إحصاء ال 24 في الحسكة 1962 الذي جعل آلاف الكرد السوريين بلا جنسية

صدر المرسوم الجمهوري التشريعي رقم (93) في 23 أغسطس/آب 1962 في سوريا في عهد رئيس الجمهورية ناظم القدسي ورئيس مجلس الوزراء بشير العظمة والمتضمن قرارا سياسيا رجعيا ذا طابع عنصري بإجراء الإحصاء الاستثنائي للسكان الكرد في منطقة الجزيرة (محافظة الحسكة) لتحديد هوية المواطن وتحديد الكرد الأجانب القادمين من تركيا والعراق عبر السجلات المدنية.

فجأة وجد مايزيد عن 517 من المواطنين الكرد السوريين أنفسهم بلا جنسية وهوية سورية محرومين من كل شيء. العدد تضاعف لاحقا خاصة وإنّ النظام السوري رفض تجنيس الأطفال الذين يولدون من أب أو أم من الذين تم تجريدهم من الجنسية السورية كما وأنّ المرأة المجردة من الجنسية لا تكتسبها إن تزوجت من مواطن سوري ولا يمنح أطفالهم الجنسية السورية وكذلك بالنسبة للرجل الأجنبي لا يمنح أطفاله الجنسية حتى وإن تزوج من امرأة مجنسة ولا يحق لهم التملك.

واستند المرسوم المذكور على المرسوم التشريعي ذا الطابع السياسي رقم (1) والمؤرخ في 30/4/1962 وعلى القرار الصادر عن مجلس الوزراء رقم (106) والمؤرخ في 22/8/1962.

تضمن المرسوم الذي بات يعرف حاليا باسم “إحصاء الحسكة 1962” ما يلي:

– يجري إحصاء عام للسكان في محافظة الحسكة في يوم واحد يحدد تاريخه بقرار من وزير التخطيط بناءً على اقتراح وزير الداخلية.

-عند الانتهاء من عملية إحصاء السكان، تشكل لجنة عليا بمرسوم جمهوري بناءً على اقتراح وزير الداخلية لدراسة نتائج الإحصاء، وتقرير تثبيتها في سجلات الأحوال المدنية الجديدة أو عدمه، وإعداد التعليمات لذلك.

الإحصاء:
اعتمدت عملية الإحصاء مؤشراً أساسياً في تثبيت الجنسية يقوم على اعتباره سورياً كلّ من كان مسجّلاً في قيود الأحوال المدنية قبل العام 1945، ومقيماً في سورية منذ ذلك الوقت وحتى إجراء الإحصاء. لكن وزارة الداخلية أمهلت كل شخص مسجل في سجل الأحوال المدنية أن يستحصل خلال مدة شهر من تاريخ صدور هذا القرار على صورة عن قيده وقيد عائلته لإبرازها إلى موظفي الإحصاء المزمع إجراؤه في المحافظة، كي يتم تثبيت تجنيسه. كان الهدف من ذلك التمييز بين السكان هو حصر سكان الحسكة غير المسجّلين في قيود الأحوال المدنية، إذ أنّ عدد السكان السوريين المقيّدين في سجل الأحوال المدنية مثبّت ومعروف.

ولكن لم يكن مؤشّر التسجيل في قيود الأحوال الشخصية واقعياً؛ لأنّ ظاهرة المكتومين غير المسجّلين كانت منتشرةً لدى العرب والأكراد على حدٍّ سواء في ذلك الوقت وظلت منتشرةً بدرجاتٍ أقلّ خلال العقود التالية التي تلت عملية الإحصاء، وماتزال منتشرة حتى الآن بمعدّلاتٍ مرتفعةٍ نسبياً في محافظات المنطقة الشرقية في سورية. هكذا لم يكن الهدف من الإحصاء هو توثيق المسجّلين، بل توثيق من تمّ وصفهم بـ«المتسلّلين» أو ما سيطلق عليه اسم «أجانب تركيا»، ثمّ «أجانب الحسكة» بعد اعتراض السلطات التركية على استخدام هذا الوصف.

ولهذا قامت سلطات الإحصاء بالتوثق من الهوية الاثنية لـ«المكتومين». وكان التوثّق يتمّ وفق نمط علاقات السلطة والمجتمع يومئذ عن طريق موظّفي جهاز الدولة، ومخافر الشرطة ومفرزة الشعبة السياسية، والوجهاء وزعماء العشائر الذين لم تكن مصالحهم تخلو من التضارب. وتمّت عملية الإحصاء برمّتها تحت إشراف عرّابها الحقيقي الذي دفع بها من ألفها إلى يائها: سعيد السيّد محافظ الحسكة؛ وكان السيّد يصف نفسه في سيرته الذاتية بأنّه «قومي عربي متطرّف، واشتراكي المذهب، يعمل للوحدة العربية بكل جوارحه، وهي شغله الشاغل، وأمله الوحيد في الحياة». وكان السيد شقيقاً لجلال السيد أحد مؤسّسي حزب البعث الذين انشقوا عنه مبكراً بسبب نزعاته الاشتراكية وموقفه من مسألة الوحدة مع العراق، لكنه لم يكن بعثياً، بل أقرب إلى الجيل القومي التقليدي الذي كان بعض رجاله متأثّرين بالفكر القومي المتطرِّف والشوفيني. ولعبت اتجاهات السيد هذه دوراً حاسماً في تقرير نتائج واتجاهات عملية الإحصاء، بسبب إحكامه السيطرة على مركز السلطة في المحافظة

عملية الإحصاء قد جرّدت مالا يقل عن 28% من سكان المحافظة من الجنسية، وجعلتهم عديمي الحقوق، وبالتالي فاقمت من مشكلة ما يسمى في أدبيات السكان والتنمية بـ«التخلخل السكاني» بينما كانت تنمية الجزيرة على أسس الزراعة ومشروع سد الفرات من جهة، وكذلك استغلال النفط من جهة ثانية يفترض اتباع سياسات توسعية تقوم على «التركّز السكاني»، والبحث عن زيادة عدد سكان الجزيرة لتوفير اليد العاملة الضرورية للمشاريع الجديدة.

جرى الإحصاء في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1962 ونجم عنه انقسام الأكراد في سوريا إلى:
– كرد متمتعين بالجنسية السورية.
– كرد مجردين من الجنسية ومسجلين في القيود الرسمية على أنّهم أجانب.
– كرد مجردين من الجنسية غير مقيدين في سجلات الأحوال المدنية الرسمية، وأطلق عليهم وصف مكتوم القيد وهو مصطلح إداري سوري يشير إلى عدم وجود الشخص المعني في السجلات الرسمية.

ويشمل المكتوم بالإضافة إلى الفئة السابقة كلا من:
-من ولد لأب أجنبي وأم مواطنة.
-من ولد لأب أجنبي وأم مكتومة القيد.
-من ولد لأبوين مكتومي القيد.

وعانى المجردون من الجنسية من العديد من المصاعب أهمها:
-الحرمان من حق تثبيت وقائع الزواج والولادات في سجلات الدولة.
-حرمانهم من حق حيازة جواز السفر، وبالتالي عدم تمكنهم من الانتقال إلى خارج البلاد.
-تأخر دخول الأطفال في المدارس الابتدائية حيث لا تعطى لهم شهادات التعريف إلا بعد التحقيق من قبل الأمن السياسي والكثير منهم يتأخر إلى السنة الدراسية الثانية والثالثة.
-الحرمان من حق العمل لدى دوائر ومؤسسات الدولة وحرمانهم من حق الاستفادة من القروض والحرمان من الحقوق المدنية المنصوص عليها في الدستور ومنها حق الترشيح والتصويت.

وتعدّ قضية المجرّدين من الجنسية من الانتهاكات الجسيمة في تاريخ الدولة السورية على مدى عقود، فالإحصاء الاستثنائي كان متناغما ومنسجما مع توجّهات الحكومات اللاحقة لحزب البعث، التي عززت هذا القانون وواصلت تطبيقه وحرمت مئات الآلاف من المواطنين السوريين من حقوقهم الأساسية.

ما الذي حدث ؟
عندما صدر المرسوم 93 في العام 1962 وتمّ الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة، جرّد الآلاف من الجنسية السورية، وعانى الكثيرون من مترتّبات هذا الإحصاء الذي صار وبالاً على أهله.

الأمور بدأت تظهر مع دوران عجلة الحياة في هذه المحافظة، فحين اصطدم هؤلاء المجرّدون من الجنسية بتفاصيل الحياة المدنية التي تعتمد في سيرها على الأوراق والثبوتيات والأختام والأوراق والروتين الذي يقتضي معاملة وأوراقاً لكلّ شيء، حتى تأمين السكر والدخان والوقود وجميع مستلزمات الحياة الأساسية كما في حقبة الثمانينات، حيث كان كل شيء يجري بكوبونات خاصة هي من حقّ حاملي الجنسية العربية السورية فقط.

لقد وعى هؤلاء، وخاصة فيما بعد، خطورة ما جرى في ذلك اليوم من إحصاء هدّد وجودهم، وانتقص من حياتهم على أرض عاشوا عليها وأدّوا فيها خدمة العلم، وزرعوا أرضها، وحين افتتحت المدارس ووجدوا كيف أنّ أبناءهم سيلقون الأمرّين حتى يستطيعوا الدراسة كالمواطنين السوريين، وخاصة أنّهم لم يكونوا يستطيعون إكمال المرحلة الجامعية، ولا حتى الإقامة في الفنادق ولا السفر خارج البلاد ولا التوظيف في مؤسّسات الدولة، ولا التمتّع بالانتفاع بالأراضي.

تنكّرت السلطات السياسية في سورية للأمر، ولم تناقشه حتى، وازدادت أعداد المجرّدين من الجنسية بسبب الزيادات الطبيعية في الولادات لتصبح أضعافاً، ومع أنّ موضوع الإحصاء الاستثنائي قد تمّ نقاشه عدّة مرات، حيث تمّ ذكره بشكل واضح في توصيات المؤتمر القطري الخامس لحزب البعث الحاكم، لكن تمّت مماطلته في كلّ مرة، إلى أن بدأت الحرب الأهلية في سوريا آذار 2011 حيث بادر السلطات في دمشق بالإسراع في نشر بلاغ وزاري اعقب المرسوم 49 الخاص بمكتومي القيد، وبعكس الأجانب الذين حصلوا على الجنسية بعد أشهر فقط من تسيير معاملتهم بقي مكتوموا القيد دون جنسية حتى اللحظة، حيث أنّ هناك من يتتبّع تسيير معاملته منذ صدور البلاغ الوزاري، ولم يحصل على الجنسية بعد.

أصبح بعد صدور هذا المرسوم وحتى نهاية شهر أيار عام 2018 ، عدد الحاصلين على الجنسية السّورية من نفس الفئة “أجانب الحسكة” 326489 من أصل 346242 فرداً، فيما لايزال هنالك 19753 فرداً من نفس الفئة غير حاصلين على الجنسية السورية بعد.

أما فئة “مكتومي القيد”، وصل عدد أفرادها حتى العام 2011 إلى أكثر من 171300 فرد، حصل حوالي 50400 منهم على الجنسية السّورية، بعد تصحيح وضعهم القانوني من فئة المكتومين إلى فئة أجانب الحسكة وبالتالي إلى فئة المواطنين السوريين.

ولكن هنالك حوالي 4100 حالة لم تستطع تصحيح وضعها القانوني بسبب مشاكل صادفتها الأحوال المدنية في أثناء إدخال ملفاتهم إلى قيود فئة أجانب الحسكة.

ولايزال هنالك أقل من 5000 شخص لم يراجعوا دوائر النفوس من أجل تصحيح وضعهم القانوني.

المرسوم تجاهل في نصّه أو ملحقاته وتفسيراته ذكر أيّة تعويضات لهؤلاء المجرّدين من الجنسية، حيث اعتبر بشار الأسد أنّ المجرّدين من الجنسية، جرّدوا منها لأسباب تقنية متجاهلا أنّه كان لأسباب سياسية كجريمة ارتكبت بحق الآلاف من الكرد، وتنصّل من الاعتراف بالمكتومين وأنّهم جزء من المسألة، لكن المتابع لقضية المجرّدين من الجنسية سيتوصّل إلى حقيقة أنّ المكتومين هم فئة ظهرت نتيجة الإحصاء الاستثنائي، أو بعده عن طريق زواج أجنبي بمواطنة.

كانت ولاتزال قضية المجرّدين من الجنسية قضية إنسانية قبل كلّ شيء، حيث يشعر الضحايا بالمرارة لمجرّد ذكر الموضوع، وخاصة بالنسبة لمرسوم صدر في يوم واحد، حيث تمّ تسيير معاملاتهم في غضون أشهر فقط، ليصيروا بعد ذلك مواطنين لهم جنسيتهم أسوة بالمواطنين.

إنّ إعادة الجنسية إلى الأجانب طرح موضوعاً ملحّاً لم يتمّ التطرّق إليه خلال الحديث عن “منح” الجنسية لهؤلاء وهو موضوع التعويضات المادية والمعنوية، حيث أنّهم حُرموا من حقّ الانتفاع بالأراضي الزراعية منذ تجريدهم من الجنسية في محافظة عمادها الأساسيّ هو الزراعة.

ويتمّ النظر إلى الموضوع وكأنّها منحة لهذه الفئة من أبناء محافظة الحسكة متغاضين عن الحديث عن أيّة تعويضات ممكنة مادية أو معنوية.

مكتومو القيد الفئة المغبونة:
بعد صدور المرسوم 49 والقاضي بمنح الجنسية للمجرّدين من الجنسية، والتي دارت عجلتها بسرعة غير متوقّعة، حيث أنّه، وبعد صدور المرسوم وفتح باب المعاملات، تقدّم الكثيرون بمعاملاتهم ولم يمض أشهر حتى كانت بطاقاتهم الشخصية بين أيديهم ودفاترهم العائلية ودفاتر الخدمة الإلزامية، وكلّ ما حرموا منه لعقود، مع أنّ المجرّدين من الجنسية ليسوا فقط من فئة الأجانب الذين تمّ منحهم الجنسية، غير أنّ الحديث عن هذه المسألة وكأنّها قد انتهت ولم يعد الحديث عنها مهمّاً، وكأنّها قضية أُنجزت وتمّ طيّ صفحتها، فالجميع ينسى أو يتناسى فئة المكتومين المغبونين لمرّتين في الأولى مع الأجانب لأنّهم مجرّدون من الجنسية، والثانية لأنهم مكتومون، وبصدور المرسوم 49 تمّ طي القضية.

مع أنّ بلاغاً وزارياً صدر بعد المرسوم 49 يقضي بتجنيس المكتومين لكن المتقدّمين بأوراق المعاملات لم يحصلوا على الجنسية أسوة بالأجانب الذين حصلوا عليها بعد شهر أو شهرين فقط من تقديم معاملاتهم، وقد تمّ اللقاء مع أشخاص عديدين من مكتومي القيد، سردوا لنا مأساتهم في تتبّع المعاملات، وقد ذكر هؤلاء أنّ هناك تقصّداً في عرقلة المعاملات بغرض تعجيز صاحب المعاملة ليتغاضى عن السير بها، وهو ما حصل للكثيرين حيث أنّهم فقدوا الأمل في الحصول على الجنسية، وخاصة أنّ أكثر من ستّ سنوات مضت على فتح باب المعاملات، وكانت أحد الذرائع هي أنّ الأوراق قد احترقت في دير الزور أثناء اندلاع الصراع هناك، وهناك عراقيل من قبيل استكمال الأوراق أو العمل عليها من جديد، وهو أمر دفع بالبعض إلى فقدان الأمل والجلوس في البيت إلى أن يأتي الفرج.

الدراسة كحقّ إنسانيّ:
تعدّ الدراسة في جميع مراحلها محطّات صعبة عانى بسببها المجرّدون من الجنسية ابتداء من المرحلة الابتدائية، وكانت الصعوبات تزداد بمجرّد الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وفي المرحلة الجامعية تكون الصعوبات أكثر من المراحل الأخرى.

البعض منهم لم يتمم حتى دراسته الإعدادية أو الثانوية، تحت ضغط العامل النفسي من الأهل أحياناً، والأسرة أحياناً، والمجتمع أحياناً أكثر، فكانوا يكسرون الحافز لديهم عن طريق تفريغ معنى الدراسة من محتواها، وهو أنّ المستقبل المغلق أمام وجه المجرّدين من الجنسية في المستقبل، لا يستدعي عناء الدراسة دون القدرة على الحصول على الشهادة أو حتى إكمال المراحل الجامعية وفي أحسن الأحوال إكمالها دون الحصول على وثيقة التخرّج.

والمجرّدون من الجنسية لم يكونوا يحصلون على الشهادة الإعدادية أو الثانوية، ويتقدّمون إلى الامتحانات دون أن يستطيعوا الحصول على الوثيقة النهائية لاجتياز الامتحان، وحتى العام 2004 لم يكن للطلاب التقدّم إلى الجامعات بقصد الدراسة، لكن بعد ذلك تمّ إصدار قرار بقبول المجرّدين من الجنسية للدراسة في الجامعات قبولاً شرطياً (يتضمّن عدم منح وثيقة التخرّج، أو حقّ التوظيف بعد إنهاء الدراسة).

صعوبات السفر:
يعاني المجرّدون من الجنسية، وبخاصة مكتوموا القيد، شروطاً صعبة للسفر ضمن الأراضي السورية، فضلاً عن السفر إلى الخارج، حيث أنّ إخراج القيد أو شهادة التعريف التي يبرزها المجرّدون من الجنسية غالباً ما تثير التساؤل من قبل السلطات أكثر من كونها تعرّف بصاحبها، وحركة السفر تعتبر حركة نشطة كثيراً بين محافظة الحسكة وبين دمشق وحلب خاصة، حيث كانت هناك عشرات شركات النقل والشحن تسيّر عشرات الرحلات يومياً قبل أن تتوقّف حركتها إبّان الاشتباكات وسيطرة مختلف الفصائل على حواجز في الطريق البرّيّ، وتنشط حركة السفر بغرض الدراسة وارتياد المشافي أو زيارة الأطباء بقصد الاستطباب.

أمّا بالنسبة للسفر خارج البلاد فاستخراج جواز السفر ممنوع للمجرّدين من الجنسية، وعليه فإنّ كلّ محاولات السفر إن أرادها أحد هؤلاء المجرّدين من الجنسية ينبغي أن تكون عن طريق التهريب وبمبالغ طائلة إلى البلدان الأوربية، تتجاوز أحياناً الـ 10 آلاف دولار أمريكي للفرد الواحد، ولا يجازف بالتهريب إلا أولئك الذين يصمّمون على السفر إلى الخارج بقصد اللجوء.

وقد حُرم المجرّدون من جميع فرص السفر سواء للعمل في بلدان الخليج مثلاً، أو فرص السفر بمنح دراسية للدول العربية أو الأوربية.

كما عانى المكتومون من صعوبات في بلدان اللجوء أيضاً، لأنّهم لا يملكون أية ثبوتيات سوى شهادة تعريف من المختار، وبسبب هذا الوضع يتمّ التحقّق من أمر هؤلاء من قبل الحكومات المضيفة، وخاصة أنّ هناك من يستغلّ المسألة لينتحل صفة المكتومين، إلا أنّها صعوبات تلقي بظلالها على حياة هؤلاء الفارّين من ويلات الحرب، فهناك من تمّ تأخير إقاماتهم أو منحها لسنة واحدة، وهو ما يمنعه من حقّ المطالبة بلمّ الشمل وما إلى ذلك.

حقّ التملّك:
إنّ قضية التملّك قانونياً للعقارات والسيارات وما إلى ذلك من ممتلكات منقولة وغير منقولة، تؤرّق المجرّدين من الجنسية كثيراً، حيث يضطرّ هؤلاء إلى تسجيل ممتلكاتهم على أسماء أقربائهم أو أصدقائهم، ولا يخلو الأمر من وجود مشكلات تحدث بين هؤلاء والتهديد بالاحتفاظ بهذه الممتلكات لأنّها قانونياً باسم مالك غير حقيقي، وفي حالات كون الأب مكتوماً والأم مواطنة تلجأ العائلات إلى تسجيل ممتلكاتها بأسمائهن، وقد سجّلت حالات من الاستفزاز بهذا الصدد ونقلتها المنظمات الحقوقية.

حتى مطلع العام 2011 كان عدد فئة “أجانب الحسكة” (أصحاب البطاقة الحمراء) والمسجلين ضمن قيود مديرية السجل المدني 346242 فرداً.

وتمّ تمييز الهويات الشخصية التي حصل عليها أجانب الحسكة بشفرات خاصّة، إذ وضع الرقم 8 بعد رقم الخانة/القيد لتصبح كالتالي “××/8”.

النتائج:
نتج عن عملية الإحصاء تسجيل 85 ألف مقيمٍ في محافظة الحسكة في يومٍ واحدٍ بصفة «أجانب أتراك»، وكانت الأغلبية الساحقة من هؤلاء من بين «الأكراد»، اتّهموا بـ«التسلّل» من تركيا إلى سورية، في حين كان عدد السكان من العشائر العربية والسريان الذين شملهم «التجريد» قليلاً. وقد شكّل هؤلاء «المكتومون» الذين وضع لهم سجل خاص ما نسبته 28% من إجمالي عدد سكان المحافظة المسجّلين والمقدّر يومئذ بـ302 ألف نسمة، في ضوء نتائج التعداد العام الذي تمّ في العام 1960، والذي كان أول تعداد عام يجري في سورية وفق الضوابط العلمية للتعدادات العامة.

قلّص إذاً هذا التصنيف من عدد الأكراد ونسبتهم إلى المجموعات الثقافية- الاثنية الأخرى؛ وترتّب عليه إخراجهم من عملية الملكيّة والسياسة والانتخابات، وإضعافهم عموماُ مع قياداتهم في توازنات القدرة، والسلطة، والثروة والتوزيع الإثني، لصالح منافسيهم الأشدّاء «الآشوريين» الذين استوطنت موجتهم الحديثة في القرن العشرين في المحافظة خلال سنوات 1933- 1936 بموجب اتفاقية فرنسية-عراقية برعاية عصبة الأمم وتمويلها، بعد الأزمة التي حصلت لهم في العراق.

لم يكن عدد سكان الجزيرة يومئذ كبيراً بسبب أنّها كانت لاتزال في مرحلة «التوازن السلبي» في مراحل التطوّر الديمغرافي للمجتمع السوري، أيّ المرحلة التي يكون فيها معدّل النمو السكاني صفرياً بسبب حصد الوفيات للولادات، بينما كانت المناطق الأخرى في سورية قد دخلت في مرحلة النمو السكاني السريع.

من هنا كانت المحافظة تحتلّ يومئذ المرتبة السادسة بعدد السكان بين المحافظات السورية، وتتّسم بما تطلق عليه أدبيات السكان والتنمية بـ«التخلخل السكاني»؛ في حين أنّها كانت قابلة أن تحتلّ المرتبة الثالثة على الأقلّ. وكانت تصورات خطط التنمية ترشّحها لاستيعاب أعدادٍ كبيرةٍ من السكان بسبب الثورة الزراعية الحادثة فيها، وتوسّع مشاريع الري واستصلاح الأراضي (بحيث دعيت تلك المنطقة حينها «كاليفورنيا الشرق»)؛ والأهم في عوامل زيادة الاهتمام هو ارتفاع وتيرة العمل لتصميم بناء سد الفرات الذي خطّط له أن يضاعف المساحات المروية من الأراضي القابلة للاستصلاح والاستثمار والزراعة، واكتشاف النفط فيه بكميات تجارية.

تغيير أسماء القرى:
كما قامت الحكومات السورية المتعاقبة بتغيير أسماء المدن والبلدات والقرى الكردية وأطلقت عليها أسماء عربية “بهدف إزالة ما يشير إلى هويتها الكردية”.

مصطلحات:
المجرّدون من الجنسية: يُشار بها إلى مَن تمّ تجريدهم من الجنسية العربية السورية إبّان الإحصاء الاستثنائي الذي أجري في محافظة الحسكة عام 1962 وفق المرسوم 93، حيث قامت اللجان بعملية الإحصاء في كامل محافظة الحسكة، بذريعة معرفة السوريين من غير السوريين، وبالفعل تمّ تجريد الآلاف من المواطنين الكرد في محافظة الحسكة، وحرمانهم من حقوقهم المدنية.

أجانب الحسكة: هم فئة من أولئك المجرّدين من الجنسية بعد الإحصاء الاستثنائي 1962 ويتمّ تمييزهم عن مجرّدي الجنسية الآخرين بأنّهم يحملون إخراج قيد يتمّ فيه كتابة بياناتهم، وهو الوثيقة الوحيدة التي يحصلون عليها من الحكومة بشكل رسمي، وهو غير صالح لوثائق السفر ولا يخوّل صاحبه لممارسة حقوق المواطنة، ويُشار إليه غالباً بـ “البطاقة الحمراء” لأنّه ذو لون أحمر.

مكتوموا القيد: هم فئة أخرى من فئات المجرّدين من الجنسية بعد الإحصاء الاستثنائي 1962، ومن تداعياته، حيث أنّهم من مواليد لأب “أجنبي” وأمّ “مواطنة”، وهذه الفئة لا تملك أيّة وثيقة رسمية من الحكومة، بل يستحصلون شهادة تعريف من المختار، دون أن تعني هذه الشهادة أي شيء في المعاملات الحكومية، وهي طبعاً غير صالحة لوثائق السفر ولا تخوّل صاحبها ممارسة حقوق المواطنة.

أجنبيّ، أجنبيّة: ويُشار بها إلى كلّ مجرّد من الجنسية يحمل إخراج قيد “البطاقة الحمراء”.

مكتوم، مكتومة: ويُشار بها إلى كلّ مجرّد من الجنسية يحمل شهادة تعريف.

مواطن، مواطنة: يُشار بها إلى كلّ من يحمل الجنسية العربية السورية.

المرسوم 93: وهو المرسوم الذي تمّ إصداره في العام 1962، وصادقت عليه حكومة ناظم القدسي لحكومة الانفصال، ويُشار إليه أيضا بالإحصاء الاستثنائي.

المرسوم 49: وهو المرسوم الذي تمّ إصداره في العام 2011، وتمّ على إثره منح أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك