فصيل جديد في المناطق الخاضعة لتركيا شمال سوريا يقوده عناصر من تنظيم «الدولة الإسلامية»

تشهد مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي والخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية الموالية لتركيا في الأيام الأخيرة، نشاطا لافتا لقيادات “سابقة” في تنظيم الدولة الإسلامية، بعضهم مطلوب دوليا، وآخرون متهمون بقتل العشرات من المدنيين في فترة سيطرة التنظيم على المنطقة، وهو ما دفع الأهالي لتنظيم عدة وقفات احتجاجية، متخوفين من عودة هذه العناصر لواجهة الفصائل المسلحة التي تسيطر على المدينة، لا سيما أنّ تحركاتهم تجري بحماية من فصيل «الجبهة الشامية» وهو أحد الفصائل المسلحة العاملة ضمن الجيش الوطني المدعوم من تركيا.

ويقول شهود عيان من سكان تل أبيض إنّ عبارات مُناصرة لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، باتت تملأ جدران عدد من المنازل وبعض المؤسسات الخدمية في المدينة، التي تسيطر عليها فصائل من الجيش الوطني، أهمها فصيل «الجبهة الشامية» والذي يتحكم بشكل شبه كامل في المدينة، إضافة لفصيلي «جيش الشرقية» والفرقة عشرين الذين يسيطران على أطراف منها، وأحدثت تلك الشعارات ضجة واسعة بين الأهالي، لاسيما أنّها تزامنت مع اجتماع مفاجئ لفصيل جديد يضمَّ عناصر سابقة في تنظيم الدولة، وبحماية من عناصر المعارضة، وعلم تركي الأمر الذي أثارَ حفيظة أهالي المدينة بسبب تورط هؤلاء العناصر بمقتل العشرات من أهالي الرقة ودير الزور وريف حلب.

وكشفت مصادر محلية أن اجتماعاً جرى في مدينة تل أبيض في منزل العضو السابق في تنظيم الدولة إسماعيل العيدو وبدعوة من المدعو ناصر العريف الذي جمعَ عدداً من أعضاء تنظيم «الدولة» السابقين والذين يعملون حالياً مع المخابرات التركية، منهم: مهند الكجل، وفاضل العكال، وخالد العكال، وآخرين، وكشف أنّ قسما منهم دخلوا من الأراضي التركية، بإشراف مباشر من المخابرات التركية عبر بوابة تل أبيض الحدودية، وبلغَ عدد المدعوين للاجتماع أكثر من 50 شخصاً وذلك في منزل العيدو والواقع في حي الإسكان في تل أبيض، وتم بحماية من عناصر فصيل «الجبهة الشامية».

كما كشف المصدر أنّ الجبهة الشامية قامت باعتقال عدد من الأهالي الذين احتجوا على مرور رتل يضم قادة سابقين لتنظيم الدولة الإسلامية، قرب قرية «قنيطرة» بمنطقة سلوك، حيث نشرت الجبهة مايعرف بجماعة «أبو علي صقور» في المنطقة لحماية الرتل، كما وجاءت مدرعتان تركيتان لمكان احتجاج الأهالي، وأغلب المحتجين هم من ذوي الضحايا الذين قتلوا على يد عناصر داعش في فترة استلام هذه الشخصيات قيادة التنظيم بالمنطقة، وأنّ اجتماع آخر عقد في بلدة سلوك، وكان بحماية مدرعات تركية، وعناصر من «جيش الشرقية» و«الجبهة الشامية» ومدينة سلوك خاضعة حاليا لسيطرة تلك الفصائل وكانت أول مدينة تنطلق منها أولى خلايا داعش سنة 2013.

أضاف المصدر أنّ غاية الاجتماع هي تأسيس فصيل جديد يعمل بإشراف تركي وتحت مظلة الجيش الوطني التابع للمعارضة السورية، وأنّ «اللافت أنّ المشاركين في الاجتماع كانت تربطهم علاقات وثيقة بالتنظيم سابقاً بشكل أو بآخر، وعدد منهم من الأمنيين والعناصر السابقين والذين عادوا للمنطقة بعد أن تم إطلاق سراحهم من سجون المعارضة السورية في مناطق درع الفرات أو من سجون تركية، وغالبهم مقاتلون سابقون، يمتلكون خبرات قتالية ممتازة ولهم باع طويلة في المعارك ويعرفون المنطقة جيداً، ويبدو أنّهم سيلعبون دوراً مهماً في الأيام القادمة برعاية تركية، والهدف على الأغلب سيكون عمليات ضد قوات «سوريا الديمقراطية»، كالاغتيالات وما شابه، لاسيما أنّ المذكورين لهم تاريخ طويل في ذلك».

وكشف المصدر أنّ عدداً من هؤلاء الأشخاص مطلوبون دولياً ومعروفون لدى جميع أهالي الرقة وديرالزور، «لاسيما الأربعة المذكورون، وعلى رأسهم «اسماعيل العيدو» وهو تاجر سلاح معروف قبيل اندلاع الحرب السورية، وكان من أوائل الأشخاص الذين قاتلوا الجيش السوري، ثم ما لبث أن أنضم لتنظيم «الدولة الإسلامية» وتسبب بمقتل أكثر من 30 شاباً من المدنيين أو من عناصر الجيش الحر من أبناء منطقته تل أبيض، وبعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مدينة تل أبيض هرب العيدو في إتجاه الرقة ثم ديرالزور، ثم هرب لتركيا حيث أُلقي القبض عليهَّ هناك لمدة عام، وبعدها تم إطلاق سراحه، وهو المسؤول عن تنفيذ عدد من الاغتيالات والتفجيرات في مناطق «قسد» بإيعازات تركية وأشهر الشخصيات التي تمكن من اغتيالها كان «عمر علوش» وذلك في آذار/مارس من العام 2018، وكان يشغل منصبي الرئيس المشترك للجنة العلاقات العامة في «مجلس الرقة المدني» وعضو مكتب العلاقات في «مجلس سوريا الديمقراطية»، ولازال العيدو يُعتبر أحد المقربين لتركيا في سوريا ويحظى بنفوذ كبيرة، ولا يخرج إلا بصحبة مرافقة من أقاربه، خشية استهدافه لا سيما، أنّ الكثيرين من السكان يتهمونهم بالتسبب في قتل أبنائهم.

وتقول مصادر محلية في تل أبيض، إنّ من بين المجتمعين كذلك، عدداً من أبناء عائلة العكال والتي أنضم العشرات منهم لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وقُتل في صفوف التنظيم منهم ما يزيد عن 40 فرداً من العائلة، ومن أبرز أبنائها الذين حضروا الاجتماع المدعو «خالد العكال» الشهير بأبو وليد الرقاوي، أحد الأوجه الإعلامية لتنظيم «داعش» وأحد أبرز مؤسسي وكالة «أعماق» المحسوبة على التنظيم، وكذلك ابن عمه «فاضل العكال» وهو أخو المدعو «فايز العكال» والي التنظيم في الرقة إبان سيطرة الأخير عليها -ينتقل الان في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا بريف حلب وادلب-، وهؤلاء الثلاثة، من آل العكال، كانوا يُعتبرون حسب سكان محليين، من أهم قيادات التنظيم، ولا يخفى على أحد من سكان الرقة أسم القيادي الرابع «مهند الكجل»، الأمني الشهير والسابق للتنظيم والمسؤول عن تصفية العشرات من أبناء المنطقة، من بينهم ناشطون حقوقيون وإعلاميون.

وبتاريخ 4 أبريل، 2020 أطلقت تركيا سراح القيادي البارز من داعش في سوريا (فيصل بلو والمعروف بإسم الأمير أبو أحمد) الذي كان محتجزا في سجون أحد الفصائل الموالية لها في مدينة تل أبيض شمال شرق سوريا، وتولى (بلو) مناصب قيادية في التنظيم، أمير القاطع الشمالي، وعين أمير “مجلس العشائر بولاية الرقة” أثناء فترة حكم تنظيم الدولة الإسلامية 2014 \2016 في أواخر شهر تموز 2015.

بلدة سلوك:

تقع بلدة سلوك شمال الرقة بنحو 75 كم وتضم، إلى جانب البلدة أو مركز الناحية، أكثر من 300 قرية ومزرعة وتجمع سكاني صغير، ممتدة على مساحة شاسعة بين مدينتي تل أبيض ورأس العين من الغرب إلى الشرق، والحدود التركية وطريق حلب الحسكة من الشمال إلى الجنوب. يقدر عدد سكان الناحية بـ77 ألف نسمة، وعدد سكان مركزها بلدة سلوك بـ24 ألفاً.

يتحدر غالبية سكان المنطقة من قبائل (طي؛ جيس؛ النعيم؛ البقارة؛ عنزة) العربية، إضافة إلى التركمان في بعض القرى، وبدأت الأفكار المتطرفة تصل البلدة النائية فترة التسعينات عبر أحد الأشخاص من أهالي قرية الكنيطرة التابعة لسلوك، يدعى هادي العكال، الذي اقتدى بالشيخ سالم الحلو وأعجب بدعوته السلفية. وعندما انتقل العكال إلى دمشق للدراسة في كلية الشريعة تعرف على دعوة سلفية أخرى في حلقات خارج الجامعة خلقت وعيه الجهادي الخاص. ويقال إنّ هذه الحلقات الصغيرة وشبه المغلقة غذت فئة سلفية ضئيلة كانت ضمن من ذهبوا للقتال في العراق بعد الهجوم الأميركي عام 2003، فيما بقي هادي في سورية ليتم دراسته ويبزغ نجمه في الأوساط الجهادية النظرية الضيقة، نظراً لما تمتع به من جدل وقدرة عالية على الحفظ وبراعة في تقليد قرّاء مشهورين. وحتى ذلك الوقت لم يكن له أي تأثير في قريته أو في مجتمع سلوك الأوسع، لكن حادثة وقعت في حزيران 2008، كان بطلها، أسمعت الكثيرين من أبناء المنطقة باسمه وربما بالسلفية الجهادية لأول مرة. حين أدار وحرّض على عملية نفذها 6 من أقاربه انطلقوا على ثلاث دراجات نارية تجاه مخفر قرية الزيدي (50 كم جنوب شرق سلوك) وأسروا الشرطي الوحيد المداوم يومها وقيدوه واستولوا على أسلحة المخفر ثم لاذوا بالفرار. ألقي القبض على المجموعة بعد ساعات، وسيق هادي والآخرون إلى سجن صيدنايا بعد رحلة تحقيق طويلة في أفرع المخابرات، ولم يخرج منه إلا بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا 2011 مساقاً إلى الخدمة العسكرية في درعا، لينشق هناك ويمكث لأشهر في بلدة تسيل. لم يرجع العكال إلى سلوك إلا أول خريف 2012، بعد انسحاب النظام منها وأسس فيها هيئة شرعية مستقلة نافست، هيئة شرعية أخرى كانت قد أسستها جبهة النصرة، قبل أن يقتل في شباط 2013 في ظروف غامضة. فيما تأخر خروج «أولاد دعوته» حتى آذار 2013، مع استيلاء المسلحين على سجن الرقة الذي نقلوا إليه.

في حادثة أخرى من الطابع نفسه وقعت في عام 2006، قتل فيها مسؤول منطقة سلوك في المخابرات العسكرية، المساعد أول أحمد حسنة، على الطريق بين تل أبيض وسلوك، وسجلت في النهاية ضد مجهول رغم بعض الشبهات التي حامت حول أحد أبناء عمومة لهادي العكال هو خلف ذياب الحلوس. لصلاته الجهادية خاصة أقامها خلال عمله في الخليج قبل أن يطرد، ومتّنها في العراق حتى عاد في 2005

لم يعرف في منطقة سلوك قبل 2011 أي سلفي جهادي سوى هادي العكال وخلف الحلوس وشابين أو ثلاثة من أقاربهما تأثروا بهادي. إضافة إلى شخصين آخرين ذهب أولهما إلى العراق وعاد سلفياً منطوياً على نفسه، وآخر، وهو معلم مدرسة، اعتقل لعدة أشهر. انخرط بعض هؤلاء بعد اندلاع الثورة في كتيبة القادسية التي تأسست باتحاد عدد من المجموعات في شباط عام 2012. ولسوء حظ هذه الكتيبة تولى فيصل البلو، وهو من أهالي تل أبيض وأحد سجناء صيدنايا المطلق سراحهم، قيادتها، إلى جانب قائدين آخرين قتل أولهما، وهو معلم المدرسة السلفي المذكور سابقاً، بعد أيام من تأسيسها، وقتل الآخر بعده بفترة. ساير البلو مقاتلي القادسية بتبنيه الظاهر ل(علم الثورة)، قبل أن يجرّهم بالتدريج نحو حركة أحرار الشام طمعاً بالاستفادة من دعمها المالي، مخفياً ميوله الحقيقية نحو جبهة النصرة حديثة الولادة –نهاية 2011- آنذاك في دير الزور.

وإلى هناك كان خلف ذياب الحلوس دليله إلى الشرعي العام السابق لجبهة النصرة أبو ماريا القحطاني، فبايعه سراً وعاد برفقة ثلاثة أشخاص أرسلهم الأخير، هم أبو محمد الجزراوي كشرعي، وأبو أنس العراقي وأبو عبد الله الديري، علي موسى الشواخ، كأمنيين، فيما تولى هو، بتعيين من القحطاني، إمارة المنطقة. شكّل الخمسة الخلية الأولى للنصرة في محافظة الرقة، واتخذوا من هيئة شرعية أسسوها غطاء لهم، ومن قرية «بير محيسن» القريبة من سلوك مقراً ومعقلاً. وظل البلو قائداً للقادسية التي أخذت تتآكل بتأثير منه ومن رفاقه الآخرين لصالح جبهة النصرة، إلى أن انحلت الكتيبة بعد تحرير مدينة تل أبيض في أيلول 2012، وحينها أسفر البلو عن وجهه الحقيقي وأعلن بيعته السابقة لجبهة النصرة. فالتحق الجزء الأكبر من عناصر الكتيبة بالجبهة، فيما انضم الباقون إلى حركة أحرار الشام.

في الأشهر السابقة على انسحاب النظام من بلدة سلوك ثم تل أبيض، في شهري آب وأيلول 2012، بنت جبهة النصرة سمعة أكبر من حجمها الحقيقي الذي يقدره بعض أبناء المنطقة المعايشين للأحداث بنحو (20-30) عنصراً فقط، لكن البطش والجرأة على القتل والتنظيم الذي تمتع به هؤلاء، فضلاً عن العمل الأمني المنظم، عززت من صورتها كفصيل ذي وزن. عامل آخر أسهم في تعميق حضور النصرة هو هيئتها الشرعية ذات الأحكام القاسية على جنود جيش النظام المستسلمين وعلى مختطفين بتهمة التشبيح ظلماً وحسب هوى الحلوس المهووس بالخطف والتربص بالموظفين الحكوميين على الحواجز شمال مدينة الرقة قبل أن يرموا في حفرة الهوتة السحيقة. صورة الهيئة هذه، وفتاوى قاضيها الجزراوي التي شرّعت للمرة الأولى استباحة الممتلكات العامة كغنائم، جعلتا منها محل إعجاب لم تنله هيئات شرعية أخرى، فصارت محكمة ترفع إليها الشكاوى وتفضّ فيها الخصومات بين كتائب الجيش الحر.

منذ مطلع العام 2013 وحتى ربيعه، وقبل إعلان قيام «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في نيسان، ارتفع عدد المنتسبين إلى جبهة النصرة من أبناء سلوك حتى وصل، حسب تقديرات، إلى نحو 100، التحق معظمهم بداعش بعد تأسيسها وظلت قلة في النصرة. وتراجعت بعد ذلك أهمية سلوك وحضورها في المشهد الأوسع الذي احتلته داعش، إذ هُمّش الحلوس وترك «الدولة» غاضباً إلى إدلب حيث التحق بجند الأقصى، إلى أن عاد مع الهاربين منهم إلى داعش في العام الماضي، وكذلك حال فيصل البلو، واختفى ذكر العراقي والجزراوي، وصعد أبو عبد الله الديري، بلقبه الجديد «أبو لقمان»، وصار والي داعش على الرقة، كما هو معروف.

بلغت داعش أوج قوتها بعد نجاحها في السيطرة على الفرقة (17) ثم اللواء (93) ثم مطار الطبقة في الشهرين السابع والثامن من 2014، حتى نهاية العام حين بدت ملامح الهزيمة في معارك كوباني، ثم لتبدأ مساحات سيطرتها في ريف الرقة الشمالي بالانحسار، لتطرد باكراً من سلوك في 12 حزيران 2015، وبعدها بأيام من تل أبيض.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك