“الصمت الحقوقي” عن “جرائم الحرب” في عفرين

تواصل القوات التركية مع المجموعات السورية المسلحة تحت ما يسمى” الجيش الحر” ارتكاب الجرائم في منطقة عفرين بحق من تبقى من السكان المحليين، وتشمل هذه الانتهاكات المروعة أعمال القتل والخطف والتعذيب والمداهمات العشوائية والتهجير القسري ومصادرة الاملاك العامة والخاصة مع القمع الثقافي المنظم ضد الهوية الاجتماعية للسكان. هذه الانتهاكات تجري من قبل العشرات من الفصائل السورية المسلحة التي تعمل تحت راية القوات التركية بصورة مباشرة.
ما يجري في عفرين ومناطق “درع الفرات” في شمال سوريا من انتهاكات يومية تصنف في خانة الجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب من الاعتداء والاضطهاد الممنهج، ولا يقتصر هذا على القتل والنفي والسجن والتعذيب وإنما يأتي بدافع التهجير القسري لإتمام عملية التغيير الديمغرافي التي تخطط له حكومة تركية بصورة متعمدة. وتالياً يجسد نطاقاً ملموساً من سياسة” التطهير العرقي”.
مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، من خلال راصديه الميدانيين تمكن من رصد وتوثيق المئات من الانتهاكات من لحظة احتلال عفرين من قبل الدولة التركية، وجرى نشر الخلاصات الشهرية بدءا من حزيران 2018، تضمن تفاصيل دقيقة لمختلف الحالات وهي لا تمثل حقيقة 30% من الانتهاكات التي يخشى الضحايا البوح بها، خشية الانتقام من عائلة الضحية او الضحية نفسها، كما أن المعوقات الميدانية التي تفرضها الفصائل المسلحة مع الدولة التركية حول التحري والتقصي في مسار الانتهاكات تمثل عجزاً حقيقاً في كشف عن حقيقة الانتهاكات المروعة اليومية.
المركز ناشد من خلال العشرات من التقارير المنظمات الدولية والدول الفاعلة في الأزمة السورية للقيام بواجبها وطالبها بالتدخل لمنع ارتكاب المزيد من الانتهاكات والجرائم التي تطال المدنيين، جراء الممارسات الممنهجة ضد السكان المحليين، والتي تُرتكب من قبل الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا.
الصمت القانوني:
تردنا لحظياً ويومياً العشرات من الانتهاكات المرتكبة، والتي يخشى الضحايا او ذويهم كشفها خشية الانتقام منهم. وهي تكشف عن مدى فظاعة ممارسات القوات التركية والمليشيات المتشددة السورية المرافقة لها بحق السكان المدنيين في عفرين، من حيث التهجير والقتل والاعتقالات والسطو على الأملاك والتغير الديمغرافي الممنهج والتدمير البيئي، لتشمل كل الابعاد الحياتية بغرض التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي ضمن ما يسمى” الحل النهائي ” في جغرافية لا تخضع لنفوذها السياسي والقانوني والثقافي، أي إنها تتحرك وفق إرادة القوة والغطرسة والاحتلال لتوسيع نفوذها داخل الدول الجوار، مستفيدةً من الصفقات السياسية التي تحاك ضد الشعب السوري والكردي من جهة، ومن التجارب الإجرامية الدولية المعروفة والمترسخة في بنية تاريخها السياسي على شاكلة المجازر المرتكبة بحق الأرمن والكرد والعلويين وباقي القوميات والثقافات في بلاد الاناضول وكردستان منذ نشوء الدولة التركية المعاصرة بغرض صهر وتصفية كل المكونات الثقافية ضمن عقيدة دولة واحدة وقومية واحدة وأيديولوجية واحدة، تارة عبر التطهير الجسدي المباشر، وتارة تحت يافطة الصهر الثقافي والإبادة الاقتصادية والخضوع القهري للسكان المحليين، وكلا شكلين من حيث التعريف القانوني يصبان في بوتقة “الإبادة الجماعية”.
من المؤكد أن القائمين على هذا المشروع من الجهات التنفيذية بدءاً من القوات العسكرية التركية وأجهزة المخابرات والمليشيات المتشددة السورية والجهادية والجهات الخفية الموازية للدولة التركية والتي تتعامل فوق أي شكل قانوني، بحوزتهم خارطة طريقة واضحة المعالم لتنفيذ هذه المقاربة وفقاً ما نراه يومياً من الممارسات المروعة والجسيمة في عفرين، في حين تبدو موقف المؤسسات الحقوقية والمجتمع الدولي مشلولاً حيال هذه الانتهاكات دون أن ترتقي إلى مستوى هذا الحدث المروع. وكأن يراد من هذه المنطقة أن تكون مستباحة كلياً بدون أي حماية قانونية محلية كانت أو دولية.
الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال التركية مع مجموعات سوريا مسلحة كانت تقاتل سابقا تحت راية الجيش الحر أو داعش او القاعدة في عفرين خلال الفترة الممتدة من شباط 2018، حتى حزيران \يونيو 2019:
تم تهجير 300- 350 ألفا من سكان منطقة عفرين، منهم 50 ألف هجر بعد احتلال المدينة نتيجة تصاعد وتيرة الانتهاكات، وايضا هجر 95% من المسيحيين، ومن الايزيديين والعلويين نتيجة استهدافهم المباشر من قبل ميليشيات المعارضة بين خيار الاسلام او الاعتقال والقتل حيث دمرت الكنائس والمراكز الدينية للايزيدين والعلويين وتم نهب المحتويات وحرقها.
ومنذ تمكن القوات التركية والفصائل المسلحة الإسلامية في الـ 19 من آذار / مارس 2018، من احتلال منطقة عفرين بعد عملية عسكرية بدأت تحت مسمى “غصن الزيتون” في الـ 20 من كانون الثاني / يناير من العام ذاته لم تتوقف الجرائم بحق السكان، العملية العسكرية تمت بمساندة من مجموعات الذئاب الرمادية التركية والطائرات الحربية \1042 غارة\ والمروحية التركية وتسببت في دمار هائل في البنية التحتية وفي ممتلكات المواطنين وفي مجازر وقتل تسبب في استشهاد نحو 380 مدني بينهم 55 طفلاً و36 مواطنة، من المدنيين من المواطنين الكرد والعرب، العشرات منهم استشهد في انفجار ألغام وتحت التعذيب على يد فصائل عملية “غصن الزيتون”، وغالبيتهم ممن قضوا في القصف الجوي والمدفعي والصاروخي التركي، وفي إعدامات طالت عدة مواطنين في منطقة عفرين، وقتل تحت التعذيب، إضافة لجرح المئات وتشريد مئات آلاف آخرين، بقيت الانتهاكات والممارسات اللاإنسانية حصة من تبقى من سكان منطقة عفرين ممن رفضوا الخروج من المنطقة، وترك منازلهم ومزارعهم للقوات التركية والفصائل التي نهبت وعفَّشت وسرقت واستولت على ممتلكات المدنيين والممتلكات الخاصة والعامة في كامل منطقة عفرين.
مقتل ( 967 ) مدني (مواطن، مستوطن)، وقتل منهم تحت التعذيب 25 شخص.
الاعتقالات (5199) تضمنت توثيق (610) حالة تعرضت للتعذيب
حوادث الانفجارات\ألغام، مفخخات…\ بلغت 121.
المطالبات بفدية، والاختطاف: 377
الإصابات بجروح (1615\بينهم 179 طفل، 98 إمراة) نتيجة مداهمة المنازل أو شظايا المتفجرات أو نتيجة تعرضهم للضرب من قبل المسلحين.
قصف “الجوي” 1051″ غارة جوية…”المدفعي، هاون”…: 64 حالة قصف قرى آهلة بالسكان.
الاقتتال بين الفصائل: توثيق 180 حالة اقتتال داخلي بين الفصائل المسلحة داخل المدن
إصابات وقتلى الحدود: القتلى 434 لاجئ، بينهم ( 79 طفلا دون سن 18 عاما، و 53 امرأة) كما وارتفع عدد الإصابات بطلق ناري أو اعتداء إلى 360 شخصا.
مصادرة الملكيات الخاصة: توثيق مصادرة (1385) منزل وتحويل بعضهم إلى سجون أو مراكز عسكرية أو مسجد، كما وجرى توثيق (76) حالة حرق متعمد لممتلكات الأهالي (المنازل والمحلات وبساتين). وتوثيق هدم ( 115 ) منزل. جرف (1396) قبر.
المرافق العامة: تحويل (54) مدرسة ومركز تعليمي وخدمي إلى مقرات عسكرية.
مجموع نقاط التظاهر ضد الوجود التركي في سوريا بلغ 350 تظاهرة، في 21 مدينة سورية .
اضافة الى فرض الإتاوات تحت اسم الزكاة، وتهجير السكان من منازلهم لتحويلها إلى مسجد، إجبار الايزيدين على الصلاة و اشهار الاسلام تحت التهديد، منع الأهالي من التوجه لبساتيهم ومنع حصادها، مصادر أراضيهم واستثمارها والاستيلاء عليها وعلى ممتلكاتهم ومنازلهم. ومصادرة محصول الزيتون والأشجار واحتطابها وبيعها.
انتهاكات ترتقي لمستوى جرائم الحرب والجرائم الإنسانية التي بموجب القانون الدولي لن تسقط بالتقادم، ولن يفلت مرتكبوها من عقوباتها.
الحالات الموثقة بالاسم، والصور، والشهادات لا تمثل 30 % من حجم الانتهاكات التي تجري على الأرض. كما وأن المستوطنيين العرب يشاركون المسلحين السوريين في الاعتداءات وفي الاستيلاء على منازل المدنيين ورفض اخلائها وفي حصاد أراضيهم وجنى ثمار محاصيلهم واشجارها وهم يعتبرون مشاركون في تلك الجرائم و سيلقون تبعاتها القانونية والاخلاقية.
عفرين قبل الاحتلال التركي:
عفرين بنظر السياسة الواقعية كانت تسعى إلى حماية وجودها عبر إدارة شؤونهم الذاتية بصورة مشتركة بين الكرد والعرب وباقي المكونات الدينية المتنوعة في المنطقة في ظل الفوضى العارمة التي تشهدها البلاد، وكانت تعتبر نموذج مقبول في سوريا كي تؤسس نحو الاستقرار والأمن المنشود، وهي من أجل ذلك لم تمارس أي انتهاك ضد السكان المحليين أو ضد الدولة التركية بتاتاً، بخلاف التنظيمات الإرهابية التي كانت تستبيح الحدود التركية وتمارس أنشطتها الإرهابية على الشريط الحدودي داخل الأراضي السورية وتركيا سواء بعلم أجهزة المخابرات التركية أم بدون ذلك، هذه التنظيمات التي وثقت أكثر من الجهة الدولية والحقوقية والإعلامية بعلاقاتها المباشرة مع الدولة التركية هي من كانت تشكل الخطر الوجودي على السكان المحليين السوريين وحتى على المدنيين الأتراك وعلى العالم جمعياً، هذه المنظمات هي من تشكل الخطر الوجودي على الأمن المحلي والإقليمي والدولي، ونفس هذه التنظيمات الإجرامية والإرهابية من استقدمتهم أردوغان في غزو عفرين واحتلالها في والوقت الذي كان التحالف الدولي مع قوات وحدات حماية الشعب وقسد تحارب الإرهاب في دير الزور. ويلزم أن يتمركز جلىّ اهتمامنا وجهودنا السياسية والحقوقية لفضح هذه الازدواجية في احتلال عفرين، فذريعة ” الأمن القومي التركي” شكلت دعاية لا تملك أي سند واقعي بغرض إمعان الدولة التركية مع الفصائل المسلحة في تنفيذ سياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي تهرباً من قضية حقوق الكرد وباقي المكونات العيش ضمن وطنهم وفق إرادتهم السياسية والاجتماعية والثقافية. وهنا ليست ثمة فرق شاسع بين مصطلحين الإبادة الجماعية والتطهير العرقي تعباً للتفسير القانوني والاصطلاحي، فالأخير يعتبر جزء مباشر من سياسة الإبادة الجماعية والثقافية. وهو الأمر مدان وفق الاتفاقية الدولية المتعلقة بالإبادة الجماعية، وكذلك تعتبر منظمة اليونسكو أنّ القمع الثقافي المنظم شكل من أشكال الإبادة الجماعية.
من أهم المساعي التي تقوم بها الدولة التركية والفصائل المسلحة السورية المرافقة لها، أمام الجهات الدولية والرأي العام العالمي هو إخراج عفرين من إطار حماية القانوني الدولي، مستغلين في ذلك المعايير المزدوجة التي تنتشر في الساحة السورية، فمن الممكن أن نشهد في سوريا الجماعات السورية المحلية التي تمارس حقها الوجودي والديمقراطي في تدشين مؤسسات سياسية مدنية حرة ومدنية، ينحرمون بين ليلة وضحاها إلى عالم لا يشملهم القوانين الدولية فيما يتعلق بالحرب والسلم، في حين من المرجح أن يتمتع بعض الجماعات الإرهابية والاستبدادية بحصانة قانونية ما أو تتستر على جرائمها المنظمة عبر التغطية الدعائية والإعلامية والدبلوماسية والسياسة، عفرين كانت ضحية تلك السياسة النفعية الفجة والحسابات اليومية القذرة التي تنعدم فيها أي نوع من المعايير العقلانية والحقوقية والسياسية المستندة على القانون الدولي والاتفاقيات الدولية المعروفة من جنيف ولاهاي واتفاقية الإبادة الجماعية، ومن أجل ذلك كانت بمثابة مدينة مستباحة كلياً لا تملك أي مسند للحماية القانونية.
نحن في مركز التوثيق والانتهاكات في شمال سوريا واستناداً إلى مرجعيات دولية فيما يخص جرائم حرب وجرائم التطهير العرقي وجرائم ضد الإنسانية، بأن عفرين تعتبر كتلة اجتماعية موحدة تحتوى على الكرد والعرب وباقي المكونات الدينية والاثنية الأخرى، وبالتالي لا يمكن أن نفصل الحقوق الجماعية في التمتع بالحياة والحماية القانونية عن حقوق الافراد الذين يتعرضون يومياً إلى الانتهاكات المروعة، لأن المخطط اليومي الممنهج الذي نشهده حالياً لا يستهدف أفراد ومجموعات معينة بحد ذاتها، وإن كانت تتذرع بالضرب النخبة السياسية والتعليمية والمجموعات التي تمثل المقاومة في مواجهة الإرهاب والاحتلال، غير أن المحصلة النهائية وحسب الانتهاكات المروعة والأفعال المستمرة تفيد بأن ما ترمي إليها الدولة التركية هو استأصل المكون الكردي من منطقة عفرين بصورة قطيعة، سيما أن سياسة إحلال السكان الوافدين بدلاً من السكان الأصلين تجري على قدم وساق. وبالتالي نحن أمام منهجية التطهير العرقي” الترحيل القسري” في تنفيذ مخطط إبادة جماعية ضد الكرد في المقام الأول، وعلى الجهات المعنية والحقوقية أن تنظر إلى المسألة من الناحية الحقوقية بهذا المنظار، ولا تركز فقط على انتهاكات فردية هنا وهناك وكأنها انتهاكات فردية عشوائية لا تتضمن أفعال منظمة ضد الكتلة السكانية بعينها، لأن الرؤية السياسية التركية وبناء على أفعال ملموسة التي تقوم بها الفصائل المسلحة مع القوات المسلحة التركية تتركز على عقيدة القوة والعنف والحرب الدائم والترحيل القسري، حيث يعلنون يومياً في خطاباتهم التي تترجم فوراً إلى الوقائع الميدانية العسكري والعنفية ووفق هذه الصيغة”: يلزم تحطيم الكرد في سوريا بأي شكل كان وحتى لو نضطر أن نستخدم المجموعات الجهادية والإرهابية العالمية في سبيل ذلك المسعى”. وبالتالي هذه المنهجية ليست أخطاء فردية ترتكب شخص من هذا الفصيل أو مجموعة شاذة من فصيل عسكري أخر، فهذه المقاربة المنظمة تستهدف عفرين بتاريخها وجغرافيتها وناسها ومكوناتها و اشجار الزيتون ومياها ولقمة عيشها وكل ما يمت بالبيئة البشرية والحيوية في هذه الجغرافية.
حجة الدفاع عن النفس أو الأمن القومي:
ينص ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بالدفاع عن النفس، المادة 51، على ما يلي: ” ليس في هذا الميثاق ما يخل بالحق الأصيل في الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي إذا وقع هجوم مسلح ضد أحد أعضاء الأمم المتحدة، إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لصون السلم والأمن الدوليين “. ويدعي المسؤولون الأتراك أن أعمالهم في عفرين اتخذت وفقا لهذا الحكم. ومع ذلك، لم يتم شن “هجوم مسلح” ضد تركيا من عفرين، أو أي إقليم آخر في روجافا.
بالمقابل فأن تصريحات الرئيس التركي أردوغان كانت واضحة في الأيام التي سبقت العملية العسكرية من كونه سيشن حربا هجومية وليست دفاعا كما يدعي، كونه بالأصل لم يتلق اي تهديد . في مؤتمر حزبه الذي عقده في ايلازيج في منتصف كانون الثاني / يناير، قال: ” إذا لم يستسلم الإرهابيون في عفرين فإننا سنسحقهم”. وفي كلمة أخرى، قال معلق على تصريحات امريكية عن انشاء “قوة حدودية” في شمال سوريا، واعدا “بتدمير هذا الجيش الإرهابي في مهده”.. يوافق معظم المنظرين على أن التهديد الذي يتطلب اتخاذ إجراءات استباقية يجب أن يكون وشيكا، وأن تكون الاستجابة الوشيكة متناسبة. هذا المعيار لا يتحقق في عفرين. لم تواجه تركيا أي تهديد وشيك من قوات سورية الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والتي أكدت في عدة بيانات بأنهم ملتزمون بالدفاع عن النفس داخل سوريا. وبما أنه لا يوجد اي تهديد حقيقي، فإن رد تركيا – أي قصف المدن المدنية في جميع أنحاء المنطقة واستخدام الوكلاء الجهاديين لغزو الأراضي التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية – لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع القانون الدولي.
وعلى الرغم من المزاعم التركية على العكس من ذلك، فمن الواضح أن الدفاع عن النفس التقليدي أو الاستباقي لم يبرر إطلاق العملية. كما وأن تركية لم تبلغ مجلس الأمن الدولى – وهو شرط آخر فى المادة 51- عن أي خروقات على حدودها طيلة السنوات السابقة، وهي لم تبلغ مجلس الأمن أيضا بالعملية العسكرية.
استهداف المدنيين:
سير العملية العسكرية التركية لا يفي بالمعايير الدولية المتصلة بالحرب. فبموجب نظام روما الأساسي، فإن ” توجيه الهجمات عمدا ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد الأفراد المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية” يعتبر جريمة حرب. حيث كانت الطائرات التركية تقصف المناطق المدنية في عفرين. وقال مقدم في قناة “TRT نيوز”، وهي قناة تلفزيونية تركية تديرها الدولة، أكثر من مرة في بث أن القوات المسلحة التركية تستهدف وتقتل المدنيين في عفرين.
وفي 31 كانون الثاني / يناير، تم تسجيل إصابات في مدن عفرين وجندرس وراجو وماباتا وشيراوة وغيرها من المدن المدنية، وأشرطة الفيديو التي تبين تدمير القرى تظهر ذلك حيث اظهرت احدى المشاهد تدمير كامل لمنازل المدنيين في القرية ومسحها عن الوجود والقرية اسمها خالتا في ناحية شيراوا دمرت جراء القصف الجوي والمدفعي وهو ما يعتبر جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي.
ملكية ثقافية
تم استهداف المواقع التاريخية بشكل متعمد في عفرين. حيث توجد أربع مواقع أثرية لاقت نصيبها من القصف التركي الجوي على عفرين وهي ” تلة عندارا والمواقع الأثرية في نبي هوري المصنفين على قائمة “اليونسكو”، وقريتي كوبلة وعلبيسكة التي يتواجد فيهما العديد من الكنائس الأثرية. حيث تنص مبادئ القانون الدولي العرفي على أنه ” يجب إيلاء عناية خاصة في العمليات العسكرية لتجنب الأضرار التي لحقت بالمعالم التاريخية ما لم تكن أهدافا عسكرية [و] ممتلكات ذات أهمية كبيرة للتراث الثقافي لكل يجب ألا يكون الناس هدفا للهجوم إلا إذا اقتضت الضرورة العسكرية ذلك “. وقد دمرت القنابل التركية يوم الجمعة ما يقدر بنحو 60 في المائة من معبد المعبد الحثي في عين دارة، وهو موقع ثقافي عمره 3500 سنة، والعديد من الآثار التاريخية الأخرى. أدانت الحكومة السورية هذا الهجوم، وقارنت المصادر في عفرين بتدمير داعش لمواقع مثل تدمر. وبالنظر إلى تاريخ المعبد الطويل كان القصف التركي غير مبرر وغير قانوني.
كما وان في الفترات التالية للاحتلال تعرضت مختلف المناطق الاثرية والمعابد للتدمير والنهب والسرقة.
الأسلحة المحظورة
تشير تقارير عديدة إلى أن تركيا تستخدم أسلحة محظورة دوليا على سكان عفرين. وأكدت قيادات قوات سورية الديمقراطية ومصادر محلية، أن تركيا استخدمت النابالم ضد المدنيين، وقال الأطباء في مستشفى أرفين في عفرين أنهم شاهدوا “حروقاً غير طبيعية” على جثث المدنيين الذين قتلوا في راجو. وتزعم مصادر محلية أخرى استخدام الغاز والذخائر العنقودية. ويجب التحقيق في هذه الادعاءات، وإذا تأكدت، يجب اتخاذ الإجراءات المناسبة.
كيف يجب أن يستجيب العالم؟
يجب على جميع الدول الفاعلة في الشأن السوري لاسيما الولايات المتحدة وروسيا أن يتخذوا خطوات فورية لوقف الحرب وإنهاء تواطؤهم في جرائم الحرب التي ترتكبها تركية ضد المدنيين في عفرين والتي وصلت لحد التمثيل بجثث النساء وقتل الاطفال. حيث لم يكن قصف المدنيين ممكنا بدون الضوء الاخضر الروسي وفتح المجال الجوي السوري امام الطائرات التركية. كما وان هذه الطائرات تشتريها تركية من الولايات المتحدة. يجب على صناع السياسة في الولايات المتحدة أن يتصرفوا فورا لحظر مبيعات الأسلحة في المستقبل – وعلى جميع الحكومات الأخرى التي تستخدم معداتها العسكرية في العمليات التركية أن تفعل الشيء نفسه ولا سيما المانية. ويتعين على الدول التي تعمل بالفعل كشركاء لقوات سورية الديمقراطية على الأرض فى سوريا – وخاصة الولايات المتحدة وروسيا – أن تقدم مساعدتها فى عفرين بدلا من محاولة عكس مسارها والتعاون مع أردوغان.
وعلى المدى الطويل، يجب على الدول والمنظمات الدولية ذات الصلة أن تبدأ عملية المساءلة القانونية عن جرائم تركيا في عفرين. وفي حين أن تركيا ليست طرفا في نظام روما الأساسي، لا تزال هناك عملية لإحالة إجراءاتها إلى المحكمة الجنائية الدولية. وتنص المادة 14 من نظام روما الأساسي على أنه يجوز لأي دولة طرف في المعاهدة أن ” تشير إلى المدعي العام حالة يبدو أنها ارتكبت فيها جريمة أو أكثر من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة تطلب إلى المدعي العام التحقيق في حالة الغرض من تحديد ما إذا كان ينبغي توجيه تهم إلى شخص معين أو أكثر بارتكاب هذه الجرائم “.
ومن الواضح أن تركيا ارتكبت جرائم ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في عفرين. الصور ومقاطع الفيديو والشهادات من سكان المنطقة الذين يشهدون على الجرائم متاحة بحرية. فأي دولة من الدول ال 123 التي صدقت على نظام روما الأساسي يمكن – بل ينبغي أن تبدأ – بجمع الأدلة لإحالة. يجب على شعوب تلك الدول الضغط على حكوماتها للقيام بذلك.
إن تصرفات تركيا في عفرين هي أمثلة واضحة على جرائم ضد الانسانية، وفق منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية. وإذا كان العالم يؤمن بقيم مؤسساته، فإنه سيسمي هذه الجرائم على ما هي عليه، ويعمل على وقفها، ويضمن المساءلة.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك