خطة تركيا لانقاذ “النصرة في إدلب”….تفاصيل خطة أنقرة لتعويم “هيئة تحرير الشام” في إدلب

تشير كل المعطيات أنّ تركيا لديها خطة تتضمن تحويل تنظيم “هيئة تحرير الشام”\جبهة النصرة سابقا إلى مجموعة سياسية شبيهة بـ”حزب الله” اللبناني ودمج مسلحيها بالجيش الوطني شمال سوريا، وفرضها كأمر واقع…

وكانت “تحرير الشام” قد نفذت حملة عسكرية خلال يناير 2019 في إدلب وريف حلب الغربي ضد فصائل المعارضة الأخرى، وبنتيجها تمكنت من القضاء على حركة نور الدين الزنكي التي كانت أحد أقوى التشكيلات المنافسة في المنطقة، كما وتمكنت من بسط سيطرتها العسكرية على كامل محافظة إدلب وريف حلب الغربي… واتهمت تركيا بالوقوف وراء الحملة، لا سيما وأنّها التزمت الصمت أمام دحر الفصائل الخاضعة لها من قبل ” الهيئة” المصنفة كتنظيم “إرهابي” ولم يتأثر وجودها العسكري في المحافظة رغم ذلك.

وعلى الرغم من أنّ السلطات التركية صنفت رسميا “جبهة النصرة”، التي تسمي نفسها حاليا “هيئة تحرير الشام”، تنظيما إرهابيا في 31 أغسطس 2018، إلا أنّ أنقرة تحافظ على علاقاتها مع التنظيم وقادته.

ويبقى الموقف التركي حتى الآن غير واضح لجهة التعامل مع “هيئة تحرير الشام”. فهي تتحالف وتتعاون معها، كجسم أكثر تنظيماً وإدارةً في إدلب، ولا سيما بحماية تطبيق الاتفاقات التي عقدتها مع موسكو، وأهمها الاتفاق الأخير القاضي بتسيير الدوريات على طريق حلب – اللاذقية “أم 4″، تمهيداً لفتحه أمام الحركة الطبيعية. لكن ذلك لا يرضي موسكو ، فبقاء الهيئة باسمها وهيكليتها الحالية غير مقبول ، وهنا تسعى انقرة لإيجاد مخرج يحافظ على الهيئة التي ترفضها روسيا، والمجتمع الدولي، لجهة وسمها بالإرهاب، ما يحتّم عليها ترتيب تذويبها في أجسام الفصائل المتحالفة معها، أو إيجاد حل آخر، لا يكون للموجهة المباشرة مكان فيه.

وبالتالي فإن هنالك مسارين :
ـ فصل الهيئة عن فصائل المعارضة المعتدلة، أي تحييدها، وهذه عملية غير مجدية لتركيا، لأن الهيئة ككيان ستظل قائمة، وهذا يعني استمرار الضغوط الروسية، على اعتبار أن مذكرة اتفاق سوتشي تنص على محاربة الإرهاب، وهو أمر ينطبق على كل التنظيمات المدرجة على لائحة الأمم المتحدة كتنظيمات إرهابية، بما فيها “هيئة تحرير الشام”.

ـ دمج الهيئة مع فصائل المعارضة ضمن جيش موحد، وهذا الحل يخدم تركيا، لكنه أمر صعب للغاية، لما يتطلبه ذلك من تذرير الهيئة عمليا، ما لم تحدث انشقاقات عميقة في الهيئة تجعل من عملية التذرير أمرا واقعا.

خيارات الهيئة
لن يكون أمام الهيئة سوى خيارين: إما أن تقبل بالمقاربة التركية وتجري انعطافة سياسية وعسكرية كبيرة تجنبها أية مواجهة عسكرية محتملة مع الجيش التركي أو فصائل المعارضة، أو ترفض أية محاولة للمساس بها، مع ما يعنيه ذلك من حدوث مواجهات عسكرية مع تركيا.

باختصار، على الهيئة إما الاختيار بين المحافظة على تنظيم عسكري وأيديولوجي قوي، مقابل خسارة تركيا، أو تقزيم الهئية وتحويرها وجعلها جزءا من منظومة عسكرية متنوعة مقابل الحفاظ على علاقتها مع تركيا.

والهيئة تعي تماما أن لتركيا اليد الطولى في المنطقة وأنها تمتلك أوراقا كثيرة، منها الخناق المالي، ومنها عمليات الاغتيال للشخصيات التي تعترض على مقاربتها، ومنها سياسة القضم العسكرية البطيئة في مناطق سيطرة الهيئة.

ويبدو من المعطيات القائمة، أن الهيئة تلعب على الوقت على أمل حدوث متغيرات تستفيد منها، فهي تعلم أن القيادة التركية ليست الآن في وارد شن عمليات عسكرية ضدها بسبب تغلغلها بين المدنيين في القرى والمدن.

كما تمتلك الهيئة ورقة التنظيمات الإرهابية المتطرفة (حراس الدين، أنصار الدين، الحزب التركستاني وغيرهم)، حيث يمكن أن تلجأ إلى محاربة هذه التنظيمات الراديكالية، وبذلك توصل رسائل ذات صبغة سياسية للخارج، فضلا عن أن مثل الخطوة ستسمح للهيئة بتمرير الوقت.

تبدو خيارات تركيا و”هيئة تحرير الشام” صعبة بدرجة كبيرة: تركيا غير قادرة على التراجع بفعل الضغوط الروسية المستمرة، و الهيئة غير قادرة على التراجع وخسارة نفوذ صنعته منذ ثمان سنوات.

الحكاية من البداية
نص اتفاق سوتشي الذي توصل إليه الرئيسان: التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في 2018، على إبعاد جميع الجماعات الراديكالية المسلحة، ومنها هيئة تحرير الشام عن المنطقة منزوعة السلاح بعمق 15 – 20 كيلومترًا، إذ لم تقم به تركيا، ولم تنفذ هذا البند من الاتفاق؛ ما أدى إلى قيام روسيا بشن هجوم واسع النطاق تمكنت فيه من السيطرة على مساحات واسعة من مناطق المعارضة، حيث سيطرت على ثلاث مدن رئيسة، وهي معرة النعمان، وخان شيخون، وسراقب، بالإضافة إلى عشرات البلدات والقرى، وبهذا فرضت سيطرتها على الطريق الدولي «إم 5» بالكامل.

المعارك التي نشبت والنزوح الهائل إلى الحدود السورية التركية، شكل ضغطًا كبيرًا على أنقرة، التي رأت أن الهجوم يقوض جميع الاتفاقات السابقة، ومنها سوتشي وأستانة، لتبدأ أنقرة بإرسال جنودها وآلياتها إلى إدلب، وتقوم بتثبيت نقاط عسكرية جديدة في المحافظة، وتتطور الأحداث سريعًا بعد مقتل 33 جنديًا تركيًا جراء تعرض موقعهم لقصف مباشر من قبل قوات النظام السوري، فتطلق أنقرة عملية درع الربيع للانتقام لجنودها وتنفذ حملة قصف عنيفة استهدفت مواقع وآليات النظام السوري.

وانتهى التصعيد بالاتفاق المبهم الذي تم توقيعه بين أردوغان وبوتين في الخامس من مارس (آذار) 2020 في العاصمة الروسية موسكو، والذي أتى بثلاثة بنود لم تختلف عن اتفاق سوتشي السابق؛ ما يعني أنه على الأرجح هناك بنود مخفية واتفاقات لم يتم نشرها على العلن، ولكن وحسب تسريبات سبقت هذه الاتفاقية فقد كان الحديث عن مهلة روسية لأنقرة من أجل الالتزام بتعهداتها في القضاء على «تحرير الشام»، والتي تجد فيها تركيا منغصًا للعلاقات مع روسيا، وتهديدًا دائمًا للمدنيين في المنطقة.

أرتال لا تتوقف.. كيف تعيد تركيا تشكيل الخريطة؟
سمح مؤتمر الأستانة في كازاخستان عام 2017 لتركيا بإنشاء 12 نقطة مراقبة عسكرية لها في منطقة خفض التصعيد «إدلب» الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، وكانت مهمتها مراقبة وقف إطلاق النار وتوثيق الخروقات فقط، ومع العمليات العسكرية الروسية في المنطقة دخلت بعض هذه النقاط ضمن مناطق سيطرة النظام، رفض الأتراك فقي البداية سحب قواتهم والانسحاب منها لا بل وتعهد الرئيس التركي الجيش السوري بحرب عظيمة وانه سيقصفهم إن لم ينسحبوا، لكنه لاحقا تراجع عن ذلك، بدأ يتحدث أن سحب قواته من نقاط المراقبة مرهون بعود النازحين، ليتراجع عن ذاك الشرط كذلك ويبدأ بسحب جنوده من النقاط تبعا.

وعلى ذلك يكاد لا يخلو يوم بدون أن تدخل الأرتال العسكرية التركية الى إدلب وتنتشر في مساحات واسعة منها، وتضم هذه الأرتال عشرات الجنود، والآليات، والعربات، والمدرعات، وأيضًا الذخائر، والأسلحة، وغيرها من الأمور اللوجستية، إذ باتت تنتشر في أكثر من 44 نقطة عسكرية جديدة، وتتركز حول الطريق الدولي «إم 4».

من يحكم إدلب؟
عملت تركيا على منع تقدم النظام وروسيا في إدلب؛ لأنها تتخوف إذا ما تراخت في إدلب فإن الدور سيأتي على مناطق نفوذها المباشرة، وستكون في موقف صعب حينها للدفاع ربما عن حصتها في الكعكة السورية، إذا كانت تخطط للبقاء طويلًا في سوريا.

تحاول تركيا رسم واقع جديد مفاده أن ما تبقى من مناطق المعارضة شمال غرب سوريا ستكون تحت نفوذها المباشر، تمامًا كما هو الحال في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، أما إدلب فقد أصبح اسمها منطقة «درع الربيع»، هذا الواقع الذي رسمته أنقرة تم بأعداد هائلة من عناصر الجيش التركي وقطع عسكرية كبيرة مختلفة مع توزيع شامل على كامل خريطة إدلب بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام.

لا يوجد تصريح رسمي تركي عن أعداد جنودها الموجودين في إدلب، ولكن وحسب مصادر محلية فقد أكدت أن أعدادهم تصل الى 20 ألف جندي بينهم ضباط، وعناصر من الكوماندوس، وأعدادهم في ازدياد مستمر.

وشاركت هيئة تحرير الشام في العملية العسكرية التركية «درع الربيع» وقاتلت بقوة الى جانب «الجيش الوطني السوري» المدعوم من تركيا والجيش التركي أيضًا، حيث نفذت عمليات انتحارية بعربات مفخخة استهدفت خلالها مواقع عديدة لقوات النظام السوري.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك