يشكو أهالي منطقة عفرين السورية من الأوضاع الأمنية السيئة، وذلك بعد أكثر من عام من سيطرة القوات المسلحة التركية والجماعات السورية الموالية لها على المدينة.
وقال إبراهيم (52 سنة) : “حتى الآن لم يتحسن شيء رغم الوعود، نفتقد الأمان، والكثير من العوائل مازال مشتتة، ولم يعد جميع أهالي عفرين حتى اليوم إلى منازلهم\ممنوعون من العودة، وهناك عوائل لجأت إلى إقليم كردستان العراق، بينما البعض فضل البقاء في المخيمات بالقرب من مدينة حلب”.
وأضاف “نطلب أن نكون أحرارا في التنقل بين المناطق، وأن يكون بمقدورنا الذهاب إلى أقاربنا في بلدات المنطقة، من دون أن تستوقفنا الحواجز التابعة للفصائل الموالية لتركيا، أو تعتدي علينا، ونريد أن نجني محاصيلنا من دون تدخل من أحد، أو إتاوات تفرض علينا من هذا الفصيل أو ذاك”.
وأكد المهجر من ريف حمص الشمالي، حسام أبو أكرم (43 سنة)، أنه “لم يتغير شيء منذ وصولي إلى منطقة عفرين عام 2018، والسرقات تحدث كثيرا في المنطقة، وخاصة سرقة السيارات والدراجات النارية، ويخشى الناس التصدي للصوص نظرا لانتشار السلاح”.
وأضاف: “المنطقة بشكل عام تفتقر إلى الأمن والخدمات، وكثيرا ما يعتدي عناصر تابعين للفصائل المسلحة على ممتلكات الناس بحجج واهية، وهذا الأمر يتكرر، ولا يمكن لأحد الاعتراض عليه”.
العودة إلى البيت ليست مضمونة في عفرين
من يعيش في منطقة عفرين في ريف حلب يعاني في ظل الفلتان الأمني، واستمرار عمليات الخطف التي تنهك العائلات. الكثير من الخاطفين يطلبون فدية مالية مقابل إطلاق سراح المخطوفين، ما يجعل الأهالي يعيشون قلقاً مستمراً
يعيش من تبقى من سكّان منطقة عفرين في قراهم ومدينتهم، والخاضعة لسيطرة جماعات مسلحة مدعومة من تركيا، وسط فلتان أمني وجرائم خطف بهدف الحصول على فدية، إضافة إلى الكثير من الانتهاكات الأخرى. ولا يبدو أن هناك نهاية للبؤس والقلق في المدى القريب.
وتقول أم عمار الشامي المهجرة من ريف دمشق إلى ريف حلب: “لم نفكر يوماً في ترك البلاد على الرغم من كل ما شهدناه من اعتقال وحصار وجوع. بعدما هجرنا، بداية قررنا أن نستقر في ريف إدلب. لكن قبل أشهر من معركة إدلب، قررنا الانتقال إلى عفرين ظناً منا أنها أكثر استقراراً. بعدما وصلنا، اكتشفنا أن الأمر ليس كما توقعنا. يوجد مجموعات مسلحة تحكم كل منطقة، بل كل شارع، على غرار دويلات مستقلة”. تضيف: “عانينا كثيراً قبل أن نجد منزلاً. الفصيل المسيطر في المنطقة هو من يؤجّر المنازل. والمشكلة الكبرى هي الإحساس بعدم الأمان. في أي لحظة، يمكن أن يتعرض أحد أفراد الأسرة للخطف، وتصبح العائلة أمام خيارين: إما أن تخسر المخطوف ويقتل بدم بارد وإما تدفع فدية. وعادة ما يطلب الخاطفون عشرات آلاف الدولارات من دون مراعاة أن الناس في تلك المنطقة بالكاد يؤمّنون قوتهم اليومي إن كانوا مهجرين أو من أهلها”.
تتابع الشامي: “كان الخيار الوحيد أمامنا أن يغادر زوجي إلى تركيا، وأعود مع أطفالي إلى إدلب لبعض الوقت قبل أن يتمكن من إخراجنا، وخصوصاً أن بعض المجموعات حاولت خطف زوجي ما يعني أننا جميعاً في خطر”.
من جهته، يقول أحد سكان عفرين الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، “نعيش حالة فلتان أمني لا تطاق. إضافة إلى المزاجية في إدارة المناطق، نتحمل الكثير من الأعباء المالية بهدف تمويل الفصائل والمجالس المحلية، ونعيش في قلق دائم في ظل انعدام الأمان. في أي وقت، قد يخطف أي فرد منا ويصبح الخيار إما دفع الفدية وإما القتل”. ويلفت إلى أن “الناس يحاولون التكتم على الأمر خوفاً على حياة المخطوف، وحتى لا يتحول إلى هدف لمجموعة أخرى في حال دفعت الفدية. كما أنهم يخشون انتقام تلك المجموعات، وخصوصاً أن معظمها مرتبط بشكل أو بآخر بالفصائل المسلحة المسيطرة على المنطقة”.
من جهته، يقول الناشط الإعلامي في عفرين أبو شام : “الخطف يستهدف جميع الناس وعناصر من فصائل المنطقة. قبل أيام، خطف عنصر من الفيلق، ودفع 35 ألف دولار حتى أطلق سراحه. النسبة الكبرى من عمليات الخطف هدفها الحصول على المال”. يضيف: “كل من يقوم بالخطف هم عصابات تتبع لفصائل هدفها السرقة أو جني المال”، لافتاً إلى أن “عمليات الخطف التي ترتكب بحق عناصر الفصائل والمهجرين أكبر من التي ترتكب بحق سكان عفرين من الكرد”.
بدوره، يقول الناشط الإعلامي أبو جوان عفرين، وهو من أبناء عفرين، : “عمليات الخطف تتمّ تحت أنظار الجيش التركي، وهو شبه راضٍ عما يحصل للمدنيين من انتهاكات، بهدف تهجير الكرد من قراهم، لتصحّ مقولته بأنّ خمسين في المائة من سكان منطقة عفرين كرد”. يضيف أن “الفصائل تتولى أعمال الخطف. كما أن العصابات تخطف أي شخص من عائلة ميسورة ثم تقتاده إلى أماكن مجهولة، وتصوّر فيديوهات تظهره في حالة يرثى لها. ثم تطلب من عائلته دفع المال لتخليصه مما يعانيه من تعذيب”.
ويلفت إلى أنه “ما من جهة تتدخل في ملاحقة الخاطفين، سوى الأهالي الذين يحملون همّ إنقاذ أولادهم من القتل”، مبيناً أنّه “ما من أرقام دقيقة. لكن أستطيع القول إن منطقة عفرين فيها 366 قرية. وفي كل قرية، هناك من تعرّض من أبنائها للخطف، في وقت تتراوح الفدية ما بين 20 ألفاً إلى مائتي ألف دولار أميركي”.
ويبين أن “الأهالي مستاؤون بشكل كبير من الخطف الذي يعدّ تصرفاً غير أخلاقي. في المقابل، هناك إصرار على الصمود للبقاء داخل قراهم وبيوتهم وأملاكهم”. يضيف: “في بعض الحالات، يضطر أهالي المخطوفين إلى دفع فدية من دون أن تصل قصصهم إلى الإعلام. بعض الأشخاص خطفوا أكثر من مرة. أحدهم خطف من قبل أحد الفصائل طلب فدية من أهله، الذين أدركوا خطورة الوضع ودفعوا الفدية المطلوبة بسرعة. ولم تصل القصة إلى الإعلام بطلب من الأهل. وبعد الإفراج عنه، خطف مرة أخرى من قبل جماعة أخرى ودفع الأهل فدية مرة جديدة وأفرج عنه. هذه الجماعات تخبر بعضها بعضاً بالأشخاص القادرين على تأمين المال. لكن حين خطف في المرة الثالثة، رفض أهله دفع فدية، وما زال مصيره مجهولاً منذ نحو ستة أشهر”.