تفاصيل مرعبة عن لاجئين سوريين حاولوا الوصول إلى اسبانيا عبر البحر المتوسط

يروي لاجئون سوريون قصص مرعبة أثناء مساعيهم في الوصول إلى إسبانيا عبر البحر الأبيض المتوسط منطلقين من مدينة وهران الجزائرية بقوارب مهترئة في رحلة عاصفة استمرت قرابة 11 ساعة عبر شبكات تهريب منتشرة في الجزائر وتصمت الحكومة عن نشاطهم.

يتحدث اللاجئ الأول والذي سنكتفي بالإشارة لاسمه بحرف (ف) عن رحلتهم التي انطلقت بحدود الساعة الثامنة مساء من شاطئ مدينة وهران الجزائرية، حيث كان قاربهم يقل 15 شخصاً كلهم سوريين، وغالبهم من مدينة كوباني إضافة لسائق القارب الذي اتفق مع المهربين على قيادة القارب بنفسه، رغم عدم امتلاكه أيّة خبرات سابقة في ذلك. وهو واحد من العوامل الرئيسية التي أدت لغرق القارب لاحقاً ومقتل 14 شخصاً غرقاً.

يضيف (ف) بعد قرابة الساعتين في البحر، بدأت الرياح تشتد وزاد ارتفاع الأمواج التي كانت تضرب القارب المتهالك الذي يحمل 3 أضعاف سعته، نجحنا في التقدم نصف ساعة أخرى لكن ارتفاع الموج ازداد أكثر ولقلة خبرة السائق بدأ يفقد السيطرة على القارب مع انخفاض الحرارة وتلاطم الأمواج زادت الفوضى ضمن القارب وبدأنا بالصراخ تارة والدعاء تارة حتى انقلب القارب بمن فيه.

يروي (ف) لمركز التوثيق تفاصيل قاسية عن الصراخ ومحاولات النجاة والتشبث بالحياة حتى بدأوا بالغرق تباعاً واحداً تلو الآخر وبدأت جثثهم تطفوا.

وعن نجاة يقول (ف) كنت سباحاً ماهراً منذ صغري، كنت اسبح في نهر الفرات وهو ما ساعدني للبقاء في الأعلى، لاحقاً بدأ التعب وتلاطم الأمواج يصيبني بالأعياء ويرهقني، فتمسكت بجثث أصدقائي الغارقين للنجاة، حتى شاهدت، بعد مرور قرابة الساعتين، أضواء عالية وأصوات لعناصر من خفر السواحل الذين أنقذوا حياتي وبدأوا بانتشال الجثث تباعاً.

الشاهد الثاني الذي سنكتفي بالإشارة اليه باسم (ع) طلبنا منه الحديث عن رحلته الي بدأت من كوباني، وأنّه اتفق مع شخص يقيم فيها على السفر باتجاه مدينة وهران عبر لبنان والقاهرة وليبيا.

اتفقنا على مبلغ 3 آلاف دولار أمريكي، انطلقنا في وقت مبكر من كوباني باتجاه مدينة حمص ومنها دخلنا إلى لبنا عبر طريق وعر وصعب والرحلة استمرت يومين، مشينا حوالي 30كم في طرق جبلية وصعبة التضاريس حتى وصلنا إلى مركز لتجمع اللاجئين في بيروت حيث كان بانتظارنا مهرب آخر الذي قام بتأمين ( تأشيرة سفر إلى ليبيا “موافقة العبور”)، وحجز الرحلة الجوية عبر شركة الشام.

أضاف :” بعد يومين ركبنا الطائرة المتجهة الى مطار القاهرة، بقينا هناك حوالي 18 ساعة في المطار، ومنها اتجهنا الى مطار بنغازي ، في المطار تم استقبالنا من قبل أشخاص لا نعرفهم لكنهم كانوا على اتصال مع المهرب في لبنان، ومن بنغازي التي بقينا فيها ليوم واحد فقط انطلقنا في رحلة استمرت 6 أيام عبر الصحارى، ومن مهرب لآخر، حتى وصلنا الحدود الليبية الجزائرية بقينا هنالك يومين حتى انتقلنا إلى الجزائر وتم اعتقالنا في إحدى المدن الحدودية، لاحقا وبمساعدة المهربين تمكنّا من الفرار، وانتقلنا في رحلة صعبة بسيارة مكتظة مدة 19 ساعة إلى مدينة وهران وقبيل الوصول إلى حدود وهران تم ضبطنا من قبل قوات تابعة للحكومة واطلقوا علينا النار بأسلحتهم الرشاشة لكنّنا تمكنّا من النجاة بدون إصابات.

يضيف (ع) في وهران تنتشر تجمعات سكنية للسوريين، بعد حوالي يومين من الراحة والنوم بدأنا رحلة البحث عن مهرب ينقلنا إلى اسبانيا عبر البحر، هناك العشرات منهم يتحركون بسيارات مع مرافقة ومسلحين، كان الاتفاق مع مهرب سوري الجنسية، بمبلغ 7 آلاف يورو تدفع بعد الوصول إلى إسبانيا على أن تكون الرحلة آمنة بقارب مجهز بمحرك جيد وسائق.

يضيف (ع) بقينا في وهران مد شهرين تقريبا وكان المهرب يعدنا كل فترة باقتراب موعد الرحلة باتجاه اسبانيا، في إحدى الليالي وبحدود الساعة الواحدة صباحا اتصل بي وطلب مني ومن شخص آخر كان معي بالتحضير للسفر، بالفعل جاءت سيارة وأقلتنا إلى نقطة قريبة من البحر وطلبوا منا الركض والاختفاء في غرفة مهجورة بقينا هناك حوالي الساعة، جاء أشخاص وقاموا بنقلنا مشياً على الأقدام إلى قارب كان ممتلئاً ( 17 شخصاً ) فيما سعته أقل من 10 أشخاص.

أضاف (ع) فور انطلاق القارب، وكان السائق مسلحاً وتعرفنا عليه من خلال لهجته بأنّه جزائري، طلب مني ومن السوري الآخر الذي كان معي (نحن كنا السوريين الوحيدين) مبلغ 200 دولار أو سيرمينا في البحر، أخبرناه بأنّنا سبق واتفقنا على مبلغ 7 آلاف يورو مع المهرب، وأنّه سيحصل على حصته منه وأنّنا لا نحمل معنا أيّة أموال …. فجمعت كل ما كان بحوزتنا من المال وكانت 150 يورو ودفعنا له، حيث كان يدخن الحشيش بكثرة.

أضاف بعد حوالي 8 ساعات من الإبحار بالقارب من الساعة 4 إلى الساعة 12 ظهرا توقف القارب ونحن لم نبلغ الشاطئ بعد، حيث نفد البنزين … أطفأ المحرك فيما الأمواج تضرب قاربنا وسط البحر ولا أثر لليابسة … لم نكن نملك كميات كافية من مياه الشرب نفد كل المخزون، بقينا مترنحين لساعات والحرارة تجاوز الـ 40 درجة مئوية، كان البحر هادئا لكننا كنت أقرب للموت والهلاك …وخائفين من انقلابه في أيّة لحظة، خاصة وأنّنا لا نحمل معنا أيّة وسائل نجاة ( سترات النجاة ) المحظورة أساسا من قبل المهربين. مرت ساعات تلو أخرى وبدأت الرياح تشد الموج يعلو والشمس اتجهت نحو الغروب ولا أثر لأحد …. بقينا عالقين وسط البحر لا نملك مياه شرب حيث بدأنا نحاول شرب مياه البحر. بعد 8 ساعات لمحنا سفينة ضخمة على بعد كيلو مترات ( 1 أو 2 …) بدأنا بالتلويح والصراخ، لكنها لم تستجب لنا … قرر أحد السائقين النزول للبحر والسباحة باتجاه تلك السفينة، بالفعل اقترب منها وشاهدنا يصعد على متن تلك السفينة التي كانت تجارية أو سياحية، وبعد حوالي 35 دقيقة حلقت فوقنا طائرة مروحية اسبانية، وبعدها جاء خفر السواحل الإسباني الذي بدأ بنقلنا إلى سفينتهم.

يختم (ع) قصته قائلاً، لاحقا تأكدت بأنّ المهربين بالفعل كانوا يعتبروننا سلعة، إنّ وصلت يحصلون على المال، وإن غرقت لا مسؤولية تقع على عاتقهم، فهم لم يكونوا يعلمون أنّنا عالقين في وسط البحر، ليرسلوا إلينا قوارب نجدة، لقد أبلغوا أهالينا بعد فقدان الاتصال بنا أكثر من 24 ساعة بأنّنا في اسبانيا، رغم أنّنا كنا في ذلك الوقت تائهين في عرض البحر بقارب تعطل محركه عن العمل لفقدان الوقود.

وتحدثت الشاهد الثالث (ن) عن الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون السوريين في الجزائر وبالتحديد في منطقة وهران حيث يتم إيوائهم من قبل شبكات التهريب (سوريين، جزائريين) في بيوت مكتظة غير مخدّمة، وأنّ كل سوري يضطر لدفع مبلغ يتراوح بين 7 إلى 8 آلاف للمهربين، وينتظرون لأشهر حتى يتم نقلهم إلى الشاطئ وزجهم في قوارب سيئة مهترئة.

يقول (ن) بعد حوالي 4 ساعات من الإبحار بقارب بمحرك واحد (جميع القوارب التي تقل اللاجئين بمحرك واحد) ولم يسمح لنا بارتداء سترات نجاة (كل الذين يسلكون هذا الطريق يمنع عليهم ارتداء سترات نجاة، وبذلك بمزاعم أنّها تلفت أنظار خفر السواحل)، توقف المحرك وحاول السائق مرارا إعادة تشغيله لكن بدون فائدة.

يضيف بقينا حوالي الساعة والنصف، ولحسن حظنا أن دورية من خفر السواحل الاسبانية عثر علينا، رفضوا السماح لنا بركوب سفينتهم، وأبلغونا أنّنا يجب أن نعود إلى الجزائر حيث انطلقنا، لكنهم اعطونا قناني المياه للشرب … مضت ساعة بالضبط حتى جاء خفر السواحل الجزائري بعد اتصالهم بهم، وقاموا بإعادتنا إلى الجزائر وتم زجنا في أحد السجون في مدينة وهران، بعدما صادروا كل ما كان معنا من هواتف وأموال ووثائق شخصية.

يضيف “بعد 29 يوما من السجن تم اخضعنا لمحاكمة شكلية، أخبرنا القاضي بأنّنا نود البقاء في الجزائر، وأخبرناه بأنّ السلطات قامت بمصادرة مقتنياتنا، رفض اتخاذ أي إجراء لإعادة شيء إلينا … واتخذ قرارا بترحيلنا إلى بلدة النيجر، ولم يُسمح لنا بالطعن في قرار الترحيل أو مناقشة وضع اللجوء الخاص بنا، رغم أنّنا كنا نمتلك جوازات سفر سورية لكن تمت مصادرتها ولم ندخل الأراضي الجزائرية من النيجر بل من ليبيا.

يضيف ” قامت السلطات الجزائرية بزجّنا في شاحنات ورفضت تسليمنا أجهزتنا الخليوية (الهاتف) أو المبالغ المالية التي كانت بحوزتنا وبعد مسيرة 3 أيام متواصلة قاموا برمينا على الحدود في منطقة عين قزام التي تبعد 2500 كيلومتر عن مدينة وهران الساحلية.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك