قضى ماركوس 95 يوماً أسيراً في سجن كردي. يتذكر كيف أن حوالي مئة شخص كانوا محتجزين في غرفة لا تزيد مساحتها عن 65 متر مربع، وكيف كانوا يجبرون على أن ينام كل واحد منهم على جانبه حتى يترك مكاناً لمن يجاوره لينام بدوره على جانبه، بل أحيانا يضطرون إلى النوم وقوفا.
بعمر 47 عاما، من مواليد بلدة راباناليس، في شمال غرب إسبانيا، وَجد ماركوس نفسه معتقلاً ضمن ثلاثة إسبانيين، أُطلق سراحهم جميعاً على فترات متلاحقة، شهر أغسسطس/آب في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق. قبل سجنه. كان ماركوس مسعفاً متطوعا بين “وحدات مقاومة سنجار”، وهي وحدة إيزيدية مقاتلة أنشأت لأجل مواجهة تنظيم “داعش” الذي هدّد وجود هذه الأقلية في العراق.
تدخل حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي يعتبره الاتحاد الأوروبي تنظيماً إرهابياً، لصالح القوات الإيزيدية، لأجل المساهمة في حماية السكان من خطر “داعش”، لكن هذا التدخل نتج عنه وقوع اشتباكات بين القوات الإيزيدية ومقاتلي البشمركة الأكراد. أسباب الاشتباكات متعددة، لكن من أهمها هو التقارب الحاصل بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يحكم إقليم كردستان، وأنقرة التي تعتبر PKK أكبر أعدائها في المنطقة.
“لا فرق بالنسبة لنا بين معتقلي “داعش” ومعتقلي PKK”، هكذا كان السجانون يقولون، يتحدث ماركوس، مضيفاً أن المتطوّعين ضمن القوات الإيزيدية كانوا مجبرين حتى على مشاركة الحمام مع مقاتلي “داعش”، وأن السجانين كانوا يتركون جهاز التلفاز شغالاً طوال اليوم بصوت عالٍ حتى يمنعوا المعتقلين من النوم، وفق ظنه. زار الصليب الأحمر هذا السجن أكثر من مرة حتى يتم التدقيق في حالة السجناء، لكن السجانين كانوا يخفون عدة معتقلين في أماكن أخرى حتى لا تراهم بعثة الصليب.
يقول ماركوس أنه لم يتم إخبار الإسبان الثلاثة ما هي مدة الاحتجاز التي سيقضونها، كما لم يكن يسمح لهم بالخروج من الزنزانة إلّا فترة 20 دقيقة في اليوم، في ساحة لا تزيد عن 15 متراً. لكن أسوأ ما وقع لماركوس، هو وضعه في زنزانة انفرادية لمدة يومين بعدما زارته لجنة موفدة من السفارة الإسبانية. تعرّض ماركوس للضرب في هذه الزنزانة التي كان الظلام فيها دامسا، فضلاً عن “عذاب نفسي” عندما كان يسمع صرخات من يتم تعذيبهم في زنزانات مجاورة.
الأوضاع كانت رهيبة، فعدة سجناء حاولوا الانتحار، حسب قوله أجير الذي قضى 111 يوما في الاحتجاز، أي أكثر من زميله ماكروس. يقول الشاب البالغ من العمر 21 سنة، والقادم من إقليم الأندلس الإسباني، إن مقاتلي PKK كانوا معتقلين في زنزانات خاصة حيث لا يتم التواصل بينهم وبين بقية السجناء، مشيراً أنه رأى أكثر من مرة قيام سلطات السجن بتسليم هؤلاء المعتقلين إلى مسؤولين أتراك.
يتحدث أجير أنه التقى بمواطن فرنسي قضى في هذا السجن 11 شهراً، وقد أكد شقيق هذا المواطن الفرنسي الذي يحمل اسم جامبو لـDW أنه لا يزال معتقلا، لكن الشقيق رفض إعطاء أيّ معلومات أخرى خوفاً على مصير جامبو. ما قاله ماركوس وأجير شبيه بما أكدته مجموعة من المواطنين الغربيين الذين سُجنوا في كردستان العراق، كالبريطانييِن روبرت داو وراو ليويس أيلينغ، اللذان كان يظنان أنهما سيعدمان لما اعتقلا أول مرة.
باتريك كاسبير وجون لوك، أمريكيان كانا ضمن وحدات حماية الشعب، وهي ميليشيات كردية تتهمها أنقرة بالارتباط بـPKK، تعدّ العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية التي حرّرت مدينة الرقة من “داعش” بدعم جوي أمريكي. اعتقل الاثنان في أربيل بضعة أيام نهاية 2016، حيث أسيئت معاملتها شأنهما شأن كل المعتقلين بمن فيهم المهاجرون والأطفال، وفق تصريحات كاسبير لـDW، مشيراً إلى أن أحد المعتقلين الألمان كان في زنزانة مع أشخاص مُشتبه في انتمائهم لـ”داعش”، وبعد ذلك، قضى ثلاثة أيام مقيّد الساقين.
وأكدت لجنة الصليب الأحمر في العراق لـDW أن عدة أجانب كانوا معتقلين في السجون العراقية، ضمنهم أطفال ونساء، غير أن اللجنة استدركت القول بصعوبة إعطاء أرقام دقيقة، بما أنها لا تزال في اتصال مع السلطات العراقية المختصة وسفارات بلدان المعتقلين للتداول حول مصير مجموعة من المعتقلين الأطفال والنساء، المنتمين إلى 20 جنسية.
قوات سوريا الديمقراطية، وقوات حزب العمال الكردستاني أكدتا لـDW أن مقاتليهم اعتقلوا في سجون كردستان العراق، فيما رفض دابان شادالا، ممثل حكومة إقليم كردستان العراق في إسبانيا، الرّد على اتهامات إساءة معاملة السجناء، لكنه صرّح لـDW أن اعتقال الأكراد والأجانب المعتقلين جاء نتيجة “خرق” قوانين الدخول إلى الإقليم، عندما عبروا بشكل “غير قانوني” الحدود بين سوريا والعراق، زيادة على أنهما “كانوا متورّطين في نشاطات عسكرية داخل سوريا”، وفق قوله.