التغريبة السورية .. تركيا “فخ” اللاجئين

سيدة سورية أنجبت ثلاثة توائم دفعة واحدة، أطلقت على أولهم رجب، والثاني طيب، والثالث إردوغان، حدث هذا في عام 2012، ذهب الرئيس التركي لزيارتها. سجّلت الكاميرات دخوله خيمة العائلة اللاجئة، وترحيبه بأفرادها، ومصافحتهم. في مشهد احتفت به العشرات من وسائل الإعلام التركية والعربية، واعتبرته تجسيدًا لكرم القيادة التركية، ونبلها، وتواضعها.
بعد أقل من سبعة أعوام على هذا المشهد، كانت أجهزة الأمن التركية تسوق العشرات من السوريين مكبلين بالأصفاد، إلى سيارة ترحيل قاسية، تمهيدًا لنقلهم إلى بلادهم التي أتوا منها قسرًا. وفي الخلفية صوت الرئيس التركي نفسه، بشحمه ولحمه، وهو يزعق أمام أعضاء حزبه، العدالة والتنمية، أنه عازم على إعادة السوريين إلى بلادهم، وأنه سيبدأ بالمتورطين في أية جرائم، وغير المسجلين.
حديث الرئيس التركي كان بمثابة إشارة فهمتها أجهزة الأمن بأنها حنق رئاسي على تواجد السوريين في تركيا. فليكن إذن، هيا بنا نخرجهم من بلادنا، لتبدأ حملة تشويه واضطهاد وعنصرية واعتداءات متتالية ضد لاجئين مسالمين، خربت بلادهم على يد جيرانها، وأولهم هذا الذي ارتدى قبل سنوات قناع النبيل العطوف، والآن يخلعه ليبدو وجهه الوحشيّ قاسيًا، لا يعترف إلا بلغة القوة، والمال.
مشهدان في غاية التناقض. بينهما الكثير من المؤثرات. أولها، انتهاء “السبوبة”، فأوروبا التي تعاقدت مع إردوغان، باعتباره حارسًا شرقيًّا لحدودها، وليوجّه طاقات جيشه ومخابراته وشرطته لمنع تدفق اللاجئين السوريين إليها، مقابل 7 مليارات يورو، أدركت أنه لم يلتزم باتفاقه، وأن جزء كبيرا من أموالها لم تذهب للاجئين كما كان متفقًا عليه، بل لجيوب إردوغان وحزبه، ورشاوى انتخابية للأتراك على مدى سنوات.
ثاني المؤثرات، كان انهيار الاقتصاد التركي، الليرة فقدت 40% من قيمتها أمام الدولار، بسبب غباء السياسات الاقتصادية لأردوغان ورفاقه، ما أدى بالتبعية لارتفاع نسب البطالة والفقر والتضخم، وهو ما أثر سلبًا على حياة الأتراك، ليعلقوا شماعة الوضع على أقرب “عامل سلبيٍّ” في الجوار، ولم يكن أنسب من السوريين لتفريغ طاقة الغضب، بدعمٍ وتوجيهٍ ومباركة من أردوغان وحزبه واعلامه العنصري المتحفز.
ضرب سوريين في الشارع، تكسير محلات، تحطيم لافتات لمجرد كتابتها بحروف عربية، هكذا تجسدت حالة الكراهية والعنصرية والغضب التركي ضد السوريين المسالمين. في المقابل، لم يخرج أردوغان ليضع الأمور في نصابها، وليعيد توجيه الغضب الشعبي في اتجاه أكثر إيجابية، بعيدًا عن “ضيوف البلاد”، ولو شاء لفعلها، لكنه يدرك أن البديل سيكون هو. لابد من كبش فداء للجماهير، لا بد من ذبيحة، وإلا فستكون ثورة ضد حزبه ونظام حكمه مباشرة.
بكل الزوايا، لعبها أردوغان بدناءة. بعيدًا عن الوجه المتقنّع بشعارات الأخوة في الدين، والجيرة، والإنسانية. اللعبة لم تكن أكثر من دائرة مصالح. فالرجل الساعي للقلب خليفة المسلمين، قبض الثمن أولا من إظهار نفسه بمظهر الأخ المسلم الكبير، وثانيا من مليارات أوروبا، وثالثا إذ يقدم نفسه لشعبه، بأنه الرئيس الذي ينزل على رغبتهم، لتخليصهم من مزاحمة السوريين، لترجع بلادهم إليهم خالصة كما كانت.
مساءً، سيرجع التاجر لخزانته، ويتأمل أرباحه بجشع، لكنه سيدرك متأخرًا أنه في مقابلها.. خسر إنسانيته.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك