المبررات القانونية لإقامة منطقة آمنة في سوريا

ينبغي على أي مناقشة بشأن فرض منطقة حظر جوي أو منطقة آمنة أو منطقة عازلة مماثلة داخل سوريا، أن تقوم بتحليل المبررات القانونية الممكنة لمثل هذا الإجراء. ويعني ذلك التطرق لمختلف القوانين المعمولة بها والصلاحيات التنفيذية داخل الحكومة الأمريكية، وآليات الأمم المتحدة ذات الصلة، والمسألة الأوسع نطاقاً المتعلقة بالدعم الدبلوماسي الدولي.

الاعتبارات القانونية المحلية

كان “التفويض باستخدام القوة العسكرية” الذي صدر بتاريخ 18 أيلول/ سبتمبر 2001 المحرك القانوني الأساسي الذي مكّن الولايات المتحدة من شنّ عمليات ضدّ تنظيم «القاعدة» [في ذلك الحين]، وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») مؤخراً. وقد طمأن وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر المشرعين خلال شهادته أمام “لجنة الخدمات المسلحة” في مجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 9 كانون الأول/ ديسمبر 2015 إلى أنّ هذا “التفويض” أساس قانوني كافٍ لجميع العمليات ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية»، بما في ذلك في سوريا. وبالتالي، قد يبدو أنّ مسألة إقامة منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي بهدف عرقلة خطوط الاتصال الخاصة بـ تنظيم «داعش» تقع ضمن السلطة القانونية المحلية القائمة لإدارة أوباما والتي تتيح لها شنّ عمليات ضد التنظيم.

وتستطيع الإدارة الأمريكية القول إنّ أنشطتها تدعم قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يدعو بشكل خاص إلى المساعدة الإنسانية داخل سوريا، وذلك لتبرير الأهداف الأدنى الهامة للمنطقة، ألا وهي حماية المدنيين ووقف تدفق اللاجئين السوريين المزعزع للاستقرار إلى تركيا وأوروبا. للولايات المتحدة سوابق كثيرة فيما يتعلق باستخدام أفراد عسكريين لمساعدة المحتاجين في الكوارث الطبيعية أو الحروب (على سبيل المثال، الإنزالات الجوية في البوسنة و”عملية توفير الراحة” في شمال العراق).

ولكن الهدف الضمني القاضي باستخدام منطقة آمنة لممارسة الضغط على نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس يشكّل مشكلة أكبر. وقد يكون فشل تحالف الأسد في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وإتفاق ميونخ من 12 شباط/ فبراير أحد المبررات السياسية لهذا الهدف – وكانت روسيا قد وقّعت على الإتفاق الأخير، كما أنّ كلاً من موسكو وطهران طرف في القرار رقم 2254. بالإضافة إلى ذلك، وثّقت العديد من التقارير الإعلامية عملية سرية بإدارة “وكالة الاستخبارات المركزية” لدعم المعارضة المسلحة ضدّ نظام الأسد. وبموجب سياسات العمل السري للولايات المتحدة، ينبغي أن توافق لجان الكونغرس المعنية على مثل هذه الأنشطة. ولا يرقى ذلك إلى مصاف موافقة قانونية من الكونغرس، بل يشكل دليلاً داعماً (وإن كان غير مباشر نظراً لتصنيف لجنة “الاستنتاجات” بشأن هذه المسائل) لفكرة أنّ الأجهزة المختصة في الكونغرس قد وافقت عموماً على جهود الإدارة الأمريكية لمساعدة المعارضة.

وينبغي أن تكون السلطة الدستورية للرئيس الأمريكي كقائد أعلى للقوات المسلحة والمادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (الذي أنشأ الحق الأصيل في الدفاع عن النفس) أسباب كافية لتبرير الإجراءات الدفاعية لحماية المنطقة الآمنة والعناصر المتمركزة فيها. ولكن من المؤكد أنّ هناك حدود لذلك، فمن غير المرجح أن يشكّل “التفويض باستخدام القوة العسكرية” الصادر في عام 2001 وسيلةً تسمح بشن هجوم وقائي على أنظمة الطائرات والدفاع الجوي الروسية أو السورية بناءً على مبررات حماية منطقة تهدف إلى التخفيف من قدرة تنظيم «الدولة الإسلامية».

وأخيراً، سيكون من الحكمة بمكان أن تتّخذ الإدارة الأمريكية خطوات متناسقة مع “قانون سلطات الحرب” – أي إخطار الكونغرس ودفعه لأن يأذن بعملية ضمن المدة المحددة بما بين ستين وتسعين يوماً. ومن شأن هذه المقاربة أن تشير أيضاً إلى جدية الولايات المتحدة أمام حلفائها وأعدائها على حد سواء.

الاعتبارات القانونية الدولية

كجزء من تقرير “معهد دراسات الحرب” لشهر تشرين الثاني/نوفمبر بعنوان “خيارات الولايات المتحدة فيما يتعلق بمنطقة حظر الطيران في سوريا” نشر “المعهد” التحليل الأخير، وربما الأفضل، للجوانب القانونية الدولية لفرض منطقة حظر جوي. ولو افترضنا بصورة معقولة أنّه لن يكون ثمة أي تفويض من قبل مجلس الأمن الدولي لإقامة منطقة مماثلة، تتضح ثلاثة مبررات قانونية محتملة:

·         قرارات مجلس الأمن بشأن تنظيم «الدولة الإسلامية»: هنا يستشهد “معهد دراسات الحرب” بقرار مجلس الأمن رقم 2170، والذي يخوّل الدول بالتحرك ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، والذي على أساسه قامت الولايات المتحدة وغيرها من دول التحالف بشنّ عمليات عسكرية في سوريا دون الحصول على إذن من دمشق. ومع ذلك، يمكن إيجاد حجة قانونية أفضل في قرار مجلس الأمن رقم 2249 – الذي تمّ اعتماده بعد سلسلة من الحوادث الإرهابية المرتبطة بـ تنظيم «داعش» والتي بلغت أوجها مع هجمات باريس – الذي حثّ الدول الأعضاء على “اتخاذ جميع التدابير اللازمة، وفقاً للقانون الدولي، ولا سيما ميثاق الأمم المتحدة، والقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، واللاجئين، والشؤون الإنسانية، في الأراضي الواقعة تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، في سوريا (مع التشديد عليها) والعراق، وكذلك مضاعفة جهودها وتنسيقها لمنع وقمع أي أعمال إرهابية يقوم به تنظيم «داعش» على وجه التحديد.” وقد حثّ القرار نفسه الدول الأعضاء أيضاً “على تكثيف جهودها لوقف تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى العراق وسوريا”؛ وبالطبع سيكون ذلك أحد الأهداف المحددة لإقامة منطقة حظر جوي.

·          قرارات مجلس الأمن بشأن سوريا. هنا يستشهد “معهد دراسات الحرب” بقرار مجلس الأمن رقم 2118، ولكنّ القرار الأخير رقم 2254 هو أكثر انطباقاً لأنّه يضغط لوقف إطلاق النار ويدعو إلى تقديم المساعدة الإنسانية للسكان السوريين (المادة 12). وقد شكّلت قرارات مماثلة بشأن العراق في عهد صدام حسين غطاء ضمني لإقامة مناطق حظر جوي فوق البلاد – ولم تنشئ القرارات نفسها المناطق موضع البحث، ولكنّ شكواها العامة إزاء وجوه القلق في المجال الإنساني والتهديدات للسلام النابعة من العراق ما بعد عام 1991 عملت على تبرير العمليات التي شنتها الولايات المتحدة وأطراف أخرى دون مواجهة اعتراضات قانونية كبيرة.

·         “مسؤولية الحماية”. هذا المبدأ ليس قائماً في القانون الدولي، ولكن تمّ استخدامه لتبرير القيام بعمليات دون قرارات صادرة عن مجلس الأمن، ولا سيما في كوسوفو في عام 1999. ومرة ​​أخرى، يخوّل قرار مجلس الأمن رقم 2249 اتخاذ “جميع التدابير الضرورية” ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية»، من بين أمور أخرى، وفقاً «للقانون الدولي لحقوق الإنسان، واللاجئين، والشؤون الإنسانية» – وهذا اعتراف صريح بمبرّر “مسؤولية الحماية.”

وقد يكون ثمة مبرران قانونيان آخران ذو أهمية وغير مذكوريْن في تقرير “معهد دراسات الحرب”. أولاً، في حال تجاهل نظام الأسد وشركاؤه وقف الأعمال العدائية الذي دعا إليه اتفاق ميونخ – الذي تمّ التفاوض عليه تحت مظلة قرار مجلس الأمن رقم 2254 وغيره من القرارات، وهذا أمر مرجّح جداً – فإنّ مثل هذا “الانتهاك” قد يبرّر حجة “القوة القاهرة”. فعلى سبيل المثال، تستطيع واشنطن أن تؤكد أنّ الأطراف الغير راغبة في الالتزام باتباع أي تفاهمات وإتفاقيات دولية بشأن قضية الحرب والسلم، وبالتالي السماح للدول الأخرى باتخاذ إجراءات تصبّ في مصلحتها. وعلى وجه الخصوص، تَستخدم المادة 13 من القرار رقم 2254 أقوى عبارات ممكنة “للمطالبة” بوضع حدّ للهجمات على المدنيين.

ثانياً، يمكن بناء حجة قوية على واقع أنّ “حلف شمال الأطلسي” يواجه حالة طوارئ على جبهتين: الأولى هي أنّ تركيا، إحدى الدول الأعضاء، قد تتورط في أعمال عدوانية مباشرة وواسعة النطاق مع روسيا وغيرها من الأعضاء في تحالف الأسد، والثانية أنّ أزمة اللاجئين السوريين قد يكون لها أثر سلبي على جناح الحلف الأوروبي بأكمله. وسيضفي هذان التهديدان على ما يبدو الشرعية على التحرك الأمريكي والدولي المحدود لإنشاء منطقة لحماية المدنيين، وطرد تنظيم «الدولة الإسلامية»، والعمل بمثابة منطقة عازلة بين تركيا وجبهة الأسد.

الاعتبارات السياسية والدبلوماسية

في الوقت الذي يكون فيه التبرير القانوني المحلي لإقامة منطقة حظر جوي واضح المعالم، ليس هناك شكّ في أنّ الوضع أقل وضوحاً بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، ثمة مبررات قانونية كافية في قراريْ مجلس الأمن رقم 2170 و2249 ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، والقراريْن رقم 2249 و2254 بشأن دعم الجهود الإنسانية لمساعدة اللاجئين، أقلها توفير دوافع لـ “منطقة رمادية” مقنعة تتيح اتخاذ إجراءات. وفي ظل هذه الظروف، تصبح المكانة التي تحتلها التحركات الأمريكية ضمن المجتمع الدولي بالغة الأهمية. وتمتلك واشنطن حالياً ورقة رابحة مهمة، لأنّ سوريا وروسيا هما على الأرجح الطرفان اللذان سيطعنان في إقامة منطقة كهذه على أسس قانونية، وكلاهما على قائمة أكبر المخالفين للقانون الدولي، مباشرة بعد كوريا الشمالية.

ولكن مع ذلك، ينبغي أن يلتزم أي إجراء أمريكي بمبادئ معينة لكسب تأييد دولي واسع. أولاً، يتعين على الولايات المتحدة ضمان دعم إجراءاتها الفعلية لأقوى الحجج القانونية – وعلى وجه التحديد تلك التي تبرّر طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» وتوفير ملاذ للاجئين والمشردين داخلياً. كما ينبغي عليها فرض وقف لإطلاق النار داخل المنطقة ومنع جماعات المعارضة، حتى “الودية” منها، من شنّ هجمات انطلاقاً من المنطقة. وبالمثل، ينبغي على العناصر الأمريكية القيام بتدريب قوات المعارضة وتجهيزها في مناطق أخرى.

ثانياً، يجب أن تلتزم واشنطن بمبدأ التناسب في قانون الحرب، إذ سيتمّ اعتبار اتخاذ أي إجراء يتخطى الدفاع المباشر عن النفس ضدّ الأسد وحلفائه كعمل غير متناسق مع الهدف المعلن لإقامة المنطقة موضع البحث.

وفي هذا الصدد، وحتى إذا تم إنشاء منطقة آمنة، يتعين على الولايات المتحدة مواصلة عملية التفاوض ضمن “المجموعة الدولية لدعم سوريا”، متمسّكة بنصّ وروح اتفاقيات جنيف، وفيينا، وميونخ. وفي الوقت نفسه، ينبغي عليها تجنيد أكبر عدد ممكن من أعضاء التحالف المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» للمشاركة الرمزية – على الأقل – في عمليات المنطقة مع قوات من الجيش الأمريكي وشريكه الأساسي، تركيا. كما يتوجب عليها الدفع نحو إصدار إعلانات دعم رسمية من هيئات دولية مثل منظمة “حلف شمال الأطلسي” وجامعة الدول العربية – نظراً للمخاطر في سوريا، ولبنان، والعراق.

وأخيراً، يجب على واشنطن أن تحثّ روسيا على المشاركة في هذه المبادرة، فالأهداف الصريحة من إقامة المنطقة ستكون متناسقة مع مواثيق الأمم المتحدة وغيرها من الإتفاقيات التي وافقت عليها موسكو بشكل رسمي. ومع أنّه من غير المرجح أن يوافق الكرملين على تلبية هذه الدعوة، فإنّ القيام بعرض مماثل سيضعف أي مزاعم روسية بشأن طبيعة المنطقة “العدوانية.”

جيمس جيفري

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك