أردوغان يتراجع إلى الخلف بشأن غزو سوريا بعد فشل لقاءه مع ترامب

عندما سافر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصفت وسائل الإعلام في بلاده هذه الزيارة بأنها فرصة أخيرة للولايات المتحدة لتنفيذ مشروع المنطقة الآمنة في سوريا الذي جرى الاتفاق عليه في الشهر الماضي.

وطوال الشهر الماضي، ظل أردوغان وكبار المسؤولين في حكومته يحذرون من أنه ليس لديهم خطة بديلة واحدة “ب” فحسب بل لديهم أيضا خطة “ج”، ومن ثم يمكنهم الشروع فيها إذا رأوا أن واشنطن تماطلهم.

كان ذلك يعني اتخاذ إجراء عسكري أحادي الجانب ضد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال سوريا ما لم يتم إحراز تقدم بشأن منطقة آمنة تلبي مطالب تركيا بحلول نهاية شهر سبتمبر.

لجأت تركيا إلى التهديد بالتوغل العسكري خلال الأسابيع التي أعقبت اتفاق المسؤولين الأميركيين والأتراك على التعاون بخصوص مشروع المنطقة الآمنة في السابع من شهر أغسطس. وقد تحدث وزير الدفاع التركي خلوصي آكار عن الخطتين البديلتين “ب” و”ج” للمرة الأولى بعد أيام من إعلان التعاون بين الجانبين، واستمر في استخدام اللهجة نفسها خلال مناقشة الخطة منذ ذلك الحين.

وقد كرر أردوغان هذه الرسالة في كلمات ألقاها خلال شهر سبتمبر، إذ شكا من أن الولايات المتحدة واصلت إمداد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد وحلفائها بالسلاح في السابع من سبتمبر، وحذر من أن تركيا ستتولى الأمر بنفسها ما لم يتم إحراز تقدم ملموس بحلول نهاية الشهر.

وجدد أردوغان هذا التحذير مرة أخرى في كلمة ألقاها في الثامن عشر من سبتمبر، إذ لم يكن يتبقى حينها على انتهاء المهلة المحددة سوى أسبوعين.

وحذت وسائل الإعلام التركية حذو كبار مسؤولي الحكومة، مؤكدة على إمكانية تدشين عملية عسكرية بحلول شهر أكتوبر.

تحدث إبراهيم قراغول رئيس تحرير صحيفة يني شفق، وهو من أبرز أصحاب نظرية المؤامرة في أوساط الصحافة الموالية لأردوغان، عن الغزو باعتباره ضرورة حتمية “حتى ولو كان يعني الانتحار”، وذلك في مقال نشر في الخامس من شهر سبتمبر.

ومع اقتراب اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، انتقد المعلقون الأتراك وتيرة التقدم في محادثات المنطقة الآمنة، ووصفوا اجتماعا متوقعا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأردوغان في الجمعية بأنه “فرصة أخيرة” لإنجاح المشروع.

طرحت أنقرة فكرة إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح تخضع للرقابة الدولية على طول الحدود بين سوريا وتركيا منذ بداية الصراع في العام 2011، ثم أعيد طرحها مجددا في العام 2014، بعد الهجمات الدامية التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وما أسفرت عنه من موجة كبيرة من الهجرة.

وبعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية وسيطرة الحكومة السورية على معظم البلاد، تركز النسخة الأخيرة من الخطة في الأساس على المخاوف الأمنية التي تنتاب تركيا حيال قوات سوريا الديمقراطية. فأنقرة لن تقبل بوجود منطقة حكم ذاتي على حدودها تدعمها الولايات المتحدة وترتبط بحزب العمال الكردستاني الذي يحارب الدولة التركية من أجل إقامة حكم ذاتي كردي منذ ثمانينات القرن العشرين.

غير أن هناك عاملا حاسما ثانيا في الخطة؛ ألا وهو السخط المتنامي بين الأتراك – الذين ما زالوا يئنون من أزمة العملة التي نشبت العام الماضي – في ظل وجود ملايين اللاجئين السوريين في البلاد.

لقد فر ملايين السوريين من أعمال العنف التي ارتكبتها حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، والأرجح أنهم ليسوا على استعداد للعودة إلى الأراضي الخاضعة لسيطرتها إلا القليل منهم. وفي المقابل، يخطط أردوغان لبناء مستوطنات جديدة لإعادة توطينهم في المنطقة الآمنة المقترحة.

وقال المسؤولون الأميركيون إن “كل الجهود الممكنة” ستُبذل لإعادة السوريين النازحين إلى “ممر سلام” حينما اتفق الجانبان على التعاون بشأن المنطقة الآمنة في السابع من أغسطس.

وكانت تلك صياغة غامضة. لقد قال شركاء واشنطن من الأكراد السوريين إنهم سيرحبون بعودة السوريين النازحين من المناطق ذات الصلة. أما إعادة توطين ما يصل إلى ثلاثة ملايين شخص، الأمر الذي تحدث عنه أردوغان الأسبوع الماضي، فهي مسألة أخرى مختلفة تماما.

كانت هذه هي الخطة التي كشف عنها أردوغان في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، والتي اقترح فيها عقد مؤتمر للمانحين لجمع دعم مالي من أجل مساعدة اللاجئين السوريين على العودة من الدول المضيفة لهم.

والأرجح أن هذه الخطة تعتمد على الدعم الأميركي. وقد سبق وأن انتزعت تركيا السيطرة على أراض من قوات سوريا الديمقراطية في شمال غرب سوريا وتحديدا في عفرين، لكن مظلوم عبدي قائد قسد حذر من أن غزو منطقة بطول 600 كيلومتر تخضع لسيطرة قواته بمحاذاة الحدود الجنوبية التركية من شأنه أن يشعل صراعا أشد تدميرا بكثير.

وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن أردوغان لم يخرج من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثر من مكالمة هاتفية ومصافحة من ترامب.

من المحتمل أن الرئيس الأميركي كان مشغولا بمسائل أخرى في الأسبوع الماضي. وبدلا من اللقاء المباشر الذي كان يأمله أردوغان، عقد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين اجتماعا مع جيمس جيفري المبعوث الأميركي الخاص بسوريا الذي أشرف على التقدم الفاتر بخصوص حل الأزمة التركية الكردية منذ توليه المنصب في العام الماضي.

ومع اقتراب الموعد النهائي وعدم عقد الاجتماع مع ترامب، انحسر حديث المسؤولين الأتراك ومسؤولي الصحف عن الغزو الوشيك بشكل ملحوظ. وتحدث أردوغان بشكل مبهم عن سير خطة المنطقة الآمنة وفق الجدول الزمني المحدد يوم الجمعة، وإن كان من الواضح أن هذا التقدم لم يتجاوز فعليا تحليق الطائرات التركية في السماء.

وفي مساء يوم الجمعة، زاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الطين بلة بحديثه عن استيائه من وتيرة التقدم في المحادثات، التي قال إنها تعطلت بسبب خلافات حول مدى المنطقة الآمنة المقترحة.

هذا وإن دل على شيء فإنما يدل على أن الموقف بعيد كل البعد عن التحسن؛ فالخلاف على عمق المنطقة الآمنة مستمر منذ طرح الفكرة للنقاش في شهر يناير، قبل فترة طويلة من الاتفاق المبرم في أغسطس.

ومع ذلك، لم تكن هناك أي علامات على الاستعدادات السريعة التي اتخذتها تركيا قبل توغلها الأخير عبر الحدود في عفرين في شهر يناير من العام الماضي، ولا التوترات العالية في المناطق الحدودية والاجتماعات العاجلة مع روسيا حينما هددت تركيا بالهجوم في ديسمبر الماضي. كذلك لا توجد أي دلائل على تحرك الحكومة السورية. ولم تشر أي من الصفحات الأولى للصحف التركية إلى احتمالية الغزو، ولم يتطرق كتاب الأعمدة البازرين الموالين للحكومة إلى هذا الموضوع.

في ضوء ذلك، ربما كان الشهر الأخير من الضغط المتصاعد بشكل مطرد بشأن شمال سوريا والطريقة التي تبدد بها مع اقتراب الموعد النهائي في شهر أكتوبر بمثابة مساع رامية لإعطاء انطباعات معينة ولم تكلل بالنجاح.

وقد سبق وأن نجح أردوغان في الحصول على تنازلات من ترامب، حتى وإن كانت كلماته لا تتُرجم إلى أفعال ملموسة في معظم الأحيان.

كان قرار ترامب المفاجئ بالانسحاب الكامل للقوات الأميركية من سوريا – والذي تردد أنه اتخذه بدون مشورة مساعديه – هو الذي مهد الطريق أمام الخلاف الحالي بشأن المنطقة الآمنة. وأخذ ترامب جانب أنقرة مجددا هذا العام، حينما دفع تسليم منظومة الدفاع الصاروخية الروسية إس-400 لها الكونغرس الأميركي إلى السعي لفرض عقوبات على حليفة واشنطن في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

ولربما كان الرئيس التركي يرغب في إعطاء انطباع بأنه أجبر ترامب على تقديم المزيد من التنازلات بخصوص اتفاق المنطقة الآمنة.

لا يزال الغزو خيارا أمام تركيا، التي حشدت قوة عسكرية هائلة على طول حدودها. ولكن في الوقت الحالي، يبدو الاحتمال الأرجح هو استمرار الوضع الراهن بما فيه من تسيير دوريات مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا وتحليق الطائرات في سماء شمال شرق سوريا واستمرار الجدل بشأن عمق المنطقة الآمنة.

مايكل ماكنزي

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك