مقتل 33 شخصا تحت التعذيب في سجون الفصائل المدعومة من تركيا شمال سوريا

“أهلا بك في الجحيم”، مقولة تنطبق على الوضع الحقوقي في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شمال سوريا، وبالتحديد في مقاطعة عفرين التي اكتظت سجونها بآلاف المعتقلين منذ سيطرة القوات المسلحة التركية آذار/مارس 2018، ومازالت الاعتقالات مستمرة يوميا ولا تتوقف.

الاعتقال ليس مجرد كلمة عابرة، بل تدمير لإنسانية البشر، ومرادف للجحيم بعينه، جحيم لشخص المعتقل نفسه عندما يلقى به في واحد من أسوأ الأماكن وحشية في العالم، حيث التعذيب وغياب الرعاية الصحية والإهمال الطبي والإذلال والإهانة وربما القتل، وجحيم لأسرته التي تعاني أهوال وويلات البعد ومصيره المجهول.

لا تدخر الفصائل جهدا في العمل على خراب بيوت أسر المعتقلين، ليس بتحطيم محتوياتها و حرقها أثناء هجمات الاعتقال فحسب، وكذلك بحرمان ذويه من معرفة أي أخبار عنه، مكان احتجازه، واستحالة السماح لهم برؤيته…كل ذلك مقابل فدية مالية قد تصل إلى 30 ألف دولار للافراج عنه، حتى في بعض الحالات التي يتم دفعها لا يتم الافراج عن المعتقل، بل وترسل جثته لذويه أو يرمى بها في القمامة…

وثق “مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا” في بيان أصدره حول واقع السجون في مناطق الشمال السوري الخاضعة لتركيا مقتل 33 شخصا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات الفصائل والجماعات المسلحة التي تدعمها تركيا؛ شمال سوريا كما وكشف أن هذه الفصائل اعتقلت ما لا يقل عن ( 5576 ) شخصا، منذ آذار 2018 وتعرض ( 661 ) شخصا منهم للتعذيب.

ويأتي التقرير وسط قيام المركز بتوثيق المزيد من حالات التعذيب في السجون، رغم صعوبة الوصول إلى المعلومات، والحصول على تفاصيل متعلقة بهذا الشأن نتيجة قيام السلطات التركية بإغلاق المناطق التي احتلتها في شمال سوريا أمام وسائل الإعلام، وأمام المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وهو ما يمنح الفصائل مزيدا من القوة والثقة في المضي بتعذيب المعتقلين في السجون دون مراعاة القواعد الاساسية التي تضمن حقوق المعتقل. من الاحتجاز التعسفى كأحد الانتهاكات الخطيرة، و“الحرمان من الحرية” بدون سند قانونى. حيث ينص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان في مادته التاسعة على مايلي: “لا يجوز اعتقال أى أحد أو حجزه أو نفيه تعسفيا”. كما ينص فى مادته العاشرة على: “لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق فى أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه”.

في عفرين لوحدها لا يزال مصير نحو 2500 معتقلا من أصل 5576 معتقلا مجهولا، حيث يُفترض أنهم إما موتى أو لايزالون قيد الاحتجاز. فضلا عن ذلك، لقي حوالي 33 شخصا “حتفهم تحت التعذيب”، في حين يموت الكثيرون جراء أوضاع تعتبر مزرية ومنهم من يموت بعض الإفراج عنه، فيما يمكن وصف ما يحدث “بالإبادة”.

لقد حظيت عمليات الاختطاف والقتل التي ارتكبها النظام السوري باهتمام كبير في الغرب، لكن فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا احتجزت أشخاصا كثر أيضا، وقتلت الكثير منهم تحت التعذيب.

ويبدو أن نظام السجون بات جزءا لا يتجزأ من جهود السلطات التركية في تحقيق التغيير الديمغرافي، التي تتضمن تهجير من تبقى من السكان .

نزح أو هجر من عفرين قرابة \ 200- 250 الف\ باتخاذ إجراءات عديدة تنفذها الفصائل التابعة لها من استيلاء على الملكيات العقارية والزراعية والتجارية إلى اعتقالات وخطف وقتل وتهديد وابتزاز واغتصاب.

ورغم أن تركيا تمارس سياسة الصمت وترفض الرد على التقارير الحقوقية التي تتهم قواتها بارتكاب جرائم حرب في منطقة عفرين، فإن بعضا من بيانات الفصائل التي تدعمها تؤكد بالفعل حدوث انتهاكات، وهي تعترف ضمنيا باعتقال وموت العشرات وهم رهن الاعتقال، لا سيما مع اعلانهم اعتقال أعضاء ورؤساء بعض الأجهزة الأمنية وقادة وأعضاء الفصائل بتهم التعذيب والاغتصاب والفساد وغيرها أو تأتي كرد على بعض التقارير والصور والفيديوهات المسربة، تتضمن اقرارا بأن الحادثة “حالة فردية” وأنه سيتم معاقبة المتورطين، وهو العقاب الذي لا يتم….وكأنهم يقولون “لقد ارتكبنا هذا، ولن يُعاقبنا أحد”، ضمن منهجية “التعذيب لمجرد التعذيب، التعذيب من أجل الثأر والقتل والحقد وإهانة الأفراد، وكسب الأموال ….”.

يعتبر نظام الاعتقال في سجون المعارضة بالمناطق الخاضعة لتركيا شمال سوريا نسخة من الحجم الكبير عن ذاك الذي بناه الرئيس السوري حافظ الأسد، وابنه بشار الأسد. ففي سنة 1982، سحق الأسد الأب انتفاضة مسلحة للإخوان المسلمين في حماة، وسوّى جزءا كبيرا من المدينة بالأرض، كما اعتقل عشرات الآلاف من الناس؛ منهم الإسلاميون والمعارضون اليساريون والسوريون بشكل عشوائي وذلك ردا على تمرد تنظيم الاخوان المسلمين طمعا في السلطة.

وعلى مدى عقدين من الزمن، اختفى حوالي 17 ألف محتجزا في غياهب نظام يمتاز بطرق تعذيب تمت استعارتها من المستعمرين الفرنسيين والديكتاتوريين الإقليميين والنازيين.. وعندما خلف بشار الأسد والده في سنة 2000، أبقى نظام الاعتقال على حاله وحينما انشق عنه عناصر من المخابرات، وقادة من جيشه وموظفين تحولوا لصفوف المعارضة، أسسوا هناك نظاما يماثل النظام الذي انشقوا عنه، وبنفس الممارسات، حيث تم تأسيس أجهزة أمنية موازية كجهاز الشرطة العسكرية، وجهاز الأمن السياسي والجنائي والمخابرات وسجون وعتقلات سرية ومتعددة وغير ذلك، لا بل كانت هذه الأجهزة هي الأسوأ كونها تفعل ما تشاء بدون رقابة ولا تخشى من العقاب وتمضي في ارتكاب المزيد من الانتهاكات، فلكل فصيل مسلح أجهزة أمنية خاصة به، يسيطر عبرها على قرى وبلدات يفرض فيها من يشاء.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك