مستوطنون رعاة يحولون جبال عفرين إلى صحراء قاحلة

مستوطنون رعاة يحولون جبال عفرين إلى صحراء قاحلة

تشهد منطقة عفرين في شمال سوريا تدهوراً بيئياً خطيراً نتيجة عمليات منظمة لقطع الأشجار المثمرة والغابية، ينفذها مستوطنون رعاة ومجموعات من أهالي مدينة إعزاز، وسط تغاضٍ متعمد من الجهات المسيطرة في المنطقة، ما حوّل الجبال الخضراء إلى أراضٍ قاحلة شبه خالية من الحياة.

يقدم المستوطنون في ناحية شران مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً منذ عدة سنوات على قطع الأشجار الواقعة بين قرى قطمة، قسطل جندو، أومارو، ديكمداش، عرب ويران، وديرصوان، بهدف بيعها حطباً في الأسواق المحلية. وتتم عمليات القطع باستخدام سيارات من نوع “بيك آب” ودراجات نارية، بشكل علني أمام عناصر “الأمن العام” وإدارة المنطقة، دون اتخاذ أي إجراءات ردع أو مساءلة.

وتم خلال السنوات الماضية اقتلاع وقطع أكثر من 1.5 مليون شجرة غابية، وأكثر من مليون شجرة زيتون مثمرة، في ظل تواطؤ عناصر من الميليشيات المسلحة وبإشراف مباشر من الاستخبارات التركية.

ولا تقتصر عمليات القطع على ناحية شران فحسب، بل تمتد إلى نواحي معبطلي وبلبلة وراجو، حيث جرى تجريف مساحات واسعة من الغابات والأحراش لاستخدامها كمراعٍ أو لتشييد أبنية جديدة، ما أدى إلى تدمير الغطاء النباتي بالكامل وتحوّل العديد من الجبال إلى مساحات جرداء لا تنمو فيها سوى بعض الأشواك الضعيفة.

الآثار البيئية لهذه الممارسات مدمرة، إذ تسببت في تآكل التربة وتراجع التنوع الحيوي وانخفاض منسوب المياه الجوفية، كما أسهمت في ارتفاع درجات الحرارة المحلية وتراجع إنتاج الزيتون بشكل كبير. ويؤكد خبراء بيئيون أن عفرين باتت تفقد تدريجياً توازنها البيئي الذي كان يشكّل ركيزة أساسية للزراعة والحياة البرية في شمال سوريا.

هذه السياسات الممنهجة تهدف إلى تغيير ملامح البيئة والهوية الجغرافية لعفرين، ضمن إطار أوسع من عمليات التغيير الديمغرافي والاقتصادي التي تشهدها المنطقة منذ عام 2018، في ظل صمت دولي وتجاهل متعمّد لمأساة بيئية متصاعدة.

وما يحدث اليوم في جبال عفرين ليس مجرد انتهاك بيئي، بل جريمة ممنهجة بحق الطبيعة والإنسان تهدف إلى اقتلاع كل ما يرمز إلى هوية المنطقة وتراثها الطبيعي، في واحدة من أخطر صور التدمير الصامت التي تشهدها البلاد منذ سنوات.