ملاذات آمنة تؤوي التنظيم.. لماذا تجد قوات سوريا الديمقراطية صعوبات في القضاء على مقاتلي داعش؟

رغم إعلان أمريكا قتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إلا أنّه يبدو مهمة القضاء على التنظيم هي مهمة صعبة، خصوصاً في سوريا، حيث تواجه قوات سوريا الديمقراطية هناك معطيات محيرة في الهجمات المتزايدة والمكثفة التي تتعرض لها.

ومنذ بداية العام الجاري 2022 شنت داعش هجمات عديدة في سوريا والعراق وليبيا والجزائر ودول أخرى، وهو ما يثير تساؤلات بشأن احتمالات عودة التنظيم لتهديد الأمن في المنطقة بعد 3 سنوات من إعلان هزيمته نهائياً.

وبالتزامن مع الهجوم الضخم على سجن الصناعة في حي غويران في الحسكة شمال شرق سوريا، والذي شارك فيه المئات من مقاتلي داعش، حيث شنوا من خارج السجن هجمات متزامنة بسيارات مفخخة بهدف إخراج الآلاف من زملائهم المسجونين، فإنّ عدة دول أخرى منها العراق ودول شمال إفريقيا وأفغانستان تعرضت لهجمات متنوعة للتنظيم، كما وأنّ الهجوم لم يكن الأول فمنذ بداية العام الجاري يحاول داعش تصعيد من هجماته في ريف دير الزور والرقة و الحسكة تستهدف بشكل أساسي قوات سوريا الديمقراطية إضافة لهجمات شنتها في البادية ضد الجيش السوري وهو ما اعتبره مراقبون مؤشر خطير على تعافي التنظيم.

ووفق مواقع مقربة من “داعش” فإنّ التنظيم نفَّذ خلال 2021 ما يزيد على 2748 عملية في جميع مناطق نشاطاته حول العالم أسفرت عن مقتل 8147 شخصاً، بواقع 1065 عبوة ناسفة ونحو 855 اشتباكاً أو تعرضاً مسلحاً و203 كمائن، إضافة إلى عمليات أخرى منها 23 انتحارية.

وتوزعت العمليات على العراق بـ1127 عملية قتل جراءها 2083 شخصاً، ونحو 370 عملية في سوريا، و415 في نيجيريا، و372 في أفغانستان، وعمليات أخرى في باكستان ومصر وليبيا والصومال والفلبين وإندونيسيا ودول أخرى. وفي أفغانستان التي انسحبت منها القوات الأمريكية منتصف أغسطس/آب 2021، نفذ التنظيم ما يزيد على 370 عملية خلال 2021 تسببت بمقتل 2210 أشخاص كان أبرزها الهجوم الانتحاري قرب مطار كابول الذي قُتل فيه 13 جندياً أمريكياً ونحو 170 مدنياً أفغانياً.

ما هي الملاذات الآمنة؟

منذ أن قُضِيَ على تنظيم داعش من آخر معاقله في بلدة الباغوز في ريف دير الزور في سوريا في عام 2019، تمكن الكثيرون من مقاتلي التنظيم في الغالب من الفرار إلى مناطق خاضعة لسيطرة تركيا، حيث وجدوا ملاذا آمنا لإعادة تنظيم صفوفهم، والتخطيط وقيادة العمليات العسكرية وإعادة تشكيل جماعات مسلحة تشن هجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية إضافة لتنشيط الخلايا في مناطق متعددة وتوجيهها وتمويلها، ولعل استهداف رأس التنظيم ، وزعيمه في منطقة خاضعة لسيطرة تركية في بلدة أطمة الحدودية وعلى مقربة من القواعد العسكرية التركية يشكل بحد ذاته دليلا على أنّ التنظيم بات يتخذ من هذه المناطق كدرع لحماية تنقلاته ومخططاته ويقود منها عملياته.

مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا تمكن من نشر عدد من التقارير التي تؤكد نشاط خلايا داعش ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في شمال سوريا، وأنّ هذه الخلايا تتحرك بشكل علني، وتنسيق عملياتها العسكرية عبر مراكز قيادة مركزية تستهدف بالدرجة الأولى منطقة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا. المركز استطاع توثيق أسم 105 من عناصر وقادة داعش ضمن صفوف الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا منهم 22 من قادة الصف الأول.

يتحرك هؤلاء بسهولة ودون مضايقات ضمن تلك المناطق يعقدون اجتماعات ولقاءات والعدد القليل الذين كانوا في سجون الجيش الوطني تم الإفراج عنهم، بدون الخضوع لأيّة محاكمات ومنهم متورطين بارتكاب جرائم شنيعة، حيث تم اعادة دمجهم ضمن صفوف الجيش الوطني السوري الذي اتخذوه كغطاء يحميهم، وهم يحملون هويات صادرة عن المراكز الإدارية في المدن السورية التابعة لها، وهذه الهويات مرتبطة بالسجلات المركزية التركية.

كما ويشكل تراخي الأجهزة الأمنية السورية فرصة إنعاش لداعش وبشكل خاص في منطقة البادية حيث يشن التنظيم هجمات تستهدف المدنيين والعسكريين، إضافة لسياسات النظام السوري وفرضه حصارا على منطقة الإدارة الذاتية ورفضه كذلك التنسيق والتعاون الأمني كل هذا يلعب دورا مهما يستغله التنظيم لشن الهجمات.

“داعش” يعتاش على غياب الحل القانوني في شمال شرق سوريا:

يقول الكاتب فرهاد حمي في مقال نشره في المركز الكردي للدراسات إنّ غالبية مؤسسات الإعلام الغربي تفاعلت مع حادثة هجوم تنظيم داعش على سجن الصناعة في محافظة الحسكة من منطق قدرة التنظيم على إعادة تنشيط نفسه، الأمر الذي قد يحمل معه مخاطر أمنية مروعة على البيئة الاجتماعية المستهدفة. حيث أفردت كبريات الصحف الغربية سلة من التقارير والتحليلات تؤكد على إمكانية عودة داعش مجدداً في ظل سلسلة من الهجمات المتتالية نفذته التنظيم مؤخراً في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، وهو مؤشراً على هشاشة الحل الأمني في المقام الأول”.

يضيف ” هجوم التنظيم الأخير على السجن المذكور، يكشف قدراته المتنامية وأنّه لايزال يشكل مصدر تهديد كبير، فضلاً عما يشكله من خطر على نحو 900 جندي أمريكي منتشرين في المنطقة. كما يظهر هذا الهجوم قدرة داعش على التكيف والاستمرار.”.

هجمات تركيا تعرقل جهود مكافحة داعش:

تعرقل الهجمات التي تشنها تركيا والجماعات المسلحة المرتبطة بها جهود كبيرة تبذلها قوات سوريا الديمقراطية في حملتها المستمرة ضد خلايا تنظيم داعش، حيث لم تتوان قوات سوريا الديمقراطية في تحميل تركية والجماعات المسلحة الموالي لها والحكومة النظام السوري، مسؤولية هجمات “داعش”.

واتهمت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تركيا بتحمل المسؤولية الأكبر وراء الهجمات التي يشنها التنظيم ولا سيما الهجوم الذي تعرض له سجن الصناعة في الحسكة.

وجاءت تلك الاتهامات عبر بيان قالت فيه: إنّ “ما حدث في الهجوم على سجن الصناعة، يؤكد أنّ التنظيم الإرهابي استثمر الظروف السياسية، واعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على مساعدة بعض الدول الإقليمية له، وفي هذا الإطار كان دور الدولة التركية هو الأبرز”.

وأضافت “قسد” خلال البيان أنّ “مسؤولية تركيا في هذا الهجوم وفي استمرار وجود داعش (تنظيم إرهابي محظور في روسيا) هي الأكبر، لأنّ هجمات الدولة التركية على شمال وشرق سوريا، وتهديداتها الدائمة لها، تمنح تنظيم داعش الإرهابي القوة المعنوية، ليلتقط أنفاسه مجددا ويهيئ الأرضية ليعيد تنظيم صفوفه”.

وأوضح البيان أنّ “المناطق المحتلة مثل سري كانيه/ رأس العين وكري سبي/ تل أبيض تحولت إلى المناطق الأكثر أمناً وحماية” لـ”داعش” ليتمكن من إعادة تينظم نفسه فيها ويدرب عناصره، حيث أنّ بعض المرتزقة المهاجمين على سجن الصناعة قدموا من تلك المناطق”.

وقالت “قسد”: “أساس المخطّط وإدارة الهجوم وغرفة العمليّات، وفق الوثائق، تم الإعداد لها خارج الحدود السورية. إنّ مسؤولية الدولة التركية في هجوم داعش هي الأكبر”. وإنّ” هجمات تركيا على شمال وشرق سوريا، وتهديداتها الدّائمة لها، تمنح تنظيم داعش الإرهابي القوة المعنوية، ليلتقط أنفاسه مجددا، ويهيئ الأرضية ليعيد تنظيم صفوفه”.

تصاعد هجمات داعش:

يقول محمد حسن وهو صحفي مختص في متابعة الجماعات “الاسلامية” المتشددة، إنّ داعش يتجدد في المنطقة، وإنّ تصاعد العمليات التي نفذها منذ بداية العام الجاري وفي عدة مناطق وبلدان كانت بتنسيق عال ودقيق. يضيف حسن “داعش يكشر عن انيابه مجدداً”.

وتحدث حسن عن عودة الماكينة الإعلامية لداعش إلى النشاط وتصوير عملياته بالفيديو: “هذا يوضح عودة القدرة التكتيكية والإعلامية لتنظيم”.

يضيف حسن “هجمات داعش باتت متنوعة، أصبح يضرب أهداف اقتصادية كذلك على ما يبدو هذا هدف مرتبط بإضعاف خصومه اقتصاديا واستنزاف مواردهم”، يضيف “مع بداية العام الحالي، وفي اليوم الأول منه نشرت وكالة الأعماق التابعة لداعش مقطع فيديو يظهر إحراق عناصر التنظيم لبئر (دعاس) النفطي في بلدة (الحريجي) شمالي دير الزور.

مخيم الهول:

نفذت خلايا مرتبطة بتنظيم داعش 128 جريمة قتل في مخيم الهول، وأصيب في هجماته ضمن المخيم 44 شخصاً بأشكال متعددة، وتم إحراق 13 خيمة خلال العام 2021 رغم الإجراءات الأمنية المشددة المتخذة في المخيم الذي يقطن فيه قرابة 58 ألفاً من النازحين ومن عوائل داعش.

يقول محمد حسن” رغم الحملات الأمنية العديدة التي قامت بها قوى الامن الداخلي (آسايش) وقوات مكافحة الإرهاب، واعتقال العديد من الرؤوس المدبرة لخلايا داعش التي ترتكب تلك الجرائم في المخيم، إلا أنّ تلك الخلايا تواصل عملياتها الإجرامية بحق من يسعى للخروج من قفص فكر داعش المتطرف، ولازالت تتكاثر تلك الخلايا داخل المخيم مع استمرار وجود معتنقي الفكر الداعشي بين قاطني المخيم، وللمرة الأولى استهدفت تلك الخلايا موظف من إحدى المنظمات العاملة ضمن المخيم، حيث قتل أحد أفراد تلك الخلايا في الحادي عشر من الشهر الحالي، المسعف (باسم محمد محمد) العامل مع منظمة هلال الأحمر الكردي، في النقطة الطبية داخل المخيم.

الضحايا الجناة:

ويكشف محمد حسن أنّ داعش يلجئ في تنفيذ العديد من جرائمه داخل المخيم إلى استخدام الأطفال الذين تم تلقينهم بالفكر الداعشي، ولاسيما في القسم الخاص بنساء داعش الأجنبيات، الذي لا يتواجد فيه الرجال. “المخاطر كبيرة …وسط هذه البيئة المتطرفة يكبر هؤلاء الاطفال ويُولد جيل جديد من المتطرفين، يتم إعدادهم ضمن برامج خاصة كانت تتبعها داعش فترة سيطرتها العملية، لفئة سمتها بـ”أشبال الخلافة” حيث يتم تهيئتهم ليكونوا “جنود الخلافة مستقبلاً” وقنابل داعش الموقوتة”.

وفي هذا الإطار عثرت آسايش المخيم مؤخراً على نفق تحت الأرض داخل المخيم، كانت تستخدمه خلايا داعش كمعسكر لتربية وتدريب الأطفال، حيث تم القبض على تسعة قاصرين في تلك الخيمة التي حُفر الخندق تحتها وهم من الجنسيات (الأندونيسية والتركمانستانية والفرنسية والروسية).

من يسكن في الهول؟

يضم مخيم الهول حسب الإحصائيات الأخيرة، في كانون الأول 2021، 57460 شخصاً، جلهم نساء وأطفال، ضمن 15603 أسرة، بين “عراقيين، سوريين. بينما نسوة وأطفال داعش الأجانب يصل تعدادهم إلى 8555، ضمن 2529 أسرة، من 54 جنسية.

وحسب تقارير استخباراتية أمريكية صدرت مؤخراً: فإنّ داعش يحتفظ بنفوذ كبير في العديد من المخيمات، فضلاً عن حرية التنقل، مما يسمح له باستهداف العناصر “الأكثر قابلية” للتجنيد، ولاسيما الأطفال.

وجاء في التقرير أنّ “داعش أعطى الأولوية لتهريب الأولاد من هذه المعسكرات إلى مواقع التدريب في الصحراء السورية”. كما حذر المسؤولون العسكريون الأمريكيون من أنّ مخيم الهول، على وجه الخصوص، كان بؤرة للتجنيد والتطرف.

صوتٌ بلا صدى:

وجهت الإدارة الذاتية خلال الفترة الماضية العديد من النداءات لدول التي ينحدر منها دواعش الهول من أجل استعادة مواطنيها، الذين باتوا يشكلون “عبئاً إضافياً” على هذه الإدارة المحدودة الإمكانيات أصلاً.

كما دعا القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في آذار الماضي الدول الأجنبية “لاستعادة مواطنيها وتقديم المزيد من الدعم الإنساني لتحسين الظروف والاستقرار في مخيم الهول.”

بدوره شدد رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر ماورير، على ضرورة استعادة الدول، لمواطنيها من عائلات عناصر داعش، وقال ماورير بعد زيارة إلى مخيم الهول: إن “الأطفال وكثير منهم أيتام أو منفصلون عن آبائهم، ينشؤون في ظروف خطيرة في المخيم.”

بيد أنّ كل تلك نداءات لم تجد أصدائها إلا في إطار محدود جداً.

مراجعات :

ملف خاص: معلومات وأسماء قيادات ومقاتلي داعش الذين يقاتلون الآن ضمن صفوف الفصائل التابعة لتركيا في شمال سوريا

سوريا … مقتل قياديين من تنظيم “داعش” بهجوم طائرة مسيرة للتحالف الدولي

تصفية قيادي “بارز” في داعش في سوريا..

الكشف عن شخصية قيادية “كبيرة جداً ” في تنظيم داعش تعيش بمنطقة عفرين بحماية تركيا

‏مقتل قيادي داعشي في منطقة رأس العين بقصف من طائرة مسيرة شمالي سورية

على خطى أشبال خلافة داعش : شريط مصور لتنجيد أطفال إدلب

مناشير جديدة لداعش في مدينة الباب الخاضعة لسيطرة تركيا شمال سوريا تتوعد المخالفين بالعقاب

ما زال يحتفظ بآلاف المقاتلين في سوريا والعراق.. “داعش” يفرض نفسه من جديد وانتعشت قواه مع التوغل التركي شرق الفرات

فصيل جديد في المناطق الخاضعة لتركيا شمال سوريا يقوده عناصر من تنظيم «الدولة الإسلامية»

فيديو : داعش يظهر علنا في مدينة رأس العين شمال سوريا بعد عام من النشاط سرا

تركيا تطلق سراح قائد كبير في داعش كان محتجزا في سجون فصائل موالية لها شمال سوريا

“داعش” يعتاش على غياب الحل القانوني في شمال شرق سوريا

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك