على غرار ما حدث في إدلب والغوطة ودرعا وحلب واللاذقية وغيرها من المناطق السورية، يبدو أن الفصائل المسلحة ذات الانتماءات والولاءات المختلفة اعتادت أن تأكل وتُبيد بعضها، يأتي ذلك وسط تصاعد التوتر والغليان في مدينة عفرين شمال غرب حلب، التي تسيطر عليها فصائل عملية “غصن الزيتون” التي تقودها تركيا والفصائل السورية المسلحة الموالية لها، وذلك على خلفية مظاهرات واسعة شهدتها المدينة السبت من قبل مهجرين من غوطة دمشق الشرقية، انضم إليهم مسلحون من فصائل تناصرهم احتجاجاً على قتل وطعن عدة أشخاص من الغوطة من قبل مسلحين لفصائل من دير الزور.
وتجمع المهجرون بالقرب من دوار كاوا الحداد الذي كانت هدمته الفصائل والقوات التركية في وقت سابق خلال سيطرتها على المدينة، وثبتت مكانهما العلم التركي وراية الثورة السورية.
وكان مقاتلون سوريون موالون لأنقرة أقدموا فور دخولهم إلى وسط مدينة عفرين في مارس، على تدمير تمثال كاوا الحداد، بطل أسطورة كردية قديمة ترتبط بعيد النوروز، رأس السنة الكردية التي يُحتفل بها سنوياً في 21 مارس.
وغيّرت القوات التركية والفصائل الموالية لها الكثير من معالم مدينة عفرين، فتحوّل دوار كاوا الحداد، إلى “دوار غصن الزيتون”. كما وترتفع في وسط المدينة لافتة كتب عليها “ساحة الرئيس رجب طيب أردوغان”، بينما حوّل الجيش التركي مبنى قريبا إلى مقر له وأحاطه بجدار إسمنتي.
ويروي سكان عفرين أنّهم يتعرّضون لانتهاكات مختلفة على أيدي الفصائل السورية الموالية لأنقرة منذ سيطرتها على المنطقة ذات الغالبية الكردية، مُتحدثين عن عمليات خطف مقابل فدية، واستيلاء على منازل وممتلكات، واعتقالات وتعذيب.
وتأتي تظاهرة يوم أمس السبت مع توتر شهدته المدينة، بين كل من جيش الإسلام وتجمع أحرار الشرقية واشتباكات بالأسلحة داخل مدينة عفرين أدت لمقتل تاجر أسلحة من الغوطة وإصابة آخرين بجروح قرب من دوار نيروز ومنطقة المحمودية بمدينة عفرين، وطالب المتظاهرون خلال توجههم إلى مقر قيادة الشرطة في مدينة عفرين، بتسليم قاتلي تاجر من العاصمة دمشق، والذي ينتسبون لفصيل أحرار الشرقية، وطرد الفصيل الذي ينحدر غالبية مقاتليه من محافظة دير الزور إلى خارج مدينة عفرين.
هذا الاقتتال جاء على خلفية الحادثتين التي شهدتها المدينة يوم الجمعة، كانت الأولى طعن عناصر من أحرار الشرقية لـ 3 مهجرين من الغوطة عقب مشادات كلامية بين الطرفين، والثانية مقتل أحد تجار السلاح ممن هجروا من دمشق إلى عفرين، حيث قتل على خلفية تبادل إطلاق نار مع عناصر من أحرار الشرقية.
ويتهم السكان المحليون ” مهجري الغوطة الشرقية وبلدات جنوبي العاصمة دمشق ” بالاستيلاء على منازلهم، وممارسة انتهاكات جماعية بحق أملاك أهالي عفرين ورغم تصنيفهم أنهم مدنيين ولكن غالبيتهم لديهم أسلحة قدموا بها من اثناء النزوح بالباصات الخضراء.
وقد أقدم عناصر من الجيش الوطني التابع لغصن الزيتون، على سرقة آلاف الأشجار من محصول الزيتون في أحد القرى بناحية بلبل في ريف عفرين، حيث تعود ملكية الأراضي لمواطنين جرى تهجيرهم من المنطقة.
وفي قرية بافليون التابعة لناحية شران، يواصل فصيل الجبهة الشامية منع سكان القرية الأصليين من العودة والدخول إلى قريتهم ومنازلهم، في الوقت الذي جرى فيه هدم جزء من أحد البيوت وإقامة مسجد فيه. وفي ناحية معبطلي قام مسلحين من الجبهة الشامية بالاعتداء بالضرب على رجل مسن بعد أن رفض إعطائهم أتاوة مقدارها 8 تنكات من مادة زيت الزيتون أو ما يعادلها نقداً.
ولم تقتصر انتهاكات غصن الزيتون على من تبقى من أهالي عفرين، حيث اقدم مسلحونن على الاعتداء بالضرب على “رئيس لجان بلدات القلمون” ممن جرى توطينهم في مدينة عفرين، حيث جرى سرقة أموال كانت بحوزته ووثائق وحواسيب شخصية، قبل أن يلوذوا بالفرار.
واتهمت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فصائل المعارضة المدعومة من تركيا بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في عفرين منذ سيطرتها على المنطقة في آذار (مارس) الماضي.
وأوضحت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقرير أن المدنيين في عفرين عرضة للسرقات والاعتداءات الجسدية والترهيب والخطف وعمليات القتل، بالإضافة إلى سياسة التمييز ضد من لهم صلة قرابة بمقاتلي وحدات حماية الشعب.
وأشار التقرير إلى انعدام النظام والقانون وممارسة الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا أعمالاً وصفها التقرير بالإجرامية على نطاق واسع كالسرقة والترهيب وممارسة التعذيب والعنف وصلت إلى القتل من قبل فصائل مثل لواء “السلطان مراد” و”فرقة الحمزة” و “أحرار الشرقية”.
كما أشار تقرير المنظمة اﻷممية إلى ازدياد حدة أعمال العنف والفوضى في المنطقة مع وصول مزيد من مسلحي المعارضة من ريف دمشق كمسلحي “فيلق الرحمن” و “جيش الإسلام”.
ووثق تقرير المفوضية عمليات خطف للمدنيين بهدف الحصول على المال، لافتاً إلى إطلاق سراح بعضهم بعد دفع مبالغ تتراوح ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف دولار أمريكي، في حين لا يزال مصير البقية مجهولاً، بحسب التقرير.
هذا، وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تركيا والجماعات المسلحة في عفرين بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني والوفاء بواجباتها وحماية حقوق المدنيين المتواجدين في المنطقة، وعلى رأسها الحق في الحياة والأمن وحرية التنقل.
من جهتها، منظمة هيومن رايتس ووتش كانت قد اتهمت في تقرير تم نشره في نيسان (أبريل) الماضي مسلحي فصائل المعارضة السورية المدعومين من تركيا بنهب وتدمير ممتلكات مدنية في مدينة عفرين والقرى المحيطة بها.
يذكر أن الجيش التركي ومسلحي المعارضة المدعومين من تركيا كانوا قد دخلوا عفرين في 18 آذار (مارس) 2018 بعد معارك مع وحدات حماية استمرت نحو شهرين ادت لمقتل 257 مدنياً بينهم 45 طفلاً و36 امرأة، إضافة لإصابة 742 مدنياً بجروح منهم 113 طفلاً و113 امرأة ونزوح 350 الفا.
http://vdc-nsy.com/2019/01/26/%d9%82%d8%aa%d9%84%d9%89-%d9%88%d8%ac%d8%b1%d8%ad%d9%89-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%ac%d8%af%d8%af-%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%aa%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7/