خبراء: خيارات أردوغان الشديدة الصعوبة في إدلب تتضمن جميعها مخاطر هائلة

مع تصاعد التوتر بين تركيا وروسيا بشأن الوضع في مدينة إدلب السورية، بعد أكبر ضربة تلقتها القوات التركية في سوريا منذ بدأ الحرب الأهلية فيها أوائل 2012 ومقتل 33 جندي تركي في قصف جوي استهدف أحد مقراتهم المؤقتة في إدلب، ماتزال السيناريوهات غير واضحة في ظل إدراك كلا الطرفين الروسي والتركي أن التصعيد ليس لصالحهم، سيما وأن أنقرة تدرك أنها لن تكون قادرة بأي حال على مكواجهة روسيا في سوريا، وأنقرة أمام خطر خسارة كبرى إذا دخلت بمواجهة طويلة الأمد لعدم إمكانية الاعتماد على دعم غربي حاسم.

ولعب أردوغان مرةً جديدة ورقة المهاجرين في محاولة منه الحصول على مزيد من الدعم من الاتحاد الأوروبي بمواجهة حليفة دمشق القوية روسيا، فقد أعلنت أنقرة أنها لن توقف بعد اليوم المهاجرين الراغبين بالوصول إلى أوروبا معيدةً إلى الأذهان مرحلة أزمة الهجرة الخطيرة في عام 2015.

وتوصّلت روسيا وتركيا أيضاً إلى اتفاق إضافي لوقف إطلاق النار في سبتمبر 2018، تحملّت الأخيرة بموجبه المسؤولية الكاملة عن احتواء هيئة تحرير الشام وإنشاء منطقة عازلة في المنطقة.

وأوضح محللون تحدث إليهم موقع “أحوال تركية” كيف لم تلتزم تركيا وروسيا بما اتفقتا عليه بشأن إدلب.

وقال البروفيسور جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما إن “تركيا لم تف بالتزاماتها التي تعهّدت بها في اتفاق أستانة”.

وأشار إلى أنه في إطار اتفاق سبتمبر 2018، كان من المفترض أن تسهّل تركيا إعادة فتح الطرق السريعة الرئيسة في إدلب وترتّب انسحاب هيئة تحرير الشام وأسلحتها الثقيلة من المنطقة المنزوعة السلاح المزمعة.

وقال لانديس إن الأمر لم يقتصر على عدم الالتزام بهذا البند، وإنما استمرت هذه المجموعة في “إطلاق النيران على أحياء حلب والقوات السورية من تلك المنطقة”.

وفي يناير 2019، تمكّنت هيئة تحرير الشام من كسب أرض في أنحاء إدلب، معززة بذلك هيمنتها على المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية، عندما تخلى مسلحون مدعومون من تركيا عن أراض لهم بعد الأسبوع من القتال.

وبالتالي، فإن الفشل التركي لم يقتصر على عدم القدرة على احتواء هيئة تحرير الشام، وإنما الفشل حتى في منع المجموعة من التوسع والتمدد.

لكن ليست تركيا الطرف الوحيد التي تتحمل مسؤولية اندلاع الأزمة في إدلب. وقال آرون لوند، الزميل في (ذا سنتشري فاونديشن) “من الواضح أن الجانبين لا يلتزمان بروح خطاب الاتفاق.

“فقد دعمت روسيا الهجمات التي تشنها الحكومة السورية، والتي أدت إلى الاستيلاء على جزء كبير من منطقة عدم التصعيد المفترضة في إدلب، فضلاً عن أنها – من قبل ذلك – استولت على مناطق عدم تصعيد أخرى كانت قد اتفقا عليها… ليس هذا بالنهج الذي يمكن أن يؤدي إلى نجاح وقف إطلاق النار”.

ويرى لوند أنه من الصعب تحديد الطرف الذي يتحمل الجزء الأكبر من الخطأ، نظراً لأنه قد تكون هناك اتفاقات إضافية غير معلنة بين أنقرة وموسكو “ولأننا لا نعرف محتوى المفاوضات ونبرتها التي أوصلت الأمور إلى هذا المنعطف”.

ويتشكك لوند أيضاً في أن تكون هناك أي إجابة موضوعية لمن يتساءل عن الطرف الذي يتحمل الجزء الأكبر من الخطأ، لأن الأمر لا يتعلق بقوتين تلتزمان باتفاقاتهما بإخلاص. فالأمر يتعلق بقوتين تستغلّان اتفاقهما المكتوب بنيّة سيئة “لتعزيز مصالحهما في صراع يتعلق بالقوة العسكرية والسياسية أكثر مما يتعلق بتأويلات اتفاق ما”.

أضاف أن الاتفاق يتعرض لسلسلة من الانتهاكات والمخالفات منذ أن كُتب، حيث كانت روسيا وتركيا تجدان دائما سبُلا “للالتفاف على هذا عندما تكون لديهما الرغبة في ذلك… لكنهما لا تريدان ذلك بعد الآن”.

ويرى ديميتار بيشيف، الزميل الأول غير المقيم في المجلس الأطلسي، أيضاً أن كلا الجانبين لم يلتزم بوعوده.

وقال “فشلت تركيا إلى حد كبير في نزع سلاح هيئة تحرير الشام، التي نجحت في كسب أرضية أكبر منذ الاتفاق الأصلي بين (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين و(الرئيس التركي رجب طيّب) أردوغان”.

على الجانب الآخر، جعلت روسيا مبدأ عدم التصعيد “مثاراً للسخرية… وبقولها إن الاتفاق لا يشمل هيئة تحرير الشام، أخذت تستهدف الجميع في المنطقة دون تمييز – بما في ذلك فصائل الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، والأهم من ذلك المدنيين”.

وقال بيشيف “مختصر القول أن المسؤولية مشتركة. لكن الأسد والروس هم في النهاية من تسببوا في الأزمة (التي توقّعها الكثيرون من البداية)”.

وأشار كايل أورتون، وهو محلل مستقل متخصص في شؤون الشرق الأوسط، أيضاً إلى أن كلا الطرفين لم يلتزما بتعهداتهما. لكنه أضاف أن تركيا “لم يكن لها أبداً أن تفعل” لأن هيئة تحرير الشام استفحلت وتمكنت في إدلب بشكل أكبر من أن يسمح لتركيا باجتثاثها.

وقال أورتون إن هذا كان مخططاً له، مشيراً إلى أن روسيا وإيران أبرمتا هذا الاتفاق مع تركيا من أجل تهدئة جبهة إدلب، بينما كانتا تقضيان على منطقتي عدم التصعيد الأخريين”. وهاتان المنطقتان هما درعا والغوطة الشرقية، اللتان عاود نظام الأسد الاستيلاء عليهما في عام 2018.

وقال أورتون إن “هذا التحرك الدبلوماسي حال دون احتجاج تركيا بشأن درعا، والغوطة الشرقية وبقية المناطق”.

أضاف أورتون أن الأسد كان يعرف أنه يستطيع أن يترك إدلب للنهاية، لأنهم كانت لديهم ذريعة وجود هيئة تحرير الشام لتنفيذ هجوم، “وهي ذريعة ممهورة بختم تركيا”.

اختتم قوله بالإشارة إلى أن الوضع الحالي لم يكن هناك مفر منه، لأن نظام الأسد وداعميه الروس والإيرانيين مصرون على استعادة السيطرة على سوريا بالكامل، بينما قدرة تركيا على التحكم في مجريات الأمور وتوجيهها على الأرض محدودة.

وتعتبر جنى جبور الخبيرة في الشؤون التركية في معهد الدراسات السياسية في باريس أن “تركيا لا تملك الوسائل العسكرية ولا الموارد البشرية الكافية لمواصلة التصعيد الجاري في إدلب”.

وبالإضافة إلى الجانب العسكري، على الرئيس التركي، بحسب المحللة، أن يأخذ بعين الاعتبار الرأي العام في تركيا “الذي قد ينقلب ضدّه إذا ارتفع عدد قتلى العسكريين الأتراك في سوريا”.

وتضيف الباحثة “التهديد بفتح حدود أوروبا أمام المهاجرين وسيلة فعالة جداً لممارسة ضغوط على الاتحاد الأوروبي الذي يشكّل كل تدفق إضافي للمهاجرين إليه سيناريو كارثياً”.

ويعتبر مدير مركز “إيدام” للدراسات في إسطنبول سينان أولغن أن فرصة تركيا في الحصول على دعم عسكري من الحلف الأطلسي ضئيلة، خصوصاً بعد إثارة استياء حلفائها بتقاربها مع موسكو وحيازتها على منظومة الدفاع الجوي الروسية “اس-400”.
ويقول أن تركيا لا تملك أي “خيار مناسب” في سوريا، موضحاً أن ضربات النظام الخميس “كشفت هشاشة موقع تركيا لغياب تفوقها الجوي”.

ويضيف الباحث “بمعنى آخر، تبقى القوات التركية مكشوفةً أمام ضربات جوية كما حدث أمس”.

وفي هذا السياق، يمكن أن تجد تركيا نفسها، وفق أولغن، مرغمةً على قبول ترتيبات تتفق عليها مع روسيا، تتيح لها السيطرة على “منطقة صغيرة على طول الحدود التركية تتكدس فيها القوات التركية ونحو مليون نازح سوري”.

من جهته، يقول الباحث في مركز “كارنيغي الشرق الأوسط” يزيد صايغ إن “أردوغان يواجه اليوم خيارات شديدة الصعوبة تتضمن جميعها مخاطر هائلة”.

وتابع “لا يستطيع اردوغان الا الرد على الهجمات المباشرة للنظام، لكن عليه في الوقت نفسه أن يتفادى المضي بعيداً في التصعيد”.

وأضاف الباحث أن التصعيد الحالي، رغم “حجمه”، يبقى “ربما مجرد تكتيك مفاوضات عالي المخاطر سيؤدي إلى تفاهم روسي تركي جديد حول إدلب”.

وأوضح الصايغ “باختصار، لا أعتقد أن حرباً شاملة ستقع، أو أن تركيا ستتقرب مجددا من حلف شمال الأطلسي”.

يقول ايغور دولانويه، نائب مدير المرصد الفرنسي-الروسي في موسكو، إنّ “روسيا لا تريد على الإطلاق مواجهة عسكرية مع تركيا غير المهتمة بدورها بنشوب نزاع حول إدلب”.

ويضيف أنّ “المخاطر مرتفعة جداً، خاصة بالنسبة إلى انقرة نظراً إلى أدوات الضغط الاقتصادي التي يمكن لموسكو تفعيلها”.

يشير دلانويه إلى أنّ موسكو تعتبر أنّ انقرة أخفقت في الامتثال لمقتضيات اتفاق سوتشي بشأن إدلب، الموقع في عام 2018، والداعي إلى القضاء على الجماعات الإرهابية في تلك المحافظة.

يقول إنّ الحادث الأخير جعل تركيا تشعر “بالكلفة التي يمكن أن تنجم عن مغامرة عسكرية في إدلب”.

من جهته، يعتبر الخبير في العلاقات الروسية-التركية كريم هاس أنّ “استراتيجية روسيا الطويلة الأمد” في سوريا لم تتغير، لكنّها حريصة على عدم استعداء تركيا، خاصة في ظل الروابط التي تجمع بين البلدين على صعيدي الاقتصاد والطاقة.

يقول الخبير لفرانس برس إنّ احتمال “حدوث مواجهة عسكرية شاملة في سوريا ضئيل” بعد يوم دبلوماسي طويل، لكنّه يحذّر من أنّ “المخاطر ماثلة ميدانياً” ويمكن لأي اشتباك ان يشعل التوتر مجدداً.

ويضيف أنّ “روسيا ستواصل عملياتها في إدلب ولن تتراجع قريباً”.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك