تم إعداد هذه الورقة لتسليط الضوء على وضع المدنيين في عفرين في ظل استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، ومدى تأثير جائحة كورونا على حياة المدنيين على المستوى الصحي والمعيشي.
وفي ظل التعتيم الإعلامي وقمع الحريات المدنية والسياسية اعتمدنا على آلية محددة في جمع المعلومات من خلال مجموعات مختلفة من سكان عفرين متواجدين في كل من أوروبا وإقليم كوردستان وروج آفا “شمال شرقي سوريا” وأخيرا في عفرين، ثم قمنا بتحليل هذه البيانات وإجراء تقاطعات بينها من أجل التأكد من دقتها
الوضع الأمني:
منذ احتلال عفرين في 18 آذار 2018 والانتهاكات بحق الأهالي مستمرة يومياً دون توقف من قتل وخطف وتعذيب وسرقة واستيلاء على الأملاك الخاصة والعامة، وهذه الانتهاكات الواسعة النطاق لم تفرق بين الصغير والكبير، أو بين الرجال والنساء، وكان آخر هذه الانتهاكات تلك التي حدثت في 18 نيسان 2020 حيث قام لواء الوقاص التابع للجيش الوطني السوري بقتل فاطمة كنه البالغة من العمر 80 عاماً من سكان قرية هيكحة في ناحية جنديرس، وبعد انتشار خبر مقتل فاطمة بادر عناصر اللواء باختطاف أبناءها الأربعة لطي الموضوع. هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها ارتكاب هذا النوع من الانتهاكات، ففي العام 2019 تم قتل حورية محمد بكر ديكو البالغة من العمر 75 عام بنفس الطريقة ولنفس الأسباب وهي السرقة، هذه الانتهاكات وغيرها هي من الأسباب الرئيسية التي تمنع عودة أهالي عفرين إليها، إذ يعيش 65٪ منهم خارج عفرين وذلك حسب إحصائيات المجلس المحلي، وتشكل بذلك واحدة من أكبر عمليات التغيير الديمغرافي التي تشهدها سوريا. ورغم توفر الأدلة على أنّ هذه الانتهاكات تشكل جرائم حرب واضحة المعالم، إلا أنّ موقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لم يرتق إلى مستوى الإدانة ولا حتى تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الجرائم والانتهاكات، وذلك لاعتبارات سياسية وأمنية متعلقة بعدم إغضاب تركيا العضو في حلف الناتو
يقول المواطن ع. إ “في الشهر الأول (يناير) كانت زوجتي لوحدها في المنزل، وكنت أنا في السوق، غبت لمدة 3 ساعات وعندما عدت إلى المنزل أخبرتني أن فصيل السلطان مراد أتوا إلى المنزل وطلبوا منها أن تسكن عائلة معها في المنزل، لكنها أخبرتهم إنّها ليست بمفردها في المنزل وأنّ زوجها يقطن معها في نفس المنزل لكنهم لم يصدقوا حتى أتى جارنا من حمص وأخبرهم إنّ زوجها يعيش معها فتركونا ورحلوا”
وعلى الرغم من أنّ مستوى الانتهاكات في صعود وهبوط بشكل مستمر، إلا إنّها مرهونة بالظروف المحيطة وليس بسبب إجراءات تمنع وقوعها، إذ لا وجود لما يمكن تسميته بالاستقرار الأمني. ويبدو اليوم وبعد انتشار جائحة كوفيد 19 أنّ الوضع الأمني يزداد سوءاً وتزداد معه المخاوف الأمنية لدى المواطنات والمواطنين.
يقول م. ح. وهو مقيم في إقليم كوردستان العراق: “من خلال الاتصالات مع الأهل والأقارب والأصدقاء في مناطق مختلفة في عفرين، ومتابعة الوضع العام تبين بأنّ الوضع الأمني سيئ جداً، وهناك فلتان أمني، حيث المجموعات المسلحة وبمختلف تسمياتها تمارس كل أنواع الخوف والترهيب بحق الكرد في المنطقة، من خلال عمليات الخطف والابتزاز وطلب الفدية وبالتالي الاعتداء على أعراض الناس والقتل بذرائع وحجج واهية”
الوضع الصحي. II
الوضع الصحي في عفرين كغيرها من المدن مرّ بتقلبات مختلفة تشبه الانتقال من عصر إلى آخر حسب نوع السيطرة وأدواتها وأيديولوجيتها، ويمكن تقسيمها إلى 3 مراحل رئيسية
أولاً: مرحلة ما قبل عام 2018: كان الوضع الصحي خاضعاً لإشراف ما يعرف بهيئة الصحة في مقاطعة عفرين، بالتعاون مع منظمة الهلال الأحمر الكردي التي استحدثت من قبل الإدارة الذاتية، ومنظمة الهلال الأحمر العربي السوري شعبة عفرين، بالإضافة إلى مساهمة عدد من المنظمات المدنية كمنظمة بهار الإغاثية التي قامت باستثمار مشفى قنبر
وكانت عفرين تتزود بالأدوية من حلب ودمشق ويتم تخزينها في مستودعات داخل عفرين حيث كانت توجد 6 مستودعات رسمية في عفرين تشرف عليها هيئة الصحة بالتنسيق مع لجنة الرقابة والتفتيش – شعبة الدوائيات التي تراقب مصدر الأدوية ومدة الصلاحية والأسعار وتنظم المخالفات.
كذلك كانت هنالك خمسة مشافي تعمل في عفرين قبل عام 2018 وهي: مشفى آفرين – قنبر – ديرسم – جيهان – داغلي، بالإضافة إلى مراكز صحية تابعة لمنظمات إنسانية مثل: اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية فرع عفرين UOSSM، ومستوصف الهلال الأحمر الكردي، ومستوصف شعبة عفرين للهلال الأحمر العربي السوري، ومستوصف جمعية الإحسان في راجو، وقسم غسيل الكلى في مشفى آفرين، إضافة إلى المراكز الصحية الموجودة سابقاً قبل عام 2011، وكان عددها 15 مركزاً منتشرة في النواحي وبعض القرى، حيث كانت تقوم هذه المراكز بعدة مهام كالتلقيح وتوزيع الأدوية ومراقبة الوضع الصحي في النواحي.
ثانيا: الوضع الصحي في عفرين بعد 2018: تدهور الوضع الصحي نتيجة القصف العنيف من قبل الجيش التركي وفصائل الجيش الوطني الذي رافق عملية احتلال عفرين، والذي دمر عدداً من المشافي مثل مشفى آفرين الذي تعرض إلى قصف جوي وتم تفريغه من الأجهزة الطبية من قبل الإدارة الذاتية قبل الانسحاب من عفرين، كما تضررت بعض المستوصفات نتيجة القصف والمعارك، كذلك تمت سرقة ما تبقى من المعدات والأجهزة الطبية من قبل الفصائل. وبعد سيطرة فصائل الجيش الوطني بدعم من تركيا، هاجرت الغالبية العظمى من الكوادر الطبية خوفاً من الانتهاكات.
تدمير البنى التحتية لم يتوقف عند هذا الحد، فبعد انتشار جائحة كورونا أصدر القاضي محمد زيدان، المكلف من قبل والي هاطاي بالإدارة في عفرين، قراراً يقضي بإغلاق عدد من مشافي مدينة عفرين بحجة عدم حصول أصحابها على التراخيص اللازمة، وهذه المشافي هي مشفى قنبر، مشفى جيهان، مشفى ديرسم، أيضاً تم إغلاق مشفى السلام بسبب توقف الدعم المقدم له، والذي كان يدار من قبل منظمة بهار، كما تم إيقاف العمل في مستوصف المحمودية والعيادات المتنقلة ومركز العيادات التابعة لمنظمة بهار أيضاً، للأسباب ذاتها.
زادت هذه القرارات والإغلاقات القسرية نتيجة انقطاع الدعم في تأزم الوضع الصحي أكثر في عفرين، ما أدى إلى استياء الأطباء والطاقم الطبي في المنطقة، وعبر المواطنون في عفرين عن استيائهم من تدهور الوضع الصحي بعد إغلاق عدد من المشافي.
ورغم هذا الإغلاقات، فمازال مشفى الشفاء (آفرين سابقاً)، ومشفى المنار (الذي كان مدرسة الأصدقاء سابقاً)، ومشفى الحكمة (المحبة)، تعمل حالياً في مدينة عفرين كونها تدار من قبل محسوبين على الفصائل المسلحة، إضافة إلى المشفى العسكري التابع للجيش التركي.
ثالثاً: الوضع الصحي في ظل جائحة كورونا: بعد انتشار فيروس كورونا في العالم، انتشرت أخبار وشائعات عن وجود عدد من الإصابات في عفرين تم نقلها عبر أشخاص يتنقلون بين تركيا وعفرين. ومن خلال تواصلنا مع مصادر متعددة من داخل عفرين لم نستطع توثيق أيّة إصابة بفيروس كورونا، كما تعذر علينا الحصول على أيّة بيانات رسمية أو معلومات دقيقة ذات مصداقية عن وجود إصابات بفيروس كورونا في عفرين إلى حين تاريخ إعداد هذا التقرير، فالأوضاع الأمنية السيئة، وسيطرة الفصائل المسلحة، وعدم وجود حرية التعبير وانعدام وسائل إعلام محايدة، والفوضى والفلتان الأمني السائد، أدت إلى عزل عفرين بشكل كامل وجعلها في حالة “حجر صحي” بالأساس كما يصفها م. ح.
“بصريح العبارة الكرد في عفرين هم بالأساس في الحجر الصحي، ليس خوفاً من فيروس كورونا، وإنّما خوفاً من الفيروسات المنتشرة في المنطقة المتمثلة بالمجموعات والعصابات المسلحة”.
وكانت وزارة الصحة التركية قد قررت البدء بإجراء فحوصات للكشف عن فايروس كورونا في منطقة عفرين، إذ بدأت مديرية الصحة بالتعاون مع منظمة SRD وآفاد التركية بإجراء فحص لفايروس كورونا في منطقة عفرين شمال غرب سوريا، حيث يتم نقل المصابين إلى مراكز للحجر الصحي في مناطق الباب وإدلب ودارة عزة، وهي عبارة عن خيم خاصة للحجر الصحي، حيث لا وجود لأي مركز للحجر أو للمعالجة في عفرين. حسب شبكة شام الإخبارية.
كما اتخذت المجالس المحلية بالتنسيق مع اللجان الصحية التي تم تشكيلها مجموعة من التدابير والقرارات لمواجهة جائحة كورونا، ومن هذه الإجراءات:
- منع التنقل بين النواحي ومركز مدينة عفرين، إذ لا يمكن للمواطنين التنقل بين النواحي ومركز مدينة عفرين إلا بعد استصدار إذن خاص من قبل الفصائل العسكرية المسيطرة في كل ناحية أو قرية.
إلغاء (البازار) الذي يصادف الأربعاء من كل أسبوع.
إلغاء سوق الدواب (الغنم) الذي كان يصادف يوم الثلاثاء من كل أسبوع.
منع التجمعات الكبيرة في الشوارع والحدائق.
منع إقامة الأعراس في الصالات وكذلك منع إقامة خيم العزاء.
تخصيص جناح في المشفى العسكري وتجهيزه لاستقبال المصابين ويضم هذا الجناح 12سريراً مجهزاً بأجهزة التنفس.
رش المعقمات في الشوارع والأحياء والأسواق.
زيادة أعداد موزعي الخبز لمنع حدوث تجمعات كبيرة.
هناك توجه لمنع وجود البسطات في الشوارع.
الوضع المعيشي. III
يعاني أهالي عفرين بالأساس من وضع اقتصادي سيء بسبب فقدان الأمن والأمان وانتشار السرقة وعمليات السطو المنظمة التي تقوم بها الفصائل المسلحة وأيضاً عمليات الاستيلاء على الممتلكات الخاصة والعامة، كما أنّ حركة التبادل التجاري شبه متوقفة وهي محصورة مع مناطق درع الفرات وجبهة النصرة في إدلب، ومع مناطق سيطرة النظام السوري. وبعد انتشار فيروس كورونا واستمرار الانتهاكات من قبل المجموعات المسلحة وعدم توفر فرص العمل، تراجع الوضع المعيشي إلى أدنى مستوياته.
يقول أحد الشهود من الذين تواصلنا معهم: “الحالة المعيشية صعبة جداً، الأسعار مرتفعة ولا يمكننا أن نحصل على كل ما نرغب به. تأتينا الأموال من قبل أبنائي في الخارج، لكن لا نستطيع دائماً أن نتلقى الأموال وذلك لأننا نخشى أن تكون محلات الصرافة متعاملة مع الجيش الحر أو مع العصابات، وبالتالي سوف يعرفون أنّنا نملك النقود ويخطفوننا ليطلبوا منا فدية. نحاول أن تكون المبالغ قليلة بين 100 يورو أو 200، وأن تكون شهرية ونتعامل مع أكثر من صراف”.
كما إنّ قرار إغلاق المشافي زاد من معاناة المواطنين وأدى إلى أن تفقد عشرات العوائل مصدر رزقهم الوحيد، ويضيف “إن القرار زاد من معاناة الأهالي وسط موجة الغلاء وزيادة نسبة البطالة، مع توافد المزيد من النازحين القادمين من إدلب وريف حلب الغربي”.
في ظل الضائقة الاقتصادية وتكدس مواسم المواطنين في عفرين وعدم وجود معابر لتصريفها، إضافة إلى الغلاء الفاحش للبضائع المستوردة من تركيا أو القادمة من مناطق النظام، فقد زاد قرار إغلاق المشافي الوضع سوءاً، إذ فتح الباب أمام أصحاب العيادات الخاصة من الأطباء للتحكم في أجور المعاينات، حيث تصل أجور المعاينة إلى 5 آلاف ليرة سورية، كما يصل سعر تنكة زيت الزيتون (16 كيلوغرام صافي) إلى 20 ألف ليرة سورية.
المزاج العام في عفرين:
هنالك عدم اهتمام واضح بفيروس كورونا إلا في نطاق محدود بين السكان وربما التعبير الأقرب هو الزهد بالحياة وعدم الاكتراث للموت بسبب ما يعيشونه من تهديد دائم وانتشار عمليات الاختطاف والتصفيات والنزاعات المستمرة بين الفصائل، والوضع الاقتصادي الكارثي. ولسان حال معظم السكان يقول إنّ الموت بفيروس كورونا ليس أسوأ من الموت بالرصاص أو الخطف والتعذيب أو من الجوع.
التوصيات. IV
على جميع الفصائل والجيش التركي الانسحاب من عفرين وقراها وإنهاء الاحتلال وتسليمها إلى إدارة مدنية من أهلها (تسمح بعودة المشافي إلى العمل وعودة الكوادر الطبية التي تحتاجها المنطقة بشدة في هذه الأوقات).
إنشاء مراكز الفحص والكشف لفيروس كورونا وتوفير الأدوية اللازمة لمعالجة المرضى، بالإضافة إلى وضع الملف الصحي تحت ولاية منظمة الصحة العالمية.
إقامة مستشفيات ثابتة أو ميدانية في مركز المنطقة (عفرين) وفي مراكز النواحي، وتوفير مستلزمات الوقاية من أجهزة التنفس والأقنعة والكفوف والألبسة الخاصة بالأطباء والمساعدين والكوادر الطبية، وكذلك توفير سيارات إسعاف مجهزة لنقل المرضى.
التنسيق والتعاون بين المنظمات السورية والإقليمية والدولية لمنع انتشار جائحة كورونا ومعالجة المصابين، وتأمين مساعدات غذائية عاجلة وتوزيعها بشكل عادل على المحتاجين ومنع استغلال الفصائل للمساعدات.
إقامة مستشفيات ثابتة أو ميدانية في مركز المنطقة (عفرين) وفي مراكز النواحي، وتوفير مستلزمات الوقاية من أجهزة التنفس والأقنعة والكفوف والألبسة الخاصة بالأطباء والمساعدين والكوادر الطبية، وتوفير سيارات إسعاف مجهزة لنقل المرضى تحت أشراف منظمة الصحة العالمية فقط.