صالح الأحمد، (اسم مستعار لمزارع كردي ما زال يقيم في منطقة عفرين حتى اليوم)، كشف خلال حديثه حالات الانتهاك العديدة الممارسة بحق مزارعي المنطقة الذين بقوا في أراضيهم ولم يهجروها من قبل فصائل المعارضة المتواجدة في المنطقة.
يشير صالح إلى ما حدث معه خلال الموسم الحالي لقطاف الزيتون؛ بالقول: “كنت أملك 200 شجرة زيتون قبل العملية العسكرية ” غصن الزيتون” على عفرين، اقتلع منها (50 شجرة) لتفتح الطريق نحو النقطة العسكرية التركية التي أنشأها بالقرب من أرضي، وكذلك احترقت (10 أشجار) خلال القصف على المنطقة في العام الماضي، وما تبقى من أشجار كان موسمهم قوي مثل المعتاد، فجاءني منهم (200) شوال زيتون، ونتج عنه (190) تنكة زيت (16 لتر)”.
ويتابع المزارع العفريني موضحاً بأنه وبعد جمع ما أنتجه من زيت الزيتون، صادر منه الفصيل المعارض في منطقته “40 تنكة زيت”، وكذلك المجلس المحلي “30 تنكة” بحجة جمع الضرائب عما أنتج محصول الزيتون.
قام المزارع العفريني بتخبئة ما تبقى له من إنتاج الزيت؛ في مكان بعيد عن منازل البلدة، لأن مسلحي الفصائل كانوا يسرقون أيضاً باقي إنتاج الزيت من أهالي البلدة.
بعد عدة أيام أخرج صالح الأحمد ما خبئه من صفائح الزيت من أجل أن يبيعهم في مدينة عفرين، كي يخرج بأقل الأضرار الممكنة، حيث قامت تركيا بفتح مراكز لشراء الزيت من الأهالي، على الرغم من أن الأسعار في تلك المراكز متدنية ولا تكفي إلا لسد أجور العمال، إلا أنها وبحسب الأحمد تبقى أفضل من أن يسرق كل إنتاجه من الزيت.
ويتابع بالقول: “عندما أخرجت تنكات الزيت من أجل بيعها في المدينة، كان يتطلب نقلهم أن أمر على عدد من الحواجز(التابعة للجيش الوطني)، واستنزفت مني هذه الرحلة عبر الحواجز بأن أخسر (10) تنكات زيت، حيث كان يطلب العناصر مبالغ مالية وبعض من الزيت كي يسمحوا لي بالمرور”.
وحول السعر الذي باع فيه إنتاج محصوله من الزيت، يوضح الأحمد بأنه باع كل صفيحة من الزيت (16 لتر) بـ 9 آلاف ليرة سورية فقط، ويقول حول ذلك بأن السعر هو متدني جدا بالمقارنة مع الأسعار في العام الماضي، حيث كان سعر الصفيحة يصل إلى 25 ألف ليرة سورية.
وتابع: “المال الذي تحصلت عليه من بيع الزيت، لم يكفي أجور العمال الذين عملوا في جني الزيتون، والآن لم أعد أملك ما يكفي من المال كي أقوم بتجهيز الأرض للموسم القادم، لقد بعت الزيت للأتراك من أجل أن لا أُسرق، لم يتركوا لنا أي طريق آخر، كل زيتنا يباع في تركيا و بـ أربعة أضعاف”.
وأصدر مجلس جنديرس المحلي في شهر تشرين الأول 2018، قراراً بمنع المعاصر من عصر الزيتون إلا بموجب كتاب مصدق من المجلس المحلي.
وفقا لتقرير نشره موقع “بي بي سي” عربية؛ نهاية العام الفائت، فقد استولت الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا على جزء كبير من محصول الزيتون بقوة السلاح وقامت ببيعه إلى التجار الأتراك، كما منعت إخراج الزيت من المنطقة، مما أدى إلى تدهور الأسعار.
زيت عفرين في تهجير قسري!
روج موسى، صحفي من مدينة عفرين؛ هُجِّرَ منها منذ قرابة العام، قال أن حال المزارعين وحال الموسم الزراعي بعد سيطرة تركيا على منطقة عفرين؛ كان واضحاً منذ يومه الأول، حينما استهدفت منطقة عفرين بـ72 طائرة حربية منفذة غارات جوية على أكثر من 100 نقطة أغلبها في الغابات وبين الأشجار المعمرة.
ويضيف بأنه وإلى جانب عمليات حرق الغابات بـ “حجج واهية” وقطع أشجار الزيتون، كان هناك قرارات تعجيزية لجني المحصول هذا العام، فكانت الإتاوات العالية التي وصلت للنصف في بعض المناطق، بالإضافة إلى سرقة الزيت بسطوة السلاح بأكثر من 250 قرية؛ وفق قوله.
وأوضح موسى أن الزيت العفريني لا يتم المتاجرة به في عفرين، ويضيف: “صاحب الزيت الأصلي يخاف من تسويق محصوله خوفاً من سرقته أو حجزه لحجج واهية مثل الانضمام لحزب العمال الكردستاني، كما أن تركيا قامت بفتح مراكز شراء الزيت في النواحي، من أجل خلق مشروعية لعمليات سرقة الزيت”.
ويتابع بالقول: “جميع المسروقات من الزيت تنقل عبر “معبر حمام” الذي افتتح مؤخراً بين تركيا وعفرين؛ دون أي موافقة دولية للداخل التركي، من أجل أن يتم تجهيزه باسم شركات وهمية ويتم توزيعه في أوروبا والعراق وإيران وروسيا، وأظن أن (الجميع رأى) كيف وصلت عبوات الزيت العفرينية لبعض الصحفيين الأتراك والذين يقولون بأنها من خيرات عفرين، (وكأنهم) مفتخرين بما يحصل من سرقة”.
ويختم حديثه لـ “روزنة” بالإشارة إلى أن تصدير “الزيت العفريني” يتم عبر الأراضي التركية لأوروبا عبر شركات وهمية، كما وصلت كميات من الزيت العفريني لدول الخليج مثل السعودية عبر بعض الشركات التركية، بينما في أوروبا يشير موسى إلى أن بعض الشركات التي استلمت الزيت؛ سجلت نفسها في إسبانيا لتخفيض ضرائبها وتقوم بتسويقها في تلك المنطقة.
لافتاً بالقول: “حيث ظهرت الكثير من الصور لبعض العبوات باسم بركات الغوطة والتي هي من خيرات عفرين يتم تسويقها في تركيا والسعودية”.
فيما أفاد “مركز عفرين الإعلامي” أن معظم بساتين الزيتون التي هُجّرَ أصحابها لخارج منطقة عفرين؛ تم قطف محاصيلها من قبل الفصيل المسيطر على القرية؛ رغم صدور قرار من المجالس المحلية بإمكان الأقرباء من الدرجة الأولى بقطفها.
وبحسب “مركز عفرين الإعلامي” فقد مُنِعَ الأهالي من تصدير الزيت للمدن السورية، وأُجبِرَ الأهالي لبيعه إلى مقاتلي الفصائل المعارضة أو إلى تجار من طرفهم.
ولفت المركز بالإشارة إلى أنه: “في بداية الموسم افتتحت الحكومة التركية مقراً لشركة الشحن الحكومة التركية “PTT” في منطقة عفرين، لتسهيل تصدير الزيت لتركيا والدول الأوروبية، كما تمكنّا من معرفة ثلاثة شركات شحن لسوريين من حمص والغوطة؛ يبيعون زيت عفرين في السعودية”.
ونوه “مركز عفرين الإعلامي” بأن الوضع الاقتصادي لأهالي عفرين الذين بقوا فيها؛ يتجه للأسوأ بعد عمليات “السطو والسرقة والفدية” المستمرة بشكل ممنهج، ما يدفع السكان المتبقين للهجرة خارج المنطقة.
وأوضح مضيفاً بأن الأراضي المصادرة؛ تختلف من منطقة لأخرى، حيث بدأ النازحون من مناطق في الجنوب السوري بحراثتها، بينما عملت بعض الفصائل على قطع أشجار الزيتون بعد الموسم، كما هو الحال في قرى “قجومان، كفرصفرة، قرة تبة، شران”.
وتابع المركز “سعر تنكة الزيت حوالي 8 آلاف ليرة سورية، وهو ما لايكفي العناية بالبستان لسنتين، كما فرضوا ضرائب ١٠٪ للمجالس المحلية و٧٪ زكاة، فضلاً عن أن كل معصرة يسيطر عليها فصيل بـ٤ عناصر مقيمين في المعصرة؛ يسجلون كل شاردة وواردة، والمعاصر التي لاتدفع الضريبة يتم سرقة الآليات منها؛ كما حصل في قرية كوندي خليل”.
وكانت صحيفة “ديلي تليغراف” البريطانية، نقلت عن نائب في البرلمان السويسري قوله إن “تركيا قامت بسرقة زيت الزيتون من سوريا وبيعه فى الأسواق الأوروبية على أنه من إنتاج تركيا”.
وقال النائب برنارد جوهل “في عفرين تتعرض كروم الزيتون للتدمير من قبل الفصائل المدعومة من تركيا، والزيت الذي سرقوه يتم بيعه إلى إسبانيا وعملية البيع مستمرة”.
وحسب موقع صحيفة “بابليكو” الإسبانية على الإنترنت، فإن الحكومة التركية تستخدم عدداً من الشركات الوسيطة لتصدير الزيت الذى يتم الاستيلاء عليه من المزارعين الأكراد فى عفرين إلى إسبانيا.
وأبلغ بيرنهارد غوهل من الحزب الديمقراطي المحافظ في سويسرا الحكومة السويسرية؛ باحتمال استغلال زيت الزيتون السوري الذي دخل إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي تحت مسمى تركي مزور، بهدف تمويل الجيش الوطني.
وقد قدم هذه المزاعم في اقتراح مقدم إلى البرلمان الوطني في سويسرا سأل فيه عن الإجراء الذي يجري اتخاذه للتحقيق في التجارة والإيرادات التي يمكن أن تستمدها منه.
ويعمل التجار الذين يشترون إنتاج الزيت من المزارع الأكراد تحت إشراف الفصائل المعارضة المنتشرة في عفرين، بنقل الزيت إلى تركيا مباشرة؛ وفق ما أشارت إليه الصحيفة الإسبانية.
وفي حين لم تعلق تركيا على هذه الاتهامات، قال وزير الزراعة التركي، بكير بكدميرلي، في 17 من تشرين الثاني 2018، “إننا لا نريد أن يكون زيت عفرين مصدر دخل لحزب العمال الكردستاني، ولهذا نريد أن يمر الأمر عن طريقنا، وأن تأتي العوائد إلينا”، بحسب صحيفة “جمهورييت” التركية.
وكانت هيئة الأركان العامة لـ “الجيش الوطني” المعارض؛ أصدرت سابقا قرارا ينص على تولي المجالس المحلية مهمة قطاف وعصر الزيتون بالتنسيق مع أصحاب الأراضي بعد تحصيل عائد مادي نسبة 10% على الزيت، فيما استولت الفصائل العسكرية على الأراضي الزراعية التي غاب ملاكها أو الموكلين عنها عن المنطقة؛ حيث تم الاستيلاء عليها بحجة انتمائهم للوحدات الكردية.
أحد المزارعين كان قد أفاد بأنه تعرض سابقا وقبل صدور قرار تولي المجالس المحلية لمهمة جني المحصول؛ للابتزاز واضطر لدفع مبلغ 3 دولارات على كل شجرة زيتون في أرضه لاحدى المجموعات المسلحة، وتابع المزارع: “بالنسبة لي هذا الموسم فقد تعرضت لخسارة كبيرة، فكلفة الإنتاج يساوي سعر البيع النهائي، إضافة إلى أني دفعت إتاوة على المحصول قبل جنيه”.
وكان الجيش التركي وفصائل معارضة سورية موالية لأنقرة، شنوا هجومًا عسكريًا ضد عفرين في 20 كانون الثاني من عام 2018، استطاعوا بعد معارك مع قوات سوريا الديمقراطية استمرت نحو شهرين، السيطرة على مدينة عفرين وريفها في 18 آذار الماضي، ووجهت لهذه الفصائل اتهامات بالاستيلاء على ممتلكات المدنيين من منازل و أراضي زراعية.
وتحتل الزراعة المقام الأول لدى أهالي عفرين، وتسهم في تكوين الناتج المحلي بنسبة 70% من إجمالي إيراداتهم، ويبلغ عدد أشجار الزيتون حوالي 18 مليون شجرة، وتصل كمية إنتاج الزيت إلى 270 ألف طن في الأعوام المثمرة، كما توجد في المنطقة 250 معصرة زيت زيتون، بحسب إحصائيات “الإدارة الذاتية”، التي كانت تسيطر على المنطقة بين عامي 2013 و2017.
|روزنة – مالك الحافظ