قوة لم يضعها أردوغان في الحسبان!.. تراجع تركي عن غزو شرق الفرات

تناول بيان مجلس الأمن القومي التركي الأخير تقييماً عاماً لنشاط الإرهاب في المنطقة، في الوقت الذي لم يتطرق فيه للحديث عن أي تحرك عسكري تركي محتمل في شرق الفرات.
ومع هذا، تظل حاجة أردوغان قائمة للدخول في مغامرة عسكرية جديدة من أجل حشد الجماهير التي تعاني من الأزمة الاقتصادية خلفه، بما سيلقيه على مسامعهم من خطب حماسية خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية.
لم يغب الحديث عن المسألة السورية في بيان مجلس الأمن القومي التركي فحسب، بل لم يعد أردوغان يتطرق في أحاديثه الميدانية كذلك عن العملية عسكرية في منبج أو ضرورة تطهير شرق الفرات من الإرهابيين كما اعتدنا منه.
من ناحية أخرى، توقفت الصحافة الموالية للنظام عن نشر صور الدبابات والعربات المصفحة المتجهة إلى محافظة هطاي الحدودية؛ أي أنّ المناخ العام في الدولة تحوَّل، بين عشية وضحاها، من الحديث عن الحملات العسكرية والحروب إلى مناخ سلمي لا تكاد تُذكر فيه كلمة حرب…
في رأيكم ما سبب هذا التحول المُفاجئ؟
الواقع أنّ أردوغان لديه رغبة حقيقية في الدخول إلى شمال سوريا، ليس فقط لتحقيق الفوز في الانتخابات، وإنما ليدخل التاريخ باعتباره الزعيم الذي استطاع تحقيق حلم الميثاق الوطني، الذي يعتقد أن مصطفى كمال اضطر إلى التخلي عنه. وهو يريد، من أجل ذلك، أن يطبق الأسلوب الذي اتبعه من قبل في شمال قبرص وعفرين؛ بأن يدخل إلى شمال سوريا، ويتولى إدارة هذه المنطقة لسنوات، ثم يلحقها بالأراضي التركية بعد ذلك.
وقد سبق وكشف أردوغان عن نيته الحقيقية عندما تحدَّث عن توطين أربعة ملايين عربي، موجودين في تركيا الآن، في هذه المناطق. يريد أردوغان، من وراء ذلك، أن يُصفي الوجود الكردي في هذه المنطقة بالكامل، من خلال تنفيذ عملية تطهير عرقي مصغرة، يقوم من خلالها بإبدال ساكني هذه المنطقة بسكان جدد من العرب.
ألم تقف تركيا موقف المتفرج أثناء تعرض كوباني لهجوم داعش، بل ألم يُقدَّم الدعم لداعش منذ البداية من أجل الهدف نفسه؟ وتركيا لن تبالي حتى إذا تسبّب العرب في إحداث أية مشكلات، فإنّ القادة الذين سيأتون بعد 100 عام سوف يحلونها.
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن…
كان بوتين أول من عارض قيام تركيا بعملية عسكرية داخل سوريا، ودعا تركيا، بدلاً من هذا، أن تدير وجهها نحو دمشق، وتجلس مع الأسد، ثم ما لبث أن بدأت الأصوات الرافضة للتدخل العسكري التركي تتعالى داخل الكونغرس الأميركي أيضاً؛ فقد عارض السيناتور جون كينيدي والسيناتور بوب ميننديز تخلي الولايات المتحدة عن الأكراد، بعد أن وقفوا إلى جوارها في حربها ضد تنظيم داعش الإرهابي، محذرين إياها من احتمال إقدام تركيا على ارتكاب مذابح بحق الأكراد، في حالة إقدامها على هذه الخطوة.


(السيناتور كينيدي: لا أريد لحلفائنا الأكراد أن يُقتلوا. لا أريد أن أرى أردوغان، وهو يذهب إلى هناك، ويقتل الأكراد الذين دعمونا بقواتهم حتى انهزمت داعش، والذين يؤمنون بالديمقراطية)

(السيناتور ميننديز: لا يمكننا أن نبعث برسالة إلى العالم أنّنا استخدمناكم من أجل تحقيق أهدافنا الخاصة، ثم تركناكم تواجهون الموت بمفردكم في ميدان المعركة)

تلى ذلك تصديق مجلس الشيوخ على طلب تقدم به حزب الرئيس ترامب، تحت قيادة الجمهوريين، بمعارضة انسحاب الولايات المتحدة من سوريا وأفغانستان.

حدث كل هذا في ذات الوقت الذي تحوم فيه الشكوك حول تورط رئيس الولايات المتحدة في قضية “التجسس لصالح روسيا”، واحتمال البدء في إجراءات عزله عن منصبه إذا ثبت ذلك. لذلك كان مجلس الشيوخ هو القوة الوحيدة التي يمكن أن يعتمد عليها ترامب الآن، بعد أن خسر الكثير من دعم حكومته، كما أن تأييد مجلس الشيوخ لأي قرار سيُمَرَّر من مجلس النواب، الذي يهيمن عليه الديمقراطيون، قد يؤدي به في النهاية إلى السجن، وليس فقدان منصب الرئاسة فحسب.
أضف إلى هذا أنّ هناك أيضاً رأياً عاماً أميركياً؛ حيث بدأت القنوات التليفزيونية الأميركية، عقب قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، في بث أخبار مكثفة عن الأكراد الذين يقاتلون ضد داعش.
وبالتوازي مع هذا، ظل الإعلام الغربي، منذ بداية الحرب ضد داعش، يبرز صورة المرأة الكردية باعتبارها رمزاً للحرية، وليس المرأة المسلمة المضطهدة. ولا يجب أن ننسى أنّ هناك قيادات نساء تقاتل في صفوف قوات سوريا الديمقراطية الموالية لواشنطن.
وعلى الجانب الآخر، يوجد عدد من الدول مثل إسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة تبدي انزعاجها من تعزيز تركيا وإيران وجودهما في المنطقة، ولكل دولة من هذه الدول لوبي لا يستهان بقوته في واشنطن.
وهذا يعني أنّه في حالة إقدام تركيا، بدعم من روسيا، على تنفيذ عملية عسكرية داخل الحدود السورية، فمن المؤكد أنّ خطوة كتلك ستثير ردود أفعال عنيفة من جانب الرأي العام الغربي، بما في ذلك الرأي العام في أميركا؛ بدرجة لا يمكن لترامب أو أي رئيس آخر التصدي لها، أو التكهن بما سيترتب عليها من نتائج ستطال تركيا بالتأكيد.
وعلى الطرف الآخر، لم تكن التصريحات التي أدلى بها الناطق الرئاسي إبراهيم كالين منطقية، بما يكفي، لتهدئة الرأي العام. من المؤكد أنّ واشنطن تتفهم جيدًا حجم الهواجس الأمنية لدى تركيا، ولكن السؤال الآن هل تتفهم واشنطن، بنفس القدر أيضًا، إقدام تركيا على تطهير شمال سوريا من الأكراد؟ أشك في هذا.
ربما لم تعد تركيا، التي أصبحت بلد الصوت الواحد، تلك الدولة التي تولي اهتماماً بضغوط الرأي العام، ولكني أريد أن أذكِّر هنا فقط بتجربة كوسوفا والبوسنة.
وفي النهاية، قد تنجر تركيا، التي تعاني من هزات اقتصادية عنيفة في الوقت الراهن، تحت زعم تأمين مستقبل الدولة، إلى مستنقع لن يمكنها الخروج منه.

إرغون باباهان صحافي تركي، درس في كلية القانون بجامعة اسطنبول بين عامي 1977 و1981. ثم أكمل التدريب المطلوب لمزاولة مهنة المحاماة في إزمير، قبل أن يعمل لفترة وجيزة في مجال القانون.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك