احتلت تركيا ومسلحيها في الـ 18 من آذار 2018 مدينة عفرين، بعد استخدامها الطائرات الحربية وتواطؤ بعض الدول معها. الهجمات التركية لاقت مقاومة كبيرة من قبل أهالي عفرين لمدة 58 يوماً في مقاومة أطلق عليها اسم “مقاومة العصر”، واستعرضت في هذا السياق وكالة هاوار للأنباء ملخص عام من الاحتلال ضمن تقرير موسع، تطرق إلى أبرز الانتهاكات.
ومنذ اليوم الأول من احتلال تركيا لمقاطعة عفرين، والانتهاكات ضد المدنيين وخصوصاً الكرد لم تتوقف، حيث تمارس أعمال لا أخلاقية وغير قانونية، بحسب توثيق بعض الجهات والمصادر من داخل عفرين.
التهجير والتغيير الديمغرافي
في ظل العدوان التركي على مقاطعة عفرين، خرج مئات الآلاف من أهالي عفرين الأصليين من ديارهم قسراً، خوفاً من ارتكاب المجازر بحقهم أثناء الهجمات – خلال المرحلة الأولى من مقاومة العصر.
بحسب احصائيات كشفت عنها وسائل إعلامية ومن بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد خرج 350 ألف مدني في يوم 18 آذار/مارس من عفرين. حتى الآن تخرج العائلات من عفرين تحت ضغط الاحتلال التركي، وذلك لتوطين عائلات من الغوطة ودرعا وإدلب في عفرين وتغيير ديمغرافيتها.
بحسب ما يتم تداوله فإن نسبة الكرد في عفرين الآن لا تتجاوز الـ 20%. في كبرى عمليات التغيير الديمغرافي التي شهدتها سوريا منذ بداية الأزمة في 2011، بناءً على توافق بين تركيا وروسيا.
وبحسب ما وثقته وكالة هاوار في وقتٍ سابق، فإنه تم توطين 1139 عائلة من الغوطة ودرعا، في نواحية جندريسه وشيراوا وموباتا وبلبلة. كما أن الاحتلال التركي ومسلحيه بنوا منازل في قرية مريمين بناحية شرا، لتسكن فيها العائلات الآتية من الخارج وذلك بعد امتلاء منازل عفرين بالمستوطنين.
وكما ويسعى الاحتلال التركي منذ عام، إلى تغيير هوية عفرين ومعالمها، وصبغها بالهوية التركية عبر تغيير اسم الشوارع والميادين والمرافق العامة والمستشفيات، ورفع العلم التركي فوق المدارس والمرافق العامة.
وغير الاحتلال التركي أسماء الساحات الرئيسية بمركز مدينة عفرين، مثل دوار نوروز إلى صلاح الدين، ودوار وطني الى دوار 18 آذار، ودوار كاوا الحداد إلى دوار غصن الزيتون. وفي إطار تغيير أسماء القرى، غير الاحتلال التركي اسم قرية قسطل مقداد إلى سلجوق أوباسي، وقرية كوتانا إلى ظافر أوباسي، وكرزيله إلى جغر أوباسي.
ورافق تغيير أسماء الأماكن الاستراتيجية والكردية إلى أسماء عثمانية، رافقها وضع العلم التركي وصور أردوغان في كل مكان وعلى قارمات كل قرية و كل ناحية ومدينة، فضلاً عن تعليم اللغة التركية في المدارس ورفع العلم التركي فوق المدارس، ووضع العلم على ألبسة الأطفال.
إلى جانب ذلك كتب اسم مشفى آفرين باللغة التركية، بعدما كان مكتوباً باللغتين الكردية والعربية، ناهيك عن تغيير اللوائح التعريفية للمحلات والشوارع وكتابتها بالتركية فقط.
تزامناً مع ذلك عبث الاحتلال التركي بالأماكن المقدسة وتدمير المزارات الدينية للإيزيديين الذي وصل عددها إلى 22 في القرى الإيزيدية.
وبالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في تركيا، وضمن عملية التغيير الديمغرافي وتغيير هوية المناطق التي تحتلها، يرغم الاحتلال التركي الأهالي على إصدار هويات تعريفية تركية للمدنيين السوريين ضمن الأراضي السورية، وذلك لكسبه أصواتهم في الانتخابات.
خطف وقتل :
لعل أكثر الممارسات التي قام بها الاحتلال التركي ومسلحوه بحق أهالي عفرين الباقين في عفرين، هي زيادة عمليات الخطف والقتل, وأغلبها كانت بغاية طلب الفدية المالية. وفي هذا الصدد نشر المرصد السوري لحقوق الانسان عدة تقارير كشفت خطف 2600 مدني خلال عام، كما كشفت عن أن مصير 1000 مدني مجهول.
وبحسب احصائيات وثقتها منصّة الحقوقيين السوريين للدفاع عن عفرين، فقد جرت ما يقارب 3 آلاف حالة خطف منذ احتلال تركيا لعفرين، ناهيك عن تكرار مسلحي الاحتلال خطف المدنيين لأكثر من مرة بغاية طلب فدية.
كما تعمد المسلحون خطف مواطنين من عائلات ذوي وضع مادي جيد، وذلك بهدف طلب فديات كبيرة من العائلات، هذا ما يصفه أهالي عفرين بالداخل بأنه أصبح “عادة” لدى المسلحين.
وحول وضع النساء في عفرين، فبحسب ما أكدته عضوة منصة الحقوقيين السوريين للدفاع عن عفرين آفين حاج حمو، فإنهم وثقوا وأرسلوا ملفات لمنظمات حقوقية في الخارج عن خطف 50 امرأة، واغتصاب 55 أخرى، ناهيك عن الاعتداءات التي تتعرض لها النساء بشكل يومي في العلن، لعل آخر حادثة تثبت ذلك هي قتل امرأة على يد أحد مسلحي الاحتلال بعد التحرش في ساحة آزادي وسط مدينة عفرين.
وكما وثقت بعض الجهات والتقارير الإعلامية قتل الاحتلال التركي لـ84 مدنياً من عفرين منذ احتلاله لها، كما أنه هناك المئات من الحالات التي لم توثق بعد.
سرقة، نهب وتصدير المواد إلى تركيا :
تعرضت عفرين في اليوم الأول من احتلالها إلى أكبر عمليات السرقة والنهب في الأزمة السورية، وظهر ذلك في الصور والتقارير، حيث تمت سرقة كافة محال عفرين.
فيما شوهد أثاث منازل أهالي عفرين، والآليات الزراعية، ومولدات ودراجات هوائية وصفائح زيت الزيتون تباع في أسواق مدن جرابلس والباب وإعزاز التي تحتلها تركيا أيضاً.
وكما استولى المسلحون على منازل أهالي عفرين الذين أجبروا على الخروج إلى مقاطعة الشهباء، بالإضافة إلى الاستيلاء على منازل الكرد الباقين في عفرين وإخراجهم منها قسراً.
ولعل أكثر الأضرار المادية، وعمليات النهب والسلب التي قام بها مسلحي الاحتلال التركي هي الاستيلاء على محصول الزيتون وتصديره إلى تركيا عبر معبر قرية حمام الحدودية بناحية جندريسه، والذي انشأه الاحتلال التركي في الأشهر الأخيرة لتسهل عملية عبور محصول الزيتون والمسروقات.
عدد الأشجار الزيتون في عفرين هو 18 مليون شجرة، ويقدر انتاجها السنوي 270 ألف طن من الزيتون. استولى الاحتلال التركي على موسم الزيتون لهذا العام. وبحسب مصادر فإن المسلحين أجبروا الأهالي على جني موسمهم واستولوا عليه واستخراجوا الزيت منه وصدروه بعد ذلك إلى تركيا.
ناهيك عن تعمّد جيش الاحتلال التركي لاقتلاع الآلاف من أشجار الزيتون والأشجار الحراجية وحرق محصول القمح العائدة ملكيته للأهالي في القرى الحدودية بالمقاطعة.
بحسب صحف ووكالات أنباء عالمية فإن الاحتلال التركي يستخدم عدداً من الشركات الوسيطة لتصدير الزيت الذي استولى عليه في عفرين إلى إسبانيا، واعترف وزير الزراعة التركي باستيلاء تركيا على 50 ألف طن من زيت الزيتون، فيما سرق المسلحون 75 ألف طن من الزيت وباعوها في أسواق سوريا. فيما قالت وسائل إعلام عالمية ومنها سويسرية بأن الاحتلال التركي كسب 130 مليون دولار من زيت زيتون عفرين.
آثار عفرين في متاحف تركيا :
بعد تدمير أغلب الأماكن والمواقع الأثرية المدرجة على لائحة يونيسكو خلال الهجمات على عفرين، مثل “معبد عندارا الأثري، نبي هوري، المدرج الروماني، دير مشمش، قبر مارمارون”، وغيرها العديد من المواقع الأثرية، التجأ مسلحوا الاحتلال التركي عبر سماسرة إلى تنقيب الأماكن الأثرية وإخراج قطع أثرية قديمة وبيعها للتجار في الخارج، أو تصديرها إلى تركيا.
وبحسب ما أكدته الرئيسة المشتركة للجنة الآثار في عفرين أسمهان أحمد فإنه يوجد في عفرين حوالي 75 تل أثري، وأن الاحتلال التركي ومسلحوه قاموا بحفر معظم التلال وتنقيبها بحثاً عن الآثار.
وأكد مدير الآثار والمتاحف لدى النظام السوري محمود محمد على بعض الوسائل الإعلامية بإقدام الاحتلال التركي ومسلحيه بالتعاون مع جنود ورجال أعمال أتراك وبإشراف المخابرات التركية، بالتنقيب عن الآثار وتهريب ما لا يقل عن 16 ألف قطعة أثرية من سوريا وبشكل خاص من عفرين، وهي الآن موضوعة في مديرية الآثار التركية، فيما لم يتسنَ بعد من تحديد عدد القطع الأثرية التي سرقت من عفرين.
إلى جانب ذلك فك الاحتلال التركي السكة الحديدية الممتدة من ميدان أكبس بناحية راجو والمارة من كفر جنة وقطمه بناحية شرا، وبيعها إلى تجار من إعزاز.
تحذيرات من الانتهاكات :
خرجت فعاليات ونشاطات في شمال وشرق سوريا منددة بالاحتلال التركي وانتهاكاته في عفرين وتهديداته لشمال وشرق سوريا، وطالب المتظاهرون بخروج تركيا من الأراضي السورية، وإيقاف الدول المتواطئة مع تركيا بدعمها لتركيا في احتلالها لسوريا وفضح انتهاكاتها غير القانونية.
فيما نظم مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية منتدى في الثاني من كانون الأول عام 2018 تحت عنوان “التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في عفرين” استمر لمدة 3 أيام، وكشفت فيها عن انتهاكات تركيا في عفرين من التطهير العرقي والتهجير القسري والخطف والقتل وسرقة الآثار والتغيير الديمغرافي.
وبعد مرور عام وتوثيق الانتهاكات، كشف تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا عن حجم المعاناة التي يعيشها المدنيون في عفرين بسبب الهجوم الذي شنته تركيا، والذي أشارت فيه عن عمليات الخطف والنهب والسلب التي يقوم بها مسلحوا الاحتلال التركي في عفرين، وغياب الأمن والاستقرار.
90% من الانتهاكات تجرى في خفاء :
وبالرغم من كشف البعض من انتهاكات الاحتلال التركي في عفرين، إلا أنه هناك انتهاكات كثيرة في الداخل يصعب على الجهات الإعلامية أو اللجان الحقوقية والإنسانية معرفتها أو الدخول إلى عفرين وتقصي الحقائق.
يكشف المدنيون الذين يخرجون من عفرين إلى مقاطعة الشهباء، عن حجم الانتهاكات التي ترتكبها تركيا، حيث قالت مسنة خرجت من عفرين بأن “عفرين هي عبارة عن سجن كبير”.
عضوة منصة الحقوقيين السوريين للدفاع عن عفرين أفين حمو، أكدت بأن 90% من الحقائق مخفية في عفرين وأن الاحتلال التركي يمنع توثيق الانتهاكات وطالبت من المجتمع الدولي “بتشكيل لجنة مستقلة للدخول إلى عفرين وتقصي الحقائق”.
المصدر: وكالة هاوار