معتقل سابق لدى داعش يروي تفاصيل اختطاف 150 مدنيا في حافلات كانت متجهة من كوباني إلى الحسكة

صورة نادرة تظهر قيام عناصر داعش باعتقال 150 مدنيا من مدينة كوباني كانوا متجهين الى مدينة الحسكة قرب بلدة المبروكة بتاريخ 17 شباط 2014
صورة نادرة تظهر قيام عناصر داعش باعتقال 150 مدنيا من مدينة كوباني كانوا متجهين الى مدينة الحسكة قرب بلدة المبروكة بتاريخ 17 شباط 2014

كان لصوت سيارات الإسعاف وهي تنقل جرحى الحرب التي تصاعدت وتيرتها بين وحدات حماية الشعب وتنظيم داعش الإرهابي وقعها الكبير على الناس الذين لم يألفوا تلك الأصوات وهي تدك سلم المدينة التي ظلت آمنة منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا بآذار 2012.

في العشرين من أيلول 2013، بدأت الاضطرابات في مدينة تل أبيض، التي كانت العديد من الفصائل العسكرية تتقاسم السيطرة عليها، ولم يكن لتنظيم داعش حينها نشاط عسكري كبير، كان وجوده محصوراً بمجموعات دينية صغيرة غالبيتهم مهاجرون تمكنوا من التسلّل إلى المجتمع المحلي، قادمين من تركيا بكلّ الوسائل الإغرائية ومحاكاة عواطف الناس مستغلين بطش النظام، وفوضى السلاح والانشقاقات المتتالية ضمن الجماعات المسلحة التي كانت تقاتل نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد تحت راية الجيش الحر، تمكن تنظيم داعش من القضاء على كل الجماعات المسلحة ، وضمها لصفوفه، حيث نبت تنظيم داعش على أكتاف الجيش الحر.

الحرب الأولى ضد الكرد، جرت للانتقام من المدنيين في تل أبيض ( تفاصيل ) حين تم اعتقال الشبان، وتهجير النساء والأطفال وكبار السن باتجاه الحدود التركية، لتسجل أوائل حملات التطهير العرقية بطرد الآلاف من العوائل الكردية من مدينتهم وقراهم، استكمالاً لما كان النظام السوري يقوم به ولتبدأ حرب شاملة، انتهت في مرحلتها الأولى باحتلال العشرات من القرى الكردية غربي المدينة من قبل تحالف فصائل الجيش الحر مع جبهة النصرة مع داعش، وهدأت الأوضاع في تل ابيض بعد تهجير كل أكرادها.

تمكن تنظيم داعش من الإحاطة بمدينة كوباني من الجهات الثلاث ، غربا في بلدة الشيوخ، جنوبا في بلدة صرين، وشرقا في بلدة تل أبيض وباتت كل الطرقات مغلقة ، وفرض داعش حصاره الخانق على كوباني التي كان يقطنها قرابة نصف مليون نسمة . وظل عناصر التنظيم يخوضون حرب كر وفر، ويشنون هجمات متقطعة بوتيرة متفاوتة على الجبهات الثلاث .

حرب داعش الشاملة شنها على كوباني في 15 أيلول / سبتمبر 2014 وهي كانت استكمالا للحرب التي أعلنتها فصائل الجيش الحر، وداعش ( قبل انقلاب التنظيم عليهم ) والتهديد بأنهم سيصلّون العيد في جوامعها، حيث ظهر أئمة أحد المساجد في مدينة جرابلس وهو يتوعد بغزو كوباني، وأنّ الدماء ستسيل في الشوارع، وستغرق المدينة.

تحالف ( داعش، الجيش الحر ، جبهة النصرة ..) أعلن عبر بيان وقعه ( 21 فصيل مسلح ) فرض حصار على مدينة كوباني في نيسان 2014 شمل قطع الكهرباء، والماء، والغذاء والدواء وحليب الأطفال، ومنع حركة السيارات منها وإليها، مع تنفيذ هجمات على القرى والبلدات الواقعة على خطوط التماس، بالإضافة إلى اعتقالات شملت العشرات من المدنيين، والموظفين والأطفال لايزال غالبهم إلى الآن مفقوداً.

الميليشيات التي حاصرت كوباني ، كانت تسمح كل فترة بعبور المدنيين بإتجاه حلب أو الرقة أو الحسكة ، ولكن كانت تطلب من المغادرين عدم العودة ، وكانت تلك فرص الراغبين بالسفر بغرض العمل او الدراسة او تنفيذ أيّة إجراءات حكومية وبشكل خاص في مدينة حلب ، لكنه سرعان ما بدأ ( الجيش الحر ، داعش ) ينفذ اعتقالات واسعة للمواطنين الراغبين بالعبور عبر حواجزها على جسر قراقوزاق أو جسر جرابلس أو على الطريق M4 بإتجاه الحسكة أو الرقة.

بتاريخ 29 مايو / أيار عام 2014 قام التنظيم باعتقال 153 طالبا تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 16 سنة، حين كانوا عائدين إلى بيوتهم في كوباني، قادمين من مدينة حلب بعد تقديمهم امتحانات الشهادة الإعدادية ، حيث تعرض الطلاب، للتعذيب على يد مقاتلي تنظيم “داعش” الذين احتجزوهم خلال عودتهم من المدرسة. وأجبر الطلاب على مشاهدة مقاطع فيديو لقطع رؤوس كما تم ضربهم بأسلاك.

بتاريخ 7 أيار / مايو، 2014 اختطف داعش مجموعة من مدرسي كوباني ( 16 معلما ) أثناء عودتهم من مدينة حلب، كانوا قد سافروا لقبض رواتبهم المتراكمة، حيث أن النظام السوري أوقف إرسال رواتب المدرسين إلى كوباني، اضطر هؤلاء، مدفوعين بظروفهم المعيشية الصعبة إلى السفر إلى حلب، والمخاطرة بالمرور من مناطق سيطرة داعش، وأثناء العودة، أوقف أحد حواجز داعش على جسر قره قوزاق، السيارات التي كانت تقل المدرسين وموظفي البلدية، واختطفوهم.

18 شباط 2014 اعتقل تنظيم داعش 150 شابا كانوا متجهين في حافلات من مدينة كوباني إلى الحسكة ، للسفر باتجاه إقليم كردستان بغرض العمل أو الدراسة.

نروي في هذا الجزء تفاصيل اعتقال الـ 150 شابا ، عبر لقاء أجريناه مع أحد الذين تم الإفراج عنهم ، وهو واحد من 17 شخصا تمكنوا من النجاة من تلك المجموعة ، فيما البقية مازال مصيرهم مجهولا ، لكن المعلومات التي تمكنا من الحصول عليها عبر الاتصال بقوات سوريا الديمقراطية التي ترجح أنّ التنظيم قام بإعدام هؤلاء على فترات، لكن لم يتم التأكد من ذلك بشكل قاطع.

محي الدين مسلم ، من مواليد قرية عين البط جنوب كوباني بـ 10 كم ، 1980 ، كان من ضمن ( المعتقلين ) يروي قصته :

” في يوم الأربعاء 17 شباط 2014 كنت قد اتخذت قرار التوجه إلى إقليم كردستان العراق، بغرض العمل، خاصة وأنّ الأوضاع في سوريا كانت تتجه نحو المزيد من التأزم، والتعقيد في ظل غياب فرص وقف القتال وتحقيق السلام….كانت خطوط المواصلات من مدينة كوباني إلى مدينة الحسكة تمر عبر ريف الرقة، حيث ينتشر مسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية، المتحالفين مع الجيش الحر وكانت حواجزهم في كل مكان. لكن سائقي الحافلات ( الميكرو باصات ) أخبرونا أنّهم يمرون كل يوم ذهابا وإيابا بدون أي مشاكل عبر طرق ترابية، ومرورا ببعض من تلك الحواجز، وأنّهم يدفعون لهم المال ( الرشوة ) في كل حاجز”.

صورة نادرة تظهر قيام عناصر داعش باعتقال 150 مدنيا من مدينة كوباني كانوا متجهين الى مدينة الحسكة قرب بلدة المبروكة بتاريخ 17 شباط 2014

يضيف محي الدين مسلم، وهو واحد من اصل ( 150 مدنيا ) تم اختطفاهم في ذلك اليوم : “انطلقنا من كراج كوباني فجرا، بحدود الساعة 5 صباح يوم 18 شباط 2014 وكان عدد ( الميكرو باصات) التي انطلقت من كاراج كوباني ( 12 حافلة )، انطلقتا جوالي الخامسة صباحا…  الساعة 09.30 وصلنا إلى منطقة ( المبروكه ) وقال السائق : تلك هي الصوامع تم تشيدها من أيام الحرب العالمية وقال بإنّ عناصر داعش حولوها لمقر عسكري، وهي خاضعة لسيطرتهم…. توقف السائقون ، طلبوا منا اكمال طريقنا سيراً على الأقدام، لبعضة كيلو مترات لتجنب المرور عبر أحد حواجز التنظيم -وهذا لم يكن ضمن ما أخبرونا به قبل السفر- …. مرت دقائق، ونحن مانزال نجهز أنفسنا للسير، وفجأة تمت محاصرتنا بعدد من المسلحين، وهم يطلقون شعارات ( تكبير، الله أكبر…) مع رشقات كثيفة من الرصاص يطلقونها في الهواء…..كان شعورا لا يوصف ، مزيج من الخوف والرعب والهلع ، وكان معنا أطفال ونساء بدؤا بالبكاء….، طلب المسلحون تعزيزات عبر اللاسلكي، وكانوا يتحدثون بلغة عربية ركيكة ( بلجهات غريبة عنا ) ( لاحقا عرفت أنّ بعضهم من المغرب ) اتهمونا بأنّنا مقاتلين متنكرين بزي المدنيين، وقال بعضهم إنّ ( ب ك ك ) يرسلنا إلى كردستان بغرض التدريب، للعودة وقتالهم أو محاربة إخوانهم في العراق… حاولنا اقناعهم أنّنا مدنيون، خرجنا من مدننا وتركنا أهلنا ورائنا بحثا عن لقمة العيش دون جدوى… كانوا يحتفلون بالشعارات، وإطلاق الرصاص وكأنّنا صيد ثمين وقع في يدهم، وكأننا ضحية قاموا باصطيادهم لذبحها….

وقال:( حاول سائقو الحافلات الحديث معهم، وإخبارهم إنّه لا علاقة لنا بأيّة تنظيمات عسكرية، لم يقبلوا الانصات، تم تهديدنا بالإعدام ميدانيا، وأن نكف عن المزيد من الكذب …)

أضاف “بقينا حوالي نصف ساعة ، حتى وصل المزيد من عناصر داعش، قاموا بربط أعيننا وانتظرنا حتى حل الظلام، طلبوا منا المشي في طابور باتجاه إحدى مقراتهم، لم نكن نعرف شيئا، كنا خائفين، مرعوبين…. كانت تهديداتهم لا تتوقف، وهم يضحكون، ( سنذبحكم أمام الكاميرا، ستتمنون الموت، انتم خنازير، مرتدون، كفرة… ) لم نكن نجرؤ على رفع رؤوسنا حيث طلبوا أن نطأطئها في الأرض أثناء المشي، كانوا يضربوننا بشكل عشوائي، وكان صوت إطلاق الرصاص يتردد كل فترة، يبدو أنّهم كانوا يقومون بالفعل بالإعدامات”.

قال “وصلنا إلى أحد مقراتهم، وماتزال أعيننا معصوبة، ادخلونا لسجن يبدو أنّهم اعدوه على عجل بحراسة شديدة، بقينا 3 أيام بدون طعام، أو أغطية….بحلول يوم الجمعة 20 شباط 2014، قاموا بنقلنا وأعيينا معصوبة، كان الكرباج لا يتوقف الكرباج أكل جلودنا….تجرأت ورفعت رأسي، من خلال فتحة قماشة تعصم عيني شاهدت كيف أنّ عناصر من داعش كانوا يضربون بشكل وحشي 3 من الشبان الذين كانوا برفقتنا….”

محي الدين مسلم ، مواليد مدينة كوباني 1980 قضى 259 يوما في سجون داعش

أضاف “دخلنا في سجن كبير ، وبعد برهة عرفت أنّنا في أحد السجون الموجودة ضمن مدينة تل أبيض في ريف الرقة. قاموا للمرة الأولى باستجوابنا… سألني ( المحقق ) إن كنت أصلي، وأصوم، وطلب مني أن اشرح كيفية الوضوء، فشرحت له… سألني إن كنت قد انتسبت لأي حزب سياسي كردي، أو إلى وحدات حماية الشعب، فنفيت ذلك… أخرج سلاحه وصوبه على رأسي، سأل عن اسم شخص-لا أتذكره-، قلت له لا أعرفه، وتشهدت، هنا قام بضربي على ظهري بقوة”.

أكمل: “بقينا في سجنهم في مدينة تل أبيض الذي اأطلقنا عليه أسم ( أبو شلاش ) من تاريخ 20 شباط حتى تاريخ 22 آذار 2014 ، وتم تقسيمنا إلى مجموعات، كل مجموعة أرسلت لسجن ومدينة وسلمت لأمير داعشي. لم يكن يمر يوم إلا ونتعرض فيه للضرب والاهانة والتعذيب… كان الطعام والماء يقدم الينا في الحد الأدنى وكل يومين أو ثلاثة لمرة واحدة ولا تكفينا الوجبة…وكانوا يهددونا بالقتل كل يوم”.

أضاف “دخل علينا مرة أحد قادة التنظيم وقال بإنّهم ملوا وتعبوا من ضربنا وتعذيبنا، وإنّه سيتم إطلاق سراحنا…لكن مر شهر آخر، ولم يحدث شيء، إلا الاستمرار في الضرب والتعذيب.. في إحدى المرات جاء محقق بلباس مدني وهو شخص ( أعرج ) وقال بإنّ اسمه ( أبو يحيى التكريتي) أو كربلائي لا أتذكر جيداً…. وبدأ يحقق مع كل واحد منا على حدى….من ينتهي من التحقيق، يتم أخذه لغرفة أخرى، ويتم ضرننا بشريط كهربائي حتى تتعب يد الجلاد، كان الدم يسيل من الغرفة من شدة التعذيب”.

قال أيضاً: “كانوا يأخذوننا لجولات التعذيب دائما، كان الجلاد يقوم بضربنا بقوة 20 او 30 أو 40 جلدة…لا يتوقف حتى يتعب، كانت غرفة التعذيب بركة دم…في إحدى المرات، وبينما كانوا يجروني لغرفة التعذيب، مررت برجلين، أحدهم ضربني بقوة في منطقة تحت الصرة، وبدأ يضحك كان يختبر قوته، كان الوجع كبيرا، لدرجة أنّني فقدت الوعي…أدخلني الجلاد لغرفة كان يوجد فيها العشرات من المعتقلين، بعضهم معلق بالسقف ويتناوب الجلادون على ضربه، كان من بلدة ( اليابسة ) في ريف تل أبيض، تعرض آخر للضرب قربي، حتى أغمي عليه، كان كتلة من الدم ويتم ضربه في كل أماكن جسده وخاصة في الرأس وبشكل وحشي اعتقد أنّه توفي من شدة الضربات على جسده النحيل الضعيف وعلى رأسه..، قاموا بضربي أيضا، بسوط يحرق الجلد والعظم…”

أضاف ” كانوا ينقلوننا من سجن لآخر ، من مدينة لأخرى بشكل مفاجئ، القاسم المشترك هو أنّ التعذيب والضرب لا يتغير، مع تغيير الوجوه والسجون والمدن ….قاموا بربط أيدينا وأعيننا مشينا لدقائق ، ونحن مطأطي الرأس ، من يتجرئ ويهز رأسه يتم ضربه بعنف ..ركبنا الباص، ونحن ننظر للأسفل …لا احد يجرأ على الهمس أو رفع رأسه، وصلنا بعد مسير ساعات لمنطقة قالوا إنّها ( حمام التركمان ) في ريف تل أبيض.. وبقينا حوالي أسبوع، وفي الليل سمعنا أصواتاً ورأينا من فتحة الباب سيارات كثيرة”.

أضاف “فتح الحارس الباب ونحن متكومين داخل غرفة صغيرة بالكاد كل منا حجز فيها مكانا للجلوس، بدؤا يستهزئون، ويسألون أسئلة غريبة، للتسلية، أوقفونا أمام الحائط، طلبوا منا أن نردد الآذان بصوت عالي، كان صوت الرصاص يتردد من غرف أخرى، وأصوات أخرى..ضرب وتعذيب أو إعدامات…كان الفزع في كل مكان. تمكنت من مشاهدة شاب غارقا في دمه، تم ضربه في منطقة الرأس، كنت قد شاهدته سابقا، كان الموت حاضرا في كل مكان ، مثل الدماء … وأسمائنا على اللائجة من سيموت بأقل قدر من التعذيب هذا كان أملنا …، كنا نعتبر أنّ الموت هو مصيرنا بأي حال لكن متى وكيف وبأيّة طريقة…فرص نجاتنا لم تكن ضمن الاحتمالات مطلقا. رأيت جثة ثانية وثالثة وأخرى…أغلقوا الباب مضت ساعات دخل علينا رجل قالو إنّه شيخ / وشرعي لدى التنظيم، كان هادئا وكلامه أدخل الطمأنية في قلوبنا… رغم عدم ثقتنا بأحد لكننا كنا ننتظر أي بارقة أمل و نور ، وقشة لنعلق عليها آمالنا ، قال إنّ التنظيم سيفرج عنا..كان هذا من المستحيل أن نصدقه، توقعت أنّه يريد أن تكون ساعتنا الأخيرة في الحياة هادئة على الأقل…ثم أردف قائلا: من منكم يعرف الصلاة وأصول الشريعة الإسلامية سيفرج عنه، البقية سيبقون وسيتم ضربهم حتى يتعلموا ، أخبرنا إنّهم سيجرون اختبارا في الغد”.

قال ” كانت ليلة مرعبة ، ثقيلة ، صدقناها تماما ، امتحان الغد ليس كما كل الامتحانات السابقة في المدرسة ، الفشل هنا نتيجته الموت … لا أعلم إن كنت قد نمت، لقد كنت خائفاً جداً ، تم جرنا على التوالي صباحا لغرفة أخرى ، همس أحدهم وقال لي لاتخاف وأصبح يضحك ، دخلت الامتحان حسبته يوم القيامة ، كان على اليسار شيخ كبير بالعمر ذو لحية حمراء ومعه لابتوب، سألني هل أنت متزوج، قلت له نعم ، قال هل لديك أطفال ، قلت لا، قال : لأنك لا تصلي فالله يعاقبك …أصبح يضحك، قلت له : لا يا شيخ فأنا أصلي ، ثم قال لي أعطني حديثاً يفرق بين المسلم والكافر ، قلت له أعرف لكنني لا أعرف قوله بالفصحى .. قال لي ليست مشكلة ، قل لي ماهو معناها .. فقلت له : الفرق بين المسلم والكافر هو الصلاة .. فضحك وقال لي هيااا اذهب إلى الجنة..

قال “مساءا أخبرونا أنّه سيتم نقلنا، أخرجونا بعيون مغمضة وأيادٍ مقيدة، تم تسليمنا لشخص اسمه ( أبو حبيب ) كان يسمي نفسه ( الحجاج ) كان مقنعاً ومعه سلاح وحزام ناسف، بقينا في نفس المكان إلى تاريخ 16 حزيران 2014 وكان قد مر على اعتقالنا 5 أشهر، تمكنت من تحديد المنطقة وهي ( المنصورة ) بريف الرقة….في تاريخ 16 حزيران 2014، طلبوا منا تجهيز أنفسنا بسرعة لنقلنا. جاء باص ونقلنا برفقة مسلحين، لمكان آخر، ونزلنا ومشينا برفقتهم مسافة طويلة جداً، ثم وصلنا إلى مكان ( مشفى بركل ) كما قال لنا الحرس مقابل مدرسةٍ فأخذونا إلى قبو المدرسة، كان يوم الأربعاء، تم تقسيمنا لعدة مجموعات كل مجموعة 17 – 20 شخص، وضعونا في غرف المدرسة، التي حولوها إلى سجن. بقينا 4 أيام أخرى…ونحن خائفون مرعوبين، البعض منهم أخبرنا إنّه سيتم اطلاق سراحنا، والآخرون قاولوا سيتم ذبحنا..”

أضاف “تاريخ 20 حزيران جاء شخص يدعى ( أبو عائشة ) وقال بأنّهم اتفقوا على تبادل الأسرى مع ( الأكراد )…وطلب منا تحضير انفسنا على عجل للانطلاق لمكان التبادل ، كان شعورنا مختلفا ، وفرحة لا توصف….قاموا بربطنا كل شخصين معا، وصلنا إلى جسر ( قره قوزاك ) وكنت أعرف المنطقة جيدا، انتظرنا هناك وسمعنا بأنّ مجموعة من المشايخ من صرين والشيوخ قاموا بلجنة صلح وتفاوض، بقينا حتى الساعة السادسة مساء لم يحصل شيء جديد، كل ثانية كانت تمر بثقل ألف جبل وجبل …”.

قال “اعادونا مجددا إلى السجن، وكانت صدمتنا كبيرة للغاية، وخيبة لا يمكن بأي حال وصفها بالكلمات، بكيت وبكينا كثيرا ، هي المرة الأولى منذ 5 أشهر وأنا على أبواب مدينتي، وكان الأمل كبيرا بالعودة للمنزل، وزوجتي وعائلتي….أعادونا إلى مدينة منبج، حيث بقينا محتجزين في احد سجون داعش فيها، مرت الأيام ومصيرنا معلق ومجهول… حتى يوم 11 تموز 2014 ( شهر رمضان ) أخبرونا مرة أخرى إنّه سيتم نقلنا من أجل تبادل الأسرى، عرفنا أنّه سيتم ضمنا إلى حوالي 250 طفلا، هم من طلاب المدارس الذين اختطفتهم داعش أثناء عودتهم من تقديم الامتحانات الإعدادية (تاسع) في حلب أعمارهم بين 16 و 15 وهم في الطريق إلى كوباني، وعدد من الموظفين والمدرسين الذي خطفهم داعش …وصلنا معا إلى صوامع صرين، تمكنت من مشاهدة وفود لجنة الصلح ، كان بينهم الأستاذ ( محمد سعيد ) وهو كان إمام جامع، ومدرسنا لمادة الديانة في الثانوية العامة في كوباني، و تعرفت على ( نجيب خشمان ) وهو أحد زعماء العشائر في كوباني فكرت في إطلاق صوتي ومناداتهم ليخبروا أهلي بأنّي مازلت بخير، واتنفس فهم لا يعلمون إن كنت حيا أم ميتا…لكن لم أجرؤ ، وكيف أفعل ذلك وقد يكون الثمن حياتي، وأنا قريب من الحصول على حريتي… بقينا لوقت طويل ثقيل جدا ، وكان الأمل كبيرا …، حل المساء دون أن يتم التبادل ..لمحت من بعيد أخي وعمي بين الحشود الموجودة في طرف كوباني ، فكرت مجددا في مناداتهم ، حاولت أن يشاهدوني على الأقل من بعيد لكن عبثا .. للأسف وبحزن وأسى وخيبة كبيرة لا توصف، أعادونا مجددا إلى السجن في مدينة منبج، وتم نقلنا لسجن لآخر، كنا نلمح عناصر من داعش من جنسيات مختلفة، من تونس، الجزائر، ليبيا.”

أضاف “مرت الأيام، واخبرونا إنّهم سيهاجمون على مدينة كوباني وسيقضون على الكفار والمرتدين الملاحدة فيها، أحدهم اسمه ( أبو محمود ) كان يخبرنا بالأخبار كل وقت، وقال إنّ نهاية كوباني باتت قريبة، ويردد كوباني باي باي.. عين الإسلام باقية…كان حزننا كبيرا، على مدينتنا وأهلنا وأصدقائنا وكل شيء، كانوا يتقصدون إبلاغنا عن ما قالوا إنّها انتصاراتهم، ويسردون لنا أسماء القرى، ومنها قريتي عين البط… كنا خائفين على مصير عوائلنا وناسنا الذي لا ندري مصيرهم….ونصلي لنجاتهم، تضاعفت مأساتنا حينما أبلغونا إنّهم تمكنوا من احتلال كوباني ونحن لا نعرف ما مصير أهلنا وناسنا ، قالوا أنّهم هربوا إلى تركيا ، وأنّ المدينة ستكون ولاية عين الإسلام ولن يسكنها غير المسلمين ، وإنّهم يخططون لنقل الكثير من عوائل القادمين من تونس والمغرب ومن المانيا وفرنسا والسويد للسكن فيها ، وستصبح ولاية الأجانب لكونها متاخمة للحدود مع تركيا…

…..كان أبو محمود يقول سأنزف بشرى الانتصار قريبا، مع كل ظهور له كان الرعب يتسرب لأحشائنا، …. كانت معنوياتهم عالية، ويتحركون بنشاط كخلية نحل… سألت مرة داعشي من المغرب كيف وصل إلى سوريا ولماذا ترك بلده وعائلته .. قال إنّه جاء من أجل العيش في أرض الخلافة ، وإنّه اعتقل مدة قصيرة في مطار اسطنبول ، وبعد التحقق من هويته ووجهته تم إطلاق صراحه ، ليأتي لمدينة عينتاب ، ومنها إلى الحدود السورية قرب بلدة الراعي ، حيث دخل الأراضي السورية ، بدون أيّة مضايقات من حرس الحدود التركي ( الجندرمة ) ولا من قوات الأمن ، وقال إنّهم دخلوا بعلم الأمن التركي وكان ضمن مجموعة مؤلفة من 18 داعشي من جنيسات محتلفة ، تجمعوا في عينتاب بأحد الشقق المفروشة ، وبقي 4 أيام هناك ، وقام أحد ( المنسقين الأتراك ) بإيصالهم إلى الحدود ، ثم كانت سيارات داعش تنتظرهم في الطرف السوري ، ونقلوا من بلدة الراعي لمدينة منبج ، ومنها لمدينة الباب والرقة ….

يضيف محي الدين ” فجأة يبدو أنّ الأمور انقلبت، وحدث شيء ما بدل نصرهم المزعوم، بالهزيمة تغيرت ملامحهم، وخفت حركتهم….واستبدلت سيارات كانت تقل مسلحين بسيارات أصبحت تعيد الجرحى والقتلى وبأعداد متزايدة …. تبادر لذهننا أنّ هنالك قتالا بطوليا ضد داعش في كوباني، وأنّ وحدات حماية الشعب تقتل منهم المئات، وقلبت خسارتها للقرى وتراجعها للنصر…. سمعنا بمصطلح ( التحالف ) -كنا نجهل معناه-، وهو يضرب داعش بقوة وكثافة وأنّ طائرات أمريكا تدخلت لإنقاذ كوباني، وأنّ البشمركة وصلت للدفاع عن كوباني إلى جانب ي ب ك…فرحنا كثيرا، رغم خوفنا من أن ينتقموا مننا مجددا…ونحن أسرى لديهم.”

يقول محي الدين “أخبرونا بإنّه سيتم نقلنا من سجن مدينة منبج لمكان آخر، وإنّنا سنسافر مسافة طويلة دون أن يحددوا المكان….أغمضوا اعيننا مجدا وقاموا برط أيدينا، توقعنا أن يتم إرسالنا للموصل كما قال أحد عناصر داعش أو إلى الرقة….وبعد مسيرة سفر استمرت قرابة 5 ساعات ، توقف الباص ، كانت حركة مسلحي داعش كثيفة ، لكن ملامحهم وتصرفاتهم تغييرت ، وباتوا خائفين … ينظرون دائما للسماء وأن يتم قصفهم بإحدى طائرات التحالف ….تم وضعنا في أحدى الأقبية ضمن بناء ، تمكنت من معرفة أنّنا أصبحنا في مدينة ( الطبقة \ الرقة ) …وفي الصباح جاء الحارس وأخبرنا بإنّه سيتم نقلنا لمكان آخر.. قلت في نفسي سوف يأخذوننا إلى الموصل هذه المرة ، أو سيتم اعدامنا ….”

يضيف محي الدين ” جاء حارس آخر ، ونادا علينا كالتي ( كل الأكراد يجهزوا حالهم للمغادرة ) …..طلب مني بهدوء حمل كل أغراضي، مشينا نحو غرفة أخرى ، وأنا لا أعلم إن كانت جولة أخرى من التعذيب ، أم سيتم إعدامي ، أم نقلنا لمكان آخر ….. احتمالية إطلاق سراحي كانت صفر … دخلت غرفة ، كان هنالك شخصان أحدهم يحمل كاميرة والآخر يمسك أوراقا وقلما ( المحقق )، ادركت أنّه سيتم ذبحي وتصوير ذلك وعرضه على قنواتهم كما فعلوا لآخرين ، لكن لم يحدث شيء … سألني عن أسمي ، ومكان وتاريخ ولادتي …. وقاموا بالتقاط صورة لي، وأعادوني لنفس الغرفة ، وهكذا مع بقية المعتقلين الكرد ، حوالي الساعة 14.00، قام الحارس مجددا بأخذنا، واخراجنا من غرفة السجن إلى الساحة ، جاء المحقق وقال : الحمدلله على السلامة، سيتم إطلاق سراحكم ، بإمكانكم العودة إلى بيوتكم، لم أصدق.! كان شعورا لا يوصف ، وفرحة كبتناها …أعطونا كل شخص منا ( 10 الف ليرة سورية )، وورقة مغادرة عليها صورنا…ركبنا الحافلات وأخذونا على الكراج ، وبالفعل أخلوا سبيلنا هناك بتاريخ الأثنين 4 تشرين الثاني 2014 أي بعد 259 يوما قضيناها في 11 سجن تابع لداعش ، في 8 مدن.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك