قرار أميركا البقاء في سوريا يُعمق الخلاف مع تركيا

بدأت الأمور تتكشف مرة أخرى. فبعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب القوات الأميركية من سوريا في ديسمبر، بدا حينها أن التقارب مع تركيا كان مرجحاً. الآن يبدو هذا التقارب أقل احتمالاً.
لقد كان ترامب، المعروف بأنه متقلب، ثابتاً في واقع الأمر في سوريا: فهو يريد انتزاع السيطرة على جميع أراضي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والانسحاب. تمكن مسؤولو إدارة ترامب من تجنب الانسحاب في أوائل العام الماضي، ويبدو أنهم قاموا بذلك مرة أخرى. يلقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باللوم على “الدولة العميقة” في إحباط ترامب. وربما يتفق ترامب على ذلك.
كان ترامب قد أشار إلى أنه بعد الانسحاب، ستقوم تركيا بإقامة منطقة عازلة في شمال شرق سوريا. ستضم هذه المنطقة أراضي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، وهي قوات كردية سورية تدعمها الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم داعش. وتقول تركيا إن وحدات حماية الشعب الكردية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض حرباً من أجل حكم ذاتي للأكراد في تركيا منذ عام 1984.
جاءت المؤشرات الأولى على التراجع في الأسبوع الأول من شهر يناير، عندما قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، وفي نهاية المطاف ترامب، إن القوات الأميركية ستبقى حتى تتأكد واشنطن من أن وحدات حماية الشعب الكردية لن تتعرض للهجوم. بحلول أواخر يناير، تحولت فكرة المنطقة الآمنة التركية إلى منطقة عازلة ضد تركيا.
ثم تفهمت كل الأطراف الرئيسة ما يحدث في ثلاثة مؤتمرات متداخلة في أسبوع واحد في منتصف شهر فبراير.
كان المؤتمر الوحيد الذي يتعلق مباشرة بسوريا في سوتشي بروسيا في 14 فبراير، وهو آخر جولة من المحادثات الروسية الإيرانية التركية التي بدأت في أستانا في يناير 2017. وفي حين تعاملت المحادثات بشكل أساسي مع شمال غرب سوريا، فإنها لم تسفر عن أي تقدم يذكر.
وأعاد بيان المحادثات الالتزام بالإصلاح الدستوري ومكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي السورية. في حين تعتقد موسكو أن هذا يضفي الشرعية على وجود تركيا في سوريا، تعتبر أنقرة أن ذلك ينتزع الشرعية من الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي نفس اليوم الذي انعقد فيه اجتماع سوتشي، اختتم مؤتمر الأمن في الشرق الأوسط الذي استمر يومين وشاركت فيه 60 دولة في وارسو ببولندا. كان هذا الحدث الغريب، على الرغم من التشويش، يركز على إيران. لم تُقنع الولايات المتحدة الأوروبيين بوجهات نظرها المعلنة بشأن إيران، كما أن تباهي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل الانتخابات بالعلاقات التي أقامها مع دول الخليج العربية لم يكن تماماً كما هو مخطط له.
أخيراً، قدم مؤتمر ميونيخ الأمني السنوي في الفترة من 15 إلى 17 فبراير، أكثر الإشارات بشأن الطريق إلى الأمام. ضغط السناتور الأميركي لينزي غراهام، حليف ترامب، على الأوروبيين لإرسال 1500 جندي إلى منطقة عازلة للفصل بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية والحيلولة دون ظهور داعش من جديد. وقال غراهام إن الولايات المتحدة ستترك 200 جندي لتقديم المعلومات الاستخباراتية والدعم.
وسرعان ما أكد ترامب أنه سيترك 200 جندي “لفترة من الوقت”. ثم وصل الرقم إلى 400 جندي. ثم لن يحدث ذلك، أو ربما سيحدث في نهاية المطاف. أصبحت الأمور مربكة بعض الشيء لبعض الوقت، لكن الأوروبيين لم يلتزموا بهذه الخطة في أي وقت.
لقد شعرت وحدات حماية الشعب الكردية بالارتياح إزاء هذه التطورات، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لتركيا. ومما زاد من مشكلات الولايات المتحدة وتركيا، تم مرة أخرى هذا الأسبوع اقتراح وقف تسليم الطائرات الأميركية من طراز إف-35 ما لم تقم تركيا بإلغاء صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400. وكان ملحوظاً أن هذا جاء من جنرال أميركي متمركز في أوروبا، كما كان رد أردوغان يتمثل في أن تركيا ستدرس أيضاً شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-500.
اندلعت مشكلة جديدة عندما قام ترامب بإزالة تركيا (والهند) من برنامج نظام الأفضليات التجارية المعمم. ولا تزال الخلافات بشأن فنزويلا على نفس المنوال. كما تدهورت الأجواء يوم الأربعاء عندما زارت السيدة الأولى ميلانيا ترامب مدرسة تديرها الشبكة الإسلامية لحركة فتح الله غولن، وهو رجل دين إسلامي تركي أميركي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب عام 2016.
ما التالي؟ على الأرجح، أكثر من الوضع الراهن: تعمل القوات الأميركية على حماية وحدات حماية الشعب الكردية السورية مع استمرار تضرر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا.
يجب أن تبدأ البدائل بثلاث حقائق سياسية: لن تقبل تركيا أبداً وجود وحدات حماية الشعب الكردية على حدودها، لذا فإن الجهود التي يبذلها الغرب لاستمرار ذلك تخلق فجوة سياسية مع حليف أساسي لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
إذا انسحبت القوات الأميركية وسمحت لتركيا بالاستيلاء على جزء من الأراضي في شمال شرق سوريا، فمن المحتمل أن يساعد ذلك على تحسن العلاقات بين أنقرة وواشنطن. ومع ذلك، قد يشمل ذلك أيضاً تشريد أشخاص بصورة تزعزع الاستقرار، وترك تركيا تواجه وحدات حماية الشعب ، في حين يستغل تنظيم داعش تلك الفوضى. من غير الواضح ما إذا كان يمكن للولايات المتحدة أن تبقى بعيدة عن هذا الوضع.
إذا كانت القوات الأميركية ستبقى وتستمر في كبح تنظيم الدولة الإسلامية ولا تعزل وحدات حماية الشعب الكردية وتصلح العلاقات مع تركيا، فإن إحدى الطرق هي خارطة طريق منبج المتمثلة في إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن المراكز الحضرية العربية، وتمكين الحكم المحلي بموجب ضمان أميركي – تركي وإبقاء تركيا خارج المناطق ذات الغالبية الكردية.
ويكمن الحل النهائي في التوصل إلى تسوية بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، لكن هذا لا يمكن أن يحدث على المدى القريب.
والمسار الآخر الذي يسلكه الأتراك للتعامل مع وحدات حماية الشعب مع الروس. تضغط موسكو من أجل دمج وحدات حماية الشعب، مع نظام الأسد.
الشيء الوحيد المؤكد في الوقت الراهن هو أن شيئاً لن يحدث قبل الانتخابات المحلية التي تجرى في تركيا يوم 31 مارس.
كايل أورتون

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك