تأثير الحملات العسكرية التركية على الكُرد

وقع حدثان جديران بالملاحظة في شهر يناير قد يؤثران على العمليات التركية عبر الحدود ضد كل من وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا وحزب العمال الكردستاني في كردستان العراق.
خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 23 يناير إلى موسكو، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تركيا أن تعيد تنشيط إتفاقية أضنة لعام 1998 مع سوريا. وبموجب الإتفاقية يمكن للقوات التركية في ظل ظروف معينة ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني لمسافة خمسة كيلومترات داخل سوريا. وقال أردوغان إنّه أحب الفكرة.
كان بوتين على الأرجح يدعو إلى العودة لاتفاقية أضنة كبديل عن المنطقة العازلة أو المنطقة الآمنة المقترحة التي يبلغ طولها 32 كيلومتراً والتي سبق أن ناقشها أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
لكن وزارة الخارجية السورية قالت إنّ سوريا سترحب بإعادة تفعيل اتفاقية أضنة “عندما يلتزم النظام التركي بالاتفاقية ويتوقف عن دعم وتمويل وتسليح وتدريب الإرهابيين وعندما يسحب قواته العسكرية من الأراضي السورية التي تحتلها”.
استولت تركيا على منطقة عفرين في شمال غرب سوريا من قوات حماية الشعب الكردية السورية في شهر مارس من العام الماضي. وقبل عام من استكمال القوات التركية عملية أخرى لطرد قوات تنظيم الدولة الإسلامية من المنطقة الحدودية وتوسيع وجودها في محافظة إدلب حيث تدعم آخر منطقة رئيسة يسيطر عليها مقاتلوا المعارضة ولا تزال صامدة ضد الرئيس السوري بشار الأسد.
ويشك المحللون في أنّ اتفاقية أضنة يمكن أن تكون بمثابة إطار لهجوم تركي على شمال شرق سوريا الذي تسيطر عليه وحدات حماية الشعب الكردية، وهي منطقة يطلق عليها الأكراد اسم روج آفا. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل من أجل الحكم الذاتي في جنوب شرق تركيا الذي تقطنه أغلبية كردية منذ عام 1984.
وقالت أليزا ماركوس، وهي محللة ومؤلفة في الشؤون الكردية “غزت تركيا عفرين وتدعم منطقة إدلب التي يسيطر عليها مقاتلوا المعارضة بقواتها الخاصة، وقد تم كل هذا دون الرجوع إلى اتفاقية أضنة، لذا فإنّ تركيا لا تحتاج في الواقع إلى التمسك بأي اتفاق إذا أرادت الدخول إلى روج آفا”.
وتابعت ماركوس قائلة “لا يبدو أنّ اتفاق أضنة يمنح تركيا الحق في الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها فعلياً، لذا فهي غير قابلة للتطبيق هنا.. في نهاية المطاف، تحتاج الاتفاقية إلى التصديق عليها وتجديدها بانتظام من الجانبين. لا يوجد مؤشر على أن سوريا ترى في الوقت الحالي أنّ الاتفاقية، التي تم التصديق عليها آخر مرة في عام 2011، لا تزال سارية”.
وقال وزير الخارجية التركي الأسبق يشار ياكيش إنّ اتفاقية أضنة ليست هي القضية.
وأضاف ياكيش لموقع (أحوال تركية) “إذا كانت هناك إرادة سياسية لدى كل من الجانبين التركي والسوري للتعاون، فلن يحتاجا إلى إعادة تفعيل اتفاقية أضنة.. يمكنهما فعل ذلك دون إطار عمل”.
وتابع قائلاً “المشكلة بالنسبة لتركيا هي أنّها ما زالت تستخدم الخطاب المناهض للأسد ذريعة لعدم التعاون مع دمشق.. والأسد ليس أقل معارضة للتعاون مع تركيا. لذلك، يبدو أن هناك انغلاقاً مزدوجاً. هذه هي الخلفية النفسية للمشكلة”.
لكن في حين يبدو أن الأسد ينتصر في الحرب الأهلية، قد تضطر تركيا إلى تكييف سياستها.
وقال ياكيش “كانت إشارة بوتين إلى اتفاقية أضنة تهدف إلى اقتراح مخرج لتركيا من المأزق الذي تجد نفسها متورطة فيه”.
وقال مصطفى غوربوز، وهو زميل غير مقيم في المركز العربي في واشنطن، إنّ اتفاقية أضنة لا تنطبق على الظروف الحالية.
وقال غوربوز “أولاً، كانت اتفاقية أضنة تستند إلى عمليات عسكرية مشتركة، وليس إجراء أحادي الجانب عبر الحدود ولن توافق دمشق على إنشاء مناطق آمنة من قبل الجيش التركي.. ثانياً، الشرط المسبق لنظام الأسد لإحياء اتفاقية أضنة يتمثل في ضرورة أن تنسحب تركيا من الأراضي السورية، وهو عكس ما تريده تركيا تماماً”.
وقال ياكيش إن؟ تركيا أكدت مراراً وتكراراً التزامها بوحدة أراضي سوريا وأكدت أنّها لا تطمع في أي جزء من البلاد.
وأضاف ياكيش “أنّ أنقرة ستصبح أكثر إقناعاً إذا كانت ستكمل هذا الالتزام بإعلانها عن استراتيجية خروج من سوريا.. وبعبارة أخرى، بإبلاغ المجتمع الدولي عندما تعتقد تركيا أنّ مهمتها في سوريا ستعتبر قد أنجزت.. إذا بقيت القوات التركية على الأراضي السورية لفترة طويلة، فقد تتعرض لحرب استنزاف”.
كما تسلطت الأضواء على الأنشطة التركية ضد حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق في 26 يناير، عندما هاجم متظاهرون أكراد غاضبون في خطوة لم يسبق لها مثيل حقاً، أحد قواعد الجيش التركي في إقليم دهوك.
كانوا يحتجون على مقتل ستة مدنيين في الأسبوع السابق بسبب الضربات الجوية التركية. وقُتل اثنان من المتظاهرين العزل خلال الحادث وأضرمت النيران في أجزاء من القاعدة.
ولسنوات عديدة نفذت القوات الجوية التركية غارات جوية ضد أهداف يشتبه أنّها تابعة لحزب العمال الكردستاني في جبال كردستان العراق، كما نفذت تركيا عدداً من التوغلات البرية هناك.
كانت تركيا قد أبرمت اتفاقات إبان فترة حكم صدام حسين للعراق سمحت لها بملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني خارج الحدود.
وقال جويل وينج، مؤلف مدونة تأملات بشأن العراق “في عام 1978 أبرمت تركيا والعراق اتفاقاً سرياً سمح لهما بالتوغل لمسافة تسعة أميال في أراضي الطرف الآخر لملاحقة الجماعات الكردية”. وتابع قائلاً “في عام 1984، أبرم البلدان اتفاقاً آخر سمح لكل دولة بالتوغل لمسافة 18 كيلومتراً في أراضي الطرف الآخر لمحاربة الجماعات الكردية”.
وقال وينج إنّ تركيا لديها الآن 20 قاعدة داخل العراق وتقصف أهدافاً لحزب العمال الكردستاني داخل شمال العراق كل أسبوع. في الوقت الذي تنفذ فيه تركيا بانتظام توغلات في العراق ضد حزب العمال الكردستاني، كان رد فعل الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان صامتاً.
وقالت ماركوس إنّه في حين كانت تركيا تتمتع بحق الملاحقة الساخنة في العراق، إلا أنّ ذلك لم يتضمن الحق في إبقاء القوات في البلاد.
وأضافت ماركوس أنّ الاحتجاجات في دهوك والضغط من السلطات الكردية العراقية وحكومة بغداد يمكن أن يجعل تركيا تحد من أفعالها في المستقبل القريب، لكن لا يوجد سبب يدعو إلى الاعتقاد بأنّ تركيا ستنهي حملتها الجوية ضد قواعد حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق.
وقال غوربوز إنّ حادثة دهوك كان مثالاً على الكيفية التي يمكن أن يستغل بها حزب العمال الكردستاني الغضب الكردي من تصرفات تركيا.
وأردف قائلاً “الخطر الأكبر هو أنّ محاولة الجيش التركي للقضاء على حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق قد تضفي الشرعية على حزب العمال الكردستاني عن غير قصد على أنّه المدافع عن الأكراد، الأمر الذي قد يكون له تأثير عكسي في منطقة جنوب شرق تركيا الكردية”.

بول إيدن

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك