تمسك إيران ببلدتي نُبُّل والزهراء أفسد خطط أردوغان في شمال سوريا

تسعى تركيا منذ فترة، وعلى خلفية فشل مشروعها في شرق الفرات، الذي توقعت تركيا نجاحا كبيرا فيه مع القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي بالانسحاب من سورية، عقب المكالمة التي جرت بينه والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. بنت تركيا آمالها وتوقعت لوهلة أنها ستكون البديل عن الوجود الأمريكي شرق الفرات، بذريعة الأمن القومي التركي، وذريعة أن كل الأكراد هناك هم إرهابيون.
تراجع البنتاغون، والبيت الأبيض عن خطوة الانسحاب، والتوجه لوجود طويل الأمد في شرقي الفرات، واستمرار دعم قوات سورية الديمقراطية دفع تركيا للعودة وإثارة ملف تلرفعت، ومنبج وتوقعت أنها ستنجح بمقايضة جديدة كما فعلت سابقا في صفقة حلب الشرقية، وصفقة الغوطة الشرقية.
كما ظهر من خلال اللقاءات والزيارات الكثيرة التي أجراها المسؤولون الأتراك الى روسيا، ومنها الزيارة الأكثر أهمية في ديسمبر 2018 حيث زار وفد تركي ضم وزيري الخارجية مولود تشاويش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن، اعقبها زيارات ضمن الفريق السابق والرئيس التركي كلها كانت تتمحور حول صفقة طرحتها تركيا بترك شرق الفرات، ثم ترك مدينة منبج ل تركيا على أن تسحب تركيا يدها نهائيا من ملف ادلب و غربي حلب لصالح قوات الحكومة السورية.
وبعد تصاعد المواقف الامريكية، وتراجعها عن خطوة الانسحاب، وقيام وحدات حماية الشعب بمناورة تزامنت مع زيارة ديسمبر من خلال إعلان الانسحاب من منبج وتسليمها ل مجلسها العسكري، مقابل انتشار لقوات الجيش السوري في المناطق الفاصل بين مدينة منبج والقوات التركية في الباب.. الخطوة شكلت نهاية لأطماع تركيا في التوغل في منبج في ظل بقاء قوات امريكية داخل المدينة، وفي محيطها الشمالي وقوات روسيا في الغرب والجنوب.
تلرفعت ظلت بيضة القبان بالنسبة لتركيا وكانت آخر آمالها لا سيما وان اهم وعد قطعه أردوغان على نفسه بعد استكمال السيطرة على عفرين، بوعد أطلقه للمسلحين السوريين بأن تلرفعت ستكون التالية، وأن الجيش التركي يتجه للسيطرة عليها قريبا.
ما ظهر أن روسيا لم ترفض مقايضة تلرفعت ومناطق مهمة في ريفي حماة وإدلب كما عرضت روسيا، لكن إيران كانت الرافضة لأي نوع من صفقات جديدة في ريف حلب الشرقي، حماية مدينتي نبل والزهراء. إيران لم تقبل أن يتم تكرار نموذج كفريا والفوعة في ريف حلب، لا سيما وأنها مناطق نفوذ قوية بالنسبة لها، وأن اي صفقة جديدة ستمنح تركية ومعارضتها السورية فرصة الانتعاش مجددا والعودة وتهديد حلب هذه المرة.
الأسباب التي تدفع إيران إلى الحفاظ على وجودها في نبّل والزهراء:
اللافت أن الصفقات التي رعتها تركيا بالاتفاق مع روسيا وإيران، انطوت على تغيير التركيبة السكانية لتلك المناطق عامة، يؤكد بعض المسؤولين الروس بأن الأوضاع في سوريا تتجه نحو الاستقرار باستثناء بعض المناطق في شمال غربي البلاد، لكن الواقع يجافي ذلك فالمعارك في حماه وادلب وريف حلب شردت خلال الاسابيع القليلة الماضية نحو مئتي الف شخص الى جانب مقتل نحو ألف شخص في مناطق المعارضة بينهم مئات الأطفال والنساء.
كما شهد ريف حلب الشمالي محاولة بعض فصائل المعارضة السورية وبالتعاون مع الجيش التركي السيطرة على بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي.
وتقع تل رفعت بالقرب من بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين و هاتان البلدتان تحاذي الطريق العام الذي يربط مدينة حلب ببلدة اعزاز الحدودية مع تركيا والتي تسيطر عليها المعارضة.
وتسعى تركيا بالاتفاق مع روسيا إلى فتح الطريق البري بين تركيا حلب بهدف تنشيط حركة التجارة، لكن تواجد إيران ومسلحين موالين لها في البلدتين الشيعيتين وانتشار وحدات حماية الشعب في تل رفعت يحولان دون ذلك.
وهناك عدة أسباب تدفع إيران إلى الإصرار على وجودها العسكري في نبُّل والزهراء فهما بمثابة قاعدة لها ومركز وجودها العسكري في ريف حلب الشمالي.
منع تكرار سيناريو الفوعة وكفريا
تعرضت بلدتا الفوعة وكفريا الشيعيتين في إدلب (عدد سكانها 7000 نسمة في عام 2015) للحصار منذ عام 2015، من قبل جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) وفصائل معارضة أخرى، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين المعارضة والحكومة بوساطة تركية وروسية لفك الحصار عنهما.
بموجب الاتفاق، تم إجلاء سكان البلدتين وبينهم مقاتلون موالون للحكومة السورية، في يوليو/تموز 2018، وجرى نقلهم إلى مناطق سيطرة الحكومة بحلب. وبالمقابل، خرج 1500 شخص من بلدتي مضايا والزبداني بريف دمشق، كانتا تخضعان لحصار خانق من قبل الجيش السوري ومقاتلي حزب الله لسنوات.
وبنهاية عام 2018، لم يبقَ شيعي واحد في إدلب، الأمر الذي يخشى الإيرانيون أن يتكرر في كل من نبُّل والزهراء.
وكانت وسائل إعلام موالية للحكومة السورية تحدثت عن ما يشبه صفقة بين روسيا وتركيا خلال جولة أستانة الحادية عشر، تضمنت تسليم بلدة تل رفعت (تبعد عن نبل 15 كيلو متراً) بريف حلب الشمالي إلى القوات التركية والمعارضة الموالية لها، مقابل تسليم بلدة جسر الشغور في إدلب والخاضعة لسيطرة المعارضة إلى القوات الحكومية.
وتتقاسم السيطرة على تل رفعت حالياً عدة أطراف، قوات الحكومة السورية ووحدات حماية الشعب الكردية والقوات الروسية ومليشيات تابعة لإيران وحزب الله اللبناني.
ويسكن في البلدة وريفها حالياً عشرات آلاف الأكراد المهجّرين من عفرين وقراها منذ مارس/آذار 2018.
ووقعت عدة اشتباكات في مايو/أيار الماضي في محاور تل رفعت بين القوات الكردية والفصائل المعارضة الموالية لتركيا، حيث تسعى تركيا إلى إزالة الوجود الكردي في تلك المنطقة وخاصة بعد نجاحها في السيطرة على عفرين وقراها، مما يسهل فتح طريق حلب- تركيا البري.
وتدرك إيران خطورة سيطرة القوات التركية ومن معها على تل رفعت، إذ يشكل ذلك تهديداً على الوجود الإيراني في البلدتين، إذ تسيطر حالياً الفصائل الموالية لتركيا على براد، أقرب قرية كردية إلى نبل، ولا تبعد عنها سوى 11 كيلو مترأً.
ويرجح خبراء، بأن الصفقة الروسية التركية هي بالدرجة الأولى لإضعاف الأكراد في تل رفعت ولربط مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” ببعضها لتشمل مناطق واسعة شمال غربي البلاد.
ويقول خبراء أن لا مصلحة لإيران بهكذا صفقة، وتتمسك بنبل والزهراء دفاعاً عن السكان الشيعة في البلدتين.
فقد أكد كيريل سيمونوف، خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية أنه “لا يستبعد اتفاق روسيا وتركيا على تبادل أجزاء من إدلب مع أخرى في محيط تل رفعت حفاظا على الاتفاقات المبرمة بينهما”.
وبحسب وسائل إعلام سورية، أعطى الرئيس السوري إيران، الضوء الأخضر لـ “تمركز سفن تابعة للبحرية الإيرانية في الميناء الرئيسي للبلاد، اللاذقية “. ولن تقبل إيران التي لعبت دوراً مهماً في إلحاق الهزيمة بالمعارضة السورية بالخروج من حلب وريفها بعد أن أنفقت الكثير من المال والأرواح في الحرب السورية.
أبرمت روسيا وتركيا عدة اتفاقات (أستانا وسوتشي) بشأن سوريا عامة والمناطق الشمالية خاصة.
ونصَّ اتفاق سوتشي الذي عُقد العام الماضي، على استئناف النقل عبر طريقي حلب – اللاذقية (M4 )، وحلب – حماه ( M5)، الدوليين قبل نهاية عام 2018، لكن الاتفاق لم يُنفذ إلا جزئياً.
وتسيطر فصائل المعارضة المدعومة الموالية لتركيا وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) على طريق حلب – اللاذقية من منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، مروراً بمدينتي سراقب وأريحا وجسر الشغور في ريف إدلب، إلى ريف اللاذقية الشمالي عند منطقة الناجية.
ويقول الخبراء إن تنفيذ الاتفاق الروسي التركي بشأن فتح الطرق الدولية، يتوقف على إقناع روسيا إيران بالانسحاب من نبل والزهراء من جهة وإجبار الأكراد على الخروج من تل رفعت من جهة أخرى للوصول إلى قلب العاصمة الاقتصادية، حلب.
وإذا تمكنت تركيا من السيطرة على الطريق العام الذي يربط حلب باعزاز، ودمشق بحلب، تصبح طرق التجارة سالكة أمام تركيا مروراً بحلب وصولاً إلى الأردن.
لكن يبدو أن تنفيذ هذا الاتفاق غير ممكن في الوقت الحالي بسبب الوجود الكثيف للميليشيات الإيرانية في نبل والزهراء وتل رفعت، كما وأن مماطلة تركيا وفشلها في تطبيق اتفاق وقف التصعيد في ادلب دفع روسيا للضغط اكثر من خلال إنشاء 3 نقاط مراقبة في تلرفعت وهو ما فسره مراقبون بضربة لمساعي تركية لتعزيز وجودها في ريف حلب الشرقي.
وتقع بلدتا نبُّل والزهراء في ريف حلب الشمالي، ويبلغ عدد سكانهما ما يقرب 70 ألف نسمة ، وتبعدان عن مركز مدينة حلب بـ 20 كيلو متراً على الطريق العام الذي يربط حلب بمنطقتي اعزاز وعفرين، أما إدارياً فتتبعان لاعزاز.
تعرضت البلدتان في عام 2013 لحصار دام ثلاث سنوات من قبل فصائل المعارضة (أحرار الشام وجبهة النصرة والجبهة الشامية) بعد أن سيطرت على محيط البلدتبن بالكامل باستثناء الجهة الشمالية التي كانت تحت السيطرة الكردية وكانت الإمدادات تصل إلى البلدتين من منطقة عفرين التي كانت خاضعة وقتها لسيطرة وحدات حماية الشعب.
وتمكن مقاتلون من حزب الله اللبناني ومليشيات تابعة لإيران من فك الحصار عن البلدتين في عام 2016 بدعم جوي من الطيران الروسي.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك