تحليل الأحداث في الشرق الأوسط يشبه قراءة الكف، فلا شيء كما يبدو ولا يتضح الكثير. الفائز السياسي اليوم هو الخاسر الأكبر في الغد. سيكون من الحكمة أن يستمع أولئك الذين في السلطة إلى نصيحة جيدة وأن ينتبهوا إلى التاريخ وأن يفكروا في كل شيء أكثر من مرتين.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو أحدث ضحية لتهوره الشخصي. لا يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ضللته أيضاً أوهام العظمة، قادراً على التعافي مما تبدو أنها عثرة هائلة.
مع الآثار المترتبة على قرار الولايات المتحدة بشأن الانسحاب العسكري من سوريا، يواجه كل من ترامب وأردوغان مشكلة خطيرة. وقد حُوصر كل منهما بقصر نظره.
إنّ الهجوم الإرهابي الذي وقع في يوم 16 يناير في منبج بشمال شرق سورياو(الهجمات التي وقت لاحقا) ، والذي كان فيه أربعة جنود أمريكيين من بين العشرين الذين لاقوا حتفهم، قد يكون مجرد أحد الأحداث غير المتوقعة المرتبطة بقرار ترامب. من الصعب معرفة ما تم تحريكه في الوضع المعقد في سوريا، لكن من المحتمل أن يؤدي الهجوم إلى عواقب ستضيف إلى الأحدث المثيرة غير المتوقعة.
إلى جانب ذلك، يدرك الجانب الأميركي تداعيات الانسحاب من سوريا. يعني الانسحاب التخلي عن دور رئيس في تحديد مستقبل سوريا. إنّه يعادل إعلان أن عملية جنيف التي تدعمها الأمم المتحدة لاغية وباطلة ويترك مجالاً أوسع أمام روسيا وإيران.
بعد فترة وجيزة من إعلان ترامب المذهل للانسحاب الأميركي، ذكر أنّه على الرغم من رد فعل أنقرة المبتهج، لن يخرج أردوغان رابحاً. كان هناك الكثير من التذبذب في واشنطن منذ ذلك الحين. ثمة مؤشرات واضحة على أنّ أنقرة أصبحت خاضعة لضغط دبلوماسي أكثر من أي وقت مضى، وعلى أنّ لديها مساحة أقل للمناورة بين الأطراف الرئيسة في المسرح السوري.
وتركز الكثير من الأحاديث في تركيا على ما يسمى بمنطقة آمنة، وهو شريط على طول الحدود السورية التركية. وقال أردوغان إنّ ترامب أعطى تركيا الضوء الأخضر لإقامة منطقة آمنة طولها يربو على 500 كيلومتر وعرضها 32 كيلومتراً. المنطقة المشار إليها باسم “شرق الفرات” منطقة شاسعة. وفق الحسابات، يتضح من التصريحات الأميركية والتركية أنّ لديهم فهماً مختلفاً تماماً لما ستكون عليه هذه المنطقة.
في البداية، كان أردوغان يتحدث عن بناء المنازل في المنطقة الآمنة بتمويل من الولايات المتحدة. ربما وجد الأميركيون الفكرة مثيرة للضحك لدرجة أنّه لم يتلق أي رد فعل من ترامب أو مساعديه \ ولا أوباما الذي سبق وطرح أردوغان ذات المشروع، ولا الدول الأوربية\.
وأوضح يشار ياكش، وزير الخارجية التركي الأسبق، أنّ تركيا تريد أن تمضي وحدها في السيطرة على المنطقة الآمنة. تريد الولايات المتحدة تأمين الوجود الكردي في شمال شرق سوريا وإقامة منطقة حظر جوي من خلال الأمم المتحدة. على مستوى آخر، يبدو أنّ هناك القليل من الوضوح بشأن كيفية التعامل مع الانسحاب الأميركي من قبل البلدين الحليفين.
يقول آرون شتاين، الخبير الأميركي في الشؤون العسكرية في سوريا، على تويتر “تقول الورقة الأميركية غير الرسمية إنّ الولايات المتحدة والجمهورية التركية سوف تنسقان بشأن الانسحاب، ولكن حسب فهمي، الانسحاب الأميركي غير مشروط بالإنفاق مع الجمهورية التركية. لماذا يهم ذلك؟ إذا انهارت محادثات المنطقة العازلة، فإنّ التحركات المضادة من قبل الجهات الفاعلة الأخرى مهمة لمستقبل الشمال الشرقي (شمال شرق سوريا)”.
الأمر لا يتعلق بما إذا كانت المحادثات في المنطقة العازلة تنهار أم لا. لقد أبلغت سوريا تركيا بأنّ أي تحرك في أراضيها سيعتبر عملاً عدائياً. وقد أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تردد بشأن نوايا أنقرة للسيطرة على منطقة كبيرة في سوريا. تحافظ إيران على موقفها لأنّها ترى الطبيعة غير العملية للموقف التركي. بعد الهجوم في منبج، قد يقوم الأميركيون بتعديل قرارهم بشأن سوريا.
يساعد تحديد مواقع جميع القوى الأربع على شرح الكثير. يوضح أنّه لا يمكن أن تكون هناك منطقة آمنة خاضعة لسيطرة تركيا داخل سوريا دون موافقة الجميع. ستظل المنطقة الآمنة حقيقة لفظية. من التبسيط أن نفترض أنّ تركيا ستدخل الأراضي الأجنبية دون دعوة، وأن تتجاهل الممتلكات الخاصة الكردية وتبدأ مشاريع بناء ضخمة. يتفق الخبراء على أن المنطقة الآمنة تتطلب، على أي حال، قراراً من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
في مواجهة هذه الحقيقة، يرى أردوغان أنّ موسكو هي أمله الوحيد، لكنه قد لا يحصل على أي شيء يساعده في خططه بشأن سوريا. بدأ صبر روسيا ينفد إزاء ما تعتبره عدم القدرة التركية أو عدم الرغبة في إدلب. يتقدم الجهاديون هناك بدلاً من أن تنزع أنقرة سلاحهم. من الآمن أن نفترض أنّ موسكو ستتحدث بحزم عن إدلب. من الواضح أنّ هامش مناورة تركيا قد تقلص.
هامش مناورة تركيا في سوريا يتقلص
ياوز بيدر: كاتب أعمدة، شريك مؤسس في “بونتو24″، معلق مشارك في صحيفة الغارديان