ملف مهجّري عفرين وسري كانيه وكرى سبي: أوضاع مستقرة شكلياً ومتدهورة عملياً في غياب حل سياسي شامل

تعيش أكثر من 15 ألف عائلة مهجّرة من عفرين وسري كانيه وكرى سبي في مخيمات شمال وشرق سوريا، ضمن واحدة من أطول حالات النزوح الممتدة في البلاد خلال السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من الاستقرار النسبي داخل المخيمات من حيث الأمن الداخلي، يشير الواقع الخدمي والاقتصادي إلى تدهور تدريجي، مرتبط بعوامل سياسية واقتصادية أوسع من قدرة السلطات المحلية أو المنظمات الإنسانية على معالجتها.

أولاً: خلفية النزوح وطبيعته
شهدت مناطق عفرين (2018)، ثم سري كانيه وكرى سبي (2019)، عمليات عسكرية أدت إلى موجات نزوح واسعة. النزوح في هذه الحالة لم يكن مؤقتاً، بل تحوّل إلى حالة طويلة الأمد نتيجة تغيّر السيطرة الإدارية والأمنية على المناطق، وهو ما جعل العودة رهينة ترتيبات سياسية غير متوافرة حتى اليوم.

تحليل الوضع الحالي يظهر أن عودة السكان تتطلب توافقات بين عدة أطراف محلية وإقليمية، إلى جانب ضمانات أمنية لا تبدو قريبة في المدى المنظور.

ثانياً: خصائص المخيمات وقدرتها الاستيعابية
تتوزع العائلات المهجّرة على خمسة مخيمات رئيسية: رأس العين، واشوكاني، تل السمن، مخيمات الطبقة، ومخيمات الرقة، بواقع يتجاوز 32 ألف مهجّر.
رغم أن هذه المخيمات تستقبل سكانها منذ سنوات، إلا أنها ما تزال تُدار بوصفها “مخيمات طوارئ” وليس “مستوطنات مستقرة”، ما يعني:

1. بُنية تحتية محدودة أو مؤقتة
2. خيام بدل أبنية ثابتة
3. ضعف القدرة على التخطيط البعيد المدى
4. اعتماد شبه كامل على المساعدات

هذا النمط من الإدارة يخلق فجوة واضحة بين الاحتياجات الحقيقية والقدرة الفعلية على الاستجابة.

ثالثاً: التحديات الخدمية والاقتصادية
تشير البيانات الواردة من المخيمات إلى أربع مشكلات رئيسية:

1. **التدفئة والشتاء**
غياب كميات كافية من المحروقات، ما يسبب اعتماداً على بدائل غير مناسبة صحياً.

2. **الصرف الصحي والمياه**
ضغط كبير على الشبكات البديلة داخل المخيمات، وظهور مشكلات تتعلق بجودة المياه وتجمع الأمطار.

3. **التعليم**
غياب بنى مدرسية نظامية، ما يهدد بانقطاع جيل كامل من الأطفال عن التعليم.

4. **العمل والدخل**
غياب فرص العمل داخل المخيمات أو في محيطها، ما يجعل الأسر تحت خط الفقر بشكل شبه دائم.

رابعاً: المسار الحقوقي والعودة المحتملة
التحليل الحقوقي يشير إلى أن ملف العودة يرتبط بثلاثة عناصر:

1. **سلامة المناطق الأصلية واستقرارها الأمني**
الظروف الحالية ليست كافية لعودة واسعة النطاق.

2. **الضمانات القانونية والإدارية**
لا توجد آلية تضمن حماية العائدين أو ممتلكاتهم.

3. **الدعم الدولي**
التراجع الواضح في التمويل الإنساني خلال العامين الماضيين أثّر مباشرة على الخدمات داخل المخيمات.

معظم التقارير الحقوقية تخلص إلى أن العودة مرتبطة بالحل السياسي العام في سوريا، وليس بقرارات موضعية أو ظرفية.

خامساً: قراءة مستقبلية
استمرار الوضع الحالي من دون حلول سياسية أو دعم إنساني مستدام قد يؤدي إلى:

1. ازدياد الاعتماد على المساعدات
2. تراجع نوعية الحياة داخل المخيمات
3. احتمالات نزوح ثانٍ إذا انهارت الخدمات
4. تحوّل المخيمات إلى تجمعات دائمة بلا بنية قانونية واضحة

وتقدّر الجهات المحلية أن أي تحسّن ملموس يتطلب تحركاً دولياً جديداً يعيد ملف المهجّرين إلى الواجهة، خصوصاً مع ازدياد تأثير العوامل المناخية والاقتصادية خلال فصل الشتاء.

خلاصة
الوضع الإنساني للمهجّرين من عفرين وسري كانيه وكرى سبي يُعد نموذجاً لحالات النزوح الطويلة الأمد التي ترتبط بالحرب السورية. وفي ظل غياب تقدم حقيقي على مستوى الحل السياسي، يبقى مستقبل هذه العائلات مرتبطاً بمدى القدرة على الحفاظ على مستوى مقبول من الخدمات داخل المخيمات، إلى حين توافر شروط العودة الآمنة أو حلول بديلة أكثر استدامة.