لا تزال معاناة عشرات الآلاف من الكرد السوريين المهجرين من مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض مستمرة للعام السادس على التوالي، وسط غياب أي حلول سياسية أو إنسانية تضمن لهم حق العودة واستعادة ممتلكاتهم. منذ السيطرة على هذه المناطق، تعرّض السكان الأصليون لتهجير قسري واسع النطاق، رافقه استيلاء شامل على منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم، في ظلّ تغييرات ديموغرافية واسعة النطاق.
المعاناة الأساسية التي يواجهها المهجرون تتمثل في استمرار منعهم من العودة إلى قراهم ومدنهم. وعلى الرغم من أن الوضع الأمني في تلك المناطق أصبح أكثر استقراراً من السابق، إلا أن ذلك الاستقرار لم ينعكس على حقوق السكان الأصليين. إذ تواصل الميليشيات المسلحة الموالية للسلطة الانتقالية فرض قيود أمنية شديدة، مصحوبة بتهديدات مباشرة وغير مباشرة للمهجرين الذين يحاولون العودة إلى مناطقهم. وقد أكدت شهادات عديدة أن أي محاولة للعودة تقابل بنقاط تفتيش تمنعهم من الدخول، إضافة إلى تهديدات بالاعتقال أو المصادرة.
في الوقت نفسه، يواصل المستوطنون الذين نُقلوا إلى هذه المناطق الاستيلاء على ممتلكات السكان الكرد. فقد جرى إسكان آلاف العائلات في منازل المهجرين، فيما تمت السيطرة على الأراضي الزراعية الواسعة التابعة لهم. ووفقاً لشهادات ميدانية، عاد جزء من المستوطنين إلى مناطقهم الأصلية في فترات مؤقتة، لكن عدداً كبيراً منهم بقي في عفرين ورأس العين وتل أبيض، بهدف استثمار الأراضي الزراعية التابعة للكرد، حيث يقومون بزراعتها وحصادها واستغلال مردودها الاقتصادي، دون أي سند قانوني يخولهم ذلك.
الأهالي الكرد الذين بقوا داخل هذه المناطق يعيشون أوضاعاً صعبة أيضاً. فبعضهم اضطر للإقامة في منازل أخرى أو لدى أقارب بسبب الاستيلاء على ممتلكاتهم. وهناك من يعيش تحت ضغط دائم نتيجة التهديدات والمضايقات الأمنية، إضافة إلى امتناع الميليشيات المسيطرة عن إعادة أي ممتلكات تمت مصادرتها.
أما النازحون، الذين يشكلون الشريحة الأكبر من المتضررين، فتزداد معاناتهم عاماً بعد عام. يعيش معظمهم في مخيمات مكتظة تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي. ومع حلول فصل الشتاء، تصبح الأوضاع أكثر هشاشة، إذ تتعرض الخيام للغرق أو الانهيار، ويخسر السكان القليل من الممتلكات التي يملكونها. ضعف الاستجابة الإنسانية يزيد من حجم الأزمة، في ظل تقليص المساعدات من المنظمات الدولية، وعدم قدرة المجتمعات المحلية على سد الاحتياجات المتزايدة.
الآثار النفسية والاجتماعية لهذا التهجير القسري لا تقل خطورة عن آثاره المادية. فقد فقدت آلاف الأسر مصادر رزقها وأراضيها التي اعتمدت عليها لعقود. كما نزح آلاف الأطفال من مدارسهم، وانقطعت صلتهم ببيئتهم الأصلية ومجتمعهم المحلي. إضافة إلى حالة عدم الاستقرار المستمرة التي يعيشها النازحون، والتي تؤثر على صحتهم النفسية وتضعف قدرتهم على مواجهة الأزمات المستمرة.
يؤكد هذا الواقع استمرار أزمة إنسانية وديموغرافية غير مسبوقة في شمال سوريا، ويبرز الحاجة الملحة لتدخل دولي فعّال يضمن حماية السكان الأصليين وإيقاف ممارسات التهجير، وتأمين شروط حقيقية لعودة آمنة وطوعية، تشمل استعادة الحقوق والممتلكات ومحاسبة الجهات المسؤولة عن الانتهاكات. كما يستوجب الوضع متابعة دقيقة من المنظمات الحقوقية، لما يحتويه من خروقات مستمرة للقانون الدولي الإنساني، وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان الأساسية.