طلبت منظمة «العفو الدولية» اليوم (الخميس)، تركيا بوضع حد لـ«الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان» في عفرين، في شمال سورية، متهمة أنقرة بـ«غض الطرف» عن هذه الانتهاكات ومشاركة جنودها فيها.
وقالت المنظمة غير الحكومية في تقرير ليل الأربعاء – الخميس إن سكان عفرين «يتحملون انتهاكات متعددة لحقوق الإنسان، تُنفّذ معظمها مجموعات سورية مسلّحة ومجهّزة من جانب تركيا».
وأضافت المنظمة: «هذه الانتهاكات التي تغضّ القوات المسلحة التركية الطرف عنها، تشمل الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري ومصادرة الممتلكات والنهب».
وسيطرت القوات التركية مع مجموعات سورية مسلّحة ومجهّزة من جانب أنقرة، على منطقة عفرين في آذار (مارس) الماضي بعد عملية عسكرية استمرت شهرين وأدت إلى نزوح عشرات آلاف الأشخاص. وهذه العملية التي أُطلق عليها اسم «غصن الزيتون».
وكانت السلطات التركية أكدت في آذار (مارس) الماضي أنها ستحقق في شهادات تتحدث عن حصول عمليات نهب واسعة النطاق نفّذتها مجموعات مسلحة سورية متحالفة مع أنقرة خلال عملية السيطرة على عفرين.
واستناداً إلى منظمة «العفو الدولية»، فإنّ قوات تركية ومقاتلين سوريين متحالفين معها «استولوا على مدارس» في عفرين، الأمر الذي يمنع آلاف الأطفال من مواصلة دراستهم.
وقالت مديرة أبحاث الشرق الأوسط في المنظمة لين معلوف إنّ «الهجوم والاحتلال من جانب الجيش التركي يزيدان معاناة سكان عفرين الذين عانوا نزاعاً دموياً على مدى سنوات».
وحضّت المنظمة أنقرة على «وضع حد فوري للانتهاكات»، قائلة إنّ تركيا تتحمل باعتبارها «قوة احتلال» مسؤولية ضمان سلامة السكان والحفاظ على النظام في عفرين.
نص التقرير:
قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن القوات التركية تطلق العنان للجماعات المسلحة السورية لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المدنيين في مدينة عفرين شمالي سوريا؛ جاء ذلك في تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في أعقاب تحقيقاتها المستفيضة بشأن الأوضاع المعيشية في المدينة في ظل الاحتلال العسكري التركي.
ويكشف التقرير البحثي الصادر اليوم النقاب عن مجموعة واسعة من الانتهاكات التي يكابدها أهالي عفرين، وترتكبها في الأغلب والأعم الجماعات المسلحة السورية التي تزودها تركيا بالعتاد والسلاح. ومن بين هذه الانتهاكات الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، ومصادرة الممتلكات، وأعمال النهب، وقد غضت القوات المسلحة التركية الطرف عنها. بل إن بعض هذه الجماعات، وكذلك القوات المسلحة التركية ذاتها، استولت على المدارس، مما عطل تعليم الآلاف من الأطفال.
وقالت لين معلوف، مديرة البحوث ببرنامج الشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية: “لقد أدى الهجوم والاحتلال العسكري التركي إلى تفاقم معاناة السكان في عفرين، بعد ما كابدوه من ويلات الصراع المسلح المستمر منذ عدة سنين. وسمعنا قصصاً مروعة عمن تعرضوا للاعتقال أو التعذيب أو الإخفاء القسري على أيدي الجماعات المسلحة السورية التي ما برحت تلحق الدمار بالمدنيين بلا ضابط أو رادع من القوات التركية”.
وأضافت لين معلوف قائلة: “إن تركيا هي قوة الاحتلال في عفرين، ومن ثم فإنها مسؤولة عن رفاهية وسلامة السكان المدنيين، والحفاظ على القانون والنظام. وحتى الآن، تقاعست قواتها المسلحة تماماً عن النهوض بتلك المسؤوليات؛ ولا يمكن لها التهرب من المسؤولية باتخاذ الجماعات المسلحة السورية مطية لتنفيذ أفعالها البغيضة بالنيابة عنها. ويجب على تركيا المسارعة إلى إنهاء الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة المتحالفة معها، ومحاسبة المسؤولين عنها، والتعهد بمساعدة أهالي عفرين في إعادة بناء حياتهم”.
إن تركيا هي قوة الاحتلال في عفرين، ومن ثم فإنها مسؤولة عن رفاهية وسلامة السكان المدنيين، والحفاظ على القانون والنظام. وحتى الآن، تقاعست قواتها المسلحة تماماً عن النهوض بتلك المسؤوليات.
وفي يناير/كانون الثاني 2018، شنت تركيا والجماعات المسلحة السورية الموالية لها هجوماً عسكرياً على “وحدات حماية الشعب”، وهي القوة العسكرية للإدارة الذاتية بقيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي السوري؛ وبعد ثلاثة أشهر، بسطت تركيا والقوات الموالية لها سيطرتها على عفرين والمناطق المحيطة بها، مما أدى إلى النزوح القسري للآلاف من الأهالي الذين لاذوا بالفرار بحثاً عن الأمان في منطقة الشهباء، بالقرب من عفرين، حيث يعيشون الآن في ظروف مزرية.
وأشار العديد من أهالي عفرين إلى تواجد مكثف للقوات المسلحة التركية في وسط المدينة، وفي العديد من القرى المحيطة بها. وفي 1 يوليو/تموز، صرحت وزارة الخارجية التركية بأن قواتها المسلحة عازمة على البقاء في عفرين لمواصلة العمل على تنمية المنطقة.
وخلال الفترة بين مايو/أيار ويوليو/تموز 2018، أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 32 شخصاً، بعضهم لا يزالون يعيشون في عفرين، بينما فر الآخرون إلى بلدان أخرى أو مناطق شتى في سوريا؛ واتهم هؤلاء الأشخاص جماعات مسلحة موالية لتركيا، من بينها “الفرقة 55″، و”الجبهة الشامية”، و”فيلق الشام”، و”السلطان مراد”، “وأحرار الشرقية”، بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
وفي 16 يوليو/تموز، أرسلت منظمة العفو الدولية ملخصاً للنتائج الأولية لتحقيقاتها إلى الحكومة التركية كي ترد عليها؛ وفي 25 يوليو/تموز، بعثت الحكومة التركية رداً يشكك في حياد المنظمة، بالإشارة إلى استخدام عبارات من قبيل “منطقة الشهباء” و”الإدارة الذاتية”، ولكنه خلا من أي رد جوهري على النتائج.
القوات الموالية لتركيا المسؤولة عن الاعتقال التعسفي والإخفاءات القسرية
أفاد العديد من المقيمين والنازحين داخل سوريا، الذين أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم، أن الجماعات المسلحة اعتقلت المدنيين بصورة تعسفية إما بهدف الحصول على فدية، أو عقاباً لهم على المطالبة باسترداد ممتلكاتهم، أو استناداً لاتهامات لا أساس لها بالانتماء لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” أو “وحدات حماية الشعب”. وأبلغت مصادر محلية منظمة العفو الدولية بما لا يقل عن 86 حالة اعتقال تعسفي، وتعذيب، وإخفاء قسري.
وقالت سيدة نازحة من عفرين لمنظمة العفو الدولية إن أفراداً من إحدى الجماعات المسلحة الموالية لتركيا قد اعتقلوا خالها وأخذوه معهم بعد ثلاثة أشهر من عودته إلى قريته؛ وأضافت قائلةً: “لا نعرف أين هو؛ كان رئيس اللجنة المحلية، ولا ينتمي لحزب الاتحاد الديمقراطي ولا لوحدات حماية الشعب. وقد عاد إلى عفرين خوفاً على بيته، وأقام مع زوجته في منزل آخر لأن قريتنا أصبحت قاعدة عسكرية للقوات التركية. وذات ليلة، قرر أن يطلب من الجماعات المسلحة مرافقته إلى منزله للاطمئنان عليه؛ فرافقته إحدى الجماعات المسلحة إلى المنزل، ولكنه لم يعد منذ ذلك الحين. ورفضوا أن يقولوا لزوجته أين أخذوه”.
وقال معتقلان سابقان لمنظمة العفو الدولية إن جماعة “سلطان مراد” احتجزتهما واتهمتهما بالانتماء لـ “وحدات حماية الشعب”؛ وأضافا قائلين إنهما شاهدا صحفيين ومعلمين ومهندسين ونشطاء، فضلاً عن موظفين سابقين في “حزب الاتحاد الديمقراطي” ومقاتلي “وحدات حماية الشعب”، في السجن بمدينة أعزاز حيث كانا محتجزين”.
وقال أحدهما “اعتقلوني بالقرب من عفرين لمدة شهرين؛ ثم نقلوني إلى مراكز اعتقال متعددة، في معملو ودومليو وبعدينو، وهي كلها قرى تقع في محيط عفرين، حيث قام بالتحقيق معي أفراد اثنتين من الجماعات المسلحة والقوات المسلحة التركية. وتركزت جميع أسئلتهم على أنشطتي في وسائل التواصل الاجتماعي، واتهموني بالانتماء إلى “وحدات حماية الشعب” باعتبار أنني كتبت تقارير عن الانتهاكات التي ارتكبتها تركيا أثناء العملية العسكرية.
وأردف قائلاً: “نقلوني إلى سجن الراعي في أعزاز الذي تديره جماعة “السلطان مراد”؛ ولم أتعرض للتعذيب، ولكني رأيت رجالاً يضربهم أفراد جماعة “السلطان مراد” أمامي، على سبيل اللهو والتسلية ليس إلا، وفي الليل كانت صرخات هؤلاء الرجال تتردد أصداؤها في أرجاء المبنى. وأطلقوا سراحي دون أن أمثل أمام قاضٍ؛ كنت أحسب أنني لن أخرج من هذا المكان أبداً”.
القوات الموالية لتركيا المسؤولة عن مصادرة الممتلكات
منذ أن بسطت القوات المسلحة التركية والجماعات المسلحة الموالية لها سيطرتها على عفرين في مارس/آذار 2018، بدأ المئات من النازحين في العودة إلى المدينة سيراً على الأقدام، سالكين طريقاً جبلياً، لأن “وحدات حماية الشعب” قد أغلقت الطرق الرسمية إلى المدينة عمداً لمنع النازحين من العودة إلى عفرين. واكتشف الكثيرون ممن تمكنوا من العودة أن الجماعات المسلحة الموالية لتركيا قد صادرت ممتلكاتهم وسرقت متعلقاتهم.
وقال عشرة أشخاص لمنظمة العفو الدولية إن الجماعات المسلحة السورية قد صادرت الممتلكات والمحلات التجارية في عفرين؛ وقال نازحون إن أقاربهم وجيرانهم أخبروهم بأن منازلهم قد أصبحت بمثابة مقار عسكرية للجماعات المسلحة الموالية لتركيا أو تعيش فيها عائلات نازحة من الغوطة الشرقية وحمص.
وقال مدرس من النازحين في أحد المخيمات بمنطقة الشهباء لمنظمة العفو الدولية إن جماعة “فيلق الشام” صادرت منزله بمنطقة جنديرس؛ وأضاف قائلاً: “قال لي جاري إن منزلي قد صودر، وأرسل إليّ صوراً يظهر فيها بوضوح اسم “فيلق الشام” مكتوباً على جدار مدخل البيت”.
كما تحدثت منظمة العفو الدولية إلى ثلاثة نازحين قالوا إن الجماعات المسلحة قد صادرت محلاتهم التجارية؛ من بينهم رجل وابنه، يعمل مصمماً فنياً، ويمتلك ثلاثة محلات تجارية في عفرين؛ وقال لمنظمة العفو الدولية إن أحد أقاربه أبلغه بأن جماعة مسلحة تسمى “الفرقة 55” قد صادرت منزله. كما حصلا على صور يظهر فيها أحد هذه المحلات الثلاثة وقد حولته أسرة من الغوطة الشرقية إلى محل جزارة. وقال صاحب محل سوبر ماركت بإحدى القرى القريبة من عفرين لمنظمة العفو الدولية إن أحد أقاربه أبلغه مؤخراً بأن محله التجاري قد نُهبت محتوياته، وأصبحت تديره الآن عائلة من الغوطة الشرقية.
وقالت امرأة لمنظمة العفو الدولية: “إن اللوم لا يقع على العائلات النازحة من الغوطة؛ فقد شُرِّدت مثلنا؛ بل لعلها أسوأ حالاً منَّا”.
القوات الموالية لتركيا المسؤولة عن نهب المنازل والمتاجر
قال 12 شخصاً لمنظمة العفو الدولية إنهم شهدوا أعمال السرقة والنهب أو كانوا من ضحاياها؛ وعلم العديد من النازحين من أقاربهم أن منازلهم قد نُهبت محتوياتها بالكامل أو سرقت منها أجهزة باهظة الثمن مثل أجهزة التلفاز والكمبيوتر والغسالات والثلاجات.
وفي مقابلة إعلامية في إبريل/نيسان 2018، زعم ممثل للقضاء العسكري في منطقة عفرين وقوع سرقات لممتلكات المدنيين أثناء العملية العسكرية، ارتكبها مسلحون ومدنيون على السواء، ولكن النيابة بدأت في تسليم المسروقات لأصحابها. وأوضح ممثل القضاء العسكري أن مرتكبي أعمال السرقة قد ألقي القبض عليهم، وأحيلوا إلى القضاء، بالتنسيق مع الشرطة العسكرية في مدينة أعزاز ومع القوات المسلحة التركية. ولكن أحد العائدين إلى عفرين في مايو/أيار قال لمنظمة العفو الدولية: “ذهبت إلى بيت والديّ، فوجدته خالياً؛ لقد سرقوا كل أثاث المنزل، والأجهزة، وكل شيء آخر. وشاهد الجيران أفراد الجيش السوري الحر يحزمون كل الأثاث على شاحنات. هناك أربع جماعات مسلحة على الأقل تسيطر على القرية، وبالتالي فهم لا يعرفون أي هذه الجماعات هي المسؤولة”.
وقال مواطن من عفرين ممن طلبوا اللجوء إلى ألمانيا لمنظمة العفو الدولية: “أملك خمس شقق ومحلاً تجارياً في مدينة عفرين؛ وقال لي صديقي إن اثنتين من هذه الشقق تعيش فيهما الآن عائلات نازحة. تمكنت من الحصول على أرقام هواتف عائلتين، وتبين أن إحداهما من حرستا والأخرى من الغوطة الشرقية. اتصلت بهم لأطلب منهم الاعتناء بالمنزل، ولكنهم قالوا لي إن كل محتويات المنزل قد سرقت قبل انتقالهم إليه؛ وكنت قد أنجزت ترميمات في المنزل قبل ذلك بفترة قصيرة. ليست لدي مشكلة مع العائلات المقيمة في المنزل، وإنما مع الجماعات المسلحة”.
وقالت لين معلوف “يجب على جميع أطراف النزاع الدائر في سوريا، بما في ذلك “وحدات حماية الشعب” والقوات المسلحة التركية والجماعات المسلحة المحلية، تيسير عودة النازحين إلى عفرين سالمين بكامل إرادتهم”.
وأضاف قائلاً “يجب على تركيا، باعتبارها قوة الاحتلال، أن تقدم تعويضات كاملة لمن تعرضت منازلهم للمصادرة أو التدمير أو النهب على أيدي قوات الأمن أو حلفائها. ومن واجب تركيا أن تكفل للمدنيين النازحين إمكانية العودة إلى منازلهم في عفرين، وتضمن رد حقوقهم وممتلكاتهم إليهم، أو – إذا تعذر ذلك – تقديم تعويضات مالية لهم”.
تركيا والجماعات المسلحة المسؤولة عن استخدام المدارس لأغراض عسكرية
أصبح الوصول إلى المؤسسات التعليمية أمراً شبه مستحيل لأهالي عفرين منذ يناير/كانون الثاني 2018؛ فقد ذكر بعض الأهالي لمنظمة العفو الدولية أنه منذ مارس/آذار لم يعد بمقدور الأطفال تلقي التعليم المدرسي إلا في مدرسة واحدة بمدينة عفرين، بينما أغلقت جامعة عفرين تماماً بعد ما تعرضت له من الدمار والنهب. وقال معلمون سابقون ممن نزحوا إلى منطقة الشهباء إن القوات التركية والجماعات المسلحة السورية الموالية لها تتخذ مدرسة أمير غباري مقراً عسكرياً. وقد اطلعت منظمة العفو الدولية على صور التقطتها الأقمار الاصطناعية منذ 20 إبريل/نيسان 2018، تظهر فيها العديد من المركبات المدرعة ومنشأة حديثة البناء؛ ولم تكن هذه المركبات ولا المنشاة قائمة في الموقع قبل سيطرة القوات التركية والجماعات المسلحة على عفرين في 18 مارس/آذار 2018.
وقالت مصادر إعلامية محلية وبعض الأهالي إن القوات التركية والجماعات المسلحة قامت بتحويل المدرسة الحكومية في شارا إلى مقر للشرطة في يونيو/حزيران 2018. كما ذكر الأهالي أن القوات التركية تستخدم مدرسة أخرى في جنديرس كمستشفى ميداني.
وقالت لين معلوف “إن القانون الإنساني الدولي يقضي بأن تحظى المدارس بحماية خاصة وبضمان إتاحة التعليم للأطفال، ولا سيما في حالات الاحتلال. ومن ثم فإننا نحث تركيا على اتخاذ كافة التدابير اللازمة التي تكفل للأطفال إمكانية العودة إلى مدارسهم، وتضمن ترميم الجامعة وإعادة فتحها بأسرع ما يمكن.”
انتهاكات الحكومة السورية:
في أعقاب الهجوم الذي وقع في يناير/كانون الثاني 2018، فر الآلاف من الأهالي إلى منطقة الشهباء القريبة؛ وأصبح ما لا يقل عن 140 ألفاً منهم يعيشون الآن في مخيمات أو منازل متضررة حيث لا يتيسر لهم الوصول إلى الخدمات اللازمة، ولا سيما الرعاية الطبية. وصار لزاماً على الجرحى والمرضى المصابين بأمراض مزمنة الانتظار ريثما تسمح الحكومة لهم بدخول مدينة حلب، وهي أقرب مكان تتيسر فيه الرعاية الطبية الكافية.
كما منعت الحكومة السورية الانتقالات من منطقة الشهباء إلى أي أنحاء أخرى من سوريا تتسم بأوضاع معيشية أفضل، الأمر الذي أرغم الكثيرين ممن يقاسون شظف العيش على دفع مبالغ طائلة للمهربين لمواجهة هذه القيود على حرية التنقل.
وإلى جانب ذلك، قامت “وحدات حماية الشعب” بسد الطرق بين منطقة الشهباء وعفرين، متعمدة بذلك منع النازحين من العودة إلى ديارهم؛ ومنذ نهاية العملية العسكرية في مارس/آذار، عاد المئات من الأهالي إلى عفرين بعد رحلة طويلة شاقة عبر طريق جبلي وعر سيراً على الأقدام.
وقالت امرأة من هؤلاء العائدين إلى عفرين في مطلع أبريل/نيسان لمنظمة العفو الدولية: “في طريق عودتنا إلى عفرين، لقيت عمتي البالغة من العمر 60 عاماً حتفها بسبب الجفاف الشديد، وكانت تعاني من نوع شديد من مرض السكري ومن مشاكل صحية أخرى. لم تسمح لنا “وحدات حماية الشعب” باجتياز الطريق الرسمي بسياراتنا، فاضطررنا للسير على الأقدام نحو خمس ساعات؛ نفد ما في حوزتها من الماء في منتصف الطريق، فذهبت ابنتها بحثاً عن مياه الينابيع، ولكنها عادت قبل فوات الأوان”.
وقال بعض الأشخاص، من بينهم أعضاء في الهلال الأحمر الكردي، إن الحكومة السورية فرضت قيوداً على الإجلاء الطبي للمرضى والجرحى من المدنيين من منطقة الشهباء إلى حلب. وقال الهلال الأحمر الكردي ومهنيون طبيون لمنظمة العفو الدولية إنه لا يوجد في منطقة الشهباء سوى مستشفى واحد وعيادتين تقدمان الرعاية الطبية الأساسية والأدوية. وأضافوا أن هذه العيادات تفتقر إلى الخبرة الطبية والعتاد اللازم لإجراء عمليات جراحية أو علاج أمراض مزمنة.
وحتى وقت كتابة هذه السطور، كان زهاء 300 شخص ممن يعانون من أمراض مزمنة وإصابات خطيرة ينتظرون ريثما توافق الحكومة السورية على إجلائهم للعلاج الطبي. ومنذ منتصف مارس/آذار، لم تسمح الحكومة السورية لسوى خمسين شخصاً بالسفر إلى المستشفى الوطني حلب لتلقي العلاج.
واختتمت لين معلوف قائلة: “إن الحكومة السورية و”وحدات حماية الشعب” تزيد من معاناة الأهالي النازحين عن عفرين بإبقائهم محاصرين في منطقة الشهباء بلا سبب واضح، وبحرمانهم من السبل الكافية للحصول على التعليم والغذاء والرعاية الطبية. يجب على الفور السماح للناس، ولا سيما المرضى والجرحى، بالمرور الآمن إلى أي مكان يشاؤون الذهاب إليه”.
“وإننا نحث سوريا و”وحدات حماية الشعب” على احترام حق المدنيين في حرية التنقل، وتيسير عودة النازحين إلى ديارهم سالمين بمحض إرادتهم. وينبغي على السلطات السورية تسريع وتيرة الإجلاء الطبي لكافة المرضى والجرحى الذين لا يستطيعون تلقي العلاج الكافي في منطقة الشهباء.”