الأرمن في شمال سوريا متخوفون من إبادة جماعية ثانية على يد الأتراك


يتكون المجتمع الأرمني في شمال سوريا من أحفاد الأشخاص الذين تمكنوا من الفرار من الإبادة الجماعية فيما يعرف الآن بالجمهورية التركية قبل قرن من الزمن أو أولئك الذين نجوا من حملات الترحيل القسري خلال اقتيادهم من جانب القوات العثمانية إلى الصحراء السورية سيرا على الأقدام .
ومع تصاعد وتيرة التهديدات التركية ضد شمال شرق سوريا، حيث ينتشرون ويعيشون بسلام و شكلوا قوات عسكرية متحالفة مع وحدات حماية الشعب، قاتلوا جنبا الى جنب لحماية مدنهم من التهديدات التي تعرضت لها مناطقهم سواء أكانت من قبل الجيش الحر وتنظيم جبهة النصرة أومن قبل تنظيم الدولة الإسلامية، والتهديد الحالي الذي يعتبرونه الأكثر خطورة، كونه مرتبط بذاكرتهم ويثير مخاوف كبيرة لديهم، وهو التهديد القادم من قبل الدولة التركية والمجموعات السورية المسلحة التي تدعمها… وسط هذه الظروف يجد الأرمن أنفسهم مرة أخرى مجبرين على مواجهة هذا التهديد لذا أعلنوا مؤخرا عن تشكيل قوات خاصة بهم، حينما كانوا يقاتلون سابقا ضمن قوات السوتورو، المنضمة إلى قوات سورية الديمقراطية، حيث شاركوا بفعالية في معارك منبج ضد تنظيم الدولة، ومعركتي الرقة ودير الزور.
الصحفي التركي سردار كوروجو كان قد اجرى مقابلات مع عدد من الأرمن الذين غادروا مدينة حلب السورية للاستقرار في أرمينيا ودون قصصهم في كتاب صدر سنة 2018 تحت عنوان (أولئك الغائبون عن حلب).
ووصف الأرمن الذين فروا من حلب الوضع هناك بأنه إبادة جماعية ثانية. وقال كوروجو في مقابلة مع (أحوال تركية): “لقد كان الأمر مؤلما جدا بالنسبة لهم. ففي عام 2015، وفي الذكرى المئوية للإبادة الجماعية للأرمن، دمر تنظيم الدولة الإسلامية النصب التذكاري لضحايا الإبادة الجماعية الذي كان قد شيد في موقع معسكرات الاعتقال (العثمانية) في دير الزور. ونظر الأرمن إلى تلك الخطوة باعتبارها تهديدا مباشرا وعلنيا لهم”.
وخلال الحرب، أصبحت الأحياء الأرمنية في حلب معزولة عن بقية أجزاء المدينة. وقال كوروجو “بعض هذه الأحياء تقع وسط المناطق التي تسيطر عليها جماعات المعارضة وقوات (الرئيس بشار) الأسد، لذلك مع كل قصف من هنا أو هناك، تسقط القنابل على أحد الأحياء الأرمنية، وهو ما أسفر عن مقتل وإصابة الكثير من الناس، وكذلك تدمير المباني والكنائس”.
وأوضح قائلا: “الأقلية الأرمنية تدرك أنها تعيش في سوريا لمجرد أن أسلافهم كانوا يتمتعون بالحظ والرغبة في الحياة، وهو ما مكنهم من الفرار من الإبادة الجماعية والاستقرار في سوريا. ومن سخرية القدر أن تجد أبناء وأحفاد الناجين من تلك المأساة يعيشونها بدورهم بعد أن كانوا قد نشأوا تحت ظلالها طوال عمرهم”.
وقبل بدء الحرب في عام 2001، كانت التقديرات تشير إلى وجود ما يقرب من 50 ألف أرمني في حلب. وانخفض هذا العدد اليوم إلى أقل من 12 ألفا.
وفيما آثر بعضهم الهجرة إلى أرمينيا أو لبنان، لم يفكر أي منهم تقريبا في احتمالية الانتقال إلى تركيا المجاورة. ويقول كوروجو إن ذلك يشير إلى أن الفظائع التي ارتكبت بحق الأرمن في الماضي مازالت حاضرة في أذهان الأجيال الحالية منهم. وتابع قائلا “ليس من السهل عليهم الذهاب ببساطة إلى هناك، فلا تزال ذكريات الإبادة الجماعية مرتبطة جدا بتركيا حتى لو تغير مسمى الدولة. وتجنبهم لتركيا بالرغم من مرورهم بموقف حياة أو موت على بعد كيلومترات قليلة يدل على أن تلك الجروح لم تشف بعد”.
سردار كوروجو في لقاء آخر مع موقع المونيتور الأمريكي حول السبب الذي يمنع الأرمن من الذهاب إلى تركيا “لا يمكن أن يكون هذا بسبب انخفاض نسبة الأرمن، يجب أن يكون هناك سبب آخر”.
وأثناء بحثه في القضية، التقى الصحفي سردار بعدة أشخاص أرمن وسألهم “عندما تكون تركيا قريبة جداً، لماذا لا يأتي الأرمن السوريون إلى هناك؟” قالو له: “نعم، حدود تركيا قريبة جداً، ولكن السبب في ذلك هي الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915”.
ويضيف الصحفي “السوريون الأرمن هم الذين فروا إلى حلب من الأناضول منذ حوالي 100 عام, وما زالت ذكرياتهم بخصوص المذبحة حية جداً لدرجة أنهم قرروا عدم المجيء إلى تركيا”.
ويقول الصحفي سردار إن ذكريات المجازر جعلت الأرمن يختارون رحلات أكثر صعوبة وخطورة بدلاً من الذهاب إلى تركيا، مضيفاً أن بعضهم ذهب إلى لبنان وبعضهم إلى أرمينيا إلى جانب أولئك الذين فضلوا المخاطر للوصول إلى أوروبا.
وتحدث كوروكو مع 22 من الأرمن السوريين، 21 منهم استقروا في أرمينيا وقال له مانويل خسيسيان من حلب “لقد ولدت في حلب وولد أبي أثناء الهروب من المجازر, لقد استمعنا باستمرار إلى قصصهم الخاصة بالمذابح نحن نعرف جيداً ما قاله لنا أجدادنا. حيث قتل مليون ونصف المليون أرمني”.
وكل من تحدث معه كان لديه ذكريات مشابهة لذكريات خسيسيان, لقد استمعوا جميعاً إلى ذكريات وشهادات أجدادهم الذين تم ترحيلهم من الأناضول في عام 1915، وحول السفر الذي تعرضوا فيه لخطر الموت إلى أن وصلوا لسوريا، وكيف خسروا الكثير من الناس أثناء هروبهم وكيف تمكنوا بعد ذلك من تأسيس حياتهم في حلب, وفي إشارة إلى الحرب المستعرة في سوريا، قال كوروكو إنه “بعد 100 عام من المجازر تلقى هذا المجتمع ضربة قوية أخرى”.
وبحسب الكاتب ميشيل سيروب إن نزوح الأرمن بدأ منذ عام 1915 هربا من مجازر العثمانيين واستقروا في المدن الرئيسة في الحسكة وكوباني وتل أبيض ومنطقة عفرين الحدودية مع تركيا حيث استقبلوا بصدر رحب وبطيب خاطر، وهذا الأمر لغاية اليوم هو السبب الرئيس الذي يجعل الأرمني مَديناً لشعوب المنطقة.
ويضيف “لم يعمل الأرمن في الرعي والزراعة (إلا ما ندر)، عُرف عنهم عشقهم للحرفة والعمل في قطاع الميكانيك والصيرفة والمخابز، الجيل الثاني والثالث من الأرمن دخلوا المدارس وأكملوا تعليمهم العالي وبرعوا في مجالات عدة: كالطب والهندسة والصيدلة.
وينتشر الأرمن في المدن الرئيسية في الجزيرة هي القامشلي، الحسكة، رأس العين والمالكية وعامودا، والدرباسية والقحطانية\تربي سبي، إضافة إلى دير الزور والبوكمال والميادين وبعض مُدن الرقة كما سكنوا باعداد كبيرة في تل أبيض وكوباني حيث عمروا فيها ثلاث كنائس وفي منطقة منبج وجرابلس وعفرين وحلب وكسب…ولاحقا نزحوا باتجاه مراكز المدن الكبرى كدمشق لكن باعداد اقل فأغلبهم تركز في المحافظات الكبيرة القريبة من الحدود التركية كنوع من الرغبة في العودة للوطن.
وفقاً لإحصاءات عام 2010 يسكن القسم الأكبر من الأرمن السوريين في مدينة حلب إذ بلغ عددهم حينئذ حوالى 80 ألف نسمة، (كان عدد الأرمن في سوريا ذات يوم 250000) مع الأخذ بعين الاِعتبار بأن الأرقام غير دقيقة، فليس هُناك مصدر “مُستقل أو مُحايد” لاعتماد هذه الأرقام أو الإحصاءات بشكل دقيق. حتى أن الكنيسة الأرمنية التي تعتبر المصدر الرئيس للمعلومات لا يمكن الركون إليها، فهي تُحافظ على الأرقام القديمة للسكان ولا تُسقط من سجلاتها أسماء المهاجرين على أمل (عودتهم المرتقبة).
الحرب الأهلية في سوريا:
مع اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، فضل الأرمن التزام الحياد، والابتعاد عن الصراع، لكنّ توزّعهم الجغرافي أوقعهم في قلب المناطق الساخنة، وتعرضت مدنهم للهجوم من قبل فصائل المعارضة، لا سيما بلدة كسب في حلب ومناطق الحسكة.
ومنذ نشوب الحرب، وجهت مطرانية الأرمن الأرثوذكس في حلب وتوابعها جهدها نحو العمل الاجتماعي والإنساني، كرعاية الأيتام والمسنين والفقراء، المتحدّث باسم المطرانية جيراير ريسيان أكّد في عدة مناسبات أن «المدارس والجامعات والنوادي الثقافية والجمعيات الخيرية لاتزال تعمل، ولكن بوتيرة أخف ورفض وصف خروج الأرمن من سوريا حالياً بـ الهجرة: إذ يقول “لا نعتبرها هجرة لأن الغالبية رحلت لفترة مؤقتة وسيعودون فور انتهاء الأزمة”، مقدّراً نسبة اللاجئين لأرمن بـ «ما بين الربع والثلث من عددهم، لافتاً إنهم سيعودون حتماً إلى بلدهم”.
محي الدين غريب أرمني الأصل كان يعيش في منطقة راجو بقرية حاج خليل حيث تبنته عائلة كردية. حينما كان يبلغ من العمر 12 عاماً يقول “الدولة التركية تسببت بتهجير الآلاف من الأرمن من مناطق إلى مختلف أرجاء العالم بعد المجزرة التي ارتكبت بحقهم، هذه المجازر لم يشهد التاريخ الإنساني لها مثيلاً”.
أضاف “تركية سعت إلى إبادة الأرمن والقضاء عليهم بشكل كامل،و في يومنا الراهن تعيد الدولة التركية تاريخها مرة أخرى من خلال احتلال عفرين وارتكاب المجازر بحق الأهالي وتهجيرنا من أراضينا مرة أخرى.”
الشابة ديانا غريب قال إن جدهم كان يسرد لهم مشاهداته في ذلك الوقت عن المجزرة والممارسات الوحشية التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحقهم ومعاناة الشعب الأرمني، وأضافت “تركيا تواصل تاريخها الحافل بالدماء والمجازر”

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك