تقرير خاص يغطي الأحداث والانتهاكات التي شهدتها مدينة “تل أبيض ” تموز / يوليو 2013

تقرير خاص يغطي الأحداث والانتهاكات التي شهدتها مدينة “تل أبيض – كري سبي” خلال الفترة الممتدة من 21 تموز / يوليو 2013 حتى 6 حزيران/ 2015.

الأحداث:

لم يكن يوم 21 تموز /يوليو 2013 عاديا بالنسبة لسكان مدينة تل أبيض، وخاصة الأكراد، ففي ساعات الصباح الأولى وبينما كان معظم الناس نائمين في بيوتهم تعالت أصوات المآذن من مساجد تل أبيض فجأة، مذيعةً بلاغا يدعو فيه المدنيين الكرد بالخروج من منازلهم خلال مدة ” 10 ” دقائق وإنّ الذين يبقون في منازلهم بعد انتهاء المهلة القصيرة للغاية هم عرضة للقصف، والاعتقال والقتل.

ويتجمع الأكراد بشكل مركز في مدينة تل أبيض في قسم من المدينة الذي يعرف باسم (حارة الليل) أو (حارة الأكراد) وهو أكبر تجمع سكاني للكرد وسمي بهذا الأسم لأنّ الأهالي كانوا يقومون في الليل ببناء منازلهم هناك كون الحكومة السورية كانت تحظر على الكرد البناء والتملك في المدينة التي تعتبر الخط الأخير لامتداد مشروع الحزام العربي كما كانوا متمركزين في حارتي الجسر، و\ريق الرقة ومركز المدينة..

بثت الجماعات المسلحة أوامر في مساجد حي الجسر وحارة الليل وحي الشلالة تطلب فيها من المدنيين الأكراد مغادرة البلدة أو التعرض لهجوم فوري. فرّ آلاف المدنيين الأكراد بعد ذلك، واختُطف كثير منهم عند نقاط التفتيش التي طوقت المنطقة. ونُهبت ممتلكات الفارين وأُحرقت منازلهم.

انتشر الرعب بين المدنيين وخرجوا على عجالة من منازلهم بألبسة النوم، أطفال نساء كبار السن و مرضى عجزة، كراسي تحمل معاقين… الإنذار لم يقتصر فقط على ساكني حارة الليل إنّما شمل كل كردي في تل أبيض الذين فجأة باتوا تحت تهديد الاعتقال أو القتل.

لم يكن الناس يعرفون ماذا يحدث أو إلى اين يذهبون كل الطرق مغلقة وانتشرت الإشاعات بشدة في المدينة التي تشكّل إحدى المناطق الغنية بتنوعها من حيث القوميات والأديان الموجودة فيها، حيث ظلت تتعايش وتعيش فيها ديانات وقوميات مختلفة مثل السريان الآشوريين والأرمن والشيشان والعرب والكرد ، كما تعدّ أحد الأمثلة التي يُحتذى بها في السلم الأهلي والتعايش المشترك.

كانت مدينة تل أبيض مقسمة بين قوتين رئيسيتين هما تحالف (الجيش الحر، جبهة النصرة وطلائع تنظيم الدولة الإسلامية) و بين (جبهة الأكراد) الذي كان يمتلك نفوذا أقل في المدينة لكن كان له نفوذ في الريف الغربي المتصل بريف مدينة كوباني حيث تنتشر قرى وبلدات كردية.

بدأت قوافل المسلحين تجوب شوارع وأحياء المدينة، وترافق ذلك مع اطلاق نار في الهواء لبث الذعر بين الناس ،التزم كل السكان منازلهم عدا الأكراد فروا على وجوههم لا يعرفون ما الذي جرى وإلى أين يذهبون، وزعت الفصائل المسلحة 4 حواجز على مداخل ومخارج المدينة، ووجهت الفارين إليها، للتفتيش واعتقال الرجال والشباب كانت الحواجز تعتقل كل من هو فوق سن الـ 10 سنوات، حتى 70 وتترك النساء وكبار السن والأطفال بالمغادرة بعد تفتيشهم وتوجيه الشتائم والاهانات إليهم. تم إطلاق الرصاص على مجموعة مدنيين اتجهوا نحو الحدود التركية عبر الأحياء الشمالية، و اعتقلتهم دورية من تنظيم جبهة النصرة، لاحقا أفرجت فقط عن النساء وعن الأطفال.

الكتائب التي وزعت دورياتها وبدأت تعتقل وتهين وتعتدي على المدنيين الفارين هي كتيبة “السخاني” و”لواء شيخ الإسلام بن تيمية” وكلاهما بايعا وقتها تنظيم جبهة النصرة، إضافة لتنظيم جبهة النصرة ولاحقا انضمت بقية الكتائب لا سيما وأن منازل الكرد ومحلاتهم وأراضيهم باتوا بحكم غنائم حرب يحلل الاستيلاء عليها، نصب تنظيم القاعدة حاجز عند جامع علي بن أبي طالب، كانوا يقومون بإنزال النساء والأطفال وأخذ الرجال مع سياراتهم كرهائن، بلغ عدد الرهائن لديهم ما يقارب 1200 شخص.

التدخل التركي :
شكل ما حدث في مدينة رأس العين / سري كانيه في محافظة الحسكة بتاريخ 15 و 16 – تموز 2013 وما أدت إليه من اشتباكات مباشرة بين “قوات حماية الشعب YPG ” من جهة و”جبهة النصرة” التي حاولت السيطرة على المدينة من جهة أخرى وكان له السبب المباشر في أحداث مدينة تل أبيض، أضف إلى ذلك المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام حول الدستور الكردي المزمع تبنيه وتطبيقه من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، هو الأمر الذي أثارت غضب تركيا ودفعت الفصائل التي تدعمها بالتحرك وإبعاد وحدات الحماية عن المدينة، كما أن تركيا دعمت التمرد الذي قلب موازين القوى في تل أبيض كونها ظلت تخشى من سيطرة وحدات حماية الشعب على المدينة، وهو الأمر الذي يشكل ضربة للمشروع التركي في سوريا، خاصة وأنها أساسا تعتبر الكرد يشكلون خطرا يهدد أمنها القومي حيث ظلت القوات التركية تطمح للسيطرة على المنطقة فعلاً بذريعة التهديدات الأمنية، ولم تخف لاحقا أنها تسعى للتقدم إلى منطقة عين عيسى، وبالتالي تقسيم الكتلة الرئيسية من أراضي الأكراد إلى قسمين: منطقتي كوباني ومنبج إلى الغرب، ومنطقتي القامشلي والحسكة إلى الشرق. وتغذية طموحات تركية بالوصول إلى عمق الأراضي السورية في الرقة وديرالزور.

ودفع الدعم التركي الفصائل للتحشيد ضد (لواء جبهة الأكراد) وتطورت لحدوث اشتباكات بينها من جهة وبين ( جبهة النصرة) من جهة ثانية حيث تمكن لواء جبهة الأكراد من اعتقال أمير الجبهة المدعو ( خلف الذياب أبو مصعب) في قرية اليابسة بريف تل أبيض الغربي لتفرج عنه بعد 24 ساعة، ودخول وساطات ووافق مقابلها تنظيم جبهة النصرة على وقف مداهمات ونهب المنازل واعتقال وطرد السكان وإعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل تاريخ 20 تموز وهو ما لم يتم حيث واصلت الفصائل وبينهم الجبهة اعتداءاتها و رافق هذه المواجهات العديد من الممارسات والانتهاكات التي ارتكبتها فصائل تابعة للمعارضة المسلّحة بحقّ السكان المحليين الذين بقوا في المدينة، ابتداءً من عمليات الاحتجاز والخطف واستخدامهم كرهائن، مروراً بعمليات السلب والنهب للأملاك العامة والخاصة.

وأكدت العديد من المصادر إلى أنّ الفصائل التي شاركت في الهجوم وتحديداً المعارضة المسلّحة منها، كانت تتلقى دعماً كبيراً من تركيا، ومن تلك الفصائل (أحرار الشام) الذي كان يتحكم بالمعبر الحدودي وخاصةً أنها استقبلت جرحى تلك الفصائل في مشافيها بشكل علني، وقامت بإمدادها بالطعام والذخائر عبر المعبر الحدودي، حيث كانت السيارات تدخل من المعبر الحدودي إلى المدينة محمّلة بالأسلحة والذخائر على حد وصف عديد من أهالي المدينة وشهود عيان.

ومع تزايد حدة المواجهات تمكن لواء جبهة الأكراد من السيطرة على 60% من المدينة، وتراجعت الفصائل المقاتلة، إلا أنّ التدخل التركي عبر قصف مواقع وخطوط تقدم اللواء منح الفصائل وقتا لتلقي الدعم من الرقة، التي كانت وقتها تحت سيطرة فصائل الجيش الحر وجبهة النصرة وداعش، ليتراجع لواء جبهة الأكراد وينسحب من المواقع التي تقدم اليها، إلى مواقعها الأولى بإتجاه قرية الجرن غربي تل أبيض.

كما قامت تركيا بدعم العشائر الموالية لها ومنها عشيرة “جيس” في تل أبيض وهي عشيرة تربطها علاقات قوية مع تركيا ولديها تاريخ حافل بالصراعات مع أكراد كوباني، والأكراد في رأس العين الذين تقع أراضيهم الزراعية في الجوار. وقبل الحرب، كان لوجهاء العشيرة علاقات وثيقة مع مسؤولي الفروع الأمنية والمخابرات السورية ولكن بمجرد انسحاب القوات الحكومية في تموز/يوليو 2012، حاولت أن تتصرف وكأنها سيّدة المنطقة. ولكن بعد فترة من الفوضى سيطرت «وحدات حماية الشعب» على ريف رأس العين وعلى ريف تل أبيض الغربي وثم على مدينة تل أبيض لبضعة أيام في آذار/مارس 2013، مما دفع بعض عشائر قبيلة “جيس” وغيرها من القبائل العربية إلى طلبت المساعدة من «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» (والتي شملت كوادر تنظيم «الدولة الإسلامية» في ذاك الوقت) ، بالإضافة إلى مواجهة [قوات] «وحدات حماية الشعب» من المنطقة، وهو التحالف الذي قام بتهجير السكان الأكراد بأكملهم، وتدمير منازلهم.

وفي وقت لاحق، عندما بدأ تنظيم «الدولة الإسلامية» بالاستيلاء على شرق سوريا، اتخذت العشائر التابعة لقبيلة “جيس” مسارات مختلفة: فقد أيدت عشيرتا الجميلة والبوجرادة التنظيم، في حين شاركت عشيرة البو عساف الى جانب وحدات حماية الشعب في تحرير تل أبيض من قوات «داعش» عام 2015 (تَغيَّر اسمها في النهاية إلى «جبهة ثوار الرقة»). وبالمثل، شاركت قبائل النعيم، والبقارة، والعنزة إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية في تحرير الرقة تحت راية «لواء صقور الرقة». والبعض من القادة البارزين فرّوا إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية في عام 2017.

أما قبيلة الهنادى فقد بقيت محايدة إلى حد كبير خلال هذه الصراعات، الأمر الذي وضعها في مركز جيد لحل المشاكل بين القبائل الأخرى.

الضحايا:
-تم اعتقال 1200 شخصا بشكل عشوائي، على الهوية من قبل عناصر “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وتنظيم “جبهة النصرة” في دورياتهم وعلى الحواجز وتمّ مبادلة قسم منهم مع الأمير ” خلف الذياب أبو مصعب” والعناصر التي تم اعتقالهم معه، لكن جرى الاحتفاظ بحوالي 60 معتقلاً وتم اقتيادهم إلى جهة مجهولة لاحقا تمكنوا من الفرار أثناء اندلاع الاشتباكات بين تنظيم داعش وحركة أحرار الشام التي احتفظت بغالبيتهم في سجونها ولكن بقي 10 من الأسرى مجهولي المصير حتى الآن .

-بعض الأسماء التي تمّ اعتقالها واطلاق سراح البعض منهم :
صالح حج نقشي – زكريا جمو – ابو علي ميرزو – محمود شيخو – اسماعيل ميرزو – دليل حمي – شيرو حمي – خليل حمي – مصطفى خضر – عماد حمي – عادل اسماعيل – ابراهيم ابراهيم – يحيى جمو – علي جمو – حاتم اسماعيل – خبات اسماعيل – فاضل اسماعيل – حسبن شيخ رشيد – صالح شيخ رشيد – عبدالرحمن شيخ رشيد – ابراهيم شيخ رشيد – الياس عمر – حجي عمر – اسعد عمر – عبدلله جمو – محمد جمو – محمود جمو – كردو محمد – راج أل محمد – علاء اسماعيل – اسماعيل شيخو – ابراهيم شيخو – محمد العمر – وحيد العمر – علي العمر.
-القتلى \ المختفين: محمد عزت، محمود جاويش، علاء اسماعيل شيخو، إبراهيم علي شيخو، اسماعيل شيخو أبو علاء تم إطلاق صراحه ومات نتيجة التعذيب بعد شهر واحد.
-تم تسجيل نزوح أكثر من 4000 عائلة، كانت النسبة الأعظم منهم هي عائلات كردية ، إلى جانب نزوح عائلات عربية وتركمانية، كانت تعيش في الأحياء الكردية، وخاصة “حارة الليل”، من بين تلك العائلات:
آل وزان – حنيف خضر – خليل بوزان – ابراهيم علي و اولاده – آل خلفو – آل جمو – أنور جزو – أبو كردو – خضر خليل – آل ميرزو – آل جاويش – مصطفى مسلم – ابراهيم شامي – آل ابراهيم – حسن حجي – علي شيخ علي – شيخ علي دلي و أولاده – عثمان شكري – شكري بوزان – حج عمر و أولاده.
-تم تسجيل حالات نهب وسرقة لبعض البيوت والمحال التجارية، إضافة إلى السيطرة على محطة محروقات تعود “للكردي” محمود الغانم.
-أسماء بعض أصحاب البيوت التي تمّ نهب أثاثها ومحتوياتها:
محمود شيخو ( منزل و محل ) – جمعة مصطفى الملقب: جمو ( مستودع و محلات و منازل له و لابنائه ) – عفر مسلم ( منزل ) – محمد قادر ( تكسير كل شي في المنزل ) – اسماعيل ميرزو ( منزل ) – جمعة جاويش ( مستودع حبوب ) – زكريا جمو ( منزل ) – حجي علي شيخ علي ( منزل).

5 – تمّ تفجير عدد من المنازل وتهديم بعضها الآخر:
محمد عزت – أبو علي ميرزو – محمود أحمد شيخ رشيد – محمد كشتان – عز الدين مسلم – مصطفى ابراهيم – إسماعيل عيدان – محمود بوزان – محمد علي العلي.

خريطة السيطرة على مدينة تل أبيض بريف الرقة:
-تمكنت فصائل الجيش الحر(كتائب الفاروق) من السيطرة على مدينة تل أبيض مع انهيار قوات الحكومة السورية في محافظة الرقة وريفها في 18 أيلول \ سبتمبر 2012 وبحلول عام 2015 بلغ عدد المجموعات المسلحة في المدينة وريفها 107.
-مع انسحاب قوات الحكومة السورية من مدينة الرقة في 4 آذار 2013 وسيطرة أحرار الشام وجبهة النصرة على المدينة، تقلص دور كتائب الفاروق في تل أبيض بعد عدة مصادمات مع جبهة النصرة والتي تحولت فيما بعد إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام، وبقيت فترة تتقاسم السيطرة على المدينة مع فصائل منها (أحرار الشام) قبل أن ينقلب التنظيم على الفصيل ويقتل أو يغتال غالب قادته منهم : الطبيب حسين السليمان \ أبو ريان القيادي في أحرار الشام الذي كان يدير معبر تل أبيض الحدودي مع تركيا حيث اعتقله عناصر تنظيم داعش مع عمه المعروف باسم أبو أحمد وقاموا بقتلهم .
-سيطر تنظيم الدولة الإسلاميّة على المدينة، بتاريخ 12 كانون الثاني (يناير) 2014.
-تمكنت وحدات حماية الشعب وفصائل بركان الفرات من السيطرة على المدينة بدعم من التحالف الدولي على المدينة في 15 حزيران (يوليو) 2015.-تمكنت القوات التركية بمشاركة من فصائل الجيش الوطني (جيش الحر سابقا) من السيطرة على المدينة بتاريخ 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2019

تجدد الصراع:
في العام 2019، تحولت مدينة تل أبيض \ كري سبي مرة أخرى إلى جبهة صراع عسكرية، في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019 شنّت القوات التركية بمساندة من فصائل “الجيش الوطني السوري” التابعة للمعارضة المسلّحة، عملية عسكرية أطلقت عليها اسم “نبع السلام” في شمال شرق سوريا، بهدف إقامة “منطقة آمنة” على حدودها الجنوبية من أجل إسكان مليوني لاجئ سوري فيها موجودين في تركيا.

رافق بدء العملية العسكرية التركية في مدينة تل أبيض/كري سبي نزوح معظم سكان المدينة والقرى في الريف، والذي كان يقدر عددهم حوالي 120 ألف نسمة، بعد تعرّض المدينة والقرى لقصف جوي ومدفعي من قبل تركيا ومسلّحي “الجيش الوطني السوري” المدعوم من “أنقرة”، قبل أن تشتدّ الاشتباكات بينهم وبين قوات سوريا الديمقراطية والتي حاولت صدّ الهجوم التركي، في وقت بقي فيه عشرات المدنيين عالقين في مناطق الاشتباك ضمن المدينة.

بتاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر 2019، تمكنت تركيا بمساندة فصائل “الجيش الوطني السوري” من السيطرة على المدينة، وراح عشرات المدنيين كضحايا للقصف الذي رافق الهجوم التركي على المدينة، وقد اتهمت الإدارة الذاتية تركيا بقصف واستهداف البنية التحتية والمشافي والمدارس واعدام طواقم طبية.
بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وقعت تركيا اتفاقاً مع الولايات المتحدة الأمريكية، يقضي بتعليق العمليات العسكرية التركية في شمالي سوريا لمدة (120) ساعة، وانسحاب قوات سوريا الديمقراطية إلى عمق (32) كيلو متراً، لكن “قسد” اتهمت تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” بخرق الاتفاق عدّة مرات، إذ تعرضت رأس العين/سري كانيه وقرى بريف تل أبيض وعين عيسى لقصف جوي ومدفعي تركي، رغم الإعلان عن الاتفاق بين أنقرة وواشنطن.
واتهمت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر عنها بتاريخ 18 تشرين الأول/أكتوبر 2019، الجيش التركي والفصائل المعارضة السورية المتحالفة معه بارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم حرب، بما في ذلك القتل العمد، والهجمات الغير قانونية التي قتلت وجرحت مدنيين، وذلك خلال الهجوم على شمال شرق سوريا، بما في ذلك عملية قتل الأمين العام لحزب سوريا المستقبل، “هفرين خلف” كما واتهمت منظمة هيومن رايتس وتش تركيا بإعدام 3 من أفراد طاقم طبي ميدانيا في ريف تل أبيض.
وفي 2 آذار \مارس 2020 صدر تقرير ثاني عن الامم المتحدة قال محققون فيه إنّ مقاتلي المعارضة المتحالفين مع تركيا ارتكبوا جرائم قتل ونهب في المناطق الكردية في أفعال قالوا إنّها بمثابة جرائم حرب ارتكبتها أنقرة.

وحذر محققون في الأمم المتحدة بأن أنقرة قد تكون أمام “مسؤولية جنائية” في جرائم حرب ارتكبت ضد الأكراد في شمال سوريا أواخر عام 2019، بينها إعدام مسؤولة سياسية كردية.

ووجد تقرير للجنة تابعة للأمم المتحدة أنّ الانتهاكات التي ارتكبها مقاتلوا المعارضة المدعومين من تركيا أثناء هجوم على مناطق يسيطر عليها الأكراد تعتبر فظيعة وجاء في التقرير إنّه إذا كان المعارضون يتصرفون بإشراف من قوات الجيش التركي فإن هؤلاء القادة ربما يكونون مسؤولين عن جرائم حرب.

شهادات ومقابلات تمّ إجراؤها مع شهود عيان وضحايا:

الشهادة الأولى:

( ابراهيم مسلم مسلم – 33 عاماً ) دكتوراة، هندسة زراعية، وقتها كان المنسق العام للمجلس المحلي في مدينة الرقة، يقول إبراهيم:
بعد انسحاب “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إضافة إلى “جبهة النصرة” من مدينة رأس العين/سري كانيه في محافظة الحسكة، إثر اشتباكات دامية، مع وحدات حماية الشعب YPG استقرت كتائب الدولة الإسلامية وجبهة النصرة في مدينة تل أبيض، وبدأوا سلسلة ممارسات عقابية واستفزازية ضد المواطنين من السكان الكرد، حيث تمّ اعتقال العديد من الشباب الكرد على الهوية فقط لمجرد أنهم من القومية الكردية، كما تمّ منع الباصات القادمة من مدينة عفرين بالذهاب إلى مدينة رأس العين / سري كانيه وبالعكس.
الكتائب الكردية الموجودة المعلنة في المدينة ومنها كتيبة “شيركو أيوب” وهي مقربة من قوات حماية الشعب YPG حاولت حماية المناطق ذات الأغلبية الكردية، وخاصة بعد يوم 17-7-2013 عندما قدم عناصر من الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى المدينة وبالتحديد الأحياء والقرى الكردية وطلبوا المبايعة على “الإمارة” الإسلامية المزمع إنشائها.
طبعاً رفض الأكراد ذلك، استمرت الأوضاع على ما هي عليها حتى تاريخ 20-7-2013 عندما قامت عناصر تابعة لوحدات حماية الشعب YPG باعتقال أمير الدولة الإسلامية ” خلف الذياب أبو مصعب” مع أربعة عناصر أخرين بعد أن تمّ اتهام الأمير بمحاولة تفجير نفسه بأحد “بيوت الشعب – مالا كَل ” – وهي شبه مكاتب تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD تم إنشاؤها لتسيير أمور المواطنين حسب زعمهم في قرية “يابسة” وتبعد عن تل أبيض المدينة حوالي أربع كيلومترات باتجاه الغرب.
في نفس اليوم قدم العديد من عناصر”داعش” إلى إحدى مراكز قوات حماية الشعب YPG وطلبت الإفراج عن أميرهم، وحصلت اشتباكات بسيطة قبل فترة الإفطار بين الطرفين أدت إلى مقتل اثنين من عناصر “داعش” وجرح العديد ثم عادوا أدراجهم، وعند العودة قاموا باحتجاز المواطن الكردي خليل عثمان خليل من قرية تل أخضر بالإضافة إلى زوجته، لكي يتمّ مبادلتهم لاحقاً بالأسرى الموجودين عند قوات حماية الشعب YPG، وبعد مفاوضات طويلة تمّ الإفراج عن زوجة خليل بينما تم الاحتفاظ به.
ثم ما لبثت أن تجددت الإشتباكات في مساء ذلك اليوم وبشكل عنيف جداً باستخدام العديد من الأسلحة الثقيلة بما فيها المدفعية الثقيلة، وخاصة في قرية “يابسة” وحارة الليل، وهي مناطق تسكنها الغالبية الكردية، واستمرت حتى صباح يوم 21 – 7 -2013 حيث استفاق أهالي المدينة وتحديداً حارة “الليل” في حوالي الساعة السادسة صباحاً على أصوات مآذن الجوامع تنادي بإخلاء الحي لأنه سوف يتمّ قصفه بعد عشر دقائق، مما أدى بالمئات إلى النزوح من الحي، وأثناء النزوح تفاجأوا باحدى الحواجز الموجودة في منتصف مدينة تل أبيض تقوم باحتجاز جميع الرجال من الشباب وتترك النساء في مكانهم، وتمّ اعتقال حوالي 1000. الكتائب التي شاركت في ذلك الاقتحام  والاعتقال:
الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” واعتقلت أكثر من 400 مواطناً كردياً
كتائب أحرار الشام “حاشا” واعتقلت أكثر من 100 معتقل
كتائب السخانة، وهي كتيبة إسلامية كان يُشاع عنها أنّها مرتبطة بالنظام السوري، لتنضم لاحقاً إلى كتائب الفاروق ومن ثم إلى كتائب أحرار الشام، حيث اعتقلت حوالي 30 مواطناً كردياً.
وبالفعل تمّ تبادل النسبة الكبيرة من المعتقلين عند المساء مع أمير الدولة الذي تمّ اطلاق سراحه بعد المفاوضات، ومصالحة وفي تلك الأثناء ما بين عملية الاحتجاز وإطلاق السراح تمت مداهمة العشرات من بيوت المواطنين الأكراد الذين كانوا قد غادروها، وتمّ سرقة جميع محتوياتها من أثاث وأموال وغيرها……
لكن الافراج عن الامير خلف الذياب أبو مصعب لم يدفع الامور الى الاستقرار، استغل تنظيم داعش الخلاف لبسط سيطرته على كامل المدينة، بدأت بعدها الإشتباكات العنيفة بين الأطراف المتصارعة بعد تبادل الاتهامات مرة أخرى وخاصة في يوم 22-7-2013 وتمّ قصف المناطق التي يقطنها الغالبية الكردية بالدبابات ومرة أخرى قرية يابسة وقرية تل فندر وقرية كورحسات، مما أدى إلى حركة نزوح جماعي لمئات المواطنين الكرد عند المساء استمرت حتى منتصف ليل ذاك اليوم.
في يوم 23-7-2013 قامت قوات من النظام السوري بقصف قرية السكريّة بواسطة الطيران الحربي؛ وهي القرية التي كان يتمّ منها قصف المناطق الكردية، حينها جاءت قوات من الجيش السوري الحر لدعم ومساندة الكتائب المقاتلة، مما أدى إلى ازدياد شراسة الإشتباكات حيث تمّ الحديث عن سقوط العديد من الطرفين ما بين قتيل وجريح إضافة إلى اعتقال العشرات.


الشهادة الثانية:

أبو حميد، 35 عام، يقول:
كان هناك غليان شديد في المدينة، أي بمعنى أنّه كان هنالك تجييش لحالة من الغليان، خاصة بعد انتشار أخبار عن قرب إقرار دستور كردي وحكومة كردية، وقرب تكوين حكم ذاتي خاص بالأكراد تمهّد لقيام الدولة الكردية وتسعى إلى تقسيم سوريا.
في يوم اعتقال أمير “داعش” والمدعو “خلف الذياب” أبو مصعب، شهدت المدينة اضطرابات، لا سيما مع مقتل اثنين من عناصر تنظيم جبهة النصرة، ما لبثت أن بدأت اشتباكات عنيفة جداً في منتصف الليل، استمرت حتى الصباح، وفي حوالي الساعة الخامسة صباحاً، نادت جوامع “حارة الليل” بوجوب تفريغ الحارة من الأكراد، وسيتم إطلاق النار ما لم تتم الإستجابة الفورية، طبعاً لم يغادر الأكراد وحدهم بل كان هنالك العديد من العائلات العربية أيضاً غادرت وعدد من عائلات التركمان، حتى أن بعض العائلات العربية ساعدت بعض العائلات الكردية على الخروج للحفاظ على سلامتهم، وأتذكر أحدهم وهو عنصر من كتائب أحرار الشام الإسلامية ساعد عائلة كردية على الخروج من الحي.
وازدادت الاشتباكات شراسة خلال ساعات الليل، وانتقلت الى قرية السكرية، ذات الأغلبية العربية – حيث تُعتبر هذه القرية خط الجبهة بين المقاتلين العرب من جهة وعناصر وحدات حماية الشعب من جهة أخرى – وما زاد الطين بلدة هي الفتنة التي أحدثها النظام السوري بقيام طائرات حربية عسكرية تابعة له، بقصف أماكن تجمع وتحصين المقاتلين العرب الذين كانوا في اشتباكات مباشرة مع قوات الحماية الشعبية.
اعتقلت عناصر من الجبهة والدولة أثناء عملية إخلاء الأحياء المئات من الأكراد وتم معاملتهم كرهائن، من أجل مبادلتهم مع أمير الجماعة المختطف وعدد من العناصر التي كانت معه، ثم تمّ اطلاق سراح النسبة الكبيرة وتمّ الاحتفاظ بحوالي 60 معتقلاً ، البيوت والمحلات التي تمّت سرقتها كانت تتم من قبل عناصر غوغائية أثناء علمية البحث عن الأسلحة، ولم تكن تلك السرقات تحمل صفة المنهجية، كما أن أغلب المواطنين العرب استنكروا عمليات القصف على بيوت الأكراد.

الشهادة الثالثة:

سابات طاهر، وتعمل كمراسلة لإحدى المواقع الإلكترونية: تقول: سابات:
بعد اعتقال أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام مع أربعة من عناصر التنظيم نفسه، على يد قوات حماية الشعب YPG ، ازداد التوتر بشكل ملحوظ في المدينة وظهرت العشرات من الإشاعات، ثم ما لبثت أن بدأت اشتباكات عنيفة بين الأطراف العسكرية في المدينة، وهي:
قوات حماية الشعب YPG التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطيPYD ولواء شيركو أيوب من جهة، وعناصر من “داعش” وجبهة النصرة، وثلاث كتائب منضوية تحت لواء الجيش الحر وهي: كتيبة شيخ الإسلام وكتيبة صواعق الرّحمن وكتيبة وليد السخني القادمة من منطقة السخنة، بينما كان هنالك بالمقابل أيضاً عدد من كتائب الجيش السوري الحر وقفت على الحياد.
في ليلة 20-7-2013 توجه وفد من وجهاء العرب في حوالي الساعة الواحدة ليلاً، إلى حزب الاتحاد الديمقراطيPYD ليتم التفاوض، وبحسب أحد أعضاء الوفد فإنّهم انتظروا لأكثر من ساعتين حيث رفض الطرف الكردي استقبالهم والجلوس معهم، مما اضطر بهم العودة أدراجهم، ولكن الإشتباكات ظلت مستمرة حتى حوالي الساعة السادسة صباحاً عندما طلبوا منا عن طريق مكبرات الجوامع إخلاء البيوت وكانوا يقولون “أكراد أكراد معكن عشر دقايق اطلعوا من البلد” ثم قالوا أننا نوجه النداء للمدنيين لكي لا يكونوا ضحايا الإشتباكات وليس لنا أي خلاف مع المدنيين وإنما خلافنا مع حزب الاتحاد الديمقراطيPYD …..
وعلى الفور غادر المئات من المواطنين الكرد منازلهم ولكنهم تفاجأوا بوجود حاجز كبير في وسط البلد وتحديداً عند جامع على بن أبي طالب، وبدأ باعتقال جميع الرجال والشباب، وكان قد تمّ إغلاق جميع مداخل المدينة، عندها أدرك معظم الأهالي إنّه كمين،وعرفنا لاحقاً أنّهم قاموا بذلك ليتم مبادلة المحتجزين مع أمير داعش والعناصر الأربعة الذين اعتقلوا مقابل اطلاق سراح المعتقلين الكرد و الذين قدر عددهم بحوالي ألف معتقل.
وفي نفس اليوم جرت مفاوضات مباشرة بين لواء جبهة الأكراد بقيادة “علاء اسماعيل شيخو” مع الكتائب التي قامت بعملية الحجز للمواطنين، لكنهم غدورا به وقاموا باعتقاله وأخذ سلاحه، واستمرت المفاوضات مع جهات متعددة حتى تمّ الإفراج عن النسبة الكبيرة من المحتجزين الأكراد وكان من بينهم أخ لي كانوا قد قاموا باعتقاله أيضاً.
في يوم 23-7-2013 جرى الهجوم على العديد من منازل الأكراد بحثاً عن الشباب الأكراد، بتهمة التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، وفي يوم 24 كان هناك هدوء نسبي، صوت رصاص متقطع ما بين الفينة والأخرى، ولكن لم يستمر هذا الهدوء كثيراً حيث تمّ تفجير “بيت الشعب – مالا كَل ” وثلاثة بيوت مجاورة له، وتم سرقة عشرات منازل عائدة للمواطنين الأكراد التي كان قد غادرها سكانها، وتحديداً من قبل الكتيبة القادمة من منطقة السخنة والتي تُعرف بكتائب “السخانة”، وتمّ توزيع بيان مفاده أنّ كل شخص له صلة مع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD سيكون مصيره الموت، وخاطبوا المواطنين بأنّهم أخوة مع الأكراد وأنّ المشكلة الرئيسية هي مع عناصر الحزب المذكور، ولكنها كانت مجرد أقاويل وكانت أفعالهم مختلفة تماماً، حيث كان يتمّ الكتابة على بيوت المدنيين عبارة هذا البيت للتفجير، وكان معظم البيوت التي تمّ وضع الإشارة عليها لا صلة لأصحابها مع الاحزاب، فقد تم تفجير منزل السيد: محمود أحمد شيخ رشيد على سبيل المثال، أمّا البيوت التي كان سكانها أكراد وجيرانهم عرب، فقد كان يتمّ هدمه عن طريق “التريكس” منهم بيت: محمد كشتان – عز الدين مسلم – مصطفى إبراهيم، وغيرهم الكثير.

الشهادة الرابعة :
رضوان بيزار – صحفي

بعد حادثة اختطاف أمير جماعة “داعش” على يد عناصر من حزب الاتحاد الديمقراطي PYD والذي – بحسب مصادرهم أنّهم ألقوا القبض عليه عندما كان يهمّ بتفجير نفسه في أحد مقراتهم الأمنية – شهدت المدينة جواً مشحوناً وتتالت الإشاعات والتهديدات من الأطراف جميعاً حتى تحولت إلى اشتباكات حقيقة بين الطرفين أسفرت عن قتل وجرح العشرات.
وازدادت حدة التوتر بعد حادثة احتجاز المئات من المواطنين الكرد، ليتمّ استبدالهم بأمير الجماعية والعناصر الأربعة التي تمّ اعتقالهم، وأيضاً تمّ إهانة العديد من النسوة خلال عمليات احتجاز أزواجهنّ وأولادهنّ، حيث تعرض أحد عناصر “داعش” لامرأة وكال إليها العديد من الشتائم لأنّها – حسب زعمه – تطالب بدولة كردية.
كانت “حارة الليل” من أكثر المناطق التي شهدت حالات سلب ونهب إضافة إلى حارة الجسر، حيث تمّ سرقة الأموال والأدوات المنزلية والأثاث، وتمّ تفجير عدة بيوت أخرى وهدم بعضها الآخر، من بين البيوت التي تمّ تفجيرها، بيت المدعو: محمد عزت حسين، وإلى الآن ومازال ( 60 مواطناً كردياً ) معتقلاً من قبل حركة أحرار الشام الإسلامية “حاشا” حيث تم اقتيادهم إلى محافظة الرقة، و ( 30 ) مواطناً كردياً آخرين على يد جبهة النصرة تم اقتيادهم إلى ناحية سلوك.
رغم أنّ حركة أحرار الشام الإسلاميّة أصدرت بياناً نددت بأعمال النهب والسرقة التي كانت تتم لبيوت المواطنين الكرد، ولكن على الأرض كانت الأفعال تجري عكس ما يقوله البيان، وتمّ الاستمرار في نهب البيوت، بل انتشرت ظاهرة أخرى وهي ظاهرة فتح المحلات التجارية للمواطنين الكرد، خاصة من قبل النازحين الذين احتضنتهم المدينة نتيجة القصف الذي كانت تتعرض لهم مدنهم من قبل قوات النظام،

الشهادة الخامسة:

سردار أحمد
بدأت بأن نزل المجاهدون من القطار التركي، وكانت السيارات في انتظارهم، ثم توجهوا بـ52 سيارة إلى المعبر الحدودي القديم ومن هناك قاموا بمهاجمة قوات الحكومة السورية في معركة كبيرة، وكانت سيارات الإسعاف التركية أثناء المعركة تأتي محملة بالذخائر ثم تعود محملة بالجرحى، كان الدعم التركي للمجاهدين من المعونات الغذائية مميزاً وكأنهم في فندق خمس نجوم، وكانت القوات التركية قد اخبرتهم قبل بدء المعركة إذا ما ضاقت بهم السبل أن يطلقوا طلقة باتجاه الحدود والمناطق التركية ليهتم الأتراك بالباقي.

-قبل اندلاع الاشتباكات بيومين: دخلت أربعة سيارات ليلاً محملة بالذخيرة وسلاح الدوشكا عبر معبر تل أبيض قادمة من تركيا إلى حركة أحرار الشام الإسلاميّة، تم توزيع السيارات الأربعة في نفس الليلة داخل تل أبيض.

– في الليلة الأولى من الاشتباكات: تعرضت قرية اليابسة لإطلاق نار كثيف قادم من قرقول تركيا أمطرت قرية اليابسة بوابل من رصاص القناصات والكلاشينكوف، مما اضطر لواء جبهة الأكراد إلى توجيه فوهة الدوشكا نحو المخفر التركي “القرقول” واطلق عليهم النار دفاعا عن النفس، مما أدى إلى مقتل جندي تركي، واشتعال الحرائق داخل المخفر وبالأعشاب المتواجدة حول المخفر، مما أدى لتراجعهم عن إطلاق النار مدة نصف ساعة ثم عاودوا إطلاق النار مرة أخرى، وبحسب المصادر المتعددة والمتطابقة للمعلومات فإنّ تركيا فتحت المعبر لدخول أعضاء من حركة أحرار الشام إلى داخل الأراضي التركية ليتمكنوا من التمركز مقابل قرية اليابسة من الناحية التركية، وبالأخص فوق التلة المطلة على اليابسة التي هي مركز مخفر الجيش التركي، وسمحت لهم باستخدام أراضيها لاجتياح المناطق الكوردية، وتحت الغطاء والحماية التي أمنتها تركيا قامت دولة الإسلام بوضع رتل من العناصر المسلحة بمحاذاة خط سكة القطار التركي لاجتياح قرية اليابسة، كما قامت كتيبة أبناء البلو في عين العروس باجتياح قرية اليابسة من الجهة الجنوبية وهذا ما حدث بدءاً من الليلة الأولى وحتى ساعات الصباح في اليوم التالي.
وهكذا نرى أنّ قرية اليابسة قد تعرضت للغزو من ثلاثة محاور، أولاً من الشمال بمساعدة المخفر التركي، ومن الشرق من خلال اجتياح دولة الإسلام، ومن الجنوب هجوم كتائب بيت البلو، مما اضطر الأهالي لمغادرة منازلهم (اتجاه الطلقات والبيوت المتضررة في قرية اليابسة تشهد على إطلاق الرصاص من الجهة الشمالية وهي تركيا).
– اليوم الثاني من المعارك: تم إدخال سيارتي شحن كبيرتين ” شبيهتان بحاملات الدبابات” محملة بسلاح الدوشكا والذخيرة في وضح النهار إلى تل أبيض، وعبرت من حارة الجسر نحو ساحة الصراع والقتال غرب تل أبيض.
-في اليوم الرابع من الاشتباكات توجه رتل عسكري مؤلف من سيارات دفع رباعية، ومن بين هذه السيارة كانت هنالك سيارة تجر مدفع إلى قرية السكرية، وكان ذلك بحدود الساعة العاشرة ليلاً، وقد كانت أنوارها مطفأة، ولم يعرف تماما هل كان الرتل قادماً من الجنوب أم من تركيا بسبب قدومه ليلاً.
-سوسك هي قرية كردية تبعد عن تل أبيض (8 كم مد نظر) غرباً، احتلتها جبهة النصرة مؤخراً، فقامت تركيا بفتح معبر ترابي يوصل قرية سوسك من الجانب السوري مع تل جمعان بيك في الجهة التركية، حيث أفادت المصادر بأنّ تل جمعان بيك وهي قلعة مرتفعة، هي مركز لحشد القوات، ويتواجد عليها رادار وعدد من العربات العسكرية المصفحة، وكان المعبر يستخدم من قبل جبهة النصرة وأحرار الشام لنقل الجرحى والامداد بالسلاح والذخيرة، وبحسب الشهود العيان فإنّ العناصر المتواجدة في الجانب التركي “على قلعة جمعان بيك” هم تابعين لجبهة النصرة، وعرفوا ذلك من خلال الزي الذي كانوا يرتدونه .
-كافة الإمدادات اللوجستية والعسكرية التي كانت تصل لحركة “أحرار الشام” كانت تأتي عبر القطار التركي، وكان هنالك تدخل للاسخبارات التركية(الميت) في شؤون حركة احرار الشام بالذات، ومن خلال بعض الشخصيات من كتيبة الدادات أمثال الدكتور عمر دادا “دكتور”، حجي دادا “مدرس فرنسية”، وأكرم دادا “رئيس البلدية- محامي”، وجميع آل الدادا ذوي السلطة في تل أبيض، وهؤلاء بحكم أنّهم تركمان كانت لهم علاقات قوية مع المخابرات التركية، وفي تصريحٍ لحجي دادا قال إنّنا نلتقي بالأتراك بشكل يومي، لذلك نرى أن حجي دادا قبل إخراج الكورد من تل أبيض رفض تعليم اللغة الكوردية ضمن المناهج الدراسية وضمن الدورة الشهرية التي أقيمت لأطفال تل أبيض، وعندما طالب الكورد عبر أعضاء في المجلس المحلي تخصيص ساعتين ضمن هذه الدورة لتعليم أطفالهم اللغة الكردية رفضوا ذلك محتجين بعدم توفر الوقت الكافي.
وبعد طرد “غرباء الشام” من معبر تل أبيض واستلام “حركة أحرار الشام” للمعبر لوحظ تحسن كبير في العلاقات ما بين حركة “أحرار الشام الإسلاميّة” والمخابرات التركيّة وذلك من خلال فتح المعبر وعبور ما يزيد عن “800” شخص يومياً بعد أن كان مغلقاً إغلاقا تاماً نتيجة ما حدث من مشاكل إثر تعدي البوليس التركي على امرأة عربية أدت إلى حرق كولبات للأمن التركي، مقتل عنصر بوليس تركي، وجرح العديد منهم.
وفي إطار تحسين تلك العلاقات كان مدير المعبر الجديد الدكتور حسين أبو ريان التابع لحركة أحرار الشام يلتقي بشكل يومي مع الوالي التركي، وفي لقاءٍ لمراسل وكالة أنباء هاوار مع الدكتور حسين أبو ريان صرح الأخير بأنّ “هناك تحسن في العلاقات بين حركة أحرار الشام والحكومة التركية”، والغريب في الأمر أنّ الأتراك كانوا يطالبون بتسليم الشخص الذي قام بقتل عنصر البوليس التركي وهو من بيت عمير في تل أبيض الشرقية، والذي تأكدت شخصيته للأتراك من خلال كاميرات المراقبة المثبتة في المعبر كشرط أساسي لفتح المعبر، ولكن قبل الاشتباكات كانت تركيا قد فتحت المعبر لحركة أحرار الشام بشكل كلي لعبور الأشخاص والشاحنات متنازلة عن شرطها بتسليم القاتل.
ومن الجدير بالذكر أنّ كتيبة وليد السخني أعلنت ولائها لأحرار الشام، والسخاني كان لهم الدور الأكبر في التخريب والنهب الذي حدث في تل أبيض، وقد أرسلوا أطفالهم ونسائهم إلى تركيا وبقي الرجال لنهب بيوت الكورد وتفجيرها.

شهادة سادسة:
أمينة محمد – مواطنة:

كنا في منازلنا، لا نتدخل في شؤون أحد أنا امرأة ولدي 7 أطفال كنت خياطة اعمل في منزلي…سمعنا أصواتا تطالبنا بالخروج أو سيتم قصفنا وقتلنا…خرجت على عجل، حملت أطفالي وهربت معهم كان الناس يهربون دون أنّ يعرفوا اين يذهبون.

القناصة كانت تضرب، كانوا يشاهدوننا ….نساء وأطفال كيف نهرب… رغم ذلك استهدفوا مكانا بإطلاق الرصاص …التجأنا لعائلة عربية سمعت أنّه تم اعتقالهم بعد ذلك لأنّهم قبلوا استضافتنا كنا نسمع أصواتهم من مئذنة المسجد وهم يتوعدون، مرة يقولون معكم 10 دقائق و أخرى يقولون ربع ساعة أو ساعة، آخرون تأتي أصوات تقول بأنّ نساء الكرد حلال عليهم أموالهم غنيمة.

الخاتمة:
لم تتوقف الحملة العسكرية في حدود تل أبيض وإنما بدأت الفصائل بشن هجمات تستهدف قرى ريف تل أبيض الغربي، على شكل حرب استنزاف طويلة، وكانت العين على مدينة كوباني كما أنّها امتدت إلى ريف حلب الشرقي حيث تنتشر قرى وبلدات كردية ومنها بلدتي تلعرن وتل حاصل، وهو ما اعتبر إشارات واضحة عبر نمط سلوك الجماعات المسلحة المعارضة في الرقة وحلب في تموز/يوليو إلى وجود حملة منسقة ومخطط لها تستهدف تشريد المدنيين الأكراد قسراً. وتُبين الأساليب المتبعة والتهديدات بالعنف وما تلاها من عمليات الاختطاف تعمُّد تشريد السكان على أساس الهوية الإثنية. ويشكل ذلك السلوك جريمة الحرب المتمثلة في التشريد القسري.

واندلعت اشتباكات في حلب، في 28 تموز/يوليو، في منطقتي تل عرن وتل حاصل الكرديتين بين جبهة الأكراد وقوات وحدات الحماية الشعبية من جهة، والجماعات المرتبطة بجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلاميّة والجيش السوري الحر، من جهة أخرى. وسيطرت هذه الجماعات الأخيرة على تل عرن، وأقامت نقاط تفتيش ومواقع للقناصة. واستخدم مقاتلوا الجماعات المسلحة مكبرات الصوت في المساجد ليأمروا السكان الأكراد بالمغادرة وإلا تعرضوا للعنف. ففر الآلاف في اليوم التالي.

وفي 29 تموز/يوليه، امتد القتال إلى تل حاصل حيث اندلعت مواجهات بين وحدات الحماية الشعبية وتلك الجماعات. وبعد اشتباكات مكثفة، طوقت الجماعات المسلحة البلدة وداهمت المنازل الكردية واختطفت من هم في سِن القتال من الرجال. واستخدم أفراد تلك الجماعات مكبرات الصوت في المساجد فنعتوا الأكراد “بالكفار”، وأعلنوا أنّ “السيف هي الفيصل بينهم وبين من يقرر البقاء في تل حاصل”. ووُجهت تهديدات محددة إلى النساء والأطفال الأكراد مفادها أنّ من يبقى في البلدة سيُعتبر “حلالاً للمجاهدين”.

مصادر، ومراجع:
– منتدى تل أبيض وثائق، تقارير، صور فيديو 2012-2018.– مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا\تقرير، شهادات.-تقرير لجنة التحقيق المستقلة، الأمم المتحدة.

 

أكرم داده كان قياديا في كتيبة “انوار الحق” بتل أبيض بعد تسليم مجند من جيش النظام نفسه لهم في ريف الجنوبي بعام ٢٠١٢، سحبوه إلى وسط المدينة ونفذو بحقه اعداماً رمياً بالرصاص باكثر من ٢٠ بندقية.
مقيم في تركيا.

انور كطاف الخضر، كان قائد كتيبة انس بن مالك في تل ابيض، شارك في عملية تهجير الكرد من تل ابيض في ٢١ تموز ٢٠١٣، وخطف عدد من الشبان والاطفال وسلمهم لامير تنظيم داعش خلف الحلوس.

هو محامي منتسب لحزب البعث ، توظف في مكتب توثيق الانتهاكات بالحكومة السورية المؤقتة في مكتب عنتاب.

الآن متواجد في فرنسا ..

 

 

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك