«لم يتشاوروا معنا».. مسؤولون أميركيون «مصدومون» من طلب الأكراد إلى الأسد حمايتهم من تركيا: نتفهم دوافعهم

قالت صحيفة The New York Times الأميركية، إنّ طلب الأكراد في شمال سوريا، من النظام السوري «حمايتهم» بعد انسحاب القوات الأميركية، فاجأ بعض المسؤولين الأميركيين. وقال بين هوبارد مراسل الصحيفة في منطقة الشرق الأوسط، إنّ الأكراد شعروا بـ»الخذلان» إثر انسحاب الولايات المتحدة حليفتهم من سوريا، وتوجهوا إلى النظام السوري طلباً «للحماية» من الهجمات التي قد تشنها تركيا عليهم. وبحسب الصحيفة، من المحتمل أن يفسح هذا الطلب المجال لقوات بشار الأسد المدعومة من روسيا وإيران لاستعادة الأراضي التي تقع تحت سيطرة الأكراد بالقرب من الحدود التركية. وهو ما سيكون خطوة كبيرة في طريق الأسد لاستعادة الأراضي السورية المفقودة على مرِّ نحو ثمانية أعوامٍ من الحرب. وكان هذا الطلب أيضاً هو أولى العلامات على أنَّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ في الأسبوع الماضي بسحب القوات الأميركية من سوريا لا يُغيِّر التحالفات في الصراع فحسب، بل يُعود بنفعٍ مباشرٍ كذلك على الأسد، «الديكتاتور» الذي وصفه ترامب مرةً بأنَّه «حيوان» مسؤول عن هجمات كيماوية وأعمال وحشية أخرى.

وقالت وحدات حماية الشعب المدعومة أميركياً إنَّ النظام السوري ينبغي أن يرسل قواتٍ إلى مدينة منبج التي حشد تركيا عشرات الالاف من جنودها ومن مرتزقة سوريين تمولها لغزو المدينة التي يعيش فيها قرابة نصف مليون نسمة في حالة من الأمن والاستقرار. وبحسب الصحيفة، يعني هذا الطلب أنَّ أحد حلفاء الولايات المتحدة يطلب من أحد أعدائها حمايته من حليف أميركي آخر، وهو تركيا التي لا تخفي نواياها في غزو المدينة.

ومع أنَّ عدد القوات الأميركية في سوريا يبلغ ألفي فردٍ فقط بحسب المصادر الرسمية، فقد كانت عاملاً «رادعاً» لوقف الطموحات التركية في التوسع وغزو مناطقهم. فضلاً عن أنَّ الوجود الأميركي ثبَّط قوات الأسد عن الزحف إلى هذه المنطقة، مع أنّها استطاعت -بدعم من روسيا وإيران في الغالب- استعادة عدد من المناطق الرئيسية من قوات المعارضة في أماكن أخرى بمساعدة من تركيا وفق ما سمي باتفاقيات وقف التصعيد. وبهذا الطلب.

الطلب «أذهل» مسؤولين أميركيين
وقد أذهل هذا الإعلان بعض المسؤولين الأميركيين، وعبر عن الإحباط والغضب الذي أصاب نظراءهم في وحدات حماية الشعب، وفقاً لمسؤول أميركي بارز. وأضاف أنّ هذا الإعلان خرج دون أي تشاور أو تنسيق مشترك. وقال إنَّ الولايات المتحدة تتفهَّم دوافع وحدات حماية الشعب وراء إطلاق مشاورات مع نظام الأسد لكنه قد لا يعكس وجهة نظر قوات سوريا الديمقراطية شرقي الفرات. وأضاف أنّه يُعَد مقامرةً تساومية أحادية الجانب. يُذكَر أنَّ قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب تسيطر على ما يقارب ربع الأراضي السورية، من ضمنها أراضٍ زراعية قيِّمة، واحتياطات بترولية مهمة في شمال البلاد وشرقها. ويواجه نفوذ الأكراد معارضةً من تركيا من جهة، ونظام الأسد وداعميه الإيرانيين والروس من جهة أخرى، الذين يرغبون في عودة الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم إلى سيطرة دمشق مرة أخرى. وقد أثار إعلان ترامب المفاجئ بسحب القوات الأميركية من سوريا تخوفات من تدافع القوات المتنافسة على ملء الفراغ الذي ستُخلِّفه وراءها.

«المحادثات مستمرة مع نظام الأسد«
لقد اكتسب أكراد سوريا وشركائهم العرب من تحالفهم مع الولايات المتحدة قوة عسكرية وسياسية غير مسبوقة في أثناء سنوات الحرب. ومع تراجع مقاتلي «داعش»، ملأ الأكراد في الغالب الفراغ السياسي الذي خلَّفوه وراءهم، وأسسوا مجالس لإدارة الشؤون المحلية. لكنَّهم كانوا يدركون أنَّ الولايات المتحدة قد تنسحب في النهاية؛ لذلك فقد أطلقوا محادثات مع النظام السوري حول المصالحة.

وفي محادثة هاتفية مع عبد الكريم عمر (أحد مسؤولي مكتب العلاقات الخارجية للإدارة الذاتية الكردية في شمال وشرق سوريا) الجمعة 28 ديسمبر/كانون الأول 2018، قال إنّ المحادثات مستمرة، وإنَّ المسألة الوحيدة المتفق عليها حتى الآن هي انتشار قوات النظام السوري بالقرب من منبج بعد انسحاب القوات الأميركية.

وعند سؤاله عمَّا إذا كان هذا الاتفاق تمَّ بالتنسيق مع الولايات المتحدة، قال: «يمكنك طرح هذا السؤال على الأميركيين». لكن تظل الكثير من الأمور غامضة بالنسبة للسوريين المقيمين في هذه المناطق، لا سيما مع وصف كلا الطرفين (الأكراد والنظام السوري) الاتفاق بطريقةٍ مختلفة.

إذ قال الأكراد إنَّ قوات النظام «ستحمي» المناطق الحدودية فقط لحمايتها من الهجمات التركية، لكنها لن تنتشر داخل منبج نفسها. يقول الكاتب الأميركي، لطالما كانت المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد بعيدةً عن الصراع. إذ كانوا يأملون -مع وجود أصدقائهم الأميركيين- أن يقودوا نموذجاً بديلاً لمستقبل سوريا. ومع أن جميع القوى المتحاربة الأخرى في سوريا لم يعجبها ذلك الوضع؛ إلا أنَّها تجنبت الهجوم على هذه المنطقة، خوفاً من إغضاب الولايات المتحدة. أمَّا الآن، فمع غياب ذلك الرادع، يبقى مستقبل المنطقة الشمالية الشرقية غامضاً.

الأسد يريد استعادة السيطرة على احتياطات النفط هناك
وبحسب محللين للصحيفة، فإنَّ المرشح الأبرز للحصول على هذه المنطقة هو قوات النظام وحلفاؤها، الذين يرغبون في ضم الشمال الشرقي إلى حكم دمشق رعايةً لمصالح الأسد ومصالحهم أيضاً. إذ ترغب روسيا في رؤية الأسد يستعيد السيطرة على احتياطات سوريا النفطية لتمويل إعادة إعمار البلد، بينما ترغب إيران في ربط القوات التي تدعمها في كل من لبنان وسوريا والعراق جغرافياً. وقد وصف مهند الطلاع (قائد الميليشيا العربية القريبة من القاعدة العسكرية الأميركية في منطقة التنف بالقرب من الحدود العراقية): «الانسحاب الأميركي من سوريا يعني تسليمها إلى إيران وميليشياتها على طبق من فضة. مضيفاً: «إذا انسحبت الولايات المتحدة، سنضطر إلى المغادرة، وسيكون لدى إيران طريق ثابت للإمدادات من العراق إلى ميليشياتها وحزب الله في سوريا».

الاعتماد على الأوروبيين
وبحسب الصحيفة، قد يُفيد الانسحاب الأميركي السريع بقايا داعش؛ فمع أنَّ التنظيم فقد تقريباً جميع المناطق التي كانت تحت سيطرته، قدَّر الخبراء أنَّه ما زال يمتلك آلاف المقاتلين الذين عادوا إلى جذورهم المتمردة، وما زالوا يمتلكون القدرة على شن هجمات. وإذا خسرت القوات الكردية المحلية التي تواجه تنظيم داعش القادة العسكريين الأميركيين، فستضطر إلى الاعتماد على مجموعة القوات البريطانية والفرنسية الصغيرة التي ما زالت في سوريا، وهو ما قد يتسبب في ارتباك كبير، وفقاً لما ذكره خبراء. ومع أنَّ ترامب ضغط في البداية لسحب القوات الأميركية خلال 30 يوماً، فقد سعى البنتاغون لفرض خطة انسحاب تحتاج إلى أشهر، مشيراً إلى الخطر الذي ستتعرض له القوات الأميركية إذا أُمِرَت بتفكيك مواقعها بسرعة. وبحسب مسؤول أميركي في وزارة الدفاع، فمن المحتمل أن يسمح البنتاغون للقوات الكردية بالاحتفاظ بأسلحتها الأميركية على الأقل. مع أنَّه أكَّد لتركيا في العام الماضي 2017 أنَّه سيستعيد هذه الأسلحة حالما تنتهي العمليات القتالية.

«لقد طَعَننا الأميركيون في ظهورنا وتلاعبوا بنا«
لكن من غير الواضح كيف ستواصل القوات الأميركية دعم حلفائها المحليين على الأرض، مع أنَّ البنتاغون اقترح الإبقاء على قواتٍ خاصة في العراق تستطيع التدخل في سوريا، وهو ما ألمح إليه الرئيس الأميركي خلال زيارته العراق يوم الأربعاء الماضي 26 ديسمبر/كانون الأول 2018. وقال فيصل عيتاني، وهو زميل بارز في المجلس الأطلسي يدرس الشأن السوري: «لا أعتقد أن ّالنظام وميليشياته قادرون على التعامل مع هذه القضية جيداً، نظراً إلى مدى الصعوبة التي واجهتها أميركا في التعامل معها». ويعَد أكبر الخاسرين من هذا الانسحاب الأميركي هو القوات المحلية التي حصلت على التمكين بسبب شراكتها مع الولايات المتحدة.

ومن بين هذه القوات جماعات عربية مُعارِضة مُسلَّحة ترفض العيش تحت حكم الأسد. إذ قال محمد جبر عضو المجلس العسكري في دير الزور في شرق سوريا: «لقد طَعَننا الأميركيون في ظهورنا وتلاعبوا بنا». لكنَّ الخاسر الأكبر سيكون بالتأكيد وحدات حماية الشعب التي كانت القوة الأساسية في مواجهة داعش. فهي صاحبة نفوذٍ في جزء كبير من البلاد. لكنَّها من دون الولايات المتحدة ستجد نفسها بين مطرقة النظام السوري الذي يرغب في إخضاعها مرة أخرى لحكم دمشق، وسندان تركيا التي ترغب في القضاء عليها تماماً. وقالت رندا سليم الزميلة البارزة في معهد الشرق الأوسط: «أعتقد أنَّ الأكراد أمامهم خيار وحيد، وهو قبول عرض الأسد الذي لن يكون كريماً جداً، وسيحاول الضغط على الأكراد لقبول كل ما يطلبه من شروط متطرفة».

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك