صحفي مصري يرصد من خلال مشاهداته انتهاكات القوات التركية

رصد الصحفي المصري أحمد العميد خلال جولته في الشمال السوري معاناة أهالي الرقة من الألغام التي خلفها داعش, والوضع  في مدينة منبج واستعداد الأهالي والمقاتلين للدفاع عنها بوجه التهديدات التركية، ومآسي المهجرّين قسراً من عفرين نتيجة للعدوان التركي عليها والذهنية التي يحملها المرتزقة التابعون لتركيا.
 

وتجول الصحفي المصري أحمد العميد في عدد من مدن الشمال السوري كالرقة ومنبج وكتب على إثرها عدة تقارير لصحيفة الوطن المصرية لخص رؤيته للوضع هناك.

حيث يقول في حديثه عن منبج عن الوضع في مدينة جرابلس المحاذية للمدينة والتي تقبع تحت احتلال المرتزقة التابعة لتركيا, ويقول “مدينة جرابلس مدينة سورية، لكنها الآن تقع تحت سيطرة تركيا والعناصر الموالية لها، الكثير منهم من الفصائل الإسلامية التي كانت تشكل في الماضي الجيش الحر وجبهة النصرة وبقايا كتائب كانت تأسست خلال الثورة السورية، ويتهم أبناء منبج «درع الفرات» بأنها تضم بقايا تنظيم «داعش» الذين هربوا من المدينة خلال حرب تحريرها، حيث فروا إلى هناك وغيروا ملابسهم، لذا يعتبر الناس هنا في «منبج» والمقاتلون على الحدود أنهم أمام الحدود التركية، حتى إن القذائف التي تطلق بين الحين والآخر بعضها قذائف لمدافع ثقيلة وقذائف لدبابات لا توجد مع هذه الفصائل وتملكها فقط جيوش الدول الكبيرة”.

وينقل أيضاً حديث مسؤولة الإعلام في مجلس منبج العسكري كولى هوشنك ويقول: تشير «كولى» إلى أن عناصر من الخلايا النائمة تحاول إثارة الرأي العام والمظاهرات، لكن محاولاتهم لم تحقق أي فائدة لأن الأهالي مر عليهم حكم داعش وفصائل أخرى قبل داعش، ويفرقون بين الجيد والسيئ، مشيرة إلى أن هناك أطرافاً كثيرة تلعب في منبج نظراً لأهميتها الاستراتيجية، وأن هناك من استغلوا حادث عثور القوات على جثتين بالقرب من نهر الفرات واتهموا عناصر الأمن بقتلهم وهو ما نشرته وسائل إعلام ادعت خلالها العناصر المغرضة انتهاكات من القوات الأمنية ضد المدنيين، قائلة: «الشخصان اللذان تم العثور عليهما كانا مفقودين من أيام تحرير منبج، والقوات نفسها ساعدت في العثور عليهما، فالقوات هنا تساعد الأهالي في العثور على المفقودين وتسليم جثثهم لأهاليهم، فكيف تكون هي التي تقتلهم؟”.

وحول مشاركة المرأة في مجلس منبج العسكري، تضيف مسؤولة الإعلام في المجلس أن هناك مقاتلات من المدينة يلتحقن بقوات مجلس منبج العسكري، حيث يتم تدريبهن للدفاع عن أنفسهن أولا، ثم فنون القتال، مشيرة إلى أن هناك مقاتلات من وحدات حماية المرأة الكردية، شاركن في عملية تحرير منبج وقدمن 7 شهيدات.

ويذكر الصحفي المصري جولاته على عدد من النقاط والمناطق في مدينة منبج واستطلاعه آراء المقاتلين والأهالي وأحاديثهم عن الأيام التي عاشوها تحت سيطرة داعش وما بعد مرحلة تحريرهم وتشكيلهم للإدارة المحلية والقوات المدافعة عن المدينة وتهديدات الأتراك بمهاجمة المدينة.

ويقول الصحفي المصري “ذكَّرنا هنا الوضع على جبهة «منبج» أمام تركيا بوضع «الجمود العسكرى» على الحدود الألمانية الفرنسية قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بدءاً من 3 سبتمبر عام 1939 يوم إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا النازية، وحتى يوم 10 مايو، الهجوم الألماني، الذى عرف باسم معركة فرنسا، حيث ساد بين التاريخين فترة جمود فعلي للعمليات بعد مناوشات وحوادث إطلاق نار صغيرة الحجم، وصفها البريطانيون بالحرب المزيفة، وسماها الألمان بالحرب المتوقفة، ودعاها الفرنسيون الحرب المضحكة، حيث الجنود هنا على الجبهة يقضون أوقاتاً طويلة يسودها التوتر خلف سواترهم من دون حرب، ويعيشون في قلق من المحاولات الاستفزازية من ذلك العدو الذى أعلن الحرب ولم يحارب”.

وينقل العميد أيضاً تصريحات عدد آخر من المواطنين، رفضوا ذكر أسمائهم، حتى لا يتم التنكيل بأسرهم الموجودين داخل جرابلس التي تحتلها تركيا ومجموعاتها المعاونة لها، بأن الأهالي استبعدوا فكرة ترك المدينة ويصرون على البقاء والعناد أمام أردوغان، وألا يتركوا المدينة للدواعش، حيث إن أهاليهم موجودون بجرابلس ويؤكدون أن الدواعش هم الموجودون في الداخل مع بقية الفصائل الأخرى وبقيادة الأتراك”.

وتطرق الصحفي المصري إلى التهديدات التركية لمنبج وحالة الأهالي والمقاتلين، ويشير أنه أثناء بدء أردوغان إطلاق تهديداته لمنبج كان مقاتلي مجلسها العسكري يحاربون داعش في دير الزور ويقول “في الشرق بجبهة «دير الزور»، وعلى بعد 300 ألف كيلومتر، كانت كتائب وقوات منبج العسكرية تشن هجوماً صيفياً على تنظيم داعش الذى لا يزال مسيطراً على آخر حصونه قرب الحدود العراقية.

وفي منبج تمر مرحلة انتظار طويلة خاصة على المقاتلين الذين يحتشدون على الحدود الشمالية للمدينة، بالنسبة إليهم لا يتعلق الأمر بكرب الحرب فقط، بل بنجاة عائلاتهم أيضاً، يواجهون بين الحين والآخر طلقات وقذائف قليلة لا تشكل أي تهديد، لكنهم يصفونها بالمحاولات الاستفزازية، وأحياناً يضحكون عليها، حيث تأتي بعض القذائف في الفراغ، حتى إنهم سموها «الحرب المضحكة».

أما الأمريكيون وبحسب الصحفي العميد فقد بدأوا بتركيز فرقهم في الغرب عند «منبج»، حيث غزو تركي محتمل، ويشعرون الآن بمسئوليتهم تجاه المدينة التي كانوا قد شاركوا في تحريرها قبل نحو عامين من يد «داعش»، وبدأوا بإنزالات كبيرة وإنشاء قاعدة جديدة في المدينة، وتجوب مقاتلاتهم الحديثة سماء المدينة من قواعد تقع خارج البلاد.

وفي منبج أيضاً ألتقى الصحفي العميد مع قائد مجلس منبج العسكري محمد أبو عادل وهو أحد قادة الجيش الحر وقائد كتائب «شمس الشمال» في كوباني.

ويكشف «أبوعادل»، في حواره مع الصحفي المصري، مدى استعداد قواته للدخول في حرب مع جيش الاحتلال التركي والمسلحين المعاونين له وكذلك حجم الدعم الأمريكي لجيشه واحتلال تركيا لمدينة جرابلس السورية واستخدام الدواعش في الصفوف الأولى للجيش التركي، بالإضافة إلى كشف كواليس سقوط عفرين التي وصفها بـ«المؤامرة الدولية”.

ويسرد أبو عادل خلال حديثه حياته قبل انطلاق الثورة كما وصفها هو ومرحلة قتاله ضمن صفوف الجيش الحر ومرحلة ظهور داعش وانتقاله لمحاربته وقتاله في كوباني وتشكيل قوات سوريا الديمقراطية ويوضح طبيعة العلاقة بين مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية “من البداية كانت قوات مجلس منبج العسكري جزءاً من تأسيس قوات سوريا الديمقراطية، ولكن بعد تحرير مدينة منبج أصبحت تدير نفسها في المدينة، وتتابع أمورها بنفسها ولكن تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية، يعنى هي التي تابعت وساعدت قوات منبج على الوقوف على قدميها في ظل ظروف صعبة كانت كل الأطراف والدول تخلت فيها عنها”.

فكما أبدى أبو عادل ثقته وطمأنينته من استعداده قواته للدفاع عن منبج أبدى أيضاً طمأنينيته للعلاقة مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن ورد على سؤال الصحفي المصري “هل أنت مطمئن للوجود الأمريكي ودورهم العسكري؟ نعم مطمئن، رسائلهم مطمئنة وتحركاتهم، السفير الأمريكي قام بجولات في المدينة ليطمئن الشعب، وهذا هدفنا، ودعونا الصحفيين ليقوموا بجولات داخل المدينة ويلتقوا بالأهالي دون أن يكون معهم أي عسكري ليشاهدوا المدينة على طبيعتها، وانطباعهم عن قواتنا ودورها في بسط الأمن، وأنت كذلك، أعتقد حصلت على جولة في المدينة بحرية من دون أن يرافقك عسكري”.

أما عفرين لم تغب عن جولاته وروايته للوضع في الشمال السوري، فيروي العميد المآسي التي نتجت عن العدوان التركي فيقول “تحت اسم «غصن الزيتون» أقلعت الطائرات والمروحيات، وانطلقت المركبات والدبابات، وسارعت المجنزرات، ودكت المدافع قذائفها وأطلقت البنادق طلقاتها وأفرغت خزناتها الكثيرة، نحو مدينة عفرين التي عاشت في أمن طوال السنوات الماضية، وقصدها النازحون من جميع أرجاء سوريا، ففيها السلام، ويرفرف في سمائها الحمام، وتنبت أرضها أفضل الزروع والثمار.

في ليلة وضحاها ينتشر الرعب في القلوب المطمئنة داخل المدينة، بعد إعلان تركيا الحرب على مدينة عفرين السورية في الـ20 من يناير الماضي، هذه الحملة الكبيرة لم تستهدف المواقع العسكرية فقط، بل استهدفت البيوت الآمنة والشوارع والطرقات والمصانع، حتى دمّرت الكثير من القرى وطردت نحو مليون إنسان خارج المدينة، بينما نفذت الفصائل جرائم السلب والنهب للديار التي هجرها الناس للنجاة بأنفسهم في رحلة هروب مرعبة أسفل القذائف والصواريخ وأعلى الجثث الملقاة في الطريق الطويل.

الصحفي العميد جال على المهجرين قسراً من أهالي عفرين ليستمع “إلى أولئك الذين نجوا من هذه الرحلة المخيفة، أسفل نيران المدافع، ومن الذين شاهدوا جرائم الحرب بكل ما فيها من فظاعة، وإلى من فقد ابناً أو شقيقاً أو أباً أو وجد حرمة بيته مشاعاً للمحتل الذي لا يعرفون من أين أتاهم”.

ويروي العميد مأساة فتاة من أهالي عفرين الذين هجروا من منازلهم جراء العدوان التركي “في أحد المنازل البسيطة، تعيش «فادية نورى»، في العقد الخامس من عمرها، كانت في آخر الأفواج الهاربة من جحيم «عفرين»، فهي سيدة من أسرة تعمل في الزراعة وتمتلك 30 ألف متر أرضاً زراعية في ناحية راجو في عفرين، لم ترغب في ترك محاصيلها وأرضها هي وأسرتها المكونة من زوج و4 أبناء. تروى السيدة التي شاهدت الكثير مما جرى في «عفرين» عن الفظاعات التي ارتكبتها القوات الموالية لتركيا من فصائل الجيش الحر، وتقول: «قعدت شهرين و5 أيام كنت أشوف العالم تخرج وتهرب، وأنا ما أهرب وأضل بقريتي فى راجو، زوجي تعب، لأنه كان مريض بالقلب، وأنا ظليت، وأولادي التحقوا بالقوات التي كانت تقاتل الأتراك والفصائل الإرهابية”.

تشير السيدة الخمسينية إلى أنها بقيت وحدها مع عدد من النساء والأهالي الذين رفضوا الخروج من قراهم، حتى أتت القوات التركية على القرى ونشرت الحواجز وسيطرت عليها سيطرة تامة: «كل دقيقة تطلع طيارة تضرب، وأردوغان مشى علينا كل شىء، دبابات وطائرات ومدافع»، لكنها قررت الخروج بعد نحو أسبوع من خروج المدنيين من عفرين.

وينقل الصحفي روايات مدنيين أخرين كيف تعذبوا أثناء خروجهم من عفرين من ممارسات المرتزقة التابعين لتركيا.

وفي خضم ما جرى ويجري في عفرين لم ينسى الصحفي المصري أثناء جولاته عائلة أحدى أبرز شهيدات وحدات حماية المرأة بارين كوباني والتي تعرض جثمانها لممارسات بشعة من قبل مرتزقة تركيا والتي وصف الحادثة الصحفي العميد بأنها “حادثة  تحوّلت إلى رمز وشهادة ختمت على جبين حملة عسكرية لحرب غير إنسانية”.

وينقل الصحفي المصري روايات وأراء عائلة الشهيدة بارين كوباني “حدثت تلك الجريمة في فبراير الماضي، وتم تصويرها، بل ترويجها على فضاء التواصل الاجتماعي، بهدف بث الرعب في نفوس المقاتلين الكرد الذين يتولون الدفاع عن مدينة عفرين، لكن ذلك لم يزدهم إلا إصراراً على القتال”.

ويشير العميد إلى تركيز العائلة على تساؤلهم عن الذهنية التي يحملها أولئك المجرمين بسؤال «أحمد» الأخ الأكبر في أسرة «بارين» المكونة من 8 أبناء وبنات، عما إذا كانت له رسالة حيال ما حدث، أو لمن مثلوا بجثة شقيقته، قال: «أنا ما يهمنى الشخص، أنا يهمنى الفكر اللى مزروع فى عقولهم، إذا بتجيبه لى ما أنتقم منه بشكل شخصى، لكن أسأل عن الذهنية مين اللى عم يغذيها بهذا الفكر الإرهابى المتطرف، لأنه ضحية لفكر الإخوان الجهادى”.

وعن هذه الذهنية التي تتغرس في عقول المرتزقة ألتقى الصحفي المصري أحمد العميد رئيس اتحاد علماء المسلمين في مقاطعة الجزيرة الشيخ محمد ملا رشيد غرزاني وسرد خلال حواره مع الصحفي الوضع الديني في الشمال السوري وأهداف تأسيس هذه المؤسسة الدينية وما توصلت إليه الأديان.

وقل رئيس المؤسسة، الشيخ محمد ملا رشيد غرزانى، إن مجلس اتحاد علماء المسلمين يتبنى الفكر الوسطي ويفتح أبوابه لكل المذاهب والطوائف وكل من يقر أنه مسلم، حتى ولو كان في نظرهم أنه منحرف، من أجل فتح مجال لإزالة الخلافات وتوسيع الرؤى بين الجميع، مشيراً إلى أن الاتحاد يخطط لإنشاء فروع في المقاطعات الأخرى بشمال سوريا على أن تستقل بذاتها، مؤيداً الفيدرالية الدينية ويرى أنها السبيل لحل الخلافات بين المسلمين في سوريا، لأن كل منطقة لها عاداتها وتقاليدها وهى الأصلح بوضع الفتوى المناسبة لشعبها، مناشداً الأزهر الشريف في مصر التعاون من أجل وضع المناهج والتعاون مع المجلس لنشر الإسلام الوسطي، حيث يرى في مؤسسة الأزهر الكيان الديني الكبير الذى يعبر عن الفكر الوسطي في العالم، وأن المنطقة تتعرض للتبشير الإيراني ويتم التعامل معه بالاحتواء وليس بالمواجهة”.