في مطلع 2018 أطلقت تركيا تهديدات باجتياح مدينة عفرين السورية، متحججة بأن وحدات حماية الشعب (YPG) التابعة لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا، تعد جزءا من تنظيم حزب العمال الكردستاني PKK، وهو الحزب الكردي الذي يناضل منذ أربعة عقود من أجل الحكم الذاتي في تركيا.
نفذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديده، وبدأ الاجتياح التركي في 20 كانون الثاني/يناير 2018 لشمال سوريا، حيث شن الجيش التركي هجوما عسكريا في منطقة عفرين شمال غرب سوريا، بمساعدة من مجموعات عسكرية كانت تقاتل سابقا نظام حكم الرئيس السوري بشار الاسد تحت راية الجيش السوري الحر. وفي منتصف آذار 2018 أعلن السيطرة على المدينة الكردية.
وخلال تقدم القوات التركية، أشار الرئيس التركي في خطاب متلفز إلى أن العملية العسكرية التي أطلق عليها “غصن الزيتون”، لن تتوقف عند حدود عفرين، بل ستكون مدينة منبج – وتلرفعت وشرقي الفرات…وبالفعل نفذ جزءا من تهديداته تلك في 9 اكتوبر 2019 واحتل مدينتي تل أبيض ورأس العين.
استمرت المدفعية والطائرات التركية في قصف عشوائي لأهداف عسكرية ومدنية في عفرين، ما أدى إلى مقتل 300 مدنيا، بينهم نساء وأطفال وإصابة أكثر من ألف بجروح غالبها بتر في الأطراف وسببت عاهات دائمة، كما وتسبب هجومه على شرق الفرات في نزوح 350 ألفا من السكان.
وجاء في تقرير للأمم المتحدة إن العملية العسكرية في شمال سوريا تسببت في نزوح ما يقدر بخمسة آلاف شخص في منطقة عفرين، خلال ثلاثة أيام فقط من وقت انطلاق العملية.
كما اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش في أحدث تقرير صدر اليوم، الجماعات السورية المسلحة المدعومة من تركيا تحت أسم “الجيش الوطني السوري”، أو “الجيش السوري الحر” بارتكاب جرائم حرب بحق السكان المحليين، في منطقة عفرين ومناطق تل أبيض ورأس العين.
وكشفت المنظمة في التقرير عن تدهور الأوضاع الأمنية في المناطق المحيطة بعفرين، والتي تسيطر عليها الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا. وأنها ارتكبت جرائم حرب وفقا للجنة التحقيق، واستهدفت المدنيين واحتجزت رهائن وفخخت السيارات، ومارست اعتقالات تعسفية، وابتزاز، وتعذيب، وفرضت قواعد صارمة على لباس النساء والفتيات.
وقالت المنظمة في تقريرها في 9 أكتوبر/تشرين الأول، بعد إعلان الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، اجتاحت تركيا شمال شرق سوريا. حشدت الأطراف غير الحكومية المدعومة منها، بما فيها الجيش الوطني السوري، دعما للهجوم الذي أطلقت عليه “نبع السلام”. قامت السلطات الكردية، ردا على ذلك، بعقد صفقة مع دمشق، ما سمح للقوات الحكومية السورية بالانتشار واستعادة السيطرة على عدة بلدات عند الحدود السورية-التركية.
وأضافت المنظمة أن التقارير أظهرت ارتكاب الفصائل المدعومة من تركيا مجموعة من الانتهاكات، منها القتل دون محاكمة ضد المقاتلين والنشطاء السياسيين والمسعفين الأكراد، ونهب الممتلكات ومصادرتها، كما وثّقت تقارير مجموعات المراقبة المحلية والدولية العديد من الهجمات العشوائية التي شنتها تركيا على المدنيين والأعيان المدنية في شمال شرق سوريا.
وتحدث التقرير عن تدهور ظروف المخيمات التي تؤي أفراد يشتبه في علاقاتهم مع التنظيم أو أسرهم، وذلك بسبب الغزو التركي لشمال شرق سوريا قلّص مساحة المناطق الخاضعة لسيطرة السلطات التي يقودها الأكراد، في وقت كتابة هذا التقرير كانت إدارة الحكم الذاتي التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا ماتزال مسيطرة على معظم المشتبه بهم وأفراد أسر تنظيم داعش البالغ عددهم نحو 110 آلاف ،من بينهم 62 ألف سوري وعراقي، وأكثر من 11 ألف من النساء والأطفال الأجانب غير العراقيين المرتبطين بمن يشتبه بانتمائهم إلى داعش، والذين كانوا محتجزين في مخيم الهول الصحراوي في ظروف مروعة وأحيانا قاتلة. ساهمت قلة الموارد والقيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية في تدهور ظروف المخيمات.
كما انتقد التقرير قيام السلطات التركية باحتجاز العديد من السوريين وأعادتهم قسرا بعد التوقيع على نماذج “العودة الطوعية”. لينتهى المطاف بالكثير منهم في إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة حركة التحرير الشام، حيث اعتقلتهم تلك المجموعة أو وجدوا أنفسهم تحت رحمة الهجوم العسكري السوري – الروسي.
كما اعتبر أن خطة تركيا في ما تسميه “منطقة عازلة” في شمال شرق سوريا، ونواياها في نقل ما لا يقل عن مليون سوري هم حاليا في تركيا. لن تضمن حماية المدنيين، وسيشمل عددا من المخاوف الحقوقية.
تغييرات ديموغرافية
بدأت أنقرة في اللعب بهوية المنطقة، وتغيير ديموغرافيتها، وطمس معالمها الحضارية والثقافية.
وقد أدت العملية في أيامها الأولى فقط إلى نزوح نحو 167 ألف شخص في الشمال السوري نتيجة القصف التركي، بحسب الأمم المتحدة.
وأصدرت الأمم المتحدة تقريرا في أيلول/سبتمبر 2018، تقول فيه إن القوات التركية الجوية قد فشلت في اتخاذ الاحتياطات المناسبة خلال تنفيذ هجماتها، ما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين.
وقد أسفرت عملية ما يسمى “غصن الزيتون” في نزوح نحو 300 ألف كردي من عفرين، واستيلاء مسلحي الجماعات الموالية للقوات التركية على مزارع الزيتون التي يمتلكها المزارعون الأكراد، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي حزيران/يونيو الماضي، أصدرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” تقريرا عن استيلاء جماعات مسلحة تابعة للجيش السوري الحر على ممتلكات المدنيين الأكراد في منطقة عفرين شمالي سوريا.
وأورد التقرير أنباء عن استيلاء الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا على منازل السكان الأصليين من الأكراد، وتدمير الممتلكات المدنية ونهبها، الأمر الذي اعتبره ناشطون أكراد محاولة تركية لتغيير ديموغرافية المنطقة ذات الأغلبية الكردية.
وحملت هيومن رايتس ووتش تركيا ومجموعات الجيش الحر في عفرين مسؤولية نهب ممتلكات الأكراد، وطالبت المنظمة السلطات التركية بضرورة تعويض النازحين من عفرين.
كما وأصدرت لجنة مستقلة تتبع الأمم المتحدة تقرير اتهمت فيه تركيا وفصائل المعارضة السورية بارتكاب جرائم حرب في عفرين
استهداف الآثار:
عمدت القوات التركية إلى استهداف الآثار الكردية، فدمرت معبد عين الدارا الذي يعود إلى سنة 1200 ق.م.
وتضمنت قائمة المواقع الثقافية والأثرية المهدمة التي أعلن عنها ناشطون أكراد: موقع براد الأثري، آثار منطقة خرابي رهزا، كنيسة علبسكي، آثار موقع النبي هوري/سيروس، مزارات دينية على امتداد عفرين، قبور وأضرحة لبعض الرموز الكردية.
مديرة الرصد في “مرقاب التراث الثقافي ASOR” أمينة غابريال قد قالت في مقابلة سابقة مع “قناة الحرة” إن هناك العديد من المواقع الأثرية التي دمرت ونهبت على يد الجماعات السورية المسلحة الموالية لتركيا، مثل موقع تكلا الأثري بمنطقة جبل سمعان شمالي سورية، وعسكرة موقع دير سمعان الأثري الذي يعود إلى عام 490 وقد تضرر جراء الإنشاءات التي أجرتها القوات التركية بداخله.
وكانت منظمة اليونسكو قد أصدرت بيانا في 31 كانون الثاني/يناير أعربت فيه عن قلقها من تداعيات الأوضاع في شمال سورية على المدنيين وعلى التراث الثقافي في المنطقة.