تركيا أمام التقييم الصعب لعملية شرق الفرات

نلمس في تعبير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المستمر عن عزمه شن عملية عسكرية في شرق نهر الفرات في سوريا معارضته القوية لتشكيل أي كيان كردي في هذه المنطقة.
من غير الواضح حتى الآن إن كانت تركيا ستمضي قدما في مثل هذه العملية، لكنها إن تمت، فستثمل إما قصف مراكز قوات أكراد سوريا المنتمين لوحدات حماية الشعب انطلاقات من الأراضي التركية، أو شن غارات جوية، أو دخول قوات تركية إلى سوريا، أو توليفة من كل هذه الأشياء.
من المرجح جدا أن تكون جميع هذه الخيارات مطروحة على الطاولة حتى الآن، ومن المرجح جدا كذلك أن يكون الجيش التركي مستعدا لأي قرار يتخذ، لكن أي خطوة من هذا القبيل ستكون لها تبعات دولية.
إن كان لعملية عسكرية من هذا النوع أن تتم، فإن الجيش التركي – وهو ثاني أكبر الجيوش في حلف شمال الأطلسي، سيكون في موقف يتخذ فيه إجراء ضد مجموعة عسكرية غير نظامية أو لا تمثل بلدا ما وهي هنا تحالف قوات سوريا الديمقراطية.
ليس سرا أن الولايات المتحدة أنشأت قوات سوريا الديمقراطية في صورة تحالف يضم خليطا من السكان المحليين تضم العرب والتركمان والأشوريين والشيشان بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب بغرض إعطاء الانطباع بأن التحالف لا يقتصر على الأكراد.
كان الكولونيل جون دوريان، المتحدث باسم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، قد أشار خلال إفادة صحفية إلى أن قوات سوريا الديمقراطية هي مجموعة متعددة الأعراق والأطياف.
لكن عماد هذا التحالف وقادته جميعهم من عناصر وحدات حماية الشعب الكردية.
لن تجد تركيا أي صعوبة في إرسال قوات عسكرية كبيرة بما يكفي لإلحاق الهزيمة بقوات سوريا الديمقراطية إن وجدتها الخصم الوحيد في منطقة شرق نهر الفرات.
لكن الأمر فيه من التساؤلات ما يفوق حديث الأرقام.
تملك الولايات المتحدة 12 قاعدة عسكرية ونحو 2000 جندي في منطقة شرق نهر الفرات.
وفي الوقت الحالي، تقوم الولايات المتحدة بإنشاء بنية تحتية لمنظومة دفاع جوي في خطوة ربما تكون اللبنة الأولى لإنشاء منطقة حظر طيران يليها إنشاء منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي في سوريا على غرار ما تم في شمال العراق.
ورغم أن الهدف الأساسي لإنشاء منطقة حظر الطيران سيكون حماية مقاتلي تحالف قوات سوريا الديمقراطية من الغارات الجوية التي تشنها قوات الحكومة السورية، فإنها أيضا ستوفر لتلك القوات الكردية في المنطقة الحماية من هجمات مصدرها تركيا، وستمثل مشكلة خطيرة لتركيا على المدى البعيد.
يُقدّرُ الدعم العسكري الذي قدمته الولايات المتحدة لتحالف قوات سوريا الديمقراطية بنحو ثلاثة مليارات دولار، وهو ما يكفي إنشاء بنية تحتية دفاعية قوية تغطي المساحة التي تسيطر عليها هذه القوات في شرق نهر الفرات والمقدرة بحوالي 30 ألف كيلومتر مربع.
لقد تحدث المسؤولون الأميركيون مرارا – وبطريقة لا لبس فيها – عن معارضتهم لأي عملية عسكرية في هذه المنطقة.
وإن لم تتمكن الولايات المتحدة وتركيا من حل هذه المشكلة، فإن قوات البلدين المنتميين لحلف شمال الأطلسي قد تجدان نفسيهما في وضع مواجهة، ربما تتطور لأسوأ الفروض وهو الاشتباك.
من الصعب كذلك توقع رد فعل الحكومة السورية على أي إجراء عسكري تركي محتمل، وربما تختار الحكومة السورية قتال الجيش التركي من خلال التعاون مع تحالف قوات سوريا الديمقراطية.
وإن قرر الرئيس السوري بشار الأسد الوقوف في صف تحالف قوات سوريا الديمقراطية، فإن تركيا لن تواجه فقط هذا التحالف المدعوم من الولايات المتحدة، بل كذلك الجيش السوري المدعوم من روسيا.
غير أن الحكومة السورية لن ترغب على الأرجح في رؤية تحالف قوات سوريا الديمقراطية يسيطر على المنطقة على المدى المتوسط والبعيد، إذ يعتبر الأسد هذا التحالف دمية في يد واشنطن.
الحل المثالي لهذه المسألة المعقدة إذا هو أن تتوصل تركيا وسوريا لاتفاق، بالنظر لتقاطع المصالح بينهما فيما يخص التعامل مع الأكراد في سوريا، وأن تحاولا معا البحث عن طريق مشترك للخروج من هذه الأزمة.
ورغم أن كثيرين من الخبراء في تركيا يتفقون على كون هذا الحل الوحيد هو القابل للتحقيق، فإن الحكومة التركية ترفض تغيير موقفها أو تقديم أي نوايا حسنة في التعامل مع دمشق.
لا يتوقع أحد كذلك أن تتعامل الحكومة الإيرانية بلين مع تحالف قوات سوريا الديمقراطية، فلهذا التحالف علاقاته مع الولايات المتحدة، كما أن وجود كيان كردي في شمال سوريا لا يتفق مع المصالح القومية لإيران.
غير أن معارضة إيران لتحالف قوات سوريا الديمقراطية ليس بقوة الرفض التركي. فالصلات بين تحالف قوات سوريا الديمقراطية وحزب الشعب الكردستاني تجعل منها تهديدا عسكريا بالغا للأتراك.
نقطة أخرى على تركيا دراستها في إطار تقييمها لأي عملية عسكرية في شرق الفرات هي الوعد الذي قطعته باحترام سيادة الأراضي السورية، وهو وعد كرره كثير من المسؤولين الأتراك عبر السنين، وهو مسجل في وثائق العديد من الاجتماعات الدولية.
بالتالي، فإن المتوقع من تركيا ما أن يتم حل هذه الأزمة هو أن تسحب قواتها من جميع الأراضي السورية، سواء من شرق الفرات أو من غربه.
ولعل المجتمع الدولي سيضغط من أجل إجبار تركيا على الانسحاب. وما أن تنسحب تركيا، سيعود الأكراد سريعا لمواقعهم الحالية، أو على الأقل لن تكون تركيا في موضع سيطرة، لكن الإرادة السياسية لحكام دمشق ستفصل إن كان الأكراد سيتحركون عائدين إلى مواقعهم الأولى.
الخلاصة هنا هو أن تركيا مطالبة بتقييم خياراتها لمعرفة المكاسب والخسائر من أي عملية عسكرية والوقوف على أي مخاطر لا يمكن تجنبها تتمثل في سقوط ضحايا عسكريين وتكلفة مالية، فقط من أجل دعم فريق صديق لتركيا لفترة مؤقتة في شرق نهر الفرات.

 

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك