محنة اللاجئين السوريين في تركيا

ارتفع عدد اللاجئين في تركيا بسرعة الصاروخ منذ بدء الحرب الأهلية السورية في العام 2011، ويعيش ملايين اللاجئين الوافدين من سوريا وبعض الدول الأخرى حاليا في شتى أرجاء البلاد. غير أن بعض المعلقين يقولون إن غياب الإطار القانوني المناسب لهذا العدد الهائل من اللاجئين الذين تستضيفهم تركيا في الوقت الحالي قد جعل من اندماجهم أمرا شبه مستحيل وتركهم في وضع لا يتمتعون فيه بأي حقوق.

وثمة تقرير صادر في الآونة الأخيرة أعدته مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية في تركيا (تيباف) بالتعاون مع مؤسسة هاينريش بول يسلط الضوء على محنة السوريين في تركيا، والذين ارتفعت أعدادهم إلى ما يربو على 3.6 مليون سوري في البلاد منذ بدء الحرب الأهلية في العام 2011.

هذا التقرير الذي يحمل عنوان “السوريون في إسطنبول وأحياء الغيتو السورية بعد الحرب”، والصادر في شهر أبريل، يلقي نظرة معمقة على اللاجئين السوريين المتجمعين في الأحياء الأشد فقرا في إسطنبول، مثل بلاط وسولوكولي وغازي.

ويقول أيهان قايا مدير المعهد الأوروبي بجامعة بيلغي في إسطنبول والمتخصص في أبحاث الهجرة، متحدثا لموقع “أحوال تركية”: “السوريون يعيشون الآن في فقر. وفي الوقت الراهن، لا يمكن دمج هؤلاء الناس في الاقتصاد الرسمي”.

وذكر قايا أن اللاجئين، وخاصة السوريين منهم، يُنظر إليهم في الغالب على أنهم عمالة رخيصة ويعملون في الاقتصاد غير الرسمي في ورش صناعة المنسوجات أو قطاع البناء في تركيا.

وأبلغ سيف الدين غورسيل الأستاذ بجامعة بهجة شهير في إسطنبول موقع “أحوال تركية” قائلا إن أرباب العمل يمكن أن يستأجروا السوريين بأجور أقل من المواطنين الأتراك.

وتؤيد بيانات المديرية العامة للقوى العاملة الدولية ما يقوله غوسيل؛ فقد بلغ إجمالي عدد تصاريح العمل الممنوحة للسوريين نحو 21 ألف تصريح. وسلط غورسيل الضوء على مسح لمدينة إسطنبول أجراه مركز الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية بجامعة بهجة شهير يظهر أنه بالنسبة للعاملين في الفئة العمرية 18-29 عاما، لم يتقدم سوى نحو أربعة في المئة من أرباب العمل بطلب تصاريح عمل لهم، ولم يحصل منهم عليها سوى نصفهم تقريبا.

وقال قوت لورد أوغلو الخبير الاقتصادي بجامعة قوجه إيلي إنه في ظل عمل غالبية السوريين في القطاع غير الرسمي فإنهم نادرا ما يشكلون نقابات كما يفتقدون أشكالا أخرى من الحماية والمزايا.

وأبلغ موقع “أحوال تركية” قائلا: “فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية، لا يستفيد أحد من التأمين سوى المواطنين السوريين الحاصلين على تصاريح عمل والبالغ عددهم 84 ألفا. نعلم عدد أولئك المهاجرين الذين يعملون وكيف يعملون في القطاع غير الرسمي”.

لقد أصبحت قضية الهجرة موضوعا ساخنا في تركيا، حيث تدعو جميع الأطراف تقريبا في الأروقة السياسية إلى عودة المهاجرين إلى أوطانهم باعتبارها حلا لكثير من المشكلات الخطيرة التي تواجه البلاد، لا سيما المشاكل الاقتصادية.

بيد أن الأرقام لا تدعم هذا الشعور العام. ففي معرض إشارته إلى أن حوالي 40 في المئة من السوريين البالغ عددهم أربعة ملايين في تركيا يعملون، قال غورسيل إن ذلك يعادل نحو خمسة في المئة من إجمالي عدد العاملين في تركيا.

وأضاف: “تجدر الإشارة أيضا إلى أن السوريين يعملون في وظائف منخفضة الإنتاجية. وفي ظل هذه الظروف، يمكن التقدير بأنهم يساهمون بنحو 2-3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي”.

وتابع: “في هذا السياق، لا يمكن القول إن العمال السوريين يحلون بالكامل محل عاملين من المواطنين الأتراك”.

وقال مراد تشيبني النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي إن مشكلة اللاجئين في تركيا تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، لكن المشكلة قد اشتدت حدتها كثيرا مع بداية الحرب السورية.

ويشير تشيبني إلى أن واحدة من كبرى المشاكل تتمثل في الحاجة الملحة لإجراء تعديلات في القانون من أجل ضمان حقوق اللاجئين.

وأضاف: “لسنوات عدة، لم يكن هناك قانون معني بالحقوق الشاملة والدولية الخاصة باللاجئين. ولم تُوضع أولى القواعد القانونية في هذا المجال إلا في الآونة الأخيرة، بإصدار القانون رقم 6458 بشأن الأجانب والحماية الدولية”.

ويقول متين تشوراباتير رئيس مركز أبحاث اللجوء والهجرة الذي يتخذ من أنقرة مقرا له إن عدم وجود وضع محدد وواضح للاجئين يشكل أحد أهم النقاط المتعلقة بالمهاجرين السوريين في تركيا.

ذلك أن غالبية السوريين الذين فروا من الصراع إلى تركيا يُعتبرون تحت “الحماية المؤقتة”، وهو وضع يقول تشوراباتير إنه لا يوفر أساسا قانونيا للاندماج في المجتمع التركي، مشيرا إلى أن ذلك قد جعل الكثيرين منهم غير قادرين على الاندماج أو تلقي الدعم.

هذا يعود بنا إلى القانون رقم 6458 الذي صدر في شهر أبريل من العام 2014 للتعامل مع القضايا المتعلقة باللاجئين على نطاق واسع للغاية، إذ يتنبى لهم القانون معايير الاتحاد الأوروبي والمعايير الدولية بما فيها مبدأ عدم ترحيلهم إلى أوطانهم. كما ينقل القانون مسؤولية الإشراف على طلبات اللجوء وغيرها من العمليات المرتبطة بالأجانب من الشرطة إلى مؤسسة مدنية، وهي المديرية العامة لإدارة الهجرة.

غير أن هناك عيوبا كبيرة تشوب هذا القانون، ومن بينها القيود الجغرافية وافتراض أن اللاجئين يمكنهم الإقامة في بلد ثالث.

وتميز المواد الثلاثة التي تحدد فئات اللاجئين بين أولئك الوافدين من الدول الأوروبية، الذين يُوصفون ببساطة بأنهم “لاجئون”، وأولئك القادمين من خارج أوروبا الذين يُطلق عليهم اسم “اللاجئون المشروطون”.

وينص القانون على أن اللاجئين المشروطين – على عكس أولئك الوافدين من أوروبا – “يُسمح لهم بالإقامة في تركيا لحين إعادة توطينهم في بلد ثالث”. أما الفئة الثالثة فهم “غير المؤهلين لأن يكونوا لاجئين أو لاجئين مشروطين”، وأولئك هم الذين يُمنحون وضع الحماية المؤقتة.

وقال تشيبني إن هذا القانون لم يعالج معظم المشكلات التي يواجهها اللاجئون، وإن هناك “مشكلات عدة ظلت باقية في تطبيق الحقوق التي ينظمها القانون مثل التعليم والصحة والإعانة الاجتماعية”.

وأكد تشيبني على أن نظام الحماية المؤقتة وقانون حماية حقوق الإنسان الخاص باللاجئين يتعارضان مع الدستور التركي. وأضاف أنه يجب تغيير نظام الحماية المؤقتة عبر تطبيق سياسات قوية.

فيقول: “ينبغي تشجيع الحكومات والبلديات المحلية على العمل في هذا المجال، وزيادة عدد أماكن الإيواء المخصصة للنساء اللاجئات، وفتح مراكز تدريب مؤقتة، وتنظيم دورات تدريب مهني. ثمة حاجة لإجراء تقييم شامل للأبحاث والبيانات التي تفيد بأن معظم اللاجئين السوريين لن يعودوا في المستقبل وسيمكثون بصفة دائمة في هذا البلد”.

ويوضح تقرير مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية في تركيا أن معظم اللاجئين السوريين لن يعودوا إلى بلادهم في المستقبل، وسيظلون مقيمين بشكل دائم في تركيا.

وفي ظل عدم وجود أي مؤشرات في الأفق تنبئ بنهاية الصراع السوري أو تلاشي خطر الاضطهاد من الحكومة في سوريا، فمن الضروري لتركيا أن تبدأ في تبني سياسات تأخذ في الاعتبار بقاء اللاجئين في البلاد.

المصدر:أحمد كولوسوي

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك