تركيا: ترحيل مئات اللاجئين إلى سوريا بشكل تعسفي

اتهمت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير جديد أصدرته بتاريخ 24 تشرين الثاني \ أكتوبر 2022 السلطات التركية باعتقال واحتجاز وترحيل مئات من اللاجئين السوريين (الرجال والنساء) إلى سوريا بين فبراير/شباط ويوليو/تموز 2022 بشكل تعسفي.

ونقلت المنظمة عن سوريين مرحّلين أنّ المسؤولين الأتراك اعتقلوهم من منازلهم وأماكن عملهم وفي الشوارع، واحتجزوهم في ظروف سيئة، وتعرض معظمهم للتعذيب، وأساءوا إليهم، وأجبروهم على التوقيع على استمارات العودة الطوعية، واقتادوهم إلى نقاط العبور الحدودية مع شمال سوريا، وأجبروهم على العبور تحت تهديد السلاح.

ونقلت المنظمة عن نادية هاردمان، باحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش: “في انتهاك للقانون الدولي، اعتقلت السلطات التركية مئات اللاجئين السوريين، حتى الأطفال غير المصحوبين بذويهم، وأجبرتهم على العودة إلى شمال سوريا، يبدو الآن أنّ تركيا تحاول جعل شمال سوريا منطقة للتخلص من اللاجئين”.

وأشارت المنظمة أنّ سوريا لاتزال غير آمنة لعودة اللاجئين، وأنّ تركيا قبضت مقابل استضافة اللاجئين السوريين من الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات لتمويل الدعم الإنساني وإدارة الهجرة.

وقالت المنظمة: إنّها أجرت بين فبراير/شباط وأغسطس/آب، مقابلات هاتفية أو شخصية داخل تركيا مع 37 رجلاً وصبياً سورياً تم تسجيلهم للحماية المؤقتة في تركيا (تم ترحيلهم لاحقا). كما قابلت أيضاً سبعة أقارب للاجئين سوريين ولاجئة رحّلتهم السلطات التركية إلى شمال سوريا خلال هذه الفترة. وأنّ جميعهم قالوا: إنّهم رُحّلوا مع مئات آخرين. قال الجميع: إنّهم أُجبِروا على التوقيع على استمارات إمّا في مراكز الترحيل أو على الحدود مع سوريا، لم يسمح لهم بقراءة محتوى تلك الاستمارات ولم يعرفوا ما ورد فيها، لكن جميعهم أكدوا إنّهم فهموا أنّ الاستمارات تؤكد موافقتهم على “العودة الطوعية” إلى سوريا. قال البعض: إنّ المسؤولين غطوا بأيديهم جزء الاستمارة المكتوب بالعربية. صرح معظمهم إنّهم رأوا السلطات في مراكز الترحيل هذه تتعامل مع سوريين آخرين بنفس الطريقة.

قال كثيرون: إنّهم رأوا مسؤولين أتراك يضربون رجالاً آخرين رفضوا التوقيع في البداية، لذا شعروا أنّ ليس لديهم خيار آخر. قال رجلان: احتجزا في مركز ترحيل في أضنة إنّهما خُيّرا بين التوقيع على استمارة والعودة إلى سوريا أو احتجازهما لمدة عام، اختار كلاهما المغادرة لأنّهما لم يستطيعا تحمل فكرة قضاء عام في الاحتجاز وكانا بحاجة إلى إعالة عائلاتهما.

وطالبت المنظمة تركيا بإنهاء عمليات الاعتقال والاحتجاز والترحيل التعسفية للاجئين السوريين إلى شمال سوريا، والتوقف عن استخدام العنف من قبل القوى الأمنية ومسؤولي الهجرة ضد السوريين أو غيرهم من المواطنين الأجانب المحتجزين ومحاسبة أي مسؤول يستخدم العنف.

كما وأوصت السلطات التركية بفتح تحقيق مستقل في الإجراءات الرامية إلى فرض أو خداع أو تزوير توقيع أو بصمات المهاجرين على استمارات «العودة الطوعية»، وأن تسمح لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالوصول بحرية إلى مراكز الترحيل، ومراقبة عملية الحصول على إذن من السوريين بإعادتهم إلى سوريا للتأكد من أنها طوعية، ومراقبة المقابلات وإجراءات الترحيل لضمان عدم استخدام مسؤولي الشرطة أو الهجرة للعنف ضد السوريين أو غيرهم من المواطنين الأجانب.

كما أوصت المفوضية الأوروبية بالإيضاح علنا أنّ تركيا ليست بلداً ثالثا آمنا بموجب المعايير المنصوص عليها في المادة 38 من “توجيه الاتحاد الأوروبي المعني بإجراءات اللجوء”، والضغط على اليونان لإلغاء القرار الوزاري المشترك الذي يعتبر تركيا بلدا ثالثا آمنا، واتخاذ إجراءات قانونية بحقها إذا لم تفعل ذلك في إطار زمني معقول، ودعوتها علنا إلى إعادة النظر في جميع قرارات الغير مقبولة المستندة إلى مفهوم البلد الثالث الآمن فيما يتعلق بجميع طالبي اللجوء السوريين.

كما وطالبت المنظمة بربط أي تمويل من الاتحاد الأوروبي لمراكز الترحيل بالوصول الكامل ودون عوائق لموظفي المراقبة التابعين لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والاتحاد الأوروبي وغيرهم من المراقبين المستقلين، بما في ذلك إمكانية إجراء مقابلات مع المحتجزين لتقييم مدى طوعية العودة. وإعداد تقييم عام لأثر ما يحدث على حقوق الإنسان والضغط على تركيا للسماح بآلية إبلاغ مستقلة من أجل ضمان عدم مساهمة تمويل الاتحاد الأوروبي لإدارة الحدود ولمراكز الترحيل في تركيا في انتهاكات حقوق الإنسان أو إدامتها.

الإبلاغ علنا، بما في ذلك في سياق التقرير السنوي عن تركيا، عن إجراءات السلطات التركية “لترحيل اللاجئين السوريين بشكل غير قانوني، والإجبار أو الإكراه على توقيع استمارات “العودة الطوعية “في مراكز الترحيل، بما في ذلك تلك التي تلقت تمويلا من الاتحاد الأوروبي، والضغط على تركيا لوقف عمليات الترحيل وأن تسمح لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمراقبة ما إذا كان السوريون المحتجزون يرغبون في البقاء في تركيا أو العودة طواعية إلى سوريا.

تركيا طرف في “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسية” (العهد الدولي) و”الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان” (الاتفاقية الأوروبية)، وكلاهما يحظران الاعتقال والاحتجاز التعسفيين والمعاملة اللاإنسانية والمهينة. إذا احتجزت تركيا شخصا لترحيله دون وجود احتمال واقعي لفعل ذلك، بما في ذلك لأنه يمكن أن يتعرّض لخطر في بلد المقصد، أو إذا كان الشخص غير قادر على الاعتراض على ترحيله، يكون الاحتجاز تعسفيا.

التزامات تركيا بموجب الاتفاقية الأوروبية والعهد الدولي، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية اللاجئين لعام 1951 أيضاً تفرض عليها احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطرا حقيقياً بالتعرض للاضطهاد أو التعذيب أو سوء المعاملة، أو قد تكون فيه حياته مهدّدة.

لا يجوز لتركيا استخدام العنف أو التهديد بالعنف أو الاحتجاز أو إكراه الناس على العودة إلى أماكن يواجهون فيها خطرا. يشمل ذلك طالبي اللجوء السوريين، الذين يحق لهم الحصول على حماية تلقائية بموجب القانون التركي، بما في ذلك الذين مُنعوا من التسجيل في نظام الحماية المؤقتة منذ أواخر 2017. من الضروري أيضاً أن ينطبق ذلك على اللاجئين الذين وجدوا عملا خارج المقاطعة التي سجلوا فيها. لا يجب أبدا احتجاز الأطفال لأسباب تتعلق فقط بوضع الهجرة الخاص بهم، أو مع بالغين من غير أقاربهم.

قدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 89 مليون يورو لبناء أو تجديد أو دعم مراكز الترحيل في تركيا. كان حوالي 54 مليون يورو منها بين 2007 و2008 لبناء سبعة مراكز ترحيل في ست مقاطعات بسعة 3,750 شخصاً. في 2014، قُدمت 6.7 مليون أخرى لتجديد وتأهيل 17 مركز ترحيل. في 2015، قدم الاتحاد الأوروبي حوالي 29 مليون يورو لبناء ستة مراكز ترحيل جديدة بسعة 2,400 شخص.

بعد أن دفع الاتحاد الأوربي 3 مليار يورو لتركيا كجزء من الاتفاق بينها وبين الاتحاد الأوروبي في مارس/ آذار 2016، قدم “مرفق الاتحاد الأوروبي للاجئين في تركيا” 60 مليون يورو إلى المديرية العامة لإدارة الهجرة آنذاك، من أجل «دعم تركيا في إدارة واستقبال واستضافة المهاجرين، لا سيما المهاجرين غير النظاميين في تركيا، والمهاجرين العائدين من أراضي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى تركيا». استُخدم هذا التمويل لبناء وتجديد مركز ترحيل تشانكيري وتزويد 22 مركز ترحيل آخر بالموظفين.

قدم الاتحاد الأوروبي 22.3 مليون يورو أخرى للمديرية العامة لإدارة الهجرة لتحسين الخدمات والظروف المادية في مراكز الترحيل، بما في ذلك تمويل «النقل الآمن والمنظَّم للمهاجرين واللاجئين غير النظاميين داخل تركيا»، و3.5 مليون يورو لـ «للمساعدة في بناء القدرات التي تهدف إلى تعزيز الوصول إلى الحقوق والخدمات».

في 21 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلنت المفوضية الأوروبية عن قرار تمويل بقيمة 30 مليون يورو لدعم “بناء قدرات رئاسة إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية وتحسين المعايير والظروف للمهاجرين في مراكز الاستضافة في تركيا… من أجل تحسين إدارة مراكز الاستقبال والاستضافة بما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان والنهج المراعية للاعتبارات الجندرية” ومن أجل ضمان “نقل المهاجرين غير النظاميين بأمان وكرامة”.

نقتبس من التقرير:

– لم يتم ترحيل عشرة أشخاص. أُطلِق سراح البعض وحُذّروا من أنهم إذا لم يعودوا إلى مدينتهم المسجلين فيها، سيُرحَّلون إذا عُثِر عليهم في مكان آخر. تمكّن آخرون من الاتصال بمحامين من خلال تدخل أفراد أسرهم للمساعدة في تأمين الإفراج عنهم. لا يزال العديد منهم في مراكز الترحيل بانتظار حل لقضيتهم، دون أن يعرفوا سبب احتجازهم ويخافون من الترحيل. وصف المفرَج عنهم الحياة في تركيا بأنها خطيرة، قائلين إنهم يبقون في منازلهم ويغلقون الستائر ويحدّون من حركتهم لتجنب السلطات التركية.

– نُقِل المبعدون إلى الحدود من مراكز الترحيل، أحيانا في رحلات تصل إلى 21 ساعة، مكبّلي الأيدي طوال الطريق. قالوا إنهم أُجبِروا على عبور نقاط التفتيش الحدودية إما عند أونغو بينار/ باب السلام أو سيلفيغوزو/ باب الهوى، الذين يؤديان إلى مناطق غير خاضعة لسيطرة الحكومة في سوريا. عند نقطة التفتيش، يتذكر رجل من حلب عمره 26 عاما مسؤولا تركيا قال له: “سنطلق النار على أي شخص يحاول العودة”.

– في يونيو/حزيران 2022، قالت “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” إن 15,149 لاجئا سوريا عادوا طواعية إلى سوريا حتى الآن هذا العام. تنشر السلطات المحلية التي تسيطر على معبري باب الهوى وباب السلام الأعداد الشهرية للأشخاص الذين يعبرون من خلال نقاط التفتيش التابعة لها من تركيا إلى سوريا. بين فبراير/شباط وأغسطس/آب 2022، أُعيد 11,645 شخصا عبر باب الهوى و8,404 شخصا عبر باب السلام.

– تركيا مُلزمة بموجب المعاهدات والقانون الدولي العرفي باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطرا حقيقيا بالاضطهاد أو التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة أو تهديد الحياة. على تركيا ألا تُجبر الناس على العودة إلى الأماكن التي يواجهون فيها أضرارا جسيمة. على تركيا حماية الحقوق الأساسية لجميع السوريين، بغض النظر عن مكان تسجيلهم، ويجب ألا تُرحّل اللاجئين الذين يعيشون ويعملون في مدينة غير تلك التي سُجّلت فيها هوياتهم وعناوين الحماية المؤقتة.

– قالت هاردمان: “على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه الاعتراف بأن تركيا لا تفي بمعاييره المتعلقة بدولة ثالثة آمنة، وأن يُعلّق تمويله لاحتجاز المهاجرين ومراقبة الحدود إلى أن تتوقف عمليات الترحيل القسري. تصنيف تركيا كـ ’دولة ثالثة آمنة‘ لا يتماشى مع حجم عمليات ترحيل اللاجئين السوريين إلى شمال سوريا. على الدول الأعضاء ألا تتخذ هذا التصنيف وعليها التركيز على إعادة نقل طالبي اللجوء عبر زيادة أعداد إعادة التوطين”.

– ركّزت هيومن رايتس ووتش على ترحيل اللاجئين السوريين الذين اعترف بهم نظام الحماية المؤقتة التركي، لكن مع ذلك عمدت السلطات إلى ترحيلهم أو تهديدهم بالترحيل إلى سوريا في 2022. جميع اللاجئين السوريين الـ47 الذين دُرِست حالاتهم كانوا يعيشون ويعملون في مدن في كلّ أنحاء تركيا، وأغلبهم في اسطنبول، قبل أن يُعتَقلوا ويُحتجزوا وفي أغلب الأحيان يُرحَّلوا. استُخدمت أسماء مستعارة لجميع المحتجزين من أجل حمايتهم.

– على مدى العامين الماضيين، كان هناك ارتفاع في الهجمات العنصرية والمعادية للأجانب، وخاصة ضدّ السوريين. في 11 أغسطس/آب 2021، هاجمت مجموعات من السكان الأتراك مواقع عمل ومنازل لسوريين في أحد أحياء أنقرة، بعد يوم من قتل شاب سوري لآخر تركي طعنا أثناء عراك.

– في الفترة السابقة لانتخابات ربيع 2023، يُلقي سياسيون معارضون خطابات تغذي المشاعر المعادية للاجئين وتقترح إعادة السوريين إلى سوريا التي مزقتها الحرب. ردّت حكومة الرئيس إردوغان الائتلافية بتعهدات بإعادة توطين السوريين في المناطق التي تحتلها تركيا في شمال سوريا.

– أغلب الذين قابلناهم اعتُقلوا في شوارع اسطنبول، بينما اعتُقل آخرون أثناء مداهمات لأماكن العمل أو المنازل. في بعض الأحيان، قدّم المسؤولون الذين نفذوا الاعتقال أنفسهم على أنهم من الشرطة التركية، وكلهم طلبوا الاطلاع على وثائق هوية اللاجئين.

– عند الاعتقال، يُنقَل اللاجئون السوريون إمّا إلى مراكز الشرطة المحلية لفترات قصيرة وإما مباشرة إلى مركز ترحيل، وعادة ما يكون “مركز ترحيل توزلا” في اسطنبول. هناك مراكز ترحيل أخرى بما في ذلك في بنديك، وأضنة، وغازي عنتاب وأورفة. في كل الحالات، صادر المسؤولون التركيون هواتف السوريين ومحفظاتهم وغيرها من الأمتعة الخاصة.

– رفضت السلطات طلبات اللاجئين بالاتصال بأقاربهم أو محامييهم. قال رجل طلب الاتصال بمحام إنّ شرطيا قال له في مركز الشرطة: “هل ارتكبتَ أي جريمة؟’ ولما أجبته بالنفي قال ‘إذن لا داعي لأن تتصل بحام”‘.

– قالوا جميعا إنّ السلطات التركية احتجزتهم في غرف ضيّقة وغير صحيّة في مراكز ترحيل مختلفة. كان عدد الأسرّة محدودا، وقال الأشخاص الذين قابلناهم إنهم اضطروا في كثير من الأحيان إلى تقاسمها. قال اللاجئون إنهم كانوا عادة يُقسّمون حسب الجنسية، وكانوا يُحتجزون عموما مع سوريين آخرين. احتُجِز أيضا صِبية دون 18 عاما مع رجال بالغين.

-تحدّث جميع الذين قابلناهم عن نقص في الطعام والوصول إلى دورات المياه في مراكز الترحيل، وغير ذلك من الظروف غير الصحيّة. في توزلا، التي مرّ فيها أغلب الذين قابلناهم، قال سوريون إنهم احتجزوا في الخارج فيما وصفوه بـ”ملاعب لكرة السلّة” لساعات متتالية في انتظار تخصيص مكان لهم، الذي كان عموما داخل حاوية معدنية ضيقة.

– تحدث “أحمد” عن ظروف مركز الترحيل بتوزلا، حيث احتُجز مع أطفال غير مصحوبين في حاويات معدنية مكتظة: كانت هناك ستة أسرّة في زنزانتي. كل سرير يتقاسمه رجلان أو ثلاثة. في زنزانتي أيضا كان هناك صبي عمره 16 عاما وآخر عمره 17. في البداية كنا 15 [في الزنزانة]، لكنهم جلبوا أشخاصا آخرين بعد ذلك. بقينا 12 يوما دون استحمام لأنه لم يكن يوجد مكان لذلك.

-قال جميع الذين قابلناهم إنّ المسؤولين الأتراك في مراكز الترحيل إما اعتدوا عليهم أو هم شاهدوا مسؤولين يركلون أو يضربون سوريين آخرين بأيديهم أو بهراوات خشبية أو بلاستيكية. تحدث “فهد” (22 عاما)، من حلب، عن الضرب في مركز ترحيل توزلا: ضُرِبت في توزلا… سقط مني رغيف الخبر بالخطأ فحاولت التقاطه من الأرض، فركلني شرطي حتى سقطت. بدأ يضربني بعصى خشبية. لم أستطع الدفاع عن نفسي. شهدت عمليات ضرب لأشخاص آخرين. أثناء الليل، إذا دخّن أحدنا يُضرَب. كانوا [الحراس] دائما يهينوننا. كان واحد من الرجال يُدخّن… بدأ خمسة حرّاس بضربه بشدّة حتى صارت عينه زرقاء، وضربوه على ظهره بعصى. وكل من حاول التدخل ضُرِب أيضا.

– قال “أحمد” (26 عاما)، من حلب، إنّ الشرطة التركية اعتقلته في مكان عمله، وهو محلّ خياطة في اسطنبول، واقتادته إلى مركز ترحيل توزلا، وهناك تعرّض للضرب الشديد في مناسبات عدّة: ضُرِبتُ في توزلا ثلاث مرات: آخرها كانت الأكثر قسوة بالنسبة لي. كنت أجادلهم حتى يسمحوا لي بالخروج من أبواب السجن، وأن يمنحونا بعض الوقت للاستراحة، فشتموني [الحرّاس] وسبّوني أنا وعائلتي. قلت لهم إنني سأشتكيهم إلى المدير، فضُرِبت على وجهي بعصى خشبية وكسروا [الحراس] لي أسناني.

– في النهاية، رُحِّل أحمد إلى شمال سوريا عبر معبر باب السلام الحدودي وهو الآن في مدينة أعزاز، تحت رقابة الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا، وهي جماعة معارضة، لأنه لا يستطيع العبور إلى مدينة حلب الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية بما أنه مطلوب للجيش السوري. قال: “هربت من الحرب [في سوريا] لأنني ضدّ العنف. والآن أعادوني [السلطات التركية] إلى هنا. أريد فقط أن أكون في مكان آمن”.

– اعتُقل “حسن” (27 عاما)، سجين سياسي سابق وناج من التعذيب في دمشق، في منزله لما اشتكى جيرانه من الضجيج المنبعث من شقته. أمضى بضعة أشهر متنقلا بين مراكز ترحيل مختلفة، وفي الأخير طُلب منه التوقيع على استمارة عودة طوعيّة. لما رفض ذلك، قال حسن “وضعوني داخل قفص، مثل أقفاص الكلاب. كان حديديا… بقياس 1.5 متر في واحد متر تقريبا. لما وصلت الشمس إلى القفص، صار ساخنا جدا”.

– قال العديد من المرحّلين إن المسؤولين الأتراك – حراس مراكز الترحيل أو المسؤولين الذين وصفوهم بـ “الشرطة” أو “الجندرمة” – استخدموا العنف أو التهديد بالعنف لإجبارهم على توقيع “استمارات عودة ‘طوعيّة”.

-اعتُقل “مصطفى” (21 عاما)، من إدلب، في الشارع في حيّ إسنايورت في اسطنبول. أمضى عدّة أيام في مركز ترحيل في بنديك، ثم نُقل إلى أضنة، وهناك وُضع في زنزانة صغيرة مع 33 سوريا آخرين لليلة واحدة. في الصباح، قال مصطفى إنّ أحد عناصر الجندرمة جاء ليأخذ المحتجزين كلّ على حدة إلى غرفة أخرى: لما حان دوري، أخذوني مع شخص آخر إلى غرفة كان فيها أربعة مسؤولين: واحد من الجندرمة، وآخر في لباس مدني، ومدير الهجرة [في مركز ترحيل أضنة]، ومترجم. رأيت ثلاثة أشخاص على الأرض تحت الطاولة كانوا قد أخذوهم قبل ذلك من زنزانتنا، وكانت وجوههم متورمة.

-طلب المترجم من الرجل الذي كان معي التوقيع على بعض الأوراق، لكنه عندما رأى أنّ احداها هي استمارة إعادة طوعية رفض التوقيع. بدأ عنصر الجندرمة والرجل في لباس مدني يضربانه بأيديهما وبالهراوات ويركلانه. بعد عشر دقائق تقريبا قيّدوا يديه ونقلوه إلى جوار الأشخاص الذين كانوا على الأرض تحت الطاولة. سألني المترجم ما إذا كنت أرغب في تذوّق ما ذاقه الآخرون، فقلت لا ووقعت على الورقة.

رُحّل مصطفي في وقت لاحق من معبر سيلفيغوزو/باب الهوى، وهو الآن في مدينة الباب شمال محافظة حلب.

-أغلب الأشخاص الذين قابلناهم قالوا إنهم ينحدرون من مناطق خاضعة للحكومة السورية، وإنهم لم يستطيعوا العبور إلى أماكنهم الأصلية خوفا من أن تعتقلهم أجهزة الأمن السورية تعسفا أو تنتهك حقوقهم. المُرحلون إلى الشمال السوري قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شعروا أنهم “عالقون” هناك، وغير قادرين على الذهاب إلى ديارهم أو العيش وسط عدم الاستقرار والاشتباكات في الشمال السوري.

-قال “فراس” (31 عاما)، وهو من ريف دمشق ورُحِّل من تركيا في يوليو/تموز 2022 ويعيش الآن في عفرين شمال سوريا، في مقابلة عبر الهاتف: “لا أستطيع العودة إلى دمشق لأن الوضع خطير جدا. هناك قتال واشتباكات [في عفرين]، فماذا عساي أفعل؟ وإلى أين أذهب؟”

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك