين، وفي عيونه الكثير من الحزن والبؤس على ما حل بهم مع مكونات مدينتهم الحدودية مع تركيا بعد سيطرة فصائل المعارضة السورية “التركمانية” الخاضعة للجيش التركي عليها قبل ثمانية أشهر.

رغم ارتفاع درجات الحرارة، يتداول حجي وأقرانه الأخبار التي تصلهم من مدينتهم، يشاهدون مقاطع الفيديو الأخيرة التي يبثها المسلحون “التركمان” من أحيائها وساحاتها، والتي تظهر تصرفاتهم العدائية ضد السكان المحليين، وآخرها نبش قبور آبائهم وأجدادهم في مقبرة الديانة الإيزيدية في قرية “جان تمر” بريف رأس العين.

بعد “تنهيدة” طويلة التي تعبر عن 10 سنوات من الاضطهاد، يبدأ حجي حديثه لمراسل “سبوتنيك” في الحسكة: “بعد أن سرقوا وصادروا كل أملاك أتابع الديانة الإيزيدية في مدينة وريف رأس العين، قام مسلحوا الميلشيات التركمانية المتطرفة الخاضعة للجيش التركي بنبش قبور الأموات في مقبرة (جان تمر)..”.

في هذه اللحظة، لمعت في عيني الرجل الستيني دموعه، يكفكفها متابعا سرد مأساته: “لقد نبشوا قبر زوجتي وحطموا الشاهدة ولوحة القبر، إنّهم أشرار ليس في قلبهم رحمة ولا يقدرون حرمة الموت”.. يقاطعه الشاب الجالس إلى يمينه: “لقد حطموا وأزالوا سور المقبرة القديم، والذي أنشئ لحماية مقبرة أتباع الديانة الإيزيدية والتدليل عليها، وذلك لبيعه “كخردة” بعد أن كلف إنشاءه قبل سنوات الحرب بحدود الثمانية ملايين ليرة سورية”.

ينتهي الشاب من توضيحه، ليستأنف حجي حديثه على الفور: “منذ يومين سرقوا وصادروا الجرار الزراعي العائد لابن شقيقتي ونقلوه إلى بلدة سلوك بريف الرقة، بعد أن قاموا ببيع محاصيلنا الزراعية قبل حصادها لأناس غرباء”.

والإيزيدية هي ديانة توحيدية، ورغم أن اتباعها مشتتون بين عدة دول حول العالم، إلا أنّ أماكن تركزهم الرئيسية تقع في شمال العراق وشمال سوريا، واضطر مئات الآلاف منهم إلى الفرار من تنظيم “داعش” الذي ارتكب جرائم إبادة جماعية بحقهم، حيث تقدر الأمم المتحدة أنّ التنظيم الإرهابي قتل حوالي 5 آلاف إيزيدي، وخطفوا واستعبدوا 7 آلاف امرأة.

والإيزيديون السوريون الذين عصفت بهم أبشع صور الاضطهاد والتنكيل بعد اشتعال الحرب الإرهابية على سوريا، وصلت أحوالهم المعيشية اليوم إلى حدود يائسة بعد انتزاع منازلهم.. يقول حجي بأسى بالغ: “بعد سيطرة الميلشيات التركمانية والجيش التركي على رأس العين، أسكنوا عوائل غريبة في منازل الإيزيديين، والبالغة 135 منزلاً في أحياء المدينة”.

أحرقوا المنازل:

نجاة بلو غوغو، وهو إيزيدي آخر مهجر من رأس العين، بيّن لـ “سبوتنيك ” أنّ المسلحين عند دخولهم لمدينة رأس العين قاموا بحرق منزله، الذي وضع عليها لوحة اسمية للدلالة على مقر ما يسمى “البيت الإيزيدي” الذي يعمل فيه هو بصفة (هندام)”.

يتابع غوغو “الإيزيديون هم أحد الأقليات الموجودة في رأس العين مثلهم مثل الأشوريين والمسيحيين والشيشان، لكن منذ اللحظة الأولى للعدوان على رأس العين كانت منازلهم وقراهم هي الهدف الأول لقذائف المدفعية والهاون التابعة للفصائل ” التركمانية ” والجيش التركي”.

يردف غوغو “هربنا من منازلنا وقرانا مع لباسنا فقط، لقد قاموا بسرقتها ونهبها، واليوم بعد أن هدموا وخربوا مزاراتنا ودور العبادة الإيزيدية ونبشوا وأحرقوا قبور الموتى في مدينة عفرين وريفها شمالي حلب، يقومون بنفس العمل المنهج في مدينة راس العين وقراها دون أي رادع أخلاقي أو ديني”.

حصيلة البحث عن العراقيات الإيزيديات والمختطفين في أسواق نخاسة “داعش”

ما يتم اليوم من أعمال عدوانية في رأس العين ضد الإيزيديين، بحسب السيد نجاة غوغو، هو امتداد تاريخي لما حدث من مجازر وقتل بحق الديانة الإيزيدية، وهو استكمال للإبادة التي حدثت في سنجار وإقليم كردستان العراق منذ سنوات ضد الإيزيدين من قبل عناصر تنظيم ” داعش ” الإرهابي، ولولا هروبنا السريع من مناطقنا برأس العين، لحدث لنا ما حدث في العراق من قتل وخطف وسبي للنساء والفتيات”.

يشير غوغو في حديثه لمراسل “سبوتنيك” إلى أنّه “شاهد مقاطع فيديو لمجموعة من المسلحين المتطرفين يقومون بتخريب وتدمير قبور الإيزيدون في مقبرة “جان تمر” وهم يرددون أنّ (هؤلاء كفار)”، يستدرك غوغو “لقد دمروا قبور رجال الدين والمشايخ المسلمين من الطرق الصوفية في جبل عبد العزيز وقرية النامس بريف الحسكة قبل قبور الإيزيدون، وأحرقوا كنائس الرقة، هؤلاء أعداء الإنسانية جمعاء”.

لن نتخلى عن هويتنا السورية:

بدوره، شرح سليمان حمو، وهو معلم وأحد المسؤولين عن البيت الإيزيدي في محافظة الحسكة، وهو الآخر من مهجري رأس العين قال: “يتوزع الإيزيديون في سوريا ضمن محافظتين هما الحسكة وحلب وتحديداً في مدينة عفرين وريفها ويبلغ عدد القرى الإيزيدية هناك 23 قرية، أما في محافظة الحسكة ينتشرون في 48 قرية في المنطقة الشمالية منها امتداداً من رأس العين والتي تضم وحدها 12 قرية، وصولاً إلى مدينة المالكية، إضافة لتواجد الإيزيديين في التجمعات السكنية ضمن المدن، حيث يبلغ تعدداهم قبل عام 2011م أكثر من 100 ألف نسمة”.

وتابع حمو “بعد السيطرة على عفرين ومن بعدها رأس العين والاستيلاء على تل أبيض في ريف الرقة وقبلها محافظة إدلب هو مخطط لاحتلال سوريا والسيطرة عليها وعلى ثرواتها وضرب نسيجها الاجتماعي الجميل، استهداف الإيزيديين يأتي اليوم من جانبين ديني وعرقي هو امتداد للحوادث التاريخية التي تعرض لها أجدادنا في تركيا والعراق”.

مضيفاً “ما يحدث اليوم ضدنا في رأس العين هو الأول من نوعه ضد أتباع الديانة الإيزيدية في ظل الدولة السورية المستقلة، التي احترمت عادات وتقاليد وتعاليم الديانات ومنها الإيزيدية عبر العقود الماضية، رغم سنوات الحرب”.

“لقد عرض علينا الكثير من العروض للهجرة والسفر خارج سوريا، لكننا نحن الذين بقينا نرفض الهجرة إلى خارج وطننا، وعلى العكس ندعوا جميع الذين سافروا للعودة إلى وطنهم والمشاركة في بنائه والوقوف في وجه الإرهاب وداعميه ” بحسب حمو.

وعلى مر القرون تعرض الإيزيديون للاضطهاد، ليس لأسباب دينية فقط، بل كمجموعة عرقية لارتباط الإيزيدية بالأكراد، ويعتبر الإسلاميون المتطرفون أنّ الإيزيديين “كفار”، ولهذا السبب لايزال بعض الإيزيديين حتى اليوم يخفون هويتهم في مناطقهم الأصلية خوفاً من التعرض لسوء المعاملة.

سبونتك

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك