الرابحون والخاسرون من الاتفاق بين بوتين وأردوغان بشأن شمال سوريا

خمس ساعات استغرقها التفاوض بين بوتين وأردوغان للوصول إلى اتفاق تركي روسي بشأن شمال سوريا يتضمن انسحاب المسلحين الأكراد وتسيير دوريات مشتركة من موسكو وأنقرة على الشريط الحدودي السوري الملاصق لتركيا.
وابتداءً من ظهر اليوم الأربعاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، فإن حرس الحدود السوري والشرطة العسكرية الروسية سينتشران على الحدود وستنسحب عناصر وحدات حماية الشعب وأسلحتهم خلال 150 ساعة كما جاء في البيان المشترك الصادر عن القمة بين فلاديمير بوتين ورجب أردوغان التي عقدت في منتجع سوتشي.
بعد ذلك، ستجري دوريات روسية تركية مشتركة في شمال سوريا على بعد 10 كيلومترات من الحدود.
وصف بوتين الاتفاق بالتاريخي بخصوص مستقبل شرق الفرات عموماً والعملية التركية على وجه الخصوص.
كان واضحاً أن المباحثات التي عقدت في سوتشي كانت شاقة.
هناك ثلاثة مؤشرات أكدت صعوبة المفاوضات بين الطرفين، حسب الباحث سعيد الحاج.
أولها تصريحات سبقت القمة على لسان كل من وزير الدفاع الروسي والناطق باسم الكرملين وكانت في مجملها سلبية من العملية التركية، وثانيها المدة الزمنية الطويلة التي استغرقتها المباحثات؛ فلعلها كانت من أطول القمم التي جمعت الزعيمين، وأخيراً تأخر الإعلان عن الاتفاق الثنائي بعد انتهاء القمة للتوافق على صياغة البيان فيما يبدو.

أهم نقاط التشابه والاختلاف بين اتفاقي تركيا مع روسيا وأمريكا
خرج الاتفاق التركي الروسي في 10 بنود أكدت في معظمها التعاون الطرفين والتزامهما بوحدة الأراضي السورية والحل السياسي للأزمة، بينما دارت فكرتها الرئيسة حول مصير مسلحين قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في الشمال السوري.
ولكن يمكن ملاحظة عدة نقاط هامة تتعلق بالاتفاق التركي الروسي وعلاقته بالاتفاق الأمريكي التركي الذي سبقه ويتضمن إخلاء الأكراد لمسافة 30 كيلومتراً من الحدود مع تركيا.
– الاتفاق الروسي التركي أقرّ التفاهمات التركية – الأمريكية التي أبرمت قبل 5 أيام وبنى عليها، بل يمكن اعتباره اتفاقاً متمماً لها. فقد ثبَّت البند الثالث من الاتفاق «الوضع القائم في منطقة عملية نبع السلام ما بين تل أبيض ورأس العين وبعمق 32 كلم»، بينما تحدثت البنود الأخرى، وخاصة الخامس، عن المناطق الأخرى خارج مسرح العملية.
– بينما ينظم الاتفاق مع أمريكا منطقة بطول 120 كيلومتراً وعمق 30 كلم فإن الاتفاق الروسي ينظم المنطقة الواقعة شرق وغرب المنطقة التي تم الاتفاق مع الأمريكيين حولها، أي أن الاتفاق مع روسيا يستكمل جغرافيا الاتفاق الأمريكي.
– أحد الفوارق الرئيسية بين الاتفاقين أن الاتفاق مع أمريكا يسمح بالتواجد في عمق الأراضي السورية لمسافة 30 كلم، بينما يسمح الاتفاق مع روسيا بتسيير دوريات مشتركة بين القوات التركية والروسية في عمق 10 كيلومترات داخل سوريا، أي أقل من الاتفاق الأمريكي، مع تعهد روسيا بإخلاء مساحة بعمق 30 كيلومتراً من المقاتلين الأكراد.
– الاتفاق أعطى لتركيا حق التواجد لمسافة داخل الأراضي السورية أكبر من اتفاقية أضنة والتي تضمن نصاً يقول: يتفهم الجانب السوري أن إخفاقه في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يُعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم.
– وفق الاتفاق، ستنتشر الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري على طول الحدود السورية – التركية خارج منطقة نبع السلام بعمق 30 كلم، كما ستسيّر أنقرة وموسكو دوريات مشتركة على طرفي منطقة العملية في الشرق والغرب بعمق 10 كلم.
وبهذا المعنى يكون الاتفاق الجديد إضافة جديدة – بعد التفاهمات مع واشنطن – لمشروعية العملية التركية وتثبيت مكتسبات أنقرة من خلالها، ويحقق لها أهمَّ ما كانت تستهدفه من نبع السلام وهو إبعاد المقاتلين لأبعد من 30 كلم من حدودها، وبما يعني تقويض إمكاناتها للتحول إلى كيان سياسي انفصالي في الشمال السوري.
وتحقق ذلك كله دون حرب.
واللافت أن أنقرة قد تخلت ضمنياً عن فكرة دخول منبج في مقابل تعهد روسيا بإخراج عناصر قوات YPG مع أسلحتهم منها ومن تل رفعت.

الموقف من الأسد، وما علاقة النظام بالاتفاق؟
حتى الآن فإن الاتفاق أبرم مع الجانب الروسي الذي يتعامل باعتباره الراعي الرسمي للدولة السورية.
ونفى وزير الخارجية التركي أن يكون لبلاده تواصل مباشر مع نظام الأسد، الذي اتهمه بعدم القدرة على تنفيذ اتفاق أضنة.
ولكن الاتفاق يؤكد اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا وسوريا في نهاية التسعينيات والتي سمحت لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لمسافة 10 كيلومترات لمحاربة الإرهاب، وهذا من شأنه إعطاء شرعية للتدخل التركي، لكنه يعني تمهيد لإمكانية التعامل مع نظام الأسد، حسب سعيد الحاج.
يؤكد الطرفان في البند الرابع أهمية اتفاقية أضنة وأن «تسهّل روسيا الاتحادية تطبيقها». يمثل هذا البند مصلحة للطرفين، لتركيا التي تتيح لها الاتفاقية ملاحقة العناصر الإرهابية التي تهدد حدودها وأمنها داخل الأراضي السورية بما يشكل شبكة أمان سياسية لعمليتها، ولروسيا التي ترغب من خلال تفعيل الاتفاقية فتح باب الحوار الرسمي والتعاون المشترك بين أنقرة ودمشق.
ورغم أن أنقرة أعلنت مراراً أنها ما زالت غير راغبة في علاقات رسمية ومباشرة مع النظام السوري في المرحلة الحالية وتكتفي بتواصل بمستوى متدنٍّ وإيصال الرسائل من خلال موسكو، تأمل الأخيرة في أن تسهّل التطورات الميدانية الأخيرة وتواجد قوات النظام على الحدود التركية تلك الإمكانية، وأن ترفع من مستوى التواصل بين الطرفين على المدى المتوسط أو البعيد.
وكان لافتاً في هذا الإطار أنه عندما دخلت قوات الأسد إلى منبج باتفاق مع المقاتلين الأكراد خلال بدء العملية العسكرية التركية، فإن أردوغان قال إنه ليس لديه مشكلة في دخولها ولكن المهم خروج الإرهابيين منها.

هل يعود اللاجئون إلى سوريا؟
وفيما يتعلق بوضع اللاجئين السوريين فإن البند الثامن ينص على «تعاون الطرفين لتسهيل عودة آمنة وطوعية للاجئين»، ومسألة عودة اللاجئين واحدة من أكثر القضايا التي يتملص منها النظام السوري بعد أن غير هوية البلاد الطائفية وجعل العرب السنة أقلية فيها.
وفي الوقت ذاته تمثل هذه العودة مسألة ملحة بالنسبة لتركيا التي تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري أصبحوا يمثلون مشكلة سياسية لحزب العدالة والتنمية في ظل استغلال المعارضة التركية للقضية للنيل منه.

من سيدير المنطقة الآمنة؟ وما مصير إدلب؟
رغم أن الاتفاق لم يعلن إنشاء منطقة آمنة جديدة لكنه يثبت الاتفاق الأمريكي الذي يقيم فعلياً منطقة آمنة في شمال سوريا بطول 120 كلم وعمق 30 كلم.
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن العرب يشكلون غالبية السكان في منطقة شمال سوريا، لافتاً إلى أنهم سيتولون الإدارة، وأضاف: «إذا كان هناك أكراد فسيكونون في السلطة أيضاً».
واللافت أن الاتفاق الروسي التركي لم يشر إلى الوضع في إدلب، ما قد يفهم منه أن هناك خلافات بين الجانبين حولها.

الرابحون والخاسرون من الاتفاق
أكبر الرابحين من الاتفاق هي روسيا التي واصلت دورها كراعية ووصية على نظام الأسد، ونالت اتفاقاً مع تركيا بشروط أفضل من التي نالتها أمريكا.
وبطبيعة الحال تركيا مستفيدة من الاتفاق الذي سوف يضمن لها أمن كامل حدودها وانسحاب القوات الكردية، كما أنها نالت اعترافاً من روسيا ومن خلفها نظام الأسد بالمنطقة الآمنة التي ستقيمها وفقا للاتفاق مع أمريكا.
النظام السوري يمكن أن يعتبر أنه ربح جزئياً، فرغم أن الاتفاق يعني ضمنياً الاعتراف بالمنطقة الآمنة التي تعتزم تركيا إقامتها في شمال سوريا، إلا أنها في المقابل تعزز نفوذها في الشمال السوري على حساب قوات سوريا الديمقراطية مثلما حدث في منبج، خاصة أن كل مكاسب تركيا كانت على حساب الأكراد.
ولكن الاتفاقية أيضاً تمثل خسارة للجانب السوري في أنها تضيف مزيدا من المشروعية للدور التركي في سوريا.
في المقابل، يتطلع النظام لأن تكون الاتفاقية بداية لتطبيع تركي مع النظام، وما نفته أنقره.
المعارضة السورية لايبدو موفقها واضحاً، فهي لم تذكر في الاتفاق، لكن وزير الخارجية التركي ألمح إلى دور لها عندما تحدث أن العرب هم الذين سيحكمون المناطق الذين يشكلون الأغلبية فيها.
الأكراد بالفعل أكبر الخاسرين حيث تراجع نفوذهم في الشمال السوري، ولكن كسبوا مكسباً مهماً هو تجنب مواجهة مع قوة أكبر منهم بكثير هي الجيش التركي.
هل يعني ذلك نهاية احتمالات الحرب؟
فجر الأربعاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قالت وزارة الدفاع التركية إنه لم تعد هناك ضرورة لشن عملية عسكرية جديدة غير «نبع السلام»، وذلك بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين تركيا وروسيا بشأن سوريا، وأنه ستبدأ جهود مشتركة بين الدولتين في هذا الصدد.
وذكر البيان أنه «يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تم التوصل لاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة بشأن شرق الفرات، تم بموجبه تعليق عملية (نبع السلام) 120 ساعة»، مضيفاً: «وحتى اليوم قمنا بإبداء الحساسية اللازمة للإيفاء بالمسائل التي نص عليها الاتفاق».
وأشار البيان إلى أن «الولايات المتحدة أعلنت في نهاية المدة أن عملية انسحاب تنظيم «بي كا كا/ي ب ك» من المنطقة قد اكتملت، متابعاً: «واعتباراً من اليوم ستبدأ الجهود المشتركة مع روسيا في ضوء الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مدينة سوتشي بين الرئيس رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري».
الوزارة التركية شددت في الوقت ذاته على أن تركيا لن تسمح مطلقاً بتشكيل ممر عند حدودها الجنوبية لمسلحي الأكراد، مؤكدةً في الوقت نفسه بناء ممر لعادة السوريين المهجّرين إلى المنطقة الآمنة.
لكن المقاتلين الأكراد الذي سينزع الاتفاقين أراضي منهما قد يفكرون في إشعال الموقف أو عدم الالتزام الكامل بالاتفاق.

روسيا تهدد الأكراد
وقال الكرملين، الأربعاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، إنه في حال لم ينسحب المسلحون الأكراد من المناطق المتفق عليها شمالي سوريا، ستضطر روسيا وحرس الحدود السوري للانسحاب، وسيواجهون الجيش التركي وفقاً لما نشره موقع «روسيا اليوم».
وأكد الناطق الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في تصريح صحفي، أن الولايات المتحدة تخلّت عن الأكراد في شمالي سوريا وخانتهم.
ونقل وزير الخارجية التركي عن بوتين قوله: «سنوّجه تحذيراً شديداً إلى ي ب ك/ بي كا كا، وإذا لم ينسحبوا تقومون أنتم بما يلزم»، ليؤكد حصول بلاده على موافقة روسيا على العملية.
اللافت أن الاتفاق لا ينص على إنشاء منطقة آمنة وإنما يحيل دائماً إلى «منطقة عملية نبع السلام»، كما أن تواجد القوات الروسية وحرس الحدود التابع للنظام سيخفف من حماسة الكثيرين للعودة إلى تلك المناطق التي ستكون بالنسبة لهم غير آمنة، فضلاً عما يحتاجه مشروع إعادة اللاجئين من متطلبات عسكرية وسياسية ولوجستية ينبغي أن توفرها المجموعة الدولية ما قد يستغرق سنوات.
الملحوظة الخامسة هي أن أنقرة قد تخلت ضمنياً عن فكرة دخول منبج في مقابل تعهد روسيا بإخراج عناصر عناصر YPG مع أسلحتهم منها ومن تل رفعت، بعد أن ماطلت بذلك طويلاً منذ عملية غصن الزيتون العام الماضي.
أما الملحوظة السادسة والأخيرة فهي أن الاتفاق التركي – الروسي مضافاً للتفاهمات التركية – الأمريكية قبل أيام يكاد يكون إعلان خاتمة عملية نبع السلام، من حيث أنه أوكل مهمة إبعاد عناصر YPG نحو عمق الأراضي السورية لروسيا.
أي أن العملية التركية ستكتفي حالياً بالمرحلة الأولى المعلنة والتي تسيطر عليها القوات التركية بالتعاون مع المعارضة السورية بين تل أبيض ورأس العين، وهو ما أشار له بيان وزارة الدفاع التركية بعد توقيع الاتفاق.

هل يستمر الاتفاق؟
ورغم الدلالات الواضحة للاتفاق، تمْثُل أمامه بعض التحديات المهمة، في مقدمتها مدى التزام الطرف الروسي بتنفيذ ما يقع على عاتقه منه، فالاتفاقات تقيَّم بما يتحقق منها على الأرض وليس بما يسطر منها على الورق فقط، حسب تعبير الحاج.
كما أنه ما زال من غير الواضح كيف سترد الولايات المتحدة الأمريكية على الاتفاق سياسياً وميدانياً، خصوصاً ما يتعلق باستكمال انسحابها من المنطقة ومدى دعمها لعناصر YPG في المرحلة المقبلة، وإن كان الراجح ألا تقف حجر عثرة أمام الاتفاق الذي مهدت له من خلال التفاهمات مع أنقرة.
أخيراً، تبقى دائماً هناك احتمالات للتصعيد الميداني، إما عبر قوات YPG د أو من قبل القوات التركية إن حصلت أي متغيرات ميدانية تخل بالاتفاق أو تعيق تحقيق أهدافه أو كان تقييمها أن انسحاب الوحدات والتزامها غير كاملَيْن، وهو ما ألمح له الرئيس التركي في رحلة عودته من سوتشي.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك