يبدو أن رحلة شرق الفرات لم تكن نزهة كما اقنع القادة الأتراك مسلحي الفصائل السورية الذين تدعمهم تركيا، والأمور لم تجرى كما رسم الرئيس التركي رجب أردوغان برهانه أن قواته ستكون قادرة على حسم القتال خلال أسبوع عسكريا، معتمدا على سلاح الطيران والمدفعية التي تقصف المدن من داخل الأراضي التركية، سيما وأن رهانه الأساسي كان مرتبطا بانهيار مؤسسة قوات سوريا الديمقراطية من الداخل عبر تمرد عربي ضد الأكراد وهو المسعى الذي عمل عليه الاعلام التركي والقطري بدعم مخابراتي طيلة الأشهر الستة التي سبقت إعلان تركيا هجومها الشامل لغزو شرق الفرات، بضوء أخضر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
رغم نجاح تركيا عسكريا في الاستيلاء على مدينتي تل أبيض ورأس العين لكن مازال أمامها الكثير لانجازه، وهنالك عقبات كثيرة ظهرت، فعدا عن الصمود الجبار الذي بذلته قسد في مقاومة الهجوم التركي، وثبات مؤسسة قسد فإن اشكالية أخرى باتت تفرض نفسها وهي تفكك الجيش الوطني، تلك القوات الغير متجانسة، المؤلفة من فصائل متعدد الولاءات والانتماء، والتي تعرضت لهزائم متتالية وباتت اليوم متماسكة فقط من أجل الرواتب التي توفرها تركيا لعناصرها بدعم قطري، بدون أي مشروع حقيقي، فهؤلاء الذين ثاروا من أجل إسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد سنة 2011 باتوا الآن يقاتلون لغاية مختلفة، فهم انسحبوا من مدنهم وسلموها للنظام وهربوا إلى الحدود التركية، وباتوا بيادق بيد رئيسها يحركها كيفما يشاء.
اشتباكات:
لا تتوقف المواجهات المسلحة بين الفصائل التركية، في مختلف المدن الخاضعة لسيطرة الجيش التركي، في الباب وعفرين و جرابلس وإعزاز، و انتقلت المواجهات الى شرق الفرات، فالمواجهات المسلحة متواصلة منذ أسبوع بين فصيلي الجبهة الشامية، وفيلق المجد، كما واندلعت مواجهات بين السلطان مراد والشامية، وبينهم وبين أحرار الشرقية، وتعددت الأسباب منها ما يكون بسبب خلافات على مايسمونها “الغنائم” أو الحواجز، أو اختلاف على أحقية أي فصيل بالتواجد في المقر الفلاني، وأن محلات ومنازل الحي الفلاني هي ملكية لهذا الفصيل أو ذاك إلى جانب خلافات على أحقية أي فصيل بالاحتفاظ بالمعتقلين ومن يحق لهم المطالبة بالفدية والتصرف بها…
مظاهرات:
إلى جانب الاقتتال برزت مؤخرا قيام العشرات من المسلحين بتنظيم احتجاجات، على عدم صرف رواتبهم، أو بسبب قلة الراتب وقلة المعونات الغذائية التي تصل لعوائلهم، أو بسبب عدم منحهم إجازات لزيارة عائلاتهم كما حدث قبل يومين حيث خرجت تظاهرات في مدينة تل أبيض من قبل المسلحين المدعومين من تركيا مطالبين بالعودة لعوائلهم في مدينتي عفرين واعزاز بمحافظة حلب شمالي سوريا.
ورافق الاحتجاجات إطلاق نار من قبل المسلحين تعبيرا عن استيائهم لعدم حصولهم على إجازات لزيارة عوائلهم، ويبدو أن ارتفاع أعداد قتلى الفصائل على يد قوات سوريا الديمقراطية ساهم في تبديد طموحات هؤلاء المسلحين، إضافة للفلتان الأمني وانهيار قطاع الخدمات.
وسبق أن تظاهر مقاتلون في “الجيش الوطني” الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2019، بمدينة تل أبيض، أشعلوا خلالها إطارات مطاطية قرب آلية عسكرية، لمطالبة السلطات التركية بنقلهم إلى منطقتي اعزاز وعفرين التي يقيمون فيها شمال حلب نظرا لعدم حصولهم على إجازات منذ بداية معركة شرق الفرات.