لا مكاسب لـ أردوغان مع بوتين… ولا مع ترامب

إذا لم يَحدُث ما يحول دون انعقاد القمة المُقرّر عقدها اليوم بين الرئيس الروسي والرئيس التركي، فإنّ مباحثات موسكو لن تُفضي إلى نتيجة مُريحة لأردوغان، وخاصة أنّ جدول أعمالها لن يكون مُكرّساً فقط للملف الذي بات يُقلِق الرئيس التركي, وهو”مشروع المنطقة الآمنة. بما هو مُقترَح تركي “نجح” أردوغان أخيراً في تسويقه لدى ترمب كما يدعي.

فإذا ب ترامب يبدأ التراجُع عنه، ما أثار غضب أنقرة حيث ذهب أردوغان يصف المُخطّط أميركياً لتلك المنطقة “بأنّه سيُحوِّلها إلى مستنقَع ضد بلاده» كما في إقليم كردستان شمال العراق، وهو أمر أعلن أنّه “لن”يسمحَ به.

فما الذي تغيّر على النحو الذي لم يستطع أردوغان الصمت إزاءه؟ وخصوصاً في الوقت الذي ما يزال «يَستدرِج» عروضاً أميركية, ويعِد واشنطن إذا ما قدّمَت له دعماً لوجستياً, فسيقوم بالقضاء على داعش، مُكرّراً «تعهداتِه” بأنّ الأمن سيَعم منبج في ريف حلب الشرقي, وسيُسلّم المدينة لأهلها “وهي أمور محققة الآن دون وجود أردوغان فيها….وهي غير مُؤكّدة بل مجرد وعود بلا مصداقية أو رصيد, بل تشبه تلك التي قطَعَها أردوغان عشية غزوتيه للأراضي السورية «درع الفرات”و “غصن الزيتون” حيث احتفل مؤخراً بالذكرى الأولى لاحتلال عفرين السورية، زاعماً إنّ تركيا هي “الضامِنة لوحدة الأراضي السورية، ولن تسمح بحدوث تقسيم في سوريا»، وهي أقوال لا تسندها وقائع عملية التتريك العنصرية، المتواصِلة في المناطق السورية المُحتلّة، سواء في جرابلس أم في عفرين والأرياف، والمدن الأخرى حيث يفقد الأمن والاستقرار في ظل الفوضى والفلتان الأمني.

ثمّة ما سَرّبته صحيفة «خبر تورك» التركية، المقربة من دوائر الاستخبارات التركية جاء فيها: إنّ الولايات المتحدة أعدّت مع روسيا (…) خطة مُشترَكة، تتضمّن إقامة منطقة حُكم ذاتي للكُرد شرق الفرات، وكمقارَبة لحل المسألة الكردية في سوريا.

تفاصيل متهافِتة تعود إلى عام مضى، اتّكأت عليها الصحيفة لتمرير خبرها غير البريء، والإيحاء بأنّ موسكو وواشنطن “عاكِفتان”على إقامة حكم ذاتي كُردي في مناطق شرق الفرات. وكي تدفع الصحيفة بنظرية المؤامرة قدماً، فإنّ الصحيفة التركية تزُجّ اسم المُستشرق الروسي الشهير فيتالي نعومكِن كأبٍ روحي لهذه الخطة. وتمضي في سرديتها غير المُقنِعة واصِفة نعومكن بأنّه المسؤول أمام الرئيس بوتين عن سياسات الشرق الأوسط(..) وهو وصف غير دقيق، في ضوء طواقم الخبراء الدبلوماسيين الروس المُخضرمين، الذين يتوّلَون مهمة مُعقّدة وحساسة كهذه. وإن كان من الحكمة عدم التقليل من دور ومكانة «المدير العِلمي» لمعهد الاستشراق الروسي فيتالي نعومكن، الذي عَمِل وللتذكير فقط مستشاراً سياسياً للمبعوث الأُممي السابق، دي ميستورا في العامين الماضيين حتى استقالة الأخير.

ما علينا.. الضَجيج التركي المتصاعِد في شأن المنطقة الآمنة، التي يبدو أنّها لن تكون على قياس طموحات وأطماع أردوغان الساعي لاستعادة “ميراث أجدادِه” في المنطقة العربيّة، وصاحب اقتراح إنشاء المنطقة الآمنة وخاصة بعد تراجُع واشنطن (ولو مؤقتاً) عن منح أنقرة ضوءاً أخضر، للمضي في خطة اجتياح شرقي الفرات والسيطرة على منبج.

ما بالك أنّ موسكو أعلنت صراحة وبوضوح رفضَها إقامة منطقة كهذه، وقالت على لسان رئيس دبلوماسيتها لافروف في مؤتمر صحافي، كرّسه للإضاءة على إنجازات الدبلوماسية الروسية: إنّ المناطق التي ستُخليها القوات الأميركية “يجِب” أن تعود إلى سيطرة الحكومة السورية الشرعية واعلنت عن دعمها للحوار بين الأكراد والحكومة السورية، وأنّها مستعدة للتواسط لإنجاحه.

فكيف يُمكن أن تدعَم موسكو (وتحديداً بالتنسيق مع واشنطن، التي وصلت علاقتها بها إلى أدنى مستوى، وأعلى درجات التوتّر منذ انتهاء الحرب الباردة…وربما قبلَها؟). وكَم حريٌّ أن يُنفّذ الرئيس التركي التعهدات التي التزمها في إتفاقه مع الرئيس الروسي في سوتشي الخاص بإدلب، ويبادر إلى «تطهير» المنطقة مَنزوعة السلاح فيها. بدل أن يطلب دعم الرئيس بوتين لاجتياح جحافله منبج وشرق الفرات التي يتبجّح وزير دفاعه بالقول: “إنّ خِططنا واستعداداتنا جاهزة بشأن العمليات في منبج وشرق الفرات”، فيما يصرِف النظر هو ورئيسه عن إرهابيي إدلب، وتغوّل هيئة تحرير الشام/النصرة، التي تقوم حكومتها المزعومة (حكومة الإنقاذ) بممارسة سطوتها على مساحة 80%من مساحة محافظة إدلب، المولَجة أنقرة مُهمّة تنظيفها من الإرهابيين.

نحسب أنّ قمّة بوتين وأردوغان لن تُسفِر عن نتيجة تُذكَر، رغم كل ما سيُقال من تصريحات وما تقتضيه المجاملات البروتوكولية والتقاليد الدبلوماسية، إذ إنّ الهوّة آخذة في الإتساع بين ضلعي ثلاثي استانا…بعد أن واصَل أردوغان سياسة المراوَغة ولعبة شراء الوقت…تمهيداً لفرض أمرٍ واقعٍ ميداني…تماماً كما فَعل ويفعَل في جرابلس وعفرين..أما “أمر العمليات” الأميركي….فيبدو أنّه لن يصدر عن واشنطن…..رغم طمأَنة مايك بومبيو المراوِغ هو الآخر….نظيره التركي التزام بلاده الاستجابة لِمخاوِف تركيا تأمين حدودها مع سوريا مع ضمان حمايَة حلفائِها الكُرد.
محمد خروب

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك