أردوغان بين صفقة الصواريخ الروسية وتهديدات البنتاغون.. ومصير “المنطقة الآمنة” شمال سوريا؟

يبدو أن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تندرج تحت وصفها التاريخي «استراتيجية»، مع تزايد حدة المواجهة بينهما بشأن منظومة الدفاع الروسي إس-400 التي يتمسك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمضي قدماً فيها وتهديدات البنتاغون بـ»عواقب وخيمة» إذا ما تمت الصفقة. صحيح أن العلاقات بين واشنطن وأنقرة تعرضت من قبل لعثرات عديدة تم تجاوزها وصحيح أيضاً أن الملفات الخلافية بين البلدين عديدة ومتنوعة، لكن منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض وهوة الخلاف بين الحليفين في اتساع متسارع، فهل تكون الأزمة الحالية نقطة النهاية في تلك العلاقات؟
العلاقات أسوأ بكثير مما تظنون
موقع فورين بوليسي الأمريكي كان قد نشر تحليلاً مطولاً حول مستقبل العلاقات بين واشنطن وأنقرة بعنوان «العلاقات الأمريكية-التركية أسوأ بكثير مما تعتقدون«. التحليل تناول تاريخ العلاقات بين البلدين عضوي حلف الناتو ومحطات الهبوط والصعود في تلك العلاقات، ملقياً الضوء على أهم نقاط الخلاف وهو الملف الكردي. «مع نهاية الحرب الباردة.. ظن الرئيس التركي وقتها تورغوت أوزال أنه حال أثبتت تركيا ثقل وزنها كحليف سيكون لها رأي أكبر لدى الولايات المتحدة التي أصبحت القوة العظمى الأوحد في العالم في تشكيل أوضاع المنطقة. لذلك كان أوزال من أبرز الداعمين لعاصفة الصحراء وفتح قاعدة أنجيرليك الجوية أمام الجنود الأمريكان ونقل 100 ألف جندي تركي من الحدود البلغارية إلى الحدود العراقية وضغط لكي يتم نشرهم في العراق بجانب القوات الأمريكية. بل إن هناك مزاعم تدعي أنه طلب من الرئيس جورج بوش دعمه لضم الموصل وكركوك..» «ولكن بدلاً من ذلك خسرت تركيا أكثر مما كسبت حيث أعادت أمريكا وبريطانيا تفعيل منطقة حظر الطيران حول شمال العراق مما جعل المنطقة بفعل الأمر الواقع تحت حماية الطيران الأمريكي والبريطاني، كما أصبحت المنطقة مرتكزاً يشن منه حزب العمال الكردستاني هجماته في جنوب غرب الأناضول، والعامان اللذان تليا حرب الخليج هما الأكثر دموية في حرب تركيا ضد الحزب الكردي التي استمرت لعقدين كاملين من الزمن، وهذه حقيقة لا تغيب عن أذهان الأتراك الذين يؤمن الكثير منهم – عن صواب أو عن خطأ – أن اللوم يقع على واشنطن سواء بالإهمال أو بالتواطؤ!»
الصدام قادم
الأمور الآن أصبحت أكثر تعقيداً في ظل إصرار أنقرة على المضي قدماً في إتمام الصفقة الروسية، مخاطرة بألا تتسلم طائرات إف-35 الشبح المقاتلة، التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، ويمكن أن تواجه عقوبات بمقتضى قانون أمريكي يُعرف بقانون التصدي لخصوم أمريكا من خلال العقوبات. وفي واحدة من أقوى التصريحات بشأن القضية حتى الآن حذَّر البنتاغون الجمعة 8 مارس/آذار 2019، من «عواقب وخيمة» على العلاقات بشكل عام، والعلاقة العسكرية بشكل خاص بين الولايات المتحدة وتركيا، إذا قامت أنقرة بشراء نظام إس-400. وقال القائم بأعمال المتحدث باسم الوزارة تشارلي سومرز «لن يستطيع (الأتراك) الحصول على صواريخ باتريوت وطائرات إف-35». لكن أردوغان استبعد إلغاء الصفقة مع روسيا، مصرحاً: «إنه محسوم. لا يمكن التراجع أبداً عنه.. لن يكون هذا أخلاقياً».
الملفات الخلافية أصبحت عصية
من جانبه أكد الكاتب الصحفي سيد جبيل أن مستقبل العلاقات بين البلدين يبدو غير مبشر نتيجة للخلاف الأزلي في الملف الكردي بين الطرفين. «واشنطن تنظر للأكراد في العراق وسوريا وإيران على أنهم حليف هام لتنفيذ المصالح الأمريكية في المنطقة، خصوصاً مع ازدياد سخونة الموقف مع طهران. أما بالنسبة لتركيا فإن القضية الكردية تعد مسألة حياة أو موت، فالأكراد يمثلون نحو 20% من سكان تركيا وكردستان الموجودة على حدود الدول الأربع (العراق وسوريا وإيران وتركيا) يبدو أنها تمتلك مقومات دولة وبالتالي يستحيل أن يسمح أي نظام تركي بوجود دولة كردية لما يمثله ذلك من تهديد على الأمن القومي للبلاد. وأضاف جبيل لعربي بوست: «الملف السوري أيضاً يشهد خلافات حادة بين واشنطن وأنقرة مما جعل تركيا تقترب أكثر من الموقف الروسي، وهذا ينذر بزيادة حدة الأزمة أو بالأحرى الأزمات في ظل ردود أفعال الرئيس الأمريكي وتهديداته المستمرة والتي كان آخرها إنهاء اتفاقية التفضيل التجاري لصالح تركيا هذه الأيام».
ما هي السيناريوهات المحتملة؟
يرى المراقبون أن سيناريو إشعال فتيل الأزمة يعتبر بعيداً عن الواقع لأسباب كثيرة، ولكن السيناريو الأقرب ربما يكون فرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة. جبيل يعتقد أن الأقرب قيام واشنطن برفع التعريفة الجمركية على كل الواردات التركية ضمن حزمة أخرى من الإجراءات. «يمكن أن تحرم واشنطن البنوك والشركات التجارية من التعامل مع السوق الأمريكية. تستطيع فرض حظر على أنشطة رجال الأعمال الأتراك ويمكنها فرض حظر على نقل التكنولوجيا للجيش التركي.. إلخ». وعن مدى تأثير مثل تلك العقوبات اقتصادياً وسياسياً على أنقرة، يضيف جبيل: «لو نظرنا لتأثير ما قامت به إدارة ترامب من رفع التعريفة الجمركية على الصلب التركي العام الماضي وانعكاس ذلك على الليرة التركية التي هبطت هبوطاً حراً وما زالت تعاني منه، يمكننا رؤية مدى الضرر المتوقع من جراء حزمة أكثر عنفاً من العقوبات. «أما التأثير السياسي فغالباً ما يكون أقل لسبب واضح وهو قدرة أردوغان على الفوز في أي انتخابات سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محلية كالمتوقعة آخر الشهر الجاري. صحيح أن هناك معارضة تركية ولكنها منقسمة على نفسها وبالتالي من المستبعد أن يخسر الحزب الحاكم أي انتخابات، خصوصاً في ظل استخدام أردوغان للتراشق اللفظي مع ترامب ليبدو أن أنقرة وواشنطن ند لند على غير الواقع بالطبع، فالفارق هائل بين الدولتين من حيث الناتج القومي والقوة العسكرية والنفوذ السياسي».
روسيا تحتل حيزاً أكبر في الصورة
موقع المونيتور الأمريكي كان قد ألقى الضوء أيضاً على التقارب الروسي التركي في الملف السوري عقب اتصال هاتفي أجراه وزير خارجية أنقرة مولود جاويش أوغلو بنظيره الروسي سيرغي لافاروف في خضم محادثات أمريكية-تركية بشأن سوريا، معلقاً بأن هذا يعد «أحدث الإشارات على أن «أنقرة وواشنطن لا تزالان على خلاف ميؤوس من تخطيه بشأن كيفية المضي قدماً في المنطقة». وطبقاً لتقرير المونيتور فإن المكالمة كانت قد تمت بناء على طلب تركيا في وقت يتزايد فيه غضب أنقرة من تردد إدارة ترامب في أن تسمح للجيش التركي بالاحتفاظ بوجود عسكري قوي في شمال شرق سوريا، حيث يسيطر الأكراد (حلفاء واشنطن)، وتظهر التقارير الصادرة عن القوة التركية الأمريكية المشتركة المنوط بها وضع خطط سحب القوات الأمريكية من المنطقة بأن الاجتماعات بين الجانبين لا تسير بشكل جيد. روسيا بالطبع ستكون المستفيد الأكبر حال وصل قطار العلاقات بين أنقرة وواشنطن إلى محطته الأخيرة في المستقبل القريب لأسباب يعرفها الجميع، أهمها وجود موطئ قدم قرب المياه الدافئة.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك